الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل نقدي ذرائعي للقصة الموجزة المكثفة ق. م.م / منتهى الأدب / للقاص المصري منير عتيبة بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي

عبير خالد يحيي

2022 / 11 / 27
الادب والفن


النص:
منتهى الأدب
اعتاد أن يكون مؤدّبًا جدًّا, لا يرفض طلبًا لأحد, ولا يُغضب إنسانًا, يدير خدّه الأيسر وهو يشعر بغبطة لأنه يملك نفسه عند الغضب.
وهكذا؛ وبمنتهى الأدب, اعترف لوكيل النيابة أنه هو من أطلق الرصاص على بعض جيرانه وزملائه..
ثمّ انخرط في بكاء شديد, وانشرخ صوته بالندم لأنه..
لم يقتل الباقين!.

1- ديباجة النص:
يتحدّث النص عن إنسان مؤدّب خدوم حريص على رضى الناس, حليم, راضٍ عن نفسه, لأنه يتمتع بثبات وتوازن انفعالي, وسلام نفسي, يستمدّه من أخلاقيات الدين متخذًا من أقوال السيد المسيح والرسول الكريم أسوة حسنة في الصفح والمسامحة والصبر والحلم والصدق, وبنفس الأدب يعترف أمام وكيل النيابة بأنه أطلق الرصاص على بعض جيرانه وزملائه, ثم يفقد ثباته الانفعالي حين ينخرط في البكاء, ويعلنها صراحة بأنه نادم, لأنه لم يقتل الباقين!
هذه ديباجة النص من الناحية السيمانتيكية.

2- التحليل الدلالي الإيحائي:
في القص الموجز المكثّف ( ق.م.م) تنشطر الدلالة إلى شطرين: شطر شاخص مرئي يشير إلى شطرها الإيحائي المخبوء, وهذه الصفة التي تميّز هذا النوع من القص الكتابي, وتدخله في تكنولوجية الأدب, لأنه بحلّتين متماسكتين, الأولى تسكن العالم الخارجي بشخوصها اللغوي المرئي, لكنها تشير بإصبعها الغليظ نحو العالم الداخلي بإيحائها اللامرئي, لذلك يشكّل النص ( ق.م.م) رؤية إدراكية تدخل في عمليات عقلية إدراكية مشفّرة, ولو نظرنا إلى الدلالات التي سبق لنا شرحها في الديباجة لوجدنا هذه الاستراتيجية معلنة بشكل واضح, ومعبّرة عن انشطار الدلالة بين السيمانتيك والبراغماتيك في قناة التواصل التي ينتهي فيها السيمانتيك على حدود المعنى الذرائعي اللامرئي, ليبدأ الدماغ بالإدراك وإعطاء الصيغة النهائية في المعنى لكل دلالة, فنصفها الثاني اللامرئي يؤكّد نصفها المرئي ويخالفه بالشكل والمعنى.
فالدلالة الأولى : كلماتها مرئية شُرِحت بشكل إخباري يشير نحو النصف الآخر الإنجازي, أُعطيت شروحات بالنصف الأول تشير نحو معنى واحد وهو فضيلة الصبر, والدلالة الثانية تشير نحو الطيبة ونقاء النفس, والثالثة تشير نحو التديّن والبعد عن كل ما يغضب الله من كذب ونفاق, لذلك هو بكى وندم, ولكن ليس على ارتكاب جريمة قتل بعض جيرانه وزملائه, وإنما لأنه لم يقتلهم كلّهم !
أما الشطر الثاني من الدلالة, فنستعرضه إيحائيًا كما يلي:
الدلالة الأولى :
(اعتاد أن يكون مؤدّبًا جدًّا, لا يرفض طلبًا لأحد, ولا يغضب إنسانًا, يدير خدّه الأيسر وهو يشعر بغبطة لأنه يملك نفسه عند الغضب).
فهذًا الإسناد كان إلى ( إنسان), عبّر عنه الكاتب برمز مقفل, لا اسم له ولا كنية, ليشير بهذا الرمز إلى العمومية المترعة بالحكمة والأدب والصبر والتسامح وحسن المعاملة, إلى إلى الإنسانية الخيّرة, وقد أكّد القاص تلك الإشارة بتناص ديني مع قول السيد المسيح: "إذا ضربك أحدهم على خدّك الأيمن فأدر له خدّك الأيسر", ومع حديث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: " ليس الشديد بالصرعة, وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب".
الدلالة الثانية:
(وهكذا؛ وبمنتهى الأدب, اعترف لوكيل النيابة أنه هو من أطلق الرصاص على بعض جيرانه وزملائه..)
في هذه الدلالة كان الإنجاز: بارتكاب فعل الجريمة, وفعل الاعتراف انطلاقًا من التزامه الديني الذي ينهاه عن الكذب, والاعتراف بالذنب.
الدلالة الثالثة:
(ثمّ انخرط في بكاء شديد, وانشرخ صوته بالندم لأنه..لم يقتل الباقين!.)
وهذه الدلالة فيها الإحالة التي تجعلنا في حيرة, لأن فيها تأكيد على أخلاقيته الإنسانية والدينية, ببرادوكس جهته الأولى تشير, ظاهريًّا وكما يُفترض, إلى الأسف على ارتكاب إثم القتل , وجهته الثانية تشير إلى الندم على عدم إتمام الجريمة والإجهاز على كل الذين أزعجوه وأخرجوه عن حِلمه فارتكب بسببهم إثم الغضب, ثم إجراء القتل, فهم بنظره كاذبون ومنافقون وآفّاقون, ومارقون على الدين والأخلاق, لذلك يستحقون القتل, إذ كيف يعيش الخير في وسط الشر دون أن يتصارعا؟! وكيف لا يُتِمّ الخيرُ فعلَ اجتثاث الشر بالكامل إذا سنحت له الفرصة بذلك؟!
هذه الدلالة امتلكت سمة الكوميديا السوداء المحمولة على المفردات التالية: ( بمنتهى الأدب- انخرط- انشرخ) التي حمّلها بالمبالغة الإجرائية.

3- التحليل النقدي وفق المستويات الذرائعية:
• المستوى المتحرّك:
- استراتيجية القاص تبدو واضحة جدًّا, حيث يستعين برموز مغلقة, وهذا يجعله مستوعبًا لهذا النوع من القص القصير الذي يمتاز بالإدراك الفكري للكاتب والمتلقي.
- استخدم تقنية الدلالة بشكل دقيق, حيث قسّم نصّه لثلاث دلالات فقط, وهذه الدلالات تحمّلت ثقل حمل رسالة الكاتب نحو المجتمع بشكل أمين.
- كان الكاتب ذكيًّا بدلالاته الثلاث حيث ربطها بالتناص مع قول للسيد المسيح وحديث شريف للرسول الكريم, إضافة إلى ربط رسالتها أيضًا بالتوازي مع حكمة مأثورة.
- المفارقة: استخدمة تقنية المفارقة, حين جاءت النهاية فوق مستوى التوقع نسبة إلى الإسناد الإيجابي ( إنسان خيّر), والإحالة السلبية المباغتة ( يرتكب جريمة يندم على عدم إكمالها).
- السخرية والتهكّم: ( منتهى الأدب), جملة العنوان وتكرارها قبل النهاية, بهذه الجملة البرئية كان التهكّم حينما قيلت وعنت العكس, بمنتهى الأدب اعترف بارتكاب جريمة قتل, وبمنتهى الأدب ندم لأنه لم يشمل الجميع بالقتل!.
• المستوى النفسي:
مادام هذا النوع من القص يدخل العالم الداخلي( الحسي الإدراكي) فهو إذًا يولد من سيكولوجية الكاتب, والقاص هنا يشير نحو قضية الإنسان الحقيقي الذي تتفق نفسه مع ضميره, مع أنهما أشدّ عدوّين متخاصمين في سيكولوجية الفرد, فإذا جاء ما يكسر هذه العروة, فإن النتائج تكون كارثية, كما يقول المثل: ( اتق شر الحليم إذا غضب).
• المستوى الأخلاقي :
يشير هذا النص نحو قضية أخلاقية, تتمثّل بفضيلة الصبر والحلم والطيبة والصدق, والاعتراف بالخطأ, ودعوة لاتقاء شر الحليم إذا غضب.
تحية للأديب منير عتيبة على هذا النص الماتع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى