الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق هل سينقذ العالم؟/ -بابداد- بعد بابل وبغداد/ 3

عبدالامير الركابي

2022 / 11 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


ظل التاريخ يقرا دائما على غير حقيقته على انه نمو موحد واحد، وليس نموا مزدوجا لصنفين مجتمعيين، لاارضوي اولا، وارضوي لاحق، لاارضوي سومري افتتاحا، قبل ان تبدا عملية تبلور النمو النيلي المصري الارضوي الاحادي النموذجي، وبموازاته المجتمعية الارضوية في العراق الاعلى، "عراق الجزيرة" النازل الى اسفل، لتبدا من يومها خاصية الازدواج الاصطراعي بالعمل في هذا الموضع من دون غيرة على مستوى المعمورة، حيث ديناميات الحضور اللاارضوي الازدواجي كونيا.
بمعنى الترابط بين منطويات الاصطراعية الازدواجية العراقية، والضرورات الازدواجية الكونية، فبدايات تبلور المجتمعية اللارضوية، وصولا لبدء اصطراعيتها الثانية بعد البيئية التاسيسية، انطوت على تعميم الازدواج المجتمعي بالاختراقية الابراهيمه، لغالبية المجتمعات، غربا وشرقا، بعد الانصباب الروماني الفارسي الاحادي المتعاكس عند شرق المتوسط، وكنتيجة له، مقدرة تفاعليا كونيا، الامر الذي يحاكي ازدواجية المجتمعات كينونة، بما هي تجمع بشري لكائن هو نفسه مزدودج، عقلي/ جسدي.
هنالك مجتمعية تتحقق خارج الارض، تعبيريتها هي تحققها الاني خارج ارض المنشا، ليست من ذات طينة التحقق الكيانوي المحلوي الارضوي الشائع، فالارض التي تقف عليها اللاارضوية كونيا، كتب ورسالات لاارضوية، مصاغة من خارج المعاش، مع سلسله من الاشخاص الانبياء، فوق البشريين، لابالدول والملوك والفراعنه، حاكمها الاعلى الثابت والاوحد هو الخالق المطلق القدرة والجبروت، ماينزع السلطة بناء عليه من الارض، ليودعها خارجها، ويجعل التطابق السلوكي والحياتي لاارضوي وجودا ومنتهى، عائد الى المنزل السماوي، عبر وسيط يضطلع بمهمة حمل كلام العالم الاخرالى البشر، كي يقنن وجودهم اليومي بالتطابق مع العالم العلوي، وكل هذا لايتحقق اطلاقا، وليس بالامكان تحققه من دون اشتراطات بنيوية، (1) هي نمط وصنف اخر مختلف كليا عن الارضوي، واشكال تجليه وتعبيريته، صنف "مادي" بذاته، له مرتكز وبنية تحتية، واخرى فوقيه من جنسه، محركاتها شروط "العيش على حافة الفناء" البيئية، وهي تاريخ وسلوك ومنظومة بنيوية شامله متكاملة، بالفعالية فوق الارضوية، المتعاقبة نبويا ونصيا الهيا، يظل يلحق هذا النوع المجتمعي بما فوق، ابتداء ومنتهى.
هذا يعني ان الابراهيميه هي مجتمعية اخرى، بمقابل الفرعونية الاهرامية المصرية احادية الدولة، متدنيه الديناميات، ومحصورة الفعل والادراك داخل كيانيتها المحلوية المعزولة،ودورتها التاريخية الواحدة، التكرارية الاجترارية، كما بمقابل اعلى اشكال الاحادية دينامية، تلك الانشطارية الافقية الطبقية الاوربيه، وهو مالايدخل عالم "الاجتماع الاحادي" الذي يعتمد في النظر الى المجتمعية المنوه عنهاهنا "علم الاجتماع الديني"، وهي مزحه دالة على القصورية والمحدودية، عدا عن استمراء التغلبية الصنفيه النمطية، بالاضافه الى ماينطوي عليه مانشير له من ضلالة كلية، تقع على رؤية التاريخ، والتفاعلية التصيّرية المجتمعية، لتضعها خارج ماهي منطوية عليه، وموجودة لكي تبلغه.
وليس مستغربا انه لم يحدث خلال تاريخ الاحادية ـ وهو مطلب تعجيزي ـ فتح باب من النظر والبحث تحت عنوان "علم الاجتماع اللاارضوي"، فالارضوية تنتفي حين تقر وجود نوع مجتمعية اخرى كهذه، هذا مع العلم انها اصلا غير قادرة على ادراك مايتعدى نموذجها، وتلك مسالة بنيوية تكوينينه لايمكن خرقها، يظل يعززها ويجيز استمراريتها، عجز اللاارضوية عن الافصاح النطقي عن ذاتها، وبالاجمال تدني القدرة البشرية عموما عن نطاق الاحاطة بالظاهرة المجتمعية، ابتداء، وعلى مدى غير قصير من التفاعلية التي يحتاجها العقل، قبل ان تتوفر له اسباب الاحاطة الضرورية على هذا الصعيد.
وتلعب اليدوية الانتاجية هنا دورا فاصلا، فهي متطابقة مع الارضوية، وتكرس غلبتها وهيمنتها المفهومية والنموذجية، في حين تمنع على اللااضوية التحقق والنطقية، في الوقت ذاته وبناء عليه، فان الارضوية يقترن امدها، ومدة استمراريتها باستمرار الانتاجية اليدوية، فما ان تنبثق الالة حتى تصير هذه قيد الانتهاء والزوال، وتسود وقتها حقبة من اللاارضوية مع غلبة ارضوية ختامية قصيرة اقرب الى القمة، يتمخض عنها حال من الاختلال المتراكم والمتفاقم، يفضي لخراب العملية المجتمعية ككل، ما يدخل الكائن البشري لحظة بمنتهى الخطورة، يصير فيها وعي مقتضيات اللحظة من قبيل مالايمكن تحاشيه، او توقع الاستمرار الحي بدونه، فتتطابق عندها ضرورة القفزة الادراكية المتعدية للارضوية، والتي تطابق التقاء الوسيلة الانتاجية، وصنف الوعي النمطي، اي الالية المتحورة بما هي وسيلة الانتاج اللاارضوية المنتظرة من بدايات اللاارضوية، وتوقفها دون وعي ذاتها، مافسح المجال في حينه لغلبة الارضوية وزاوية نظرها.
على هذا المنوال يكون حضور اليدوية الانتاجية، برغم انها تنتسب لطور بيئي متماثل، الى منع اللاارضوية من التحقق الابتدائي، مع انها هي التي توجدها كحالة استثناء، غير ان اللاارضوية من طبيعتها وتكوينها، انها لايمكن ان تتحقق الا اذا تتهيا وسيلة الانتاج التي صنفها، اي الغير ارضوية، التي هي "التكنولوجيا العليا" المتولدة عن تحورات الالة عبر الصراعية الالية المجتمعية بصيغتها البيئية،ضمن اشتراطات وظروف تازمية قصوى، تتهيأ خلالها اسباب النطقية اللاارضوية،وعملية اجتياز حاجز الوعي، بالذاتيه المتعذر وعيها قبل هذا اليوم. ان الغرب الحالي الارضوي الذي يتعامل مع طور يتعداه بتصورات ماقبله، بحسب مايتفق واسس منظوره الاحادي، هو بالاحرى لحظة تدميرية افنائية، تسمح لها شروط التكريس الطويل لما هو ارضوي، بان تظهر بمظهر الضرورة واللازم، ومصدر السير الى الامام لفترة لم تبدا نذر انتهاء توهميتها الخداعية الخطرة، الا منذ وقت قريب، اليوم.
اي انقلاب هائل من صنف خلقي وجودي، نحن بصدده اليوم، واي زمن يتعدى المتخيل؟، يسالني البعض من الاقرب احيانا، هل لاقى مقال اليوم ردود فعل ما؟، فاضحك مع انتباهي للتفاؤلية التي قد تداخل البعض، بما يتجاوز ماهو موضوعي وممكن، فكيف يمكن ان تكون ثمة ردة فعل على مالايدرك، ومالامكان له الا في جدول التخاريف والتهويم غير المسبوق، مع كل المعروف من نوع ردة فعل الكائن "الانسايوان"، بحسب حدود ادراكيته التعودية، مع قوة المكرس عبر قرون، على انه الواقع والحقيقة البديهية، وضخامة و "عظمة" المنتهى الغربي، ومنجزه البراق القاتل، مقابل حالة ازراء تقارب الانمحاء، عراقية غير مسبوقه، ياتي من يقول بانطوائها على احتمالات الامل.
لكن ومهما يكن حجم العوائق والمصدات التي قد تذهب لحد الافنائية، وسط عاصفة الضخامة الانقلابيه، لايجب ان ننسى الوقع السحري للاحتمالية التحولية، بالاخص اذا بدا ان السحرية التحولية، ومغادرة الجسدية، يمكن ان تكون قابله للتحقق فعليا وواقعا، وليس كحال مؤجل الى مابعد الموت، وهو ماكان "الانسايوان" ارتضاه في الماضي، تخفيفا لوطاة وثقل العيش الارضي، وهنا ينبغي ان نستحضر، وعلى مر التاريخ، جزع الكائن البشري من يومياته ومصيرة المقدر داخل القهرية الجسدية الارضوية، وماقد فرض عليه وسطها من نمط عيش لاافق له الاالموت،، فاذا جوبهت دعوى التحولية اليوم، فان غيرها في الماضي قد جوبه بقوة، واحيل الى ماهو خارج العقل، مع فارق اساسي، هو ان الاصطراعية بين الدعوات الكبرى، وبين الجمود والتمسك بالقائم في الماضي، كان يحدث ضمن نمطية واحدة، ونوع عيش هو نفسه مع بعض التحويرات والتحسينات، بينما الحالي يتعلق بالجنس البشري كينونة بنيوية، وبوطاة الجسدية القاهرة ووحدانيتها، مع تعذر حضور اسباب تحقق ماهو قابع في النفس من جموح مخالف، بحسب عائديته لنوعه اللاجسدي الكامن في الكينونه البشرية.
فماذا اذا تكاثرت وتسارعت الكوارث، وتعددت على مستوى المعمورة، وصار البحث عن منفذ ملحا، يتساوى مع قوة البقاء، وعلم ابناء ارض مابين النهرين، ان المخرج موجود فيهم وفي ارضهم، واذا اطل "قران العراق ويقظة البشر"، وصار كل ماحول ابناء الاول من تشرين 2019وغيرهم ممايتعدى دائرتهم، مفسرا من زاوية اللاارضوية، والانتقال العظيم عبر المسرب الجنوبي العراقي المتحول اخيرا، وبعد حلول طور "العيش على حافة الفناء الثاني" الممتد حروبا وكوارث من 1980 مع الحرب العراقية الايرانيه، الى اليوم، بما هو مسرب تماسي بين منفذ المغادرة، والعالم الاخر، وكما كانت هذه الارض عند الابتداء سائرة الى الاعلى ومؤجله، هاهي اليوم تتحول الى واقع هي اجدر به، ومهياة له كابتداء ثان.
ولاننسى طبيعة جموح اهل هذه البلاد، كما كان وظل على مر الدورات والانقطاعات الطويله الثلاث، كما لاينبغي ان ننسى عقلهم واحساسهم الثاقب الازدواجي، المنتمي الى غير المعتاد، المتاتي عن الخلفية وان غير المدركة، والمطوية، هذا ولايجب ان ننسى حميتهم، "والشهامه" المشتعلة بين جوانحهم، حال يتيقنون انهم معنيون بغيرهم، ومكلفون من لدن الغائية العليا، بالبشرية ومصيرها... كل هذا يجعل مفردات الحالة الانقلابية العظمى الراهنه، مختلفة، و مغايرة لماعرف قبل اليوم من اشباه انقلابات، ضمن الحالة والطور نفسه.
الكائن البشري موجود على الارض مؤقتا، ينتقل بعدها الى الكونيه الاخرى غير المرئية، هذا ماتقوله اللاارضوية العراقية، ووجدت دلالة على واقعيته غير الموعاة، اليوم صار الانتقال ضرورة ملحة، وامكان تحقق، بالوعي المتاخر للحقيقة اللاارضوية، كما بالالة المتحورة الى " تكنولوجيا عليا"، هي وسيلة الانتاج اللاارضوية، وريثة اليدوية وسيلة الانتاج الارضوي، التي ستبدا مهامها في الارض الاولى، استهلالا باضعاف الحاجاتية الغريزية اللازمه للديمومة الجسدية، كما بازالة سطوة واستبداد "الموت الجسدي"، المهيمن باجحاف الى اليوم، على اشتراطات الديمومة العقلية، ماستجري معالجته بعملية اطالة العمرالبشري ابتداء وكخطوة افتتاح، قبل استكمال عملية التعرف على الكون الاخر، واشتراطات التفاعل معه، ومع سكان العالم الاخر... وتلك مسالة اخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مع هذا يجهد الارضويون عادة كي يثبتوا علاقة مواضعهم بما يسمونه " الدين"، متصورين ان الاحادية يمكن ان تنتج ماهو نقيضها، ومن غير نوعها بنيويا، كما يفعل المرحوم سيد القمني، في مقاله الاخير / فلسفة الوجود المصرية/ المفعم بالسذاجه وادعاء المعرفة المفعمة بروح الكيانوية الارضوية/ المنشور في الحوار المتمدن عدد رقم 7442/ يوم 24/ 11/2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا