الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناقب الجمهور ومثالب النخبة !

ثامر عباس

2022 / 11 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لست ممن يمدح جزافا"(بالجمهور) ويقدح اعتباطا"(بالنخب) من منطلق موقف سياسي أو انتماء إيديولوجي مسبق ، فلكل منهما – على ما أرى - سلبيات لا تخفى وايجابيات لا تمحى . وإنما إقرارا"ببعض الحقائق والوقائع التي يمكننا تلمسها وفحصها من هذا الطرف أو ذاك ، خلال تعاطيهما المباشر مع معطيات الواقع ومنتجات الفكر .
وعلى هذا قد يظن البعض من القراء إننا أخطأنا في نسبة (المناقب) للجمهور ونسبة (المثالب) للنخبة ، ذلك لأن المتعارف عليه هو إن الأول لا تصدر عنه سوى (الرذائل) ، في حين إن الثانية لا تجترح إلاّ (الفضائل) ! . الحقيقة إن هذه التوصيفات والقناعات صحيحة تماما"على المستوى (النظري) وحسب ، ولكنها على الصعيد (الواقعي) لا تبدو – دائما"وفي كل الأحول - كما نتصور ونعتقد . حيث إن للأول / الجمهور (صحوته) في بعض الأحيان ، وان للثانية / النخبة (كبوتها) في بعض الحالات ، الأمر الذي يتطلب منا – قبل أن نطلق العنان لأحكامنا - مراعاة طبيعة الظروف القائمة وماهية الأوضاع السائدة ، التي تتسبب غالبا"بحصول مثل هذه المفارقات الصارخة ! .
وإذا ما أخذنا معطيات التجربة العراقية بعين الاعتبار ، فان علاقة الجمهور العراقي (بنخبته) – بكل أطيافها ومسمياتها – تعكس لنا حقيقة غالبا"ما نجهلها أو نتجاهلها مؤداها ؛ إن جمهورنا لا يخفي سلبياته حيال تردي وعيه الاجتماعي ، ولا يداري على قلة اكتراثه بانتماؤه الوطني ، فهو يؤكد – بالأفعال لا بالأقوال - كونه مبعثر إلى قبائل ، ومتذرر إلى طوائف ، ومتشظي إلى اثنيات . لذلك - كما ترى – تغلب عليه (الشفافية) في تعاطيه مع الواقع ، بحيث لا يسعى لتزويق قباحاته وتزيين عيوبه . أما بالنسبة إلى مواقف (النخبة) – وخصوصا"تلك المتحصنة خلف وقارها (الثقافي / المعرفي ، أو العلمي / الأكاديمي) - فهي مواربة وغير واضحة ويغلب عليها الجفاء والامتعاض ، إزاء اهتمامها وعلاقاتها (بجمهورها) الذي غالبا"ما تكنّ له مشاعر الازدراء والاحتقار ، استنادا"إلى ظاهرة عزوفه وتطيّره من التفاعل والتواصل مع الأفكار التي تطرحها وتروجها .
والحقيقة إن المسؤول عن هذه الجفوة أو الهوة بالدرجة الأولى هي (النخبة) وليس (الجمهور) ، من حيث إن ما يمتاز به هذا الأخير من تخلف وتأخر قمين بتفسير أسباب عزوفه عن التعاطي مع منتجات الفكر والثقافة ، وبالتالي فان هذه (الجفوة / الهوة) تبدو مسألة متوقعة ومرجحة إن لم تكن طبيعية . هذا في حين إن ظاهرة تقوقع النخبة على ذاتها والنأي بنفسها عن ممارسة دورها التطهيري ، والانخراط بواجبها التنويري داخل أوساط ذلك الجمهور المدجن ، ناهيك عن تحاشيها (التورط) بنقد أفكارها المعلبة والمسّ بقناعاتها المتكلسة ، هي ما يبدو للناظر مسألة غير متوقعة وغير طبيعية ، لا بل ومستهجنة . لاسيما وان وجود ما نسميه (بالنخبة) مرتهن بوجود (جمهور) يستقبل أفكارها ويتحاور مع طروحاتها ويتفاعل مع تطلعاتها وينخرط في سجالاتها ، وإلاّ فما معنى أن تكون (نخبة) بلا (جمهور) يحتاج لإرشادها ويستعين بتوجيهاتها ويتطلع لمثلها ؟! .
وهناك (فضيلة) أخرى يتفوق فيها (الجمهور) الأمي على (نخبته) المتعلمة ، وهي إن ما يدور في وعي الأول ويمور في سيكولوجيته سرعان ما يجد طريقه إلى لسانه مباشرة دون لف أو دوران ، سواء تعلق الأمر بموقف سياسي أو سلوك اجتماعي أو واقع ثقافي أو اعتقاد إيديولوجي ، منطلقا"بذلك من حقيقة كونه لا يوجد لديه ما يخسره حين يعبر عما يدركه ويشعر به . أما على الجانب الآخر ، فانه من المتعذر عليك ، بلّه الاستحالة ، معرفة ما يدور في خلد رهط الثانية (النخبة) من اهتمامات وتصورات وطموحات ، لأن أغلب ما تقوله وتعلن عنه لا يعبر حقيقية عما تضمره بين طيات وعيها وأخاديد سيكولوجيتها . ذلك لأن من يتحكم بمسار هذه العملية الذهنية المعقدة ليس (وعيها) المستقطب أصلا" وسيكولوجيتها المجيشة فعلا"، وإنما بندول (مصالحها) الشخصية والفئوية ، وبالتالي فهي مضطرة إلى المداورة والمراوغة للحيلولة دون إفشاء ما تكنه من نوازع سيكولوجية ودوافع اجتماعية من جهة ، وإخفاء ما تبيّته من تطلعات اقتصادية وخيارات سياسية من جهة أخرى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تراجع شعبيته.. ماكرون يكثف حملاته الدعائية | #غرفة_الأخب


.. اتهامات متبادلة بين فتح وحماس بعد تأجيل محادثات بكين | #غرفة




.. أنقرة تحذر.. يجب وقف الحرب قبل أن تتوسع | #غرفة_الأخبار


.. هل تنجح جهود الوساطة الألمانية في خفض التصعيد بين حزب الله و




.. 3 شهداء إثر قصف إسرائيلي استهدف تجمعا لفلسطينيين شمالي مدينة