الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمن يؤرقه الاحتلال الإسرائيلي تجاوز نصف القرن .. فتش في المدرسة

سعيد مضيه

2022 / 11 / 28
القضية الفلسطينية


مؤلف جديد في ميدان التربية للمثقف والروائي الفلسطيني، مشهور البطران، متميز بإمعان النظر من داخل المدرسة، خلص من ائدراسة النقدية للتربية في فلسطين من موقع الخبرة الذاتية ، الى عقم العملية التعليمية وتأثيرها السلبي على المجتمع. لا ينهض بمهمات التفكير العليا من استيعاب العلم الى إنتاج العلم.استخلاصات معلم مثقف، يحمل الرؤية النقدية والغيرة المتشوقة لمدرسة يتسع فيها حيز الثقافة الوطنية المكافحة والإنسانية.
مسترشدا بفكر علمي واطلاع واسع على مختلف العلوم الإنسانية أودع مشهور بطران، في كتابه "المدرسة من الداخل سوسيولوجيا مدرسة مقهورة"، تجربة ثرية في مجالي التربية والبيداغوجيا. والمفهوم الأخير استعمله المؤلف في بحثه، وتولى شرحه وتحديد معناه كما يرد لاحقا.
انتقيت في هذه العجالة مقتبسات تضوي الأنيميا الاجتماعية الناجمة عن حالة المدرسة الفلسطينية. على ان اقدم عرضا للكتاب يحاول الوفاء بقيمته الفكرية النفيسة.
يكشف المؤلف أولا الرسالة الهدامة للاحتلال الإسرائيلي ، ليس في مجال التدمير المادي والقتل الجماعي، بل في ميدان التعليم بالذات . فقد "رفعت إسرائيل رواتب العاملين في مشاريعها بحيث غدت اعلى من راتب الموظفين؛ فاستقطبت الشباب نحو سوق العمل ليتركوا المدرسة" ، وذلك بتعليم لا يدفع للاستزادة من المعرفة ، ولا يحفز الهمم لرفع المنسوب الثقافي كي يعانق هموم الوطن والمجتمع . شاعت الأمية الثقافية والعدمية الثقافية ، وهذا ما استهدفته "مكرمة" الاحتلال تحت يافطة "السلام الاقتصادي"، ومضمونه استغلال القوة العاملة العربية في المشاريع متدنية المهارة . لم يزل التعليم المدرسي يغري بالخروج الى العمل في المشاريع الإسرائيلية متدنية المهارة.
ويكتب الباحث أيضا،" في زمن الاحتلال غدت المدارس ’بانتوستانات‘ على طريقة الأبارتهايد. ... في عهد الاحتلال لم يكن يسمح للمعلمين المؤطرين سياسيا الدخول الى المدارس ولا العبور الى الحقل التربوي".
في آذار 2013 نظمت جمعية ثقافية تحمل اسم القائد الشيوعي الراحل فؤاد نصار مؤتمرا تربويا شارك فيه اكاديميون وممثل عن وزارة التربية بهدف استشراف أفق جديد للتعليم العصري بفلسطين. لم تحظ نتائج المؤتمر وقراراته باهتمام يذكر من جانب المؤسسة الرسمية؛ فالتعليم العصري، إذ يقوم على التحاور والتعاون بدل التلقين، ينمي في الأجيال الفكر النقدي والباحث والاحتفاء بالعلم ومنهجيته، وبذا فإنه يشكل خطورة على الأنظمة المحافظة. وما من شك ان مؤلَّف مشهور البطران سيحاط بمؤامرة الصمت إن لم يجلب للمؤلف وجع الرأس وبعض المتاعب. ان مقاومة الاحتلال لا تتجمدعند شتم الصهيونية وأبارتهايد إسرائيل؛ مقاومة
وبعد ان تسلمت السلطة الوطنية إدارة عملية التعليم فقد أخضعت إدارة المدارس لمعلمين مرضي عنهم امنيا واوكلت لهم مهام اجتماعية إضافية مثل فض الخلافات العشائرية. يطلق المؤلف على النظام المستجد "مدرسة أوسلو" ، ومن خلال المديرين اخضعت المدرسة للنفوذ العشائري والأمني ولنفوذ الحزب الحاكم – فتح. بالطبع نفس النظام اتبع في غزة مع الشطط في تكثيف البرامج الدينية وادارة من الحزب الحاكم، حماس.
حسب توصيف المؤلف قإن" أفضل كلمة تصف المدرسة الآن هي الرتابة، التلف والإنهاك يتجليان بوضوح في الفضاء المدرسي".
في هذا المناخ "تقوم المدرسة بتربية المواطن كي يفكر ويمارس حياته بما يتوافق ومصلحة السلطة...التعلم فعل ثقافي اجتماعي يجعل من المتعلم كائنا تاريخيا يراكم خبراته ليقف عليها مستشرفا مستقبله. الفشل والنجاح معياران ثقافيان من صنع الإنسان. ترويض الإنسان يبدأ بترويض أفكاره بحيث يغدو مدركا لسلوكياته. ترويض الجماهير ، صناعة الراي العام وغسيل الأدمغة".
مقاومة الصهيونية والأبارتهايد لا ينفع معها شتم الصهيونية ، ولا حتى روابطها العضوية بالامبريالية. غن التصدي للخطر الاحتلالي وما يعلنه من دولة سهودية في فلسطين كافة، وحرمان شعب البلاد الأصيل من حرية تقرير المصير ، تتطلب تربية عصرية تشحن الأجيال بالإرادة البانية وتنمي العقل النقدي ويطلق الطاقات الإبداعية. في هذا الصدد كتب المؤلف:
"الحرية مكون اساسي ومشترك بين كل البرامج والسياسات والأنظمة الفعالة . (يمكن حدوث اكتشافات عبقرية في ظل انظمة الطغيان). في غياب الحرية ينحدر كل شيء، وأول ما ينحط هو التعليم الذي يتحول الى أداة لتغييب العقل والرضى بالقدر. في غياب الحرية لا يمكن ان يتوفر تعليم نوعي ينهض بالإبداع. التعليم في مجتمعات الاستبداد هو تعليم الحد الأدنى، تعليم الكفاف". والمعلمون الحاليون هم نتاج التعليم القاصر وضحاياه. من حيث الضحالة الفكرية ومحدودية الاهتمام وتفضيل التعليم التلقيني على التحاور ينقلون الأسلوب عن معلميهم .مراكمة الصفوف ومراكمة الحصص الأسبوعية تحول بين المعلم والتفكير في وسيلة تعليمية بديلة للتلقين.
"الغيت كلمة المناظرة في القاموس المدرسي، ويفتقر المعلمون الى الحد الأدنى من مهارات المناظرة والجدل العلمي؛ كذلك الحوار والنقاش غريبة عن المعلمين، الغضب السريع والكلام بحمية كانه دفاع شخصي. تنتفي الحاجة للحوار... يتخذ التواصل من فوق الى تحت طابع الأوامر والتبليغ وتوجيه التعليمات والتلقين والمنع والتحذير والتخويف والتهديد والتوبيخ والتجهيل والاستهزاء والإذلال والشتم والتحريم وتوليد الشعور بالذنب والقلق. وبالعكس يتم التواصل من تحت لفوق بالترجي والإصغاء ورفع التقارير والانصياع والاسترحام والتذلل والاستعلام والمراقبة الذاتية، وياتي ذلك نتيجة العلاقات الاستبدادية التي تعتمد فلسفة تربوية تستند الى الترهيب وليس على الإقناع... اتجاه السلطة العمود ي ولد المقاومة بالحيلة – النميمة والغيبة والتنابز والدسائس والمكر والخديعة..."
"وبعد ثورة الملتميديا- الثورة العلمية في ميادين الاتصالات - حيث عبرت على مجتمعاتنا ووجدت فراغا احتلته مسيطرة على الأذهان". وظف الطلاب وسائط التواصل الاجتماعي" بما منحهم معارف ولدت نظرة متعالية على المدرسة والمعلمين. تزامن انتقال إدارة التعليم الى السلطة مع ثورة في التكنو ترون وضعت في حيز الطلبة تلفزيونات وأجهزة ذكية تمدهم بالمعلومات وقضايا أخر.
"ما من خطاب علمي رصين يتصدر غرفة المعلمين ، بل خطاب الفهلوة، واحاديث النميمة والثرثرة والإشاعات اخذت تظهر في المدرسة شخصية الفهلوي، صراخ ومقاطعة حديث اخرين ويتدخل في كل شيء وجوهره فارغ. لكنه مسنود من خارج المدرسة.
في الجو الديمقراطي يغدو التعليم اداة تحرر من الخوف. نقل المؤلف عن باولو فريري التأكيد بان رسالة التعليم الحقيقي هي التحرير . " تتحول التباينات الى قوة دافعة تنهض بقدرات المتعلمين.اما السلطة المدرسية الاستبدادية فتنفجر في مكامنها وتتحول الى قوة فاعلة تجد مفاعيلها على الأجساد والعقول، ويغدو التعليم وسيلة لترويض هذه الأجساد والعقول؛ ومن آثاره العنف بشقيه الفيزيائي والرمزي؛ والقوة إذن هي الفعل الإكراهي للسلطة الذي يحولها الى تسلط.".
الإكراه يولد لدى الكثيرين التزلف والرياء. " في بيان يستنكر توقيع السلطة على اتفاقية سيداو القاضية بإلغاء مظاهر التمييز ضد المرأة، وقع على البيان مديرو مدارس ومعلمون وأكاديميون الى جانب وجهاء العشائر. كيف دخلت العشيرة والحزب السياسي والمدرسة في تحالف ضد التقدم؟ " حوادث متعددة من قمع الأنشطة الفنية جرت في المدارس والجامعات: " مسئول رفيع دخل الى مسرح جامعة النجاح فيما كانت الممثلة الشابة عشتار معلم تقدم عرضا مسرحيا بعنوان ’انهيدوانا‘ وأوقف العرض مبينا للجمهور ان هذا العرض يتعارض مع قيم وعادات وتقاليد الشعب الفلسطيني". المجتمع ، إذن، بجهله وعشائريته يقود المدرسة والجامعة . وفي غزة "أوقف عرض موسيقي يضم موسيقيين وموسيقيات ". وقرارات حظر ومنع اخرى تظهرنا في موقف متخلف بجانب إسرائيل متقدمة .
أين علاقة التآلف والاحترام المتبادلين؟
دأب المربي والمنور خليل السكاكين على الحض على بناء علاقة إنسانية داخل المدرسة؛ حض مرارا على احترام الطالب " قل له يا سيد لا تعوده ان يقف أمامك ذليلا !".
في المدرسة الاستبدادية تنشأ علاقة غير ودية بين الطلبة والمعلمين. في الجزء السادس من الفصل الثاني يتطرق الباحث الى"الفضاءات الهامشية وخطاباتها المستترة" يلقي نظرة على الفراغ المهمش للمدرسة حيث ينتقم الطلبة من المعلمين بالتخطيط على الجدران.
"يدخل الآذن حمامات المدرسة باعتبارها فضاءات شديدة الخصوصية. هنا يتاح له ان يستكشف مدونات الطلاب على جدران الحمامات والتي تكشف بنية القاع الطلابي في المدرسة. عادة ما تكتب في لحظة غضب من زميل او معلم.... من حين لآخر يطلب المدير من الآذن تفقد مدونات الطلاب في الحمامات ويشطبها. بعض المديرين يقرأون المدونات ويتخذون في ضوئها بعض الإجراءات والتدابير......يتمادى بعض الطلاب فينقلون المعركة من الخاص الى العام يدونون على جدران المرسة والبيوت المجاورة؛ يعرفون كيف يوجعون المعلم عبر التشنيع غلى الصورة الاجتماعية والتربوية للمعلم".
ويتساءل الباحث منطلقا من قاعدة الانتقام المشهر بالاستبداد التعليمي وعواقبه الكارثية.:
- ما الذي يعنيه ان تتحول الجدران الى مدونات للطلاب؟
-لماذا لا يتاح للطلبة الاحتجاج الديمقراطي؟
- لماذا تغيب في المدارس اليات النقد والمكاشفة؟
-ما الذي يدفع الطالب الى البحث عن منصات جديدة ليدون عليها صوته الرافض؟"
- كيف توفر للطلاب منصات للتواصل الفعال مع معلميهم؟


البيداغوجيا الإبداعية:
لا يتوقف الباحث عند النقد بل يجتهد، مستعينا بثقافته الغنية، بديل تعليم الديمقراطية والحرية :
*بيداغوجيات التعليم[ وسائل وأساليب التعليم] تعلم انشطة تلعب دورا مركزيا في تنشيط الإبداع. بيداغوجيات تنهض بمهارات التفكير العليا من قبيل النقد والتحليل والتقييم ، وبالتالي تجاوز البيداغوجيات الكمية التي تراهن على العقل بوصفه إناء الفكر الى العقل بوصفه اداة منتجة للفكر. وقد لاحظنا من خلال التجربة ان المتعلمين ينزعون الى طرح اسئلة إبداعية عندما يوضعون في سياقات إشكالية حقيقية، كما ان مهارات التفكير العليا كالقدرة على اتخاذ القرارات وحل المشكلات والتقييم وطرح البدائل تظهر حين ينخرطون في سياقات تمنحهم الفرصة للتغلب على السكونية الجسدية والصمت العقلي.
*الجدل العلمي ليس مكانا ثقافيا في السياق المدرسي ولا خارجه، ما يوحي مسبقا ان الأفراد لا يجادلون علميا، وهذا صحيح نسبيا، لكن أهم ما توصلت اليه ان المتعلمين قادرون على الانخراط في جدل علمي فعال إذا توفر السياق الطبيعي الذي يستدرجهم للجدل. السؤال الأهم هل يتوفر سياق واقعي لتفعيل الجدل ام لا.
*مطلوب من المدرسة ان تضعنا كمعلمين ومتعلمين في شراكة حقيقية مع العالم ، وأول وأهم ما يجعلنا جزءا من العالم هو ان نتقاسم معه ثقافة الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والمواطنة، بوصفها قيما عالمية.
*تخفيف عدد طلاب الصف وتخفيف عدد الحصص الأسبوعية ، شرطان لا بد منهما لتحسين نوعية التعليم. لا يمكن لمعلم ان يوفر فرص تعليم فعال وهو مثقل باعباء24 حصة اسبوعيا. تلبية الشرطين تمهد الطريق لانزياح من المقاربة التنافسية الى المقاربة التعاونية في التعليم ، وبالتالي انزياح نحو استراتيجيات التعليم البنائي. وهذا كله بهدف تغيير موقع الطالب من متلق سلبي للمعلومات الى طالب نشط يبني معرفته عن نفسه وعن عالمه.
*وعليه فإن المهمة ألأصعب للمعلم هو الإصغاء الى الأصوات المحبوسة وتحريرها. كل فعل صفي مهما كان صغيرا يكون محملا بالسلطة . ربما يجدر بنا القول ان الصف يعلم الطلاب اللغة ، والساحات تعلمهم الكلام ، واللغة والكلام مختلفان تماما، اللغة نظرية ، رزمة من القواعد النحوية والصرفية مدونة بين دفتي كتاب، في حين الكلام هو توظيف اللغة في سياق اجتماعي تخاطبي، علاقة تلفظية بين متكلم ومستمع بينهما مصلحة.
*التعلم فعل مستمر يحدث في كل مكان، والساحة كفضاء اجتماعي ثقافي يتسم بالفاعلية والثراء والإمكانيات التعليمية مرشحة كي تكون فضاء تعليميا متميزا.
* يدير الطلاب بعض قضايا المدرسة من خلال مجالس طلبة منتخبة بحرية، وهي تعتبر تمرينا في الديمقراطية.
*الهاتف الذكي يفتح مجالات للتعلم الذاتي الذ قد يشتط فينزلق الى مستنقع التفاهة . ".الهاتف الذكي يتيح حيزا من الحرية الشخصية في التصرف في العالم الافتراضي وهامشا كبيرا للتعرف واستكشاف عوالم الرجال والنساء المخبوءة في منطويات الواقع الاجتماعي الصلب. مكنت الهواتف الذكية من الدخول في عوالم مليئة بالإغراء غير موجودة في مجتمعنا تغري بالاغتراب."
*الرياضة المشفرة قضت على الرياضة المدرسية. اخذ الشباب ينشغل بعالم الكرة ويتقمص نجومها ويغرق في الثقافة الكروية ، ويتحزب لأندية من الخارج. تكمن الخطورة في ان " تحل النحن الكروية محل النحن الوطنية، حسب تعبير مصطفى حجازي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور وبانين ستارز.. أسئلة الجمهور المحرجة وأجوبة جريئة وصدمة


.. ما العقبات التي تقف في طريق الطائرات المروحية في ظل الظروف ا




.. شخصيات رفيعة كانت على متن مروحية الرئيس الإيراني


.. كتائب القسام تستهدف دبابتين إسرائيليتين بقذائف -الياسين 105-




.. جوامع إيران تصدح بالدعاء للرئيس الإيراني والوفد المرافق له