الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الالتفات حول تفسيرات القضاء الدستوري وتأثير الرأي العام عليها

منير حمود الشامي
(Munir Alshami)

2022 / 11 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الأصل أن لا تفصل جهة الرقابة على الدستورية في المسائل التي تُطرح عليها، دون أن تبصر بالآثار المترتبة على قرارتها في شأنها، بل توازن قبل إصدار أحكامها بين ضروراتها ونتائجها، آخذه في اعتبارها أن أحكامها لا يجوز أن تعرقل الدولة عن مباشرتها لسلطاتها بالكفاءة المطلوبة منها، وأن آثارها الضارة ينبغي توقيها أو العمل على تخفيفها قدر الإمكان، وعلى الأخص في الدولة الفيدرالية، التي ينبغي أن يكون لكل اقليم أو ولاية فيها قدر من الاستقلال يكفل ذاتيتها، فلا يكون تدخل جهة الرقابة فيما هو خاص من شؤونها، إلا عملاً منهياً عنه دستورياً. ولئن حرص قضاة الدستورية على إيضاح الآثار السلبية التي تنجم عن إبطال النصوص القانونية المطعون بها، إلا أنهم احياناً قد لا يمحصون بالدقة الكافية هذه الآثار، ولا يتأملون بعمق جوانبها، وقد يهملونها بعد وقوفهم عليها، وأن كان واجبهم المبدئي هو تحريها. والالتفاف حول تفسيرات جهة الرقابة على الدستورية، هو أحد الأساليب التي تشترك فيها المؤسسات الرسمية داخل البلاد(السلطة التنفيذية والتشريعية)، وكذلك السلطات غير الرسمية بما فيها عامة الشعب. والدور الذي تلعبه المؤسسات الرسمية في هذا الشأن يكون من خلال تبنيها لقوانين تُخالف ما انتهت إليه المحكمة من تفسيرات للقوانين القائمة، ذلك أن السلطة التشريعية ترى في نفسها احياناً بأنها المرجع الأخير في القانون التشريعي، فالكونغرس الأمريكي مثلاً يرى بأنه المرجع الأخير للتشريع، إذ يمكنه أن ينقض تفسيراً أصدرته المحكمة العليا لأحد القوانين المطعون فيها، وذلك بتبني قانون جديد يُصاغ صياغة جديدة، ويحل محل تفسير المحكمة العليا للقانون القديم، كما يمكنه أيضاً أن يُصادق على تفسير المحكمة العليا لقانون من القوانين، أو يتوسع في تطبيقه للقانون القديم. فالكونغرس يمكنه أن يرد على تفسيرات المحكمة التي يرفضها بتمرير تشريع يُخالفه، وهو ما حصل ثلاثة وثلاثون مرة على الأقل، وأن خمسة أحكام تشريعية في المتوسط يتم إلغاءها كل عام ما بين عام 1967-1990م. كذلك فالدور الذي يمكن أن يقوم به الرئيس الأمريكي أو المسؤولون التنفيذيون في الحكومة، في رفض تنفيذ أحكام المحكمة العليا التي لا توافق سياساتهم، وبمناسبة حكم أصدره القاضي الأمريكي الشهير Joun Marshall في القضية Cherokee Nation v. Georgia (1831)، والمتضمن حماية قبائل السكان الأصليين الشيروكي من المستوطنين البيض ، إذ قال الرئيس الأمريكي Andrew Jackson: لقد أصدر Marshall حكماً فدعونا نرى كيف يُنفذه؟، ومن التطبيقات العملية أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن امتنع عن تنفيذ بعض الأحكام الصادرة لمعتقلي معسكر خليج جوانتاناموا من المحكمة العليا. وبالنسبة إلى تأثير الرأي العام ايضاً، فأنه يمكن أن يُسجل معارضته للمحكمة من خلال تعديل الدستور، وعلى الرغم من صعوبة هذا الإجراء، فإنه حدث أربع مرات في التأريخ الأمريكي، فالتعديل الحادي عشر خالف الحكم الصادر في قضية Chisholm V. Georgia في 1793م، إذ قضت المحكمة العليا الأمريكية في تلك القضية، أن الولايات لا تتمتع بالحصانة السيادية ضد الدعاوى القضائية المرفوعة من قبل مواطنين من ولايات أخرى في المحاكم الفيدرالية، بينما نص التعديل الحادي عشر على أن المحاكم الفيدرالية لا تملك سلطة الاستماع إلى القضايا المرفوعة من قبل أطراف خاصة ضد ولاية ليسوا من مواطنيها. والتعديل الرابع عشر خالف الحكم الصادر من المحكمة العليا في القضية Dred Scott V.Sanford في العام 1857م، والذي جاء فيه : أن الأرقاء السابقين وذريتهم لا يعتبرون مواطنين أمريكيين. وكذلك يظهر التعبير عن الرأي العام وتأثيره على قرارات المحكمة العليا من خلال صورة المظاهرات التي تطالب المحكمة بموقف معين، ومن تلك التأثيرات التي مارس فيها الرأي العام تأثيره على المحكمة، الحكم الصادر بإلغاء التفرقة العنصرية في المدارس العامة، إذ قرنت المحكمة حكمها بدرجة من المرونة تستوعب فيه ردة الفعل المتوقع من قبل قطاع عريض على حكمها. وفي مصر كان الالتفاف على قرارات المحكمة الدستورية العليا من خلال ما تضمنته المادة (88) من دستور 1971م، من أن يكون الاقتراع تحت أشراف هيئة قضائية، وكان قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956م، قبل تعديله، قد أجاز في مادته 24 تعيين رؤساء اللجان الفرعية من غير اعضاء الهيئات القضائية، وبالطعن على تلك المادة قضت المحكمة بعدم دستوريتها، مما أدى إلى عدم حصول الحزب الحاكم على الاغلبية البرلمانية، فتبنت الأخيرة تعديلاً دستورياً لنص المادة 88، هدف إلى إقصاء القضاة من الإشراف على العملية الانتخابية، وقصر إشرافهم على اللجان العامة دون اللجان الفرعية. وفي العراق نرى الفرقاء السياسيين يحذرون من الالتفاف حول قرارات المحكمة الاتحادية العليا، بعد قراراها التفسيري المرقم (121/ اتحادية /2022) في 15 /5 /2022 الذي تضمن تفسيراً لعـبارة ( الامور اليومية ) الواردة في المادة (64/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، بناءً على طلب وارد من رئيس الجمهورية، والذي نص على أن حكومة تصريف الامور اليومية ليس من مهامها اقتراح مشاريع القوانين، وكذلك قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي اصدرته بالدعوى رقم 59/اتحادية /2012 وموحدتها110/اتحادية /2019 في 15/2/2022 المتضمن الحكم بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007م، وإلغائه لمخالفته أحكام المواد (110 ،111 ،112 ،115 ،121 ،130) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، إذ رفض مجلس قضاء اقليم كردستان قرار المحكمة الاتحادية العليا، مدعياً من أن المحكمة ليس لها صلاحية إلغاء القانون، وطعن بشرعية تشكيل المحكمة الاتحادية العليا، حيث عبر: " أن المحكمة الحالية لا تمتلك "سلطة دستورية" لأن الدستور العراقي لسنة 2005م، يتطلب إصدار قانون لعمل المحكمة من قبل مجلس النواب العراقي لتأسيسها "غير أن هذا القانون لم يصدر لحد الآن، وبالتالي فأن المحكمة تعمل بشكل مخالف للنص الدستوري (92/ثانياً). وينبغي ألا يغيب عن البال أن محكمتنا المؤقرة تعمل الأن في ظرف صعب نتيجة الخلافات السياسية والتحشيد الشعبي، إلا أن ذلك يجب أن لا يُثنيها عن دورها الكبير في الرقابة على الدستورية، فلا تكون صوتاً للسلطة التي أسستها ولا تختلط بأنفاسها، بل تستقل عنها، بما ينفي تشبيهها بالأجرام السماوية التي لا تغير من مدارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24