الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهداءُ كنسقٍ استهلاكيٍّ

كريم الزغير

2022 / 11 / 21
القضية الفلسطينية


لا تكادُ الشمسُ تنسِجُ خيوطَها الذهبيّةَ حتّى يُعلنَ عن استشهادِ شابٍ أو طفلٍ أو رجلٍ أو امرأةٍ في فلسطين، وهو إعلانٌ يتبعهُ طقوسٌ جنائزيّةٌ واحتفائيّةٌ بهذا الشهيد، وعند إتمامِ حفرِ قبرِ الشهيد؛ يكونُ أحدُهم يُعرِّفُ نفسه على أنّه شاعر؛ قد طوّحَ القلمَ عن يدهِ، معلنًا كتابةَ كلماتٍ لأهزوجةِ الشهيد لمُغنٍّ يُعيدُ استخدامهِ مع بعثرةٍ ضروريّةٍ للكلماتِ؛ عبرَ إعادةِ تركيبها حتّى لا تنزلقُ إلى مُنزلقِ الرتابةِ والابتذال، حينذاك؛ تنتهي وسائلُ الإعلامِ والصُّحف مِنْ حياكةِ روايةٍ متناهيةِ الدّقةِ تُجيبُ عن أسئلةِ العامّة:"كيف.. ولماذا؟". وهي أسئلةٌ يتلاشى وميضها بُعيدَ انتهاءِ الجنازة، لكنَّ هذه الطقوسَ لا ينبغي أَنْ تتداعى زمنيًا إلا بعدَ (سريلتها: سيرياليّة)؛ أيّ أنْ تتصيّرَ حدثًا خارقًا للمعنى الزمنيّ التقليديّ؛ فتستنطقُ والدةُ الشّهيد وشقيقته مع الحرصِ على انتخابِ المواقفِ الميلودراميّة (ولا نقصدُ هنا أنّ ذوي الشهيد يبالغون؛ إنّما نقصدُ أنّ وسائلَ الإعلامِ تَحرِصُ على اختيارِ هذه المواقفِ لإعادةِ إنتاجها ضمنَ سياقها الاستهلاكيّ- الماديّ)، وتسعى آلةُ تزويقِ الموتِ إلى استخلاقِ معانٍ مغايرةٍ؛ أيّ أنّ الشهيدَ يتحوَّلُ من ضحيّةٍ إلى بطلٍ خارقٍ نفّذَ عمليّةً فدائيّةٍ أو خاضَ اشتباكًا في تناقضٍ مع مضامينَ الخطاب الموّجه؛ فهذه الآلاتُ التزويقيّةُ تريدُ ضحيّةً تُجيّرها في الأنساقِ الماديّة- الاستهلاكيّة، وفي المضمارِ ذاته؛ ترومُ هذه الآلاتُ إجراءَ (هندسةٍ عكسيّةٍ) للضحيّة كي يكونُ قابلًا للاستخدامِ المزدوج في اِضطرابٍ للخطابِ الوطنيّ الفلسطينيّ ذي المجريين، فالمجرى الأوّل لهذا الخطاب موّجه إلى الآخرين، مفادها؛ نحنُ ضحايا لاحتلالٍ يَلغُ في دمائنا، ونحنُ نمارسُ الحقَّ الطبيعيّ في مقارعته ومقاومته، والمجرى الثاني لهذا الخطاب موجّه إلينا نحن، مفادها؛ الشهيد لم يَمتْ في موقعِ الضحيّة بل ضمنَ فعلٍ قَصديٍّ.

"عندما يذهبُ الشهداءُ إلى النوم؛ أصحو، وأَحرُسهم من هواةِ الرثاء". حذّر الشاعرُ (محمود درويش) مُبكّرًا من هواةِ الرثاء؛ إلّا أنّ هواةَ الرثاء الذينَ حذّرَ منهم (درويش) تطوّروا كمًّا ونوعًا؛ عبرَ (أدوتة) الرثاء، وابتداعِ أشكالٍ تسويقيّة- تجاريّة له، فهنالكَ مغنٍّ ينتظرُ شهيدًا لكي يُحيي حفلَ تأبينه، وهناكَ شاعرٌ ينتظرُ مشهدًا تراجيديًا لخاتمةِ الشهيد، وبينَ الأوّل والثاني؛ تنتظرُ المطابعُ صورةً للشهيدِ مع بندقيّته لطباعتهِا ووضعها على الجدرانِ باسمِ حزبٍ أو فصيلٍ لم يقرأ هذا الشهيد برنامجَها السياسيّ أو مبادئهِ الداخليّة، اللهم، أنّه مرَّ بمحاذاةِ مهرجانٍ له؛ فغدا بعدَ استشهادهِ أحدَ أبرزَ قادتهِ، وهكذا دواليك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل