الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أضواء على المشكلة الاقتصادية ( ١ ) هل هناك فعلا مشكلة اقتصادية عالمية ؟

أحمد فاروق عباس

2022 / 11 / 24
الادارة و الاقتصاد


يحاول كثيرون فى مصر الإيحاء للناس أن ما يحدث في مصر - اقتصاديا - يخصها وحدها ، وأن الخطأ خطأ الرئيس وحكومته ، وما الخارج سوى الشماعة التى تضعون عليها اخطاءكم ..

فهل الأزمة فى مصر فعلا أزمة محلية ، بينما الأمور في باقى دول العالم رغدة هنية ، والناس هناك سعداء ، ولا يقابل تلك الدول أية مشاكل ؟!

والجواب لا يحتاج أكثر من ضغطة زر على ريموت كنترول التلفزيون ، ومشاهدة أى قناة فضائية ناطقة بالعربية أو الانجليزية أو أية لغة ، وإذا الأخبار تترى تخبر بما يحدث في العالم أجمع ، أو مجرد بحث بسيط على جوجل ليعرف من يريد ويفهم ما يمر به العالم كله الآن ..
وأن هناك أزمات مالية واقتصادية طاحنة تمر بها كل دول العالم ..

فكل عملات الاقتصادات الناشئة تراجعت أمام الدولار وليست مصر فقط ، ومعدل التضخم في كل دول العالم ارتفع بشدة فى السنة الأخيرة ، وكان بودى وضع جداول أرقام التضخم في كل دول العالم ، وتغيرات أسعار العملات العالمية هنا ، لكن لا المكان ولا نوعية القراء وطبيعة اهتمامات غالبيتهم تسمح بذلك ..
يكفى أن معدل التضخم في أمريكا - وهى القوة الاقتصادية الأكبر في العالم - ارتفع إلى مستوى لم يصله من ٤٠ عاما ..

والأزمة العالمية الحالية أزمة كبيرة ومستمرة ، وتطوراتها تأتى كل يوم بجديد ، لذا لا يمتلك أحد يقين بما يأتى به الغد ، فحالة الضباب شديدة ، وأكبر أساتذة الاقتصاد حول العالم - الذين يحترمون علمهم وكلمتهم - لا يستطيعون وضع أى توقعات مستقبلية ..

وما يتغافل عنه كثيرون أنه كلما زاد عدم الاستقرار في اقتصادات الدول المتقدمة كلما اضطربت موازين الاقتصاد العالمى ، ما يجعل الأثر أكثر صعوبة بالنسبة للدول النامية ..

والبنك المركزى الأمريكى - وهو أقوى البنوك المركزية في العالم - حاول فى سعيه لخفض جماح التضخم رفع سعر الفائدة ، بمعدلات تعد الأسرع في تاريخه ، وهو ما يرجح دخول الاقتصاد الأمريكى فى كساد عميق ، وقد تأثر بذلك بنوك مركزية كبرى مثل بنك اليابان والبنك المركزى الأوربي ، حيث يبحث العالم كيف يمكنه التعايش مع عالم جديد تسوده أسعار فائدة مرتفعة ..

والنتيجة أن حقبة العولمة على وشك التحول إلى تاريخ ، ورجع العالم إلى صراع المحاور مرة أخرى ، وهو ما يفسر التباطؤ الاقتصادى المتزامن في المناطق الثلاث الكبرى في العالم : الولايات المتحدة والصين والاتحاد الاوروبي ..

ومع تباطؤ نمو المحركات الرئيسية في الاقتصاد العالمى حدث التراجع في الاقتصادات الأصغر ، ورفع صندوق النقد الدولي تحذيراً أوائل شهر أكتوبر الماضي بأن " الأسوأ لم يأت بعد " ..

وبالنسبة لمشكلة التضخم العالمى ، كان لصدمة الطاقة ثم صدمة الغذاء الناتجتين عن الحرب الروسية الأوكرانية العامل الأكبر فيها ، وتجاهد البنوك المركزية حول العالم لعلاجه ، فى ظل ظروف فى منتهى الصعوبة ، والسؤال الذي تعمل هذه البنوك المركزية في ظله هو :
هل علينا أن نواجه التضخم بقوة ونخاطر بتباطؤ الاقتصاد وعدم الاستقرار المالى .. ام نتخذ إجراءات ناعمة تجاه التضخم ونخاطر بإمكانية حدوث ركود تضخمى ؟!!

وقد وصل التضخم ( أرقام شهر أكتوبر الماضي ) فى بلجيكا إلى 12% ، وفى هولندا 14% ، والتشيك 15% ، وبريطانيا 10% ، وإيطاليا 12% ، وبلغاريا 19% ، وبولندا 18% ، وأوكرانيا 26% ، ومولدوفا 34% .

وفى أمريكا الجنوبية : وصل التضخم في كولومبيا إلى 12% ، وفى شيلى 13% ، وفى هاييتى 31% ، وفى كوبا 37% ، وفى الارجنتين 83% ، ووصل فى فنزويلا إلى 156% ..

وفى آسيا : وصل فى كازاخستان إلى 19% ، وفى باكستان 27% ، وفى إيران 52% ، وفى سريلانكا 66% ، وفى تركيا 85% .

وفى أفريقيا : فى مصر 16% ، وفى نيجيريا 21% ، وفى رواندا 31% ، وفى إثيوبيا 32% ، وفى غانا 40% ، وفى السودان 117% ، وفى زيمبابوي 269% .

وكانت أقل دول العالم ارتفاعا في معدل التضخم هى الصين 2% ، واليابان 3% ، وسويسرا 3% ، والسعودية 3% .
فى حين بلغ التضخم في الاقتصاد الأكبر فى العالم - الاقتصاد الأمريكى - إلى 8% وهى النسبة الأعلى من أربعة عقود .

وقد قللت فترة كورونا من الطلب العالمى بسبب الإغلاق ، ثم أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تعطيل سلاسل الإمداد للكثير من السلع ، حيث أن 40% القمح مثلا يأتى من روسيا وأوكرانيا ، وأوكرانيا مثلا أكبر مصدر لزيت عباد الشمس في العالم ..
وكان لسياسة الصين ( صفر كوفيد ) والاغلاق الكامل سببا هاما لمشاكل سلاسل الإمداد ، فالصين هى المورد الرئيسي للمواد الخام والسلع النهائية لعدد كبير من القطاعات ، وقد تسببت عمليات الإغلاق في الصين إلى نقص المعروض من السلع ، مما تسبب فى إرتفاع اسعارها ..

وقبل الحرب الأوكرانية كان الاتحاد الأوروبي ينفق ما يقرب من 2% من ناتجه المحلى على البترول والغاز الطبيعي ، والآن أصبح ينفق ما يقرب من 12% ، وهو أكبر - كنسبة - مما تم إنفاقه في أزمة البترول الكبرى عام ١٩٧٣ ، وبسبب ارتفاع أسعار الطاقة والكهرباء في أوربا فإن استمرار دورات إنتاج الأغذية الزراعية أصبح صعبا للغاية ، وبالتالى القدرة علي توفير السلع الزراعية الأساسية والمواد الغذائية والأعلاف ، حيث يتم إستخدام الكهرباء في جميع مراحل إنتاج الغذاء ، من التسميد الى الحصاد ثم التبريد والتخزين ، وتواجه صناعة الألبان والحليب مشاكل كبيرة وارتفاع متواصل في اسعارها .

وقد انخفضت كل عملات دول الأسواق الناشئة مع تطورات الحرب الروسية الأوكرانية ، التى توشك على الدخول في شهرها العاشر - بدأت الحرب فى ٢٤ فبراير الماضى - فانخفضت عملات الهند وباكستان وشيلى وكولومبيا والأرجنتين وتايلاند وكازاخستان وتركيا ونيجيريا ومصر وجنوب افريقيا ... وغيرهم .
وبعض هذه الدول لديها احتياطيات دولارية أضعاف ما لدى مصر ..

وكان هناك من تساءل في مصر :
ولماذا لم تهبط قيمة العملة الأوكرانية - وهى البلد التى يجري على أرضها الحرب - كما هبطت قيمة الجنيه المصري مثلا ؟!!

وكان الجواب ببساطة أن اوكرانيا دولة تقف بالكامل الآن فى صف الغرب وأمريكا ، والقروض والمنح التى لا ترد والمساعدات العلنية والسرية تنهال عليها من كل دول أوربا بالإضافة إلى أمريكا ، وتم دعم سنداتها وأدوات الدين لديها بغطاء أوربي وأمريكى ..
والاقتصاد الأوكراني مشلول ومتوقف تماما عن العمل ، وجزء هائل من البنية الأساسية والإنتاجية ومصادر الطاقة تم تدميره بالكامل ، ولا توجد صادرات أو سياحة أو استثمارات أو إنتاج ، ولولا دعم أوربا وأمريكا الهائل لوصل إقتصاد اوكرانيا ومعه عملتها إلى الحضيض ..

العالم كله يعانى إذن ، والتخبط هو سيد الموقف ..

ففى بريطانيا - على سبيل المثال - كانت خطة ليز تراس الاقتصادية هى خفض شامل للضرائب ، وكانت النتيجة أن باع المستثمرون حول العالم فورا السندات البريطانية بأعداد كبيرة ، مما أدى إلى انخفاض الجنيه الاسترليني لأدنى مستوى له من عقود ، وبرغم أن بنك إنجلترا تدخل لشراء السندات البريطانية إلا أن الأزمة مازلت قائمة ، وقد ذهبت ليز تراس ، وألقيت كرة اللهب في حجر ريشى سوناك ، ولا يبدو حتى الآن أن الرجل عنده خطة للعمل ، أو أمل للمستقبل ..

وفى تركيا ، ومنذ شهرين - فى سبتمبر الماضى - تعدى معدل التضخم حاجز 80% وهو مستوى قياسى لم يبلغه منذ عام ١٩٩٨ أى من ٢٥ عاما ، وفى الشهر الذى يليه - أكتوبر الماضي - ارتفع التضخم في تركيا إلى 85% .
وتتهم المعارضة التركية وعدد من الاقتصاديين الأتراك المكتب الوطني للإحصاء tuik بالتقليل من حجم التضخم بأكثر من النصف لأسباب سياسية ..
وفقدت الليرة التركية 55% من قيمتها فى عام واحد .

ما بين شرق العالم وغربه ، شماله وجنوبه ، يعيش العالم اوقاتا صعبة ، ونهاية النفق لا يبدو أنها ستظهر قريبا ، والاصعب في فى الأمر - باعتراف صندوق النقد الدولي - أن الأسوأ .. لم يأت بعد !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر العربية: احتراق أكبر بئر لإنتاج النفط في حقل زرقة شرقي


.. نشرة الرابعة | -النقد الدولي-: هجمات الحوثيين تسببت في انخفا




.. المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض: ما الإنجازات التي حققته


.. انخفاض طفيف في عيار 21.. سعر الذهب اليوم الإثنين 06 مايو 202




.. صباح العربية | حمام الذهب في تونس.. أسرار غامضة وحكايات مرعب