الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة سريعة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة

ثائر أبوصالح

2022 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


ان المطّلع على الواقع السياسي للمجتمع الإسرائيلي لا يفاجئ بنتائج الانتخابات الأخيرة، فهي انعكاس لحركة التطرف الآخذة بالاتساع داخل هذا المجتمع. ولا شك، أن مفاعيل هذا التطرف كامنة في سيرورة الصراع التاريخي بين الحركة الصهيونية، التي تعتبر نفسها حركة قومية يهودية استطاعت بنجاح أن تؤسس وطناً قومياً لليهود على ارض فلسطين، من جهة، وبين الحركة القومية العربية والتي، أقل ما يقال فيها، أنها فشلت في حماية فلسطين من الأطماع الصهيونية، من جهة أخرى. ولا شك، أنه كان للقوى الدولية والإقليمية دوراً حاسماً في نجاح المشروع الصهيوني، والذي يحاول اليوم أن يعلن انتصاره الساحق في هذه المواجهة من خلال استبعاد الشعب الأصلاني الذي يسكن هذه البلاد منذ ألاف السنين، عبر سن قوانين عنصرية، تضع حجر الأساس لنظام الأبرتهيد الآخذ بالتشكل على أرض فلسطين التاريخية بين النهر والبحر.
لقد أثبتت الانتخابات الأخيرة أن المواطن الإسرائيلي اليهودي قد ذوت هذا النصر، وبدأ يتصرف على أساسه، ففوز حركة "الصهيونية المتدينة" بقيادة سموترش وبن غفير بنصف مليون صوت، عدا عن الأحزاب اليمنية الأخرى التي لا تقل تطرفاً عن هذه الحركة، هي رسالة واضحة لمتخذ القرار الإسرائيلي؛ أن عليه أن يقضي على ما تبقى من طموحات الفلسطينيين القومية في هذه البلاد، وأنه عليهم الاكتفاء بالحقوق المدنية كطوائف تعيش في الدولة اليهودية. ولكي نستطيع فهم اتساع هذه الظاهرة لا بد لنا من أن نتناولها على ثلاثة مستويات: الأول؛ المستوى الدولي، والثاني؛ المستوى الإقليمي، والثالث؛ المستوى المحلي الإسرائيلي الفلسطيني.

1- المستوى الدولي:
لقد بدأ الصراع على فلسطين منذ تأسيس الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل عام 1897 وبداية الهجرات اليهودية اليها، وقد لعبت بريطانيا دوراً مفصلياً في تاريخ هذا الصراع، فقد انحازت الى الحركة الصهيونية من خلال اصدارها لوعد بلفور عام 1917، قبل بداية انتدابها على فلسطين، وقد جاء في هذا الوعد؛ على أن بريطانيا العظمى تنظر بعين الرضا والعطف لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، مع الأخذ بعين الاعتبار حقوق باقي الطوائف التي تسكن هذه البلاد. أي أن بريطانيا لم تعترف بوجود شعب يقطن فلسطين وله حقوق قومية، وانما هناك طوائف يجب الحفاظ على حقوقها، تماماً كما نص قانون القومية في إسرائيل لاحقاً.
ثم جاء قرار تقسيم فلسطين عام 1947 الصادر عن الأمم المتحدة ليعطي الشرعية لإقامة دولة يهودية في فلسطين والتي قامت بالفعل عام 1948. ومنذ ذلك التاريخ خاضت إسرائيل حروباً استطاعت من خلالها أن تنتصر على الجانب العربي وتوسع رقعة دولتها بالتدريج دون أي اعتراض دولي. وقد وصلت الى ذروة توسعها بعد هزيمة حزيران1967 واحتلالها لفلسطين التاريخية والجولان وسيناء.
وبالمقابل، تراجع الموقف العربي من رفض تام لإقامة دولة يهودية على ارض فلسطين، فقد تم فض قرار التقسيم لعام 1947 الذي اعطى شرعية لقيام دولتين عربية ويهودية، ووصل هذا التراجع، نتيجة للهزائم العربية المتتالية، الى حد القبول بحل يقيم دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزه. ولكن إسرائيل رفضت أيضاً هذا الحل وحولت القضية الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو وتقسيم المناطق الفلسطينية لمناطق "أ" و"ب" و"ج" الى قضية صراع على لقمة العيش، والعمل داخل اسرائيل من خلال مكرمات يقدمها الاحتلال لهذا الشعب.
لقد ضربت إسرائيل بعرض الحائط بكل القرارات الدولية منذ قيامها حتى اليوم. وحمت أمريكا إسرائيل من أي قرار دولي يدين افعالها ويفرض عليها تنفيذ القرارات الدولية، وتراجع العالم امام مطامعها، وذلك نتيجة لخنوع القيادات العربية وقبولها بالأمر الواقع. ولم تشبع السيطرة على فلسطين التاريخية شهية إسرائيل في التوسع، فقد أقدمت على ضم الجولان السوري في كانون اول من عام 1981، وحاولت الاستيلاء عل الجنوب اللبناني بعد عملية الليطاني عام 1978 ونجحت بعد اجتياحها للبنان عام 1982 من اخراج الثورة الفلسطينية من لبنان، لتمهد الطريق لاحقاً لاتفاق أوسلو. ولم تكتف أمريكا بحماية إسرائيل في مجلس الأمن ودعم توسعها سياسياً وعسكرياً، فقد اعترفت، في وقت لاحق، أيضاً بسيادة اسرائيل على الجولان السوري المحتل، واعترفت بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل بعد ان امتنعت عن ذلك لسنوات طويلة.
لذلك، وصلت القيادات الإسرائيلية المتتالية الى نتيجة مفادها؛ أنه وبعد هذا التاريخ الطويل من الانتصارات والإنجازات التي حققتها على الجانب العربي، فقد حان الوقت للقضاء المبرم والنهائي على أي تطلع قومي فلسطيني، وأصبح مقبولاً دولياً، من وجهة النظر الإسرائيلية، التعامل مع القضية الفلسطينية على أنها قضية حقوق طوائف تعيش في الدولة اليهودية وليس شعباً له حقوق قومية، وان دولة اليهود الديمقراطية تتيح "بأريحيتها" لهذا الطوائف ان تعيش بحقوق مدنية، بشرط الّا تتطلع الى أي حق قومي في فلسطين.

2- المستوى الإقليمي: لقد كان للهزائم العربية المتتالية امام إسرائيل الأثر الكبير على القضية الفلسطينية، فجاءت اتفاقية كامب ديفيد مع مصر أثر حرب أكتوبر 1973 لتخرج مصر من معادلة الصراع، ولتطرح حل الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم جاءت اتفاقية أوسلو لتثّبت هذا التوجه، ولتعطي الذريعة لإبرام اتفاق وادي عربة الذي اخرج الأردن من معادلة الصراع، وهكذا بدأت تتوالى الهزائم العربية على المستوى الرسمي وتتراجع أمام ضغط إسرائيل وحلفائها، وبادرت غالبية الدول العربية لتقيم علاقات من تحت الطاولة مع إسرائيل، بحجة ان الفلسطينيين اقاموا علاقات معها بعد اتفاقية أوسلو، فلماذا هذا محلل لهم ومحرم على العرب؟
ثم جاءت أحداث الربيع العربي، والتي تحولت بغالبيتها لحروب دامية داخل الدول العربية مثل سوريا وليبيا واليمن، وأصبح عدد اللاجئين من الدول العربية يفوق عدد اللاجئين الفلسطينيين، وتعاظمت مشاكل وهموم هذه الدول الوطنية لتفوق أيضاً تلك التي يعاني منها الفلسطينيين. ووصل التراجع العربي الى ذروته عندما عقدت الامارات العربية والبحرين اتفاقيات سلام مع إسرائيل بحجة التهديد الإيراني، دون أي مقابل أو انجاز للقضية الفلسطينية، وذلك بمباركة سعودية، التي سمحت أيضاً للطيران الإسرائيلي أن يستعمل اجواءها بحرية. ثم انضمت لاحقاً السودان والمغرب لتقيم علاقات سلام مع إسرائيل.
هذا الانهيار العربي، المتمثل بتسابق الدول العربية على عقد اتفاقيات سلام مع إسرائيل، والذي ستتبعه حتماً دولاً عربية أخرى في المستقبل، قرأته القيادة والمواطن الإسرائيلي على انه تخلٍ كامل عن القضية الفلسطينية، وتُرجم على ارض الواقع بزيادة عزل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، وإقناع فلسطينيي الداخل أنهم يعيشون في نعيم مقارنة بإخوانهم في العالم العربي، ولذلك عليهم التخلي عن أي مطلب قومي وأن يكتفوا بما لديهم من إنجازات على المستوى المعيشي.

3- المستوى المحلي الإسرائيلي الفلسطيني:
لقد كان واضحاً من خلال الإعلام الإسرائيلي، الانزياح اليميني في خطاب القوى السياسية الإسرائيلية، ولم يكن ذلك مقصوراً على اليمين التقليدي، وانما أيضاً على أولئك الذين يسمون أنفسهم "مركز أو يسار صهيوني". فكانوا يتسابقون على تأكيد يهودية الدولة من جهة، ورفضهم لأي تطلعات قومية للشعب الفلسطيني من جهة أخرى. وقد حاولوا فرض هذا الخطاب على الأحزاب العربية من خلال مطالبتهم لهذه الأحزاب الاعتراف بيهودية الدولة، واستنكار كل مقاومة فلسطينية للاحتلال، كشرط لقبولهم بصفة "عرب مخلصون" يرغبون بالعيش المشترك في الدولة اليهودية. أما الرافض لهذا الخطاب فهو داعم للإرهاب وليس له مكاناً في دولة اليهود.
هذا الخطاب الإسرائيلي المتطرف أدى الى بداية فرز على الساحة الفلسطينية الداخلية، وتحديداً بين الأحزاب العربية التي تسعى للتمثيل في الكنيست الإسرائيلية. وقد تميز التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة سامي أبو شحاذه بخطاب مختلف عن الأخرين، مما أدى الى اتهامه من قبل القوى الحزبية الإسرائيلية بالتطرف، وحاولوا منعه من خوض الانتخابات، لكنهم فشلوا لأن المحكمة العليا رفضت قبول ادعاءاتهم. أما على المستوى العربي الداخلي فقد اتهم التجمع القوى الحزبية العربية المنافسة له بالتآمر عليه، ومنعه من خوض الانتخابات، مما أدى الى تعاطف المجتمع الفلسطيني في الداخل معه لأنه، ووفقاً لقيادة التجمع"، مستهدف اسرائيلياً وعربياً بسبب مواقفه الوطنية.
هذا الخطاب من قبل التجمع رفع نسبة التصويت داخل المجتمع العربي الفلسطيني، واخرج العديد مما كانوا ممتنعين عن التصويت الى صناديق الاقتراع، ورغم فشل التجمع في عبور نسبة الحسم، الا انه أحدث حالة من المد الوطني الفلسطيني، إذا احسنت قيادة التجمع التعامل معه فمن الممكن أن يؤدي الى تغيرات كبيرة في الواقع السياسي لفلسطيني الداخل. فوجود التجمع خارج الكنيست، يعطيه الفرصة كحزب منظم، على العمل على إيجاد بدائل تمثيلية، من خلال التماهي مع ما تطالب به النخب الفلسطينية في الداخل، لتحويل لجنة المتابعة، على سبيل المثال لا الحصر، الى هيئة تمثيلية منتخبة تستطيع أن تخاطب المؤسسة الإسرائيلية باسمهم كشعب له حقوق قومية، وليس كأحزاب تفتش عن تمثيل في الكنيست.
على أساس ما تقدم، إذا أجملنا المستويات الثلاث السابقة، يمكننا القول؛ إن المجتمع الإسرائيلي ذّوت انتصاره على الجانب العربي، على الساحة الدولية وعلى الساحة الإقليمية، ويريد أن يترجم ذلك على الساحة المحلية، من خلال القضاء المبرم والنهائي على التطلعات الفلسطينية في أي حق قومي في فلسطين، وتحويل القضية الفلسطينية الى قضية مطالب معيشية يومية، واندماج كامل في المجتمع والمؤسسات الإسرائيلية. وهكذا سنرى تدريجياً تشكل نظام الأبرتهيد الإسرائيلي من خلال الاستمرار بسن قوانين الفصل العنصري، والتي من المتوقع أن تتعاظم في ظل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير إيراني في لبنان.. ماذا يعني ذلك لحزب الله والاستراتيجية


.. -بحثت عنك ولم أجدك-.. أم فلسطينية تودع ابنها الشهيد




.. الإعلام الإسرائيلي يناقش نجاحات حزب الله والرد المتوقع على ا


.. هل استعادت إسرائيل ردعها بعد سلسلة الاغتيالات التي نفذها ضد




.. مراسل العربية: قصف على الضاحية الجنوبية من البوارج الحربية