الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
((الصوابية)) القيمية تقترب من التحول إلى دين
عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي
2022 / 11 / 27
العلاقات الجنسية والاسرية
أثير على هامش مونديال كرة القدم في قطر جدل واسع وبالغ الحدة، حول موضوع المثلية الجنسية، وانخرطت في الجدل جهات رسمية أوربية بمستويات محتلفة، حيث أصدر البرلمان الأوربي قرار إدانه للأتحاد العالمي لكرة القدم فيفا، وللدولة الضيفة للمونديال، و قامت وزيرتان أوربيتان بتحدي القواعد التي وضعها الاتحاد والدولة المضيفة، بشأن منع الترويح للمثلية من جانب المنتخبات المتنافسة. مما حول الأمر، وعلى نحو بالغ التهور، الى مجابهة قيمية بين طرفين دوليين، وثقافتين أجتماعيتين، وخلق لدى قطاعات واسعة في المجتمعات العربية، شعورا بسعي الغرب الى فرض قيمه، وإهانة قيم المحتمعات الأخرى، واستخدام كل وسائل الضغط و ((الأستفزاز والأبتزاز)) في ذلك.
ولوضع الأمور في نصابها فيما يتعلق بموضوع الجدل لابد من التأكيد أن المثلية الجنسية حالة موضوعية، ترتبط بجانب هرموني وآخر سكيولوجي يعيشة المثلي ذكرا أو أنثى، وبهذا المعنى فهي مفهومة ومقبولة، وأنكارها وتجريمها مجرد مسعى بائس لقولبة الحياة وفق قوالب قيمية تلغي التعددية الطبيعية، ولا تعنرف بالأستثناءات الموضوعية التي قد توجد في القواعد أيا كانت، استنادا الى أحكام دينية. وثبت تأريخيا بأن مساعي الألغاء المستندة الى ذلك محكوم عليها بالفشل، بدليل عجز تلك المساعي عن تحقيق هدفها على مر التأريخ، وبقاء حالة المثلية الجنسية.
وإلى ذلك فان تلك المساعي مناهضة لجوهر الحرية على المستويين الشخصي والجمعي، فجوهر الحرية هو امتلاك الفرد أو الجماعة، الحق في التفرد، ورفض الخضوع لما يمكن أن يملى عليه أو عليها، من أفكار وقيم وأنماط حياة، أو علاقات تتعارض مع قناعاته أو قناعاتها. غير أن الأعتراف بهذه الحقائق والسعي إلى التكيف معها شيء، وما نراه من نشاط تيارات معينة ناشطة في أوربا شيء آخر. إذ تريد التيارات المعنية، وتحت شعارات الحرية، مصادرة حق الإختلاف، أي إلغاء الحرية، عبر إدانة، وربما حتى تجريم من يرفض المثلية.
وتحاول هذه التيارات احتكار ((الحق)) في تحديد ما هو صائب أو خاطئ في علاقات البشر ببعضهم. وتتجاوز ذلك الى تحديد ما هو خاطئ أو صائب في أفكارهم ومعتقداتهم وما يتمسكون به من قيم، ولا تكتفي بالتحديد، بل هي تهاجم من يحملون أفكارا أو يتبنون قيما تتعارض مع أفكارها ومع المثلية، وتبذل جهودا جبارة لتعميم ((الصوابية)) القيمية التي تتبناها في المجتمعات، وتزيين التحول الجنسي، حتى للأطفال الذين لم يكتمل نضجهم الجنسي والنفسي بعد، وتستخدم في ذلك عمليات تشهير وتشنيع ضد المختلفين، وتصمهم بسمات الرجعية ومعاداة التقدم. واعتبار اختلافهم خطيئة يتعين عليهم التوبة عنها. وهذا ما يحول المثلية الى دين يلغي ما سبقه من أفكار وقيم.
أمر أدى في عديد من المجتمعات الأوربية الى خلق بئية ذهنية، تسلب الفرد أو الجماعة، الجرأة على أعلان القناعات المغايرة، لما يتم تكريسه كــ ((صوابية)) قيمية وأخلاقية. في عملية تدجين مجتمعي، تأخذ شكل أزالة التمييز عن شرائح تعرضت بالفعل الى تمييز وأضطهاد. وضيق عليها، أو تم منعها من العيش بالطريقة التي ترغبها أو تميل إليها. وصهر الجميع في نشاطات الترويج لتلك الرغبات والميول، وقمع أي إجهار بعدم التوافق معها، أو حتى التلميح الى عدم التوافق.
وهكذا، وباسم مكافحة التمييز والأضطهاد الذي مورس تأريخيا ضد شرائح مجتمعية معينة، يجري تعريض شرائح أخرى للتمييز، وسلب حقها في تبني قناعات مختلفة والدفاع عنها، والترويج لها بالوسائل السلمية والديمقراطية المعهودة. أي سلب حريتها وحقها في الأختلاف. وتجاوز الأمر تقويض جوهر الحرية في المجتمعات الأوربية، الى محاولة تقويضه على الصعيد العالمي، عبر محاولة تخريب مناسبة رياضية ذات شعبية عالمية، باستخدامها كوسيلة لأفتعال صدام حضاري، والسعي من خلالها ألى فرض(( صوابيات)) أخلاقية وقيمية من جانب المجتمعات الأوربية، أو ذات الأصول الأوربية على المجتمعات الأخرى.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. من لاجئات إلى نازحات في الشوارع النساء السوريات تحت وطأة
.. أمل حبيب توثق يوميات الإبادة عبر مقاطع مرئية
.. ناشطة مغربية هناك أصوات لا تؤيد تغيير القوانين
.. ذكرى المؤامرة الدولية... المطالبات بالإفراج عن القائد أوجلان
.. -القائد أوجلان يُعتبر رمزاً للحرية والمقاومة-