الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أصل الأنواع
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
2022 / 11 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
نشر تشارلز داروين كتابه " في أصل الأنواع " عام 1959 وهو أول كتاب علمي يفسر هذا التنوع الهائل بين الكائنات الحية. فقد سبقه الفرنسي عالم الطبيعيات "جين لامارك" حيث أنتهى به الأمر إلى الاستنتاج إلى أن هناك صلة وثيقة بين الخلية الأولى وبين جميع الكائنات الحية، حيث أعتمد داروين على أبحاثه في هذ الكتاب. لكن قبل أن يقدم داروين على نشر ملاحظاته، كاد أن يسبقه على ذات النتائج زميله عالم الأحياء البريطاني " الفريد والس " حيث توصل إلى أن جميع الكائنات تشترك مع بعضها البعض بسلف مشترك، وانبثقت من بعضها عبر ملايين السنين. وهذا يعلمنا بأن داروين ليس الوحيد الذي كتب عن تطور الأحياء. تنطلق نظرية داروين من خلال التنوع في الأحياء وتبني عليها، من خلال تعدد الصفات والتكيف الذي يجعل النوع يتفوق على بعضه البعض. أستلهم داروين هذا التفسير من خلال رحلته مع مجموعة البيتل ومن خلال دراسة متفحصة للحيوانات الأليفة والداجنة، وقد راقب سلوكها من خلال تغير نسلها خاصة عندما يتدخل الإنسان في هذه العملية بما يسمى تحسين النسل. وربما أثار تفكيره يوماً هذا التنوع الهائل بين النوع ذاته من ناحية الشكل واللون والبنية الجسدية. هدا التنوع ضمن النوع الواحد هو الدي يحمل تلك الضروب على إنتاج ضروب أخرى عندما تخضع لبيئات مختلفة. مثال ذلك الدببة، فنرى أن الدب الموجود في القطب الشمالي أبيض بلون الثلج والدب الموجود في أماكن أخرى قد يكون بني أو بلون آخر. وحتى مناقير الطيور تتكيف حسب البيئة التي تعيش فيها.
وضع داروين أهم قانون في تطور الأنواع ألا وهو الانتخاب الطبيعي. لكن هدا القانون لا يعمل إلا ضمن التنوع في النوع. أي التنوع ضمن الكثرة ينتج عنه ظهور نوع جديد مستقل عندما يخضع لظروف طبيعية قاهرة. لكن يسبق هذا الطفرة التي قد تساعد الأفراد أو تكون وبالا على انقراضهم. وسنشرح لاحقاً أهم قانون في التطور ألا وهو الانتخاب الطبيعي. وأظن أن من يفهم آليات الانتخاب الطبيعي، سيفهم نظرية التطور بكاملها لأنها تعتبر المفتاح لهذه النظرية. وحتى يعمل هدا القانون لابد من وقوع هذا النوع بمنطقة منفصلة تنشأ من خلال العوائق الجغرافية مثل جبال أو بحار أو براكين أو حتى أنزياح في القارات. هذا ما ينتج لدينا نوعاً جديداً ومستقلاً عن النوع الأم.
إضافة إلى تأثير أبحاث لامارك على نظرية داروين، كان هناك باحث كبير بريطاني في الاقتصاد والإنتاج أسمه " توماس مالتوس " فقد تكلم على ما يسمى التكاثر السكاني المرتبط بازدياد الإنتاج في مجتمع ما، لكنه يقول أن استمرار تكاثر السكان سيجعل الإنتاج منخفض مما يخلق طبقات فقيرة ومن ثم كوارث. داروين اعتمد على هذه النظرية ليقول أن الكثرة في النوع بمنطقة معينة بسبب المصادر الغذائية الطبيعية يجعل النوع يستمر في الحياة دون أي تعديل، لكن عندما تتناقص الموارد، يفسح هدا المجال ضمن النوع الواحد أو الأنواع أن تتصارع ومن ثم يبقى الأصلح منهم والمتكيف مع المتغيرات.تطور النوع قد يحدث بين بعض السكان " الكثرة" أو من خلال جد وسلف مشترك واحد.
الانتخاب الطبيعي:
كما قلنا أن هذا القانون هو العامود الفقري للنظرية حيث يعمل ضمن أفراد أو مجموعات. فإذا حدث ضمن فرد أو أفراد، يتفرع من ذلك إما انتقاء جنسي أو انتقاء غير جنسي. يتفرع عن الانتقاء الغير الجنسي تفرعات مثل الانتقاء الاصطناعي كما يحدث في الدواجن وبهذا تتوزع البذرة ضمن الكثرة عن طريق التوارث وتسيطر على المجموعة. أما إذا كان الانتخاب على أساس جنسي، ينتج عنه إما الصراع على الأنثى من ذات النوع حيث يلعب عامل القوة البدنية بين الذكور أو الانتقاء الجنسي عبر اجتذاب الأنثى من ناحية الذكر كما يحدث بين العصافير والبلابل فيما بينها باللون والصوت الجميل وخفة الحركة. ولا ننسى أن الغناء عند البشر نابع ومتوارث من هذا النوع من البلابل لجذب الأنثى. وحتى الألوان الزاهية التي ترتديها النساء - مثل الأحمر والأصفر- أتت في الأصل من البلابل ووفي مضمونها من جذب للجنس الآخر.
لخص عالم البيولوجيا (ألماني – أمريكي) أرنست مايور (Ernst Mayer ) بأنه قال يتكاثر كل نوع ويورث الأبناء صفاته الجينية، وإذا كانت البيئة ذات موارد كثيرة يتكاثر الأفراد لكن في المجمل تحافظ المجوعة على حجمها. لكن مع الوقت يتناقص الغذاء فتنجر المجموعة كلها على الصراع على محدودية الطعام، وهنا ينبثق عامل هام وحاسم في هذا الصراع يحدد النتائج ضمن هذه المجموعة التي يوجد فيها صفات متباينة سلفاً من البنية واللون والشكل فيأتي أهم قانون في الداروانية ألا وهو الانتخاب الطبيعي ليلقي الأفراد الأقل حظاً بساحة الانقراض مع الزمن ويبقى الأفراد الذين ورثوا جينات من أهلهم صالحة للبيئة الجديدة أو المستحدثة. وهذه الصفات يورثونها لأبنائهم، أما العامل الأخير هو الزمن الذي يراكم المتغيرات في النوع حتى يشكل نوع آخر مستقل عن النوع الذي أنقرض.
وليكن معلوماً، أن قانون الانتخاب الطبيعي لايعني أبداً حتمية وجود نوع آخر بل في الغالب مايجعل النوع أكثر تكيفاً مع البيئة المستحدثة بواسطة تغير في قوام الجينات وأي نوع عاجز عن هذا التلاؤم ينقرض كما حصل لــ 95 بالمئة من للكائنات الحية التي اندثرت وتركت لنا بعضاً من عظامها في التربة والصخور.
أمثلة على النتخاب الطبيعي:
كما قلنا سابقاً أن قانون الانتخاب الطبيعي أهم قانون أستدل به داروين (وزميله والس)على التغير بين الأنواع وهو قانون صالح في تطيبقه على معظم مجالات الحياة من حروب بين البشر ومن علم نفس واجتماع وسياسة.
المثال الأول :
في بداية الثورة الصناعية البريطانية، تلوث الجو بالشحار من كثرة الإحتراقات الناتجة عن المصانع، ومع تلوث الجو، تلوثت معه الأشجار بالشحار فأصبحت الأغصان تميل للون الأسود. في تلك البيئة، كانت هناك حشرة العث التي تشبه الفراشة تعيش في لندن على الأشجار، وكان هناك مجموعة لها لون أبيض ومجموعة أخرى لها لون أسود. وبما أن الأشجار أصبحت سوداء، تخفت العثات السود من مناقير العصافير ووقعت العثات البيض فريسة بسبب لونها المميز على الأشجار. وبعد فترة وجيزة أختفت كلياً العثات البيض وبقيت السود لسبب لونها المتكيف مع البيئة.
المثال الثاني:
هناك في الولايات الشرقية والشرقية الوسطى في الولايات المتحدة الامريكية ثعابين تسمى ثعابين الفئران. وهم وسموا بهذا الأسم لأنهم يتغذون على الفئران. يتميز هذا النوع بأنه مرقط باللون الأخضر والبعض باللون الأسود والبعض باللون الأصفر وحتى البرتقالي، ومن طبيعة هذا النوع أنه يكمن للفريسة ساكن الحركة وكأنه جزء من الأرض أو غصن شجرة وهو غير سام ومن خلال طبيعته الساكنة والسرعة في الحركة واللون المرقط ينجح في اصطياد الفئران. ولولا هذه الصفات لمات وانقرض.
المثال الثالث:
الطاوس طائر جميل ومتباهي بنفسه. وقد نراه كيف ينشر ريشه الجميل الملون، وهو يفعل ذلك لجذب الأنثى، وذلك مثل البلابل. فالأنثى تختار الطاوس الأكثر جاذبية بلون ذيله ومن خلال حجمه الكبير الذي ينشره والألون القزحية الكثيرة. لكن منذ بضع ألاف السنين كان يوجد طواويس بذيل غير جميل ودون ألوان كثيرة. لكن الإناث كانت دائماً تفضل الأكثر جاذبية والأكثر رشاقة ولذلك كان لهؤلاء فرصة كي يستمرون وأن يورثوا جيناتهم لصغارهم، وأما الأقل جمالاً أهملتهم الإناث، ومع الوقت اندثروا وانقرضوا.
المثال الرابع: الإنسان والمتغيرات
البشر أيضاً يطورون مقاومة للأمراض خلال الزمن. فقد نشأ من خلال أمراض الملاريا في أفريقيا والتعامل الطويل معها، فقد طورالأفراد مقاومة للملاريا ونقلوا هذه السمة لأطفالهم. وهذا ماحدث مع فيروس ( HIV ) أيضاً . القائمة تطول مثل الطاعون والكورونا وغيرها الكثير. مسألة أخرى حول شرب حليب الأبقار. فهناك أفراد يعانون من اللوكتوز الذي يسبب تعثر بالهضم والسبب أن الماشية وتربيتها حديثة لدى البشر عمره من 8 إلى 10 آلاف سنة.
المثال الخامس والأخير- هذا المثال من خلال تجربتي الخاصة على سم الصراصير:
في أحد البيوت التي يكثر بها الصراصير، وضعت سماً في معجون الفستق السوداني وهذا السم يسبب بنزفاً في معدة الصراصير، ومات ثلاث أرباع الصراصير، لكن الربع الأخير طور مقاومة في جهازه المناعي ولم أستطع التخلص من هذا الربع الذي أخذ يتكاثر من جديد حتى وضعت له دواء لمنع الحمل، وهنا أخذت العملية فترة أطول لكن أتت بنتيجة.
خاتمة:
مما سلف نعرف أن أهم قانون في نظرية داروين هو الانتخاب الطبيعي الذي فسر كل التغيرات في الكائنات الحية حيث طبقته معظم العلوم الانسانية في مجالاتها، ومن ينتقد هذه النظرية لم يفهما بعد أو يفهم معنى الانتخاب الطبيعي الذي يعمل عبر آلية التفاعل بين الكائن والبيئة مع عامل الزمن. وهناك مقولة لمكسيم غوركي يقول فيها: " كثيراً مايردد الناس كلمات الغير دون فهمها أو فهم نفعها من ضررها.
تشرين ثاني- 26- 2022
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - مقال رائع
سمير ابو عودة
(
2022 / 11 / 26 - 18:20
)
الشكر لك أستاذ خليل على هذا المقال
.. رد فعل أشهر اليوتيوبرز على فيديوهاتهم القديمة
.. عاجل | إسرائيل تجرف حديقة إيران في مارون الراس جنوب لبنان
.. حزب الله: مشاهد استطلاع جوي لأهداف إسرائيلية في حيفا
.. نشرة إيجاز - قتيلان في كريات شمونة إثر سقوط صواريخ أطلقت من
.. أنس الشريف: قوات الاحتلال تطلق النار علينا