الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس:التّطبيع بين أوهام الخطاب وصدمة الواقع

الطايع الهراغي

2022 / 11 / 26
القضية الفلسطينية


"إنّي شعرت بأنّ السّوط قد رسم إلى الأبد خارطة فلسطين على ظهري".
(معين بسيسو)
"إنّ الجلوس مع العدوّ حتـى في استوديو تلفزيونيّ هو خطأ أساسيّ في المعركة. وكذلك فإنّه من الخطإ اعتبار هذه المسألة مسألة شكليّة.".
(غسّان كنفاني).
"يجب الذي يجب / أدعو لأندلس/ إن حوصرت حلب"
(محمـود درويـش)

01/التّطبيـع خـطّ أحمــر
مشاريع التّسويّة والتّطبيع مع أبشع أنواع الاستيطان (جريمة القرن وخطيئته) خطوط حمر، كانت يوما ما لعنة على من يخطر بباله مجرّد التّفكير فيها .
كان ذلك سنوات الالتزام والحماس الثّوريّ لمّا كان شعار "ملاحقة العدوّ في كلّ مكان" هدفا وسلوكا سياسيّا ملزما لجملة من التّنظيمات والتّشكيلات الفلسطينيّة المسلّحة، ولما كان الصّراع مع العدوّ الصّهيونيّ مطروحا على أنّه صراع وجود لا صراع حدود،أيّام كانت الثّورة الفلسطينيّة،كحاملة لواء قضيّة عادلة، تستقطب ثوّارا من كلّ أنحاء العالم.
الكفاح الشّعبيّ المسلّح السّبيل الوحيد لتحير فلسطين، كلّ فلسطين . ذلك هو شعار المرحلة كما يتجسّد في أقوال وتصريحات وتأكيدات وأفعال قيادات فكريّة وسياسيّة وثقافيّة اختلفت مواقعها وما اختلفت في مواقفها ولا في سياساتها. "العدوّ قد يرغمني على الهزيمة ولكنّه لن يرغمني على الضّحك"(الشّهيد غسّان كنفاني)،"إذا كنّا مدافعين فاشلين عن القضيّة فالأجدر بنا أن نغيّر المدافعين لا أن نبدّل القضيّة" (غسّان كنفاني)، "لن أعود إلى الوطن إلاّ مع آخر لاجئ فلسطينيّ"( الحكيم جورج حبش)،"أنا ضدّ التّسويّة، ولكنّي مع السّلام ،وأنا مع تحرير فلسطين،وفلسطين هنا ليست الضّفّة الغربيّة أو غزّة، فلسطين بنظري تمتدّ من المحيط إلى الخليج "(الرّسّام الكاريكاتوريّ ناجي العليّ).ذلك هو حلم حنظلة الطّفل الذي يأبى أن يكبر إلاّ يوم العودة النّهائيّة.عنه يقول ناجي العليّ "حنظلة وفيّ لفلسطين، وهو لن يسمح لي أن أكون غير ذلك".

02/ "سـلام الشّجعــان"؟؟
ولكنّ التّطبيع مجسّدا في سياسات ومحاولات للتّراجع في ميثاق مكوّنات المقاومة وخرق التزاماتها والانخراط في مشاريع تسويّة شكّل أيضا منذ سبعينات القرن الماضي موضوع هواجس ومخاوف ليصبح في مرحلة ما وجهة نظر لم يخجل الكثيرون[أنظمة حاكمة وأطراف سياسيّة] من التّجاهر بتبنّيها والدّفاع عنها علنا واعتبار المتورّطين فيها أبطال سلام هو سلام الشّجعان .ألم يقل غسّان كنفاني النّاطق الرّسميّ باسم الجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين بشكل تنبّئيّ منذ مطلع السّبعينات "سيأتي يوم على هذه الأمّة وتصبح الخيانة وجهة نظر"؟؟ ألم يحذّرالقياديّ في حركة فتح صلاح خلف (أبو إيّاد) من إمكانيّات الانزلاق إلى عالم الخيانة والمؤامرات "أخشى ما أخشاه أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه الخيانة وجهة نظر؟؟".

03/ "ليس الخبر كالعيان"
أن ترى خير من أن تسمع. موضوع التّطبيع مثل بالنّسبة للبعض ورقة انتخابيّة وأصلا تجاريّا لا شيء يحول دون احتكاره والمكابرة بالتّباهي به.
الموقف من القضيّة الفلسطينيّة ومن التّطبيع أساسا يمكن اعتباره إحدى النّقاط المفصليّة في رحلة قيس سعيّد إلى قصر قرطاج .فجزء من مغازلته لجمهور من النّاخبين وعدد من الأطراف السّياسيّة التي تكاد تحصر علاقاتها بالآخر في الموقف المشترك من القضيّة الفلسطينيّة قام على جملة من المبالغات تكشف عنها خطبه وتصريحاته أثناء حملته الانتخابيّة وبعد تولّيه مقاليد الرّئاسة.
في قاموس قيس سعيّد، استنادا إلى ما انفكّ يردّده بإطناب وأحيانا بدون موجب قي إطار إسهال لغويّ بات خاصّيّة ملازمة لكلّ ما يصدر عنه من أحاديث، في قاموسه التّطبيع"مظلمة القرنين"، "خيانة عظمى وليس تطبيعا" بل أكثر من ذلك "مفهوم التّطبيع مفهوم دخيل، والفكر المهزوم لا يمكن أن يكون مقدّمة للنّصر".
التّطبيع خيانة عظمى. ذلك هو العنوان الكبير الذي يتنزّل فيه الموقف الرّسميّ للدّولة التّونسيّة (ولرئيسها الممثّل الوحيد لسياستها الخارجيّة والنّاطق الرّسميّ باسم توجّهاتها الكبرى في المسائل الوطنيّة والقوميّة والدّوليّة)من القضيّة الفلسطينيّة كقضيّة محوريّة في السّياسات العربيّة –سلبا وإيجابا- ومن المؤامرات التي تحاك ضدّها .ولعلّه من المسائل القليلة التي ينسجم فيها الخطاب الرّسميّ مع الوجدان الشّعبيّ ومع إرث كلّ مكوّنات المجتمع التّنسيّ في هذه المسألة بالذّات .
فماذا إذن عن الأنشطة المشبوهة التي تقيمها مؤسّسات ثّقافية وجمعيّات ومنابر أكاديميّة في تونس ما بعد الثّورة ، تونس الطّامحة إلى الحريّة والكرامة الوطنيّة والقوميّة؟؟
الحرّيّات الأكاديميّة(والفعاليّات الحقوقيّة والثقافيّة والفكريّة) ضمانة لاستقلالية هذه الفعاليّات وللمؤسّسات التي تحتضنها ونأي بها عن خدمة أجندات بعينها (أجندات اللّوبيّات الماليّة والاقتصاديّة وأساسا أجندات الأنظمة الحاكمة). هيبتها العلميّة والفكريّة والأكاديميّة ومكانتها الرّمزيّة تسهّل عليها التّنطّع على التّبعيّة والارتهان وتجعلها أقرب إلى الضّمير الجمعيّ للشّعوب والأمم.
إلاّ أنّ الحرّيّة - والاستقلاليّة - ليست بأيّة حال مدخلا وذريعة لخرق السّيادة الوطنيّة والتّطاول عليها. وليست اعتداء على ثوابت الشّعوب ولا هي تنكّر لقيم .والمؤسّسات التي تحتضنها ليست خارج القانون بما هو ضامن للثّابت المشترك.
تهاطل الأنشطة المريبة وتناسل الفعاليّات التي تفوح منها رائحة الشّبهات تبعث على الحيرة وتطرح أكثر من سؤال حول أشكال تعاطي الجهات الرّسميّة مع ممارسات وسلوكات يُفترض أن تكون محلّ إدانة ومنع في مواقف رسميّة احتراما لما هو محلّ إجماع من قبل التّونسيّين.
الإشكال بوضوح وبدون لفّ أو دوران،بدون تقية، بدون تعميم وتعويم هدفه الدّفاع عن المسؤول الأوّل عن تسرّب هذه الخروقات(التي تحوّلت إلى سياسة ممنهجة) بالبحث عن كبش فداء يحمّل المسؤولية لجهات بعينها لتبرئة الرئيس ومؤسسة الرئاسة.أليس غريبا أن يحتكر الرّئيس كلّ السّلطات بشكل غير مسبوق، وتبرّئه أطراف، بعضها جعل من القضيّة الفلسطينيّة أصلا تجاريّا، من تحمّل أيّة مسؤوليّة في ما يتناسل من مظاهر التّطبيع –أحيانا بشكل استعراضيّ احتفاليّ-؟؟ كيف يجازف رئيس الدّولة بالإقدام على فرض ما لم يكن يوما محلّ اتّفاق وتحويل الإجراءات التي اعتقد المتابعون والفاعلون السّياسيّون أنّها إجراءات مؤقتة حتّمتها ملابسات استثنائية محصورة في الزّمن ووضع شائك،كيف يجازف بتحويل ما كان صدّا لخطر داهم(بقطع النّظر عن الموقف منه) إلى حالة دائمة وأمر واقع مفروض فرضا (تعطيل عمل البرلمان في مرحلة أولى وإلغائه نهائيّا في مرحلة ثانية/ الاستشارة الوطنيّة بهناتها تلك/ الاستفتاء الذي تحوّل إلى مبايعة لعهدة الرّئيس وليس استفتاء على دستور/ الدّستور الذي صيغ ليمكّن الرّئيس من صلاحيّات فرعونيّة / القانون الانتخابيّ الذي أحيا العروشيّة والقبليّة ومكّنها من موجبات الانتعاش/ إقصاء الأحزاب السّياسيّة،عقدة قيس سعيّد...) وهي مسائل خلافيّة انقسم فيها الشّارع التّونسيّ عموديّا وأفقيّا. ولاشيء يحيل إلى أنّ المحطات المقبلة ستكون مناسبات لحسمها أو لحلحلتها. ولعل العكس هو الاحتمال الأكثر ورودا .فعديدة هي الدّلائل التي تحيل إلى مزيد تعفّن كلّ أوجه المشهد في مختلف أبعاده السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والفكريّة؟؟.
وكيف يفشل- وهو الذي يحتكر كلّ السّلطات- في تكريس ما هو محلّ إجماع ؟؟ كيف يعجز عن إيقاف أنشطة لجهات ليست بأيّة حال دولة داخل الدّولة؟؟
اللّهمّ إلاّ أن يكون الموقف المصرّح به في واد وتكريسه الفعليّ على أرض الواقع في واد آخر مختلف تماما.
فأيّة مصداقيّة لقول يكذّبه الفعل؟؟
وأيّة وجاهة لخطاب تسفّهه الممارسة؟؟
وما جدوى شعار مناقض على طول الخطّ وعرضه لما هو مكرّس على أرض الواقع؟؟.
من مهازل التّاريخ وخروقاته أّنّ أتعس السّياسات وأشدّها كارثيّة غُــلّفت دوما ووقع تمريرها بأكثر الشّعارات إغراء ومخادعة. فباسم "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" قُطعت رؤوس ومُلئت السّجون بالمعارضين وصُحِّرت الحياة السّياسيّة ووئدت الدّيمقراطيّة (العليلة بطبعها).وباسم وحدة الأمّة هُمّشت الأحزاب والفعاليّات المدنيّة وانتصب الحكّام على رقاب العباد، وباسم مقاومة الفساد أحيلت المؤسّسات على المعاش وعمّ الفساد وبات قانونا، وعدنا إلى مرحلة ما دون الدّولة.
لندعْ الأقوال ولنحتكمْ إلى الأفعال. فهي تفضح مزاعم كلّ خطيب وتسفّه كلّ تخمين وتضع حدّا للتّأويلات. الخطاب المشدود إلى انفلاتات اللّحظة وانفعالاتها غالبا ما تفصله عن الممارسة مسافة ضوئيّة تحكم عليه بأن يكون مجرّد لغو،إن لم يكن استهتارا بالفعل السّياسيّ الذي تكمن ميزته في تناسق القول والفعل .فمن أصرّ(بدون موجب) على اعتبار الاستعمار الذي جثم على رقاب أبناء بلده ثلاثة أرباع القرن حماية، ومن يرى أنّ من يعتذر عن جرم يدين نفسه بنفسه لن يرى في التّطبيع -ولا في الاستيطان- موجبا للتّجريم ولا حتّى للإدانة. ومن لم يجد أيّ حرج في زيارة قبر أنور السّادات (بتاريخ09 أفريل 2021) رئيس مصر الأسبق والأب الرّوحي للتّطبيع المعلن جهارا نهارا في أبشع المظاهر استفزازا، مساويا بينه وبينه صاحب اللاّءات الثّلاث عبد النّاصر "لا صلح، لا اعتراف ،لا تفاوض" لن يكون معنيّا بمشاغل تفوق دائرة تفكيره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة