الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقول الموت العراقية ... وحكاية آخر من يعلم ؟

داود البصري

2003 / 5 / 29
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                       

يبدو أن موسم التبريرات وخلق الأعذار قد زادت سخونته هذه الأيام التي أعقبت التأكد التام والنهائي من السقوط  الكامل للنظام الصدامي السابق والبائد وتهاوي كل القناعات العربية خصوصا التي صورت المواقف في العراق على غير حقيقتها ! ، ويبدو أيضا أن سحب المواقف السلبية السابقة من كفاح الشعب العراقي  لنيل حريته وإنعتاقه قد أضحى اليوم حالة بارزة من الحالات السائدة في العالم العربي ؟ ، لذلك كانت المداخلة الأخيرة للأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى  والتي صبت في إطار الإعتذار الواضح عن مواقف رسمية سابقة ومعادية للمواقف الشعبية العراقية موغلة في عدائيتها ومدافعة بشكل ضمني واضح عن النظام البائد مما إنعكس على حالة العلاقات العربية العامة ، وصب الزيت المغلي على نار العلاقة المتوترة أصلا بين الكويت والأمانة العامة والتي وصلت لمواقف سياسية وإعلامية حرجة من شتائم وغمز ولمز وتهديد بالإنسحاب ! قبل أن تتكفل التطورات الميدانية في العراق عبر إنكشاف المقابر الجماعية البشعة التي  قام بها نظام صدام البائد وهزت الضمير العالمي والإنساني ، وأحرجت مواقفا لأطراف عديدة كانت تتعاطى مع النظام رغم كل المعلومات التي كانت توفرها المعارضة الوطنية العراقية السابقة للرأي العام العربي والدولي .. ولكن لاأحد يسمع أو يقرأ أو حتى يتعظ ؟ وهي محنة كبيرة كنا نعانيها نحن الذين عملنا في القطاع الإعلامي الحر المعارض ؟ فلا أحد كان يصدق ؟ وحتى من يعرف الحقائق كان يحرص أشد الحرص على تصنع الجهل لأغراض معروفة وموثقة ولاداعي لإثارتها حاليا ! ، ونحمد الله على أن الحقائق قد فرضت نفسها رغم كل تعتيم السنوات السابقة ورغم كل عذاب المعاناة الشعبية ؟ ولكن المشكلة أن العراقيين ليسوا من السذاجة ولا البساطة ليصدقوا إدعاءات وتبريرات ليست قابلة للتصديق وخارجة عن سياقات المنطق العقلاني السليم ؟ ، وخصوصا حينما يؤكد السيد عمرو موسى بأن الجامعة العربية لم تكن تعلم ماكان يدور في العراق من مجازر وإنتهاكات بشعة ؟ أعترف بها النظام ذاته في أكثر من مناسبة ؟ فإن في الأمر أزمة نفسية وسلوكية كبرى تتجاوز كل الأطر المفهومة للشفافية والصراحة التي ينبغي أن تسود عربيا قبل أي جردة حساب موضوعية ؟ فهل أن تصرفات إجرامية وغير مسؤولة على شاكلة تصرفات نظام صدام البائد بحاجة لأدلة وتوثيقات شرعية خصوصا وأنه إلتهم الكويت أمام أنظار العالم والجامعة العربية وبصلافة وتبريرات واهية ومارس كل الفظاعات من خطف وقتل وتعذيب وأسر وتشريد وتخريب بيئي ونفسي وسلوكي كارثي ؟ فهل من فعل كل تلك الكوارث لايفعل أشياء ومجازر وإنتهاكات قضحتها المعارضة وخصوصا بعد إخماد الإنتفاضة الشعبية في ربيع الغضب العراقي عام 1991؟ ترى ألم يسمع السيد موسى وكان وقتها وزيرا لخارجية مصر وقبلها مندوبا لمصر في الأمم المتحدة بمجازر الأنفال وحلبجة عام 1988 ؟ ألم يسمع بغزوة صدام الإيرانية التي تسببت بملايين القتلى ليعتذر بعدها وهو يبتلع الكويت قائلا للإيرانيين : لقد كانت غلطة ؟.

وهل يريد السيد عمرو موسى عبر نفيه معرفة ماكان يدور في العراق من مآسي إنسانية بشعة إقناعنا من أنه فعلا لايعلم ؟ كيف يستقيم ذلك مع معرفتنا الوثيقة من أن الحكومات العربية لديها أيادي خفية وطويلة إستخباريا في كل مكان ؟ وهذه الأيادي والعيون والآذن تعلم حتى مايدور في سيريلانكا ؟ فهل توقفت معلوماتها وأضحت مشوشة عند حدود العراق ؟ للأسف لن نصدق ؟ لأننا لو فعلنا ذلك سنكون ببساطة في غاية السذاجة.. بل والجهل ولسنا على إستعداد أبدا لأن نتقبل مثل ذلك الموقف ؟ .

لاشك أن التداعيات والنتائج التي أسفرت عنها عملية إسقاط نظام صدام قد غيرت الكثير من الرؤى والقناعات عربيا ودوليا ، وما موقف الأمين العام للجامعة العربية إلا تحصيل حاصل وحصيلة طبيعية لمتغيرات قد فرضت منطقها على العديد من الأطراف التي تحاول اليوم تدارك الموقف لأن معاناة العراقيين قد تجاوزت حدود الفضيحة الدولية بكثير ودخلت التاريخ من بابه الأوسع ، ولأن جميع الأطراف التي كانت مصنفة لأسبابها الخاصة أو لظروفها الموضوعية في خانة النظام البائد تعيد اليوم ترتيب أولوياتها والتي ينبعي أن تشمل عملية نقد صريحة للذات ومصارحة مع النفس بعيدا عن كل قيود البروتوكول الشكلية ، فالتطلع للمستقبل ينبغي أن يتم بعد إسدال الستار على الماضي بكل مآسيه ، ومحارق العراقيين الجماعية الشبيهة ب ( الهولوكوست ) ليست مجالا للمناورة أو اللعب بالكلمات ؟! فدماء الشعوب ليست حبات من الرمل ولاقطرات من النفط ! إنها أثمن وأغلى من ذلك بكثير ، والعراقيون كأي شعب آخر قد يغفرون لمن إصطف مع جلادهم في ظروف معينة .. لكنهم لن ينسوا ، بل سيستمر سفر التاريخ الخالد بتسطير كل معاني الكفاح والبطولة والشهادة .. أما الذين علموا بالفظائع في آخر الزمان ، فليس لنا سوى أن نتعجب ونثير أكثر من علامة إستفهام حول المصداقية المفقودة وغياب الضمير !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب يقلد المشاهير ويصف بعضهم بكلمة ????


.. إيرانيون يعلقون على موت رئيسي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. آفة التنمر تنتشر في المدارس.. ما الوسائل والطرق للحماية منها


.. مصرع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في تحطم مروحية




.. مصرع الرئيس الإيراني.. بيانات تضامن وتعازي ومواساة ومجالس عز