الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر الزيتون

طارق حربي

2022 / 11 / 27
الادب والفن


أيها الناسُ
يا أممَ الطيرِ والحيوانْ
يا مملكةَ النباتِ ويَخضورَها
يا أهلَ أور ومن نامَ نومةَ اللُّحودِ في القبورْ!
نايُ القصبِ نائحٌ في الدروبْ
وقلبُ المدينة باكي!
أيتُها الندّاباتُ في معابدَ سومرَ أشعلنَ الشموعَ وَرَدِّدْنَ
المناحاتْ
- هذه ليست حياة!
أيتُها المدينةُ التي تنوحُ نَوْحَها على نهر غاضَ ماؤهْ.
وتنتشرُ القُمامةُ في نواصي شوارِعِها. وجَفَّ ضُرعُها ولا
يشطأ زرعُها. وأصابَ بلبلَها الخرسُ فلا يشدو!
أيتها الأهوارُ التي نَحَلَ غُرنُوقُها، ولا تَبيضُ فيها سمكة.
ولا ينمو في غَيْضاتِها جديدُ القصبْ، وكفَّ الطيرُ عن أن
يهاجرَ إليها، من شمال العالم كلَّ عامٍ في خَطَّينِ دوليينْ!
أيها الناسُ
وأممَ الطيرِ
والحيوانَ
وممالكَ النباتِ ويَخضورَها
استيقظَ العالم صباحَ اليوم على مجزرة!
فزعَ الإنسُ والجنُّ
وفرَّ الطيرُ من الأشجار وغصونِها
والنخيلِ وجِرّيدِها
هربَ السمكُ إلى أعماق النهر الذي أصبح ساقية
ثارَ الغبارُ وانهالَ الترابْ
وتجمعتْ على بقع الدماء فيالق الذباب!
جوقةً كان لسانُ الغيبِ يُنشدُ
- بسببٍ أو بلا سببْ
بوعدٍ أو من دونِ وعدْ
كُتِبَ على الإنسانِ في الناصريةِ أن يموتَ قبلَ موعدِ
موتِهْ!
في منتصف حياة العوز والشقاء، راضياً من البلاد الغنيَّة
بعلقَمِها ومَشَقَّتها!
بلا غيمةٍ سارحةٍ تُظلِّلُ الأبعدَ من خطاهُ المسرعةِ إلى
مقبرةِ النجفْ!
- ما أبطأَ خطواتَهُ في طريق السعادةِ الغائبةْ؟
- ما أسرعَها إلى وادي السلامْ؟
أمّا أيامُهُ القليلةُ فيعدُّها الحاكمُ الفاسدُ بالقَطّارةْ!
أيها الناسُ يا من تحبونَ الحياةْ
مَللتُ من كتابة المراثي!
وأرغبُ في الباقي من طاقتي أن أكتبَ قصائدَ غزليَّةْ!
شعر الغزل أبقى من شعر المراثي!
ونحنُ العراقيينَ نطلبُ الخلودَ بالوَلدِ والمالِ والكتابْ!
أريدُ أن أتغزَّلَ بشَعر حبيبتي الأشقَر، فيما عيناها
الزرقاوان تحملني فيهما الأمواجُ إلى جزرٍ وأرخبيلاتٍ
نائية، لا أعود منها إلّا منتشياً بجمال الطبيعة.
أن أصفَ نكهةَ قُبلتِها، كلَّما قرَعْنا كؤوس النبيذ على
الشواطىء الأسبانية!
وكيفَ أنَّ تنهيدتَها في سرير الحرير قصيدةُ هايكو، عن
وقتِنا القصيرِ على الأرض!
مَنْ مِثلُكِ أيَّتُها السماءُ المطرزةُ بنجومِ الظهرِ، تفهمُ حَيرَةَ
العراقي، إذا ما ذابتْ نفسُهُ حسراتٍ أمام النركيلة في
مقاهي الناصرية؟!
من مثلُكِ أيتُها السماءُ
يا مُغويةَ سُكارى الليلْ
يا وهمَ العارفينَ أن الإنسانَ يقطينةٌ تنضُجُ للموتِ في كلِّ
مكانٍ في هذا العالم، إلّا في الناصريَّة!
وَمَنْ سِواكِ أيَّتُها الأرضُ مصيراً وملاذاً يفهم، أن الإنسان
في الناصرية يموت بشَمَمٍ قلَّ نظيره عند بني الإنسان!
وكانَ لهُ أملٌ واحدٌ من بينِ كلِّ مُحبَطاتِ الآمالْ، أن يعيشَ
الحياةَ التي يستحقُّها!
- هل عاشَ يوماً الحياةَ التي يستحقُّها؟!
يموتُ قبل سنِّ الخمسينَ وتبدأُ الحياة - كما يقول الإنكليز-
بعد سنِّ الخمسينْ!
يموتُ وفي يده سعفةٌ بنى فوقَها العصفورُ عِشّاً هوتْ به
الرياحْ. وبقي عارياً بلا سقفٍ يؤويَهُ ولا وظيفة!
أما بيتُه الساكنُ فيهِ حالياً فبالإيجار!
وكلَّما وقفَ بين يديّ ربِّهِ قانتاً مرتْ في خاطره آلاف
الطلبات العائلية!
يصعدُ فوقَ سطحِ بيتهِ المتهالكِ يترقبُ هلالَ العيدْ، وعلى
جلودِ أطفالِهِ أسمالُ العامينِ الماضيينْ!
يشربُ الماءَ (الخابط من الجليكان) لكنه يقومُ إلى الصلاةِ
حامداً وشكوراً
يسلقُهُ الحرُّ في فصل الصيف سلقاً، لكنه يصومُ حامداً
وشكوراً أيضاً
وعندما خَرَجَ على الدولة المنهارة ودينارِها المنهوب نهباً،
أهدتْهُ مقبرة نموذجية ونعشاً!
وقالت له
- إركبْ زورقَكَ أيها الوحيدُ التائِهُ في الغبار، سرْ به نحو
الأبديَّة!
- لِيَكُنْ مصيرُكَ في وادي السلام، لا في بلدانِ السياحةِ
مثل أبناء الخليج العربي!
(راتبُهُ) بيد الحكومة ومصيرُه بيد الحكومة أيضاً!
لكنه عندما يُحملُ على آلة الحدباء يبتسم هازئاً من
أقدارها!
2022 Norway








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل