الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى تغادر البشرية عقلها الحيواني؟/5

عبدالامير الركابي

2022 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يعرف العقل البشري خلال مسيرة تصيّره المجتمعي، ثلاث محطات كبرى، الاولى وتتزامن مع البدئية المجتمعية اللاارضوية الازدواجيه، مركزها اصطراعية الازدواج الرافدينيه، والثانيه الاوربيه الحديثة، وثالثة تعود مرة اخرى الى ارض البدء، ومع ماتضطلع به اوربا اليوم من دور غير عادي في الميادين الاعقالية الاساسية، داله على مستوى التراكميه التفاعلية وماينتج عنها في موضع الانشطارية الطبقية، ودينامياتها الاعلى ضمن صنفها المجتمعي، الاان ماتحققه لايوفر الاسباب اللازمه لاكتمال بنية العقل البشري، وانتقاله من وطاة واثر الجسدية الارضوية، بينما يظل هو ومايحققه محكوما للنطاق الارضوي الغالب.
ونحن هنا امام لحظتين وحالتين: الاولى لاارضوية ابتدائية، والثانيه ارضوية ذروة، فالمنجز الكوني السماوي اللاارضويوي، والارضوي الاول منه، يتبلور ابتداء ضمن اشتراطات القصور العقلي، وابتدائيته حين يكون في بداياته التصيّرية، مازال ينتظر ماينتج عن رحلة تشكله الطويلة، ماكان يحول وقتها دون عبوره تعبيرا وممارسة الى التحققية العليّه السببيه، ماقد فرض وقتها التعبيرية بالحدسية الالهامية النبوية، في حين اتى المنجز الحالي الاوربي، مكبلا على الرغم من اشتراطات تبلوره التراكمية، الخبراتيه، بالحدود النمطية المجتمعية النوعية، فظل ماهو متحقق اليوم محبوسا داخل اطار الاارضوية وحدودها، هذا مع فارق جوهري يميز الحالتين والمحطتين عن بعضهما.
فالقصورية اللاارضوية البدئية الاولى، هي ابتداء لايمنع الاستمرار التفاعلي، فيظل هذا ساريا كديناميات، بينما يقف الثاني بالعملية المجتمعية مهددا بتوقفها، ومايحدد الفارق لهذه الجهة، هو العامل الطارئ من خارج العملية المجتمعية والذي ينبجس بحصيله التفاعلية التراكمية الطويلة، وعوامل كامنه في الظاهرة المجتمعية ذاتها، وفي موضع ونمط من انماطها دون غيره، الامر الذي قلب قواعد التفاعلية المجتمعية راسا على عقب، فصارت المجتمعية بناء عليه ذاهبة الى مابعد مجتمعية ارضوية جسدية، وهو تطور انقلابي موافق لطبيعة وجوهر المجتمعية ومنطلقها النوعي اللاارضوي، بما هي اداة للتصيّر الارتقائي العقلي، موجودة لكي يواصل العقل بها، معها، ومن خلالها، تصيّره المحكوم بالذهاب اليه كينونة واصلا.
فالمجتمعية ظاهرة عابرة وليست ابدية، بمقابل العقل الذي هو الغاية من وجودها، مايجعل منها محكومة لاشتراطات الزوال وقت الضرورة، ومع اكتمال انتهاء اسباب استمرارية وجودها، ويمنح ساعة انبثاق الالة، مكان المعطى التكويني اللزومي مثله مثل ماعرفته المجتمعية ابتداء، حين وضعت وسط اتون بيئي طارد، يصل بالمنتجين حد "العيش على حافة الفناء، ماكان من شانه ان ولد المجتمعية بصنفها اللاارضوي، هذا مع التلبث من بين تفاصيل العملية التصيرية، الى التفارق الموضوعي المتوقع والمنتظر، بين الاله كاسباب وخلفيات انبثاق، وبين العقل الارضوي الذي تنبثق بين تضاعيفه، وماينتج عن ذلك من حال اختلال تصادمي اقصى، بين منقلب انتهائي صارت اسبابة المادية حاضرة، وبين تابيدية تصورية مكرسة تعتقد بعمق بلانهائية وجودها.
كل هذا من شانه ان يجعل من حالة القصورية الثانيه، مقرونه بالقفزة الثالثة، وموصولة بها مايجعلها من حيث التفاعل والمحركات، اقرب الى العملية الموحدة، بغض النظر ذها ب الاحادية الارضوية للاصرار على اعتبار مايحدث من انقلاب في حينه، خاصا بها، ومتعلق بذاتيتها، وهو مامتوقع صدوره من بين اجمالي حال المحدودية الارضية التي تحكم رؤية اوربا للانقلاب الحداثي الالي الراهن.
هل يمكن ان نطلق على الحاصل في القرون الخمسه الماضية تسمية "توفر اسباب الانقلابية اللاارضوية"، مع الانتباه الى كونها مرحلة من محطتين، اولى ارضوية ذروة، وثانيه لاارضوية، تزيح النقاب عن المؤجل الابتدائي الباقي خارج الادراك، مايدخل العالم زمن اللاارضوية الشاملة، مع الانقلابية الذاهبة الى الكونية العقلية، حيث انتهاء المجتمعية والارضوية، وبدء مغادرة الكائن الحي عقليا للكوكب الارضي.
ناحية بغاية الحساسية يتوجب ان تخطر على البال، مع انها يمكن ان تثير استغرابا مطعما بالاستنكار المطلق، هي المحدودية التعبيريه الكيانوية، ماخوذه من زاوية المراقبة التطورية المراحليه، وماينجم عنها تحت فعل المتغيرات التصيّرية، فالغرب ظل همه منصبا على تكريس خصوصية انتاجه للالة كنوع استثناء، ونمطية فريدة، بظل تلازم الامر الذي يجد تبرير مواكب لنوع مامتحقق، ومكانه الفاصل على مدى زمني سابق طويل، ويبحث الغرب بالمناسبة عن دالات تميز، من نوع الامبراطورية الرومانيه ونوعها، عدا عن المنجز الاغريقي الفلسفي، وفي مجال التنظيم الاجتماعي السلطوي، هذا بينما يعزف الغرب المعاصر فلايعتبر من مهماته البحث، عن احتمالية سياقات تعبيرية اخرى، قائمه او محتمله وان هو اضطر خلال مناسبات غير عادية للاعترف، لكن غير المكرس كمدخل بحث عن خاصية مستقبلية، قد يتمتع بها موضع اخر، او نمطية اخرى، ونحن يمكن ان نقرا مثلا مايلي:" لهذا قدر الله الملك في هذه المواضع وهذه الامم في الدنيا ارباعا: البابلي في الشرق. والقرطاجي في القبله. والمجدوني في الجوف ( الشمال)، والروماني في الغرب، وكان بين السلطان الاول بابيل، والسلطان الآخر وهو سلطان روما. فشبه السلطان الاول ـ وهو السرياني ـ بالوالد الموروث، وشبه السلطان اللآخر ـ وهو الروماني ـ بالولد الوارث. واما الافريقي والمجدوني فانهما شبها بالوكيلين على الملك حتى كبر الولد الواجب له الميراث."(1) وحتى مثل هذا التنوية بالاسبقية الرافدينيه قاصر، ولايعطي مايلزم من الصورة، او الانطباع المقرون بالاستمرارية اذا لم تتم العودة الى الاكدية، واول امبراطور في التاريخ / حاكم زوايا الدنيا الاربع/ سرجون الاكدي، المنطلق من موضع لايتعدى بضع الاف الكيلومترات، ليحتل عيلام شرقا، وارض الشام والاناضول غربا، عابرا البحر الى كريت، من موضع هو العاصمه الاولى للعالم، تعقبها لاحقا وضمن سلسلة الامبراطوريات، عاصمة ثانيه للعالم القديم، هي بابل المنوه عنها في النص السالف ذكره.
ويبقى الجانب المثير للاستغراب، تجاهل وغمط التكرارية الكونية لموضع معترف له كبدئية، فلا تذكر بغداد باعتبارها عودة وانبعاثا، لموقع هو دائما اذا ماتحقق، في القمة، وبمكان المركز من الكوكب الارضي، ويبقى الجانب التبسيطي الحيازي الابرز، استبعاد احتمالية تعدد اشكال التفاعلية، او التصادم مع وسيلة الانتاج، ومايتولد عن ذلك من نتائج بحسب النمطية، واليوم بحكم التصادمية الموضوعيه، واشكال تجليها المحتمله واختلافاتها، وبالعودة الى الانتاجية اليدوية، فانها لم تجعل المجتمعات كلها من صنف او نمطية واحدة، فاوربا ليست اليدئية الاساس، ومنجزها التاريخي خلال تلك المرحلة، هي حال تاثر عموما، بموقع هو الذي اسس ل " الاوائل" والخطوات البدء، عدا المنجزية الهائلة الثرة الشاملة، والتعبيرية الكونية الثابته المميزه، تلك المخترقة للمجتمعات على مستوى المعمورة.
ذلك ولاينبغي نسيان ماهو مضمر او غير مكشوف عنه النقاب، وهذا احتمال اخر غير عادي، بدا الغرب قاصرا ازاءه، كاشفا عن ضعف تفاعلية مع الحقيقة المجتمعية ابان لحظة استثناء، واحتدام للضرورة الكشفية، وكل هذه عناصر من شانها جعل مسالة استقبال المتغير الالي بمكان اخر، مختلف كليا قياسا بالمبادرة الابتدائية الغربية المواكبه زمنيا للحدث المقصود، بما قد يقلب تماما المقاربة التي اشاعها الغرب عن اللحظة التاريخيه، لقصورية تكوينية تصل حد الجهالة، تضع العالم امام لحظة من التوهمية الغامرة.
وقتها والى اليوم، يصير العقل الجسدوي الحيواني حاكما في غير اوانه، وضمن اشتراطات يستحيل معها استمرار الظاهرة المجتمعية من دون كشف النقاب عن الحقيقة الازدواجية المضمرة، وعن اصل الدينامية الناظمة لعملية التصيّر، ومحور يه العقل كغاية ومقصد لعملية النشوء والترقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ العالم/ اوريسيوس/ الترجمة العربيه القديمه/ حققها وقدم لها/ د عبد الرحمن بدوي/ المؤسسة العربية للدراسات والتنشر/ بيروت / ص 167 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط