الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين المونديال الكروي في الجنوب و المونديال الحربي في الشمال

علي فضيل العربي

2022 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


ما أعجب عالمنا المعاصر. و ما أغرب تناقضاته السياسية و الثقافيّة و الإيديولوجية و العقائديّة و القوليّة و الفعليّة .عالمنا اليوم ، وقع ضحيّة إنسان ساديّ المشاعر و الأفكار، أنانيّ المصالح و المنافع ، ميكيافيلي الوسيلة و الغاية .
ما أشبه الحرب بمقابلة في كرة القدم . فالحرب بين فريقين ، مثلما مقابلة كرة القدم بين فريقين ، لكن الاختلاف الوحيد بينهما ؛ هو الوسائل المستعملة ، و تكاليف البدايات و النهايات .
في مقابلة كرة القدم ، لاعبون لكل فريق ، و لكل منهما قائد محنّك . فيها نصر لطرف و هزيمة لطرف آخرأو تعادل بينهما . فيها الهجوم و الدفاع ، فيها البطاقات الصفراء و الحمراء ، فيها من يصاب بجروح طفيفة أو بليغة ، و ربّما إلى حدّ الموت . بين الفريقين حكم له صفارة ، يدير المقابلة بعدل و إنصاف ، و فيها البداية والمخالفات و التسلل و ضربات الجزاء و خطط و تكتيكات و مهارات و حيل و نهاية . و في مدرجات الملعب جمهور متفرّج و مشجّع ، ساخط حتى الثمالة أو راض حتى النخاع .
و هي الصورة نفسها في الحرب ، فهي تدور دوائرها و رحاها بين فريقين ، و لكل فريق قائد مجرّب و شجاع و مقدام ، لا يخشى الموت ، و لا هو عن المعارك محجام . و للحرب جمهور غفير ، و ضحايا أكثر ، و أهداف داميّة ، و كرتها رصاص و قنابل و طائرات و مدافع و صواريخ قصيرة المدى و بعيدة ، عابرة للبلدان و القارات . و في الحرب انتصار أو هزيمة أو تعادل أيضا . تبدأ بضربة واحدة ، أو قبسة عود ثقاب ، فتكبر وتنتشر نارها و لهيبها كالضباب في ليل صقيع . و إذا كانت مقابلة كرة القدم معلومة التوقيت ، و لها شوطان أو أربعة أشواط في حالة الإضافة ، فإنّ الحرب لها بداية معلومة ، لكنّ نهايتها مجهولة الحين .
و شاء القدر ، أن يجري ، في وقت واحد ، موندياليين مختلفين إلى حدّ التناقض المدهش ، واحد في الجنوب ، و الآخر في الشمال .. فالمونديال الكروي في الجنوب ، ففيه من البهجة و الفرح و الأنوار و الغناء و الحبّ و العشق ، ما يعجز اللسان عن وصفه .. أما المونديال الحربي في الشمال ، و على أرض أوكرانيا ، فطرفاه ، فريقان لا ثالث لهما : روسي معتد ، مغترّ بعدد جنوده ، و بقوته الماديّة و أوكرانيّ معتدى عليه . لا يملك من العدد و العدّة ، ما يملك خصمه الروسي ، و هما الفريقان المنشّطان لمقابلة الافتتاح و المقابلات التي تفضي إلى النهائي المرتقب ، عفوا للمعارك الضاريّة ، التي حصدت – و ستحصد – لا قدّر الله الآلاف و الملايين .
لا أدري ، لماذا صار الإنسان المعاصر يستهين بقتل النفس البشريّة ، ببرودة أعصاب مذهلة ، في زمن ادّعى فيه العصرنة ، و أسس منظمات حقوق الإنسان و الحيوان و الطبيعة . إنّه لأمر عجيب ، في هذا العصر الغريب . يجتمع العالم في شرم الشيخ ، لبحث ملّف البيئة ، بينما الإنسان ، الذي سُخّرت له تلك البيئة ، ليعيش فيه بسلام و أمان ، يُقتل ببشاعة و دون شفقة أو رحمة في الشمال و الجنوب على حدّ سواء . إنسان يموت في صمت ، لا يُسمع له غير أنين الاحتضار ، و أخوه في أوكرانيا يموت في صخب أتون حرب مجنونة ، يعلو فضاءها صراخ الاستغاثة و عويل الفقد و آلام الجراح . و كأن تلك الدول المهتمة بالبيئة و المناخ ، ترى بعين واحدة ، و تفكّر بنصف عقل أو ربعه . اجتمعوا من أجل ( السيّدة ) البيئة ، بينا الإنسان يُقتل بالرصاص و القنابل و المدافع في أوكرانيا ، و يموت جوعا و مرضا في الجنوب المُعدم . فلأجل من يجتمع هؤلاء القوم ( القادة ) ؟ أليس من أجل سعادة الإنسان و سلامة بيئته ، التي أمعن فيها فسادا ، و مناخه المحاصر تلوّثا ؟ أليس توقيف الحروب في أوكرانيا و في كل أنحاء الكوكب الأرضي أولى الأوليات ، و أوجب الواجبات ؟ أليس ، من الأفضل و الأقدس ، البدء في تدمير الأسلحة الفتاكة ، و تطهير الأرض من أسلحة الدمار الشامل ؟ إنّ العالم المعاصر ، في حاجة ماسة و أكيدة للسلام و الطمأنينة و المتعة و العودة إلى سبيل الرشاد ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيّرات أوكرانية تقترب من موسكو.. والدفاعات الروسية تتدخل


.. السياسي الليبي أحمد قذاف الدم: أخطأنا عندما دعمنا إيران في ح




.. لبنان: اعتداءات إسرائيل تعرقل حصرية السلاح وسيادة الدولة


.. الدفاع المدني السوري يعمل على إخماد الحرائق باللاذقية




.. وصول جنود أوكرانيين مفرج عنهم في عملية تبادل جديدة بين روسيا