الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الكتابة وعشق الكلام المرصع

عبداللطيف هسوف

2006 / 10 / 8
الادب والفن


تدخلت لتسأله مبتسمة:‏
‏- لماذا تكتب؟‏
صاح من كان يصاحبها مبديا عن أسنان أكلها دخان السجائر:‏
‏- لأنه لا يستطيع أن يقوم بشيء آخر.‏
ابتسم الكاتب مستخفا، ثم رد مصطنعا الهدوء:‏
‏- معك حق، خصوصا إذا تعلق الأمر بالغرق في التوافه، والخوض في الحديث مع من هم على ‏شاكلتك. ‏
تدخلت هي لتلطيف الجو بعد أن فهمت القصد:‏
‏- هو يكتب لأنه يحب ذلك.‏
قاطعها، قبل أن يتدخل الآخر الذي ظل يحملق في بلادة:‏
‏- المسألة ليست مسألة حب بقدر ما هي ضرورة آسرة منبعثة من الداخل لا يمكن التغاضي عنها. ‏أن يجلس الكاتب على مكتبه ليضرب مفاتيح لوحة الكمبيوتر أو يخدش الورق بقلمه مشرحا حياته ‏وحياة الآخرين ومستقرءا للأحداث ومحللا لها لساعات طويلة في اليوم ليس أمرا سهلا كما يتصور ‏البعض. الكتابة أمر ممتع بالنسبة للكاتب، لا جدال في ذلك، لكن من يقول بأن الكتابة عمل سهل، فهو ‏كاذب. الكتابة تتطلب جهدا كبيرا وفي بعض الأحيان تصبح معاناة. الكتابة لا تصدر عن حب كما ‏يدعي البعض، بل استجابة لشعور داخلي جامح لا يمكن إلجامه. الحب والاستمتاع بما يكتب يحسهما ‏الكاتب حين ينتهي من عمله، لا حين يقوم بهذا العمل. مخاض الكتابة مخاض عسير، صدقيني. ‏
أضاف الآخر ممعنا في إظهار بلادته:‏
‏- الكتاب انطوائيون يحرقون أيامهم في العمل حتى لا يحسون بعزلتهم.‏
رد الكاتب:‏
‏-‏ ربما، لأنهم يحسون باغترابهم وسط مجتمعات فيها أمثالك. ‏
ترفق ساعدها بعد أن فترت شفتاه عن ابتسامة انتصار زائف. انتصاره بمصاحبة الأنثى طبعا. في ‏حين ظل الكاتب في مكانه لا يميل. احتسى من فنجان قهوته، ثم انغمس في التفكير. أسر إلى نفسه: إن ‏هناك من يعتبر الكتابة ظل خطوات تافهة، أحرف بها شلل تلقى بغير أمل. إن ثمة قوى ظاهرة أو ‏خفية تشجع على التعارض بين الحياة من جهة والقراءة والكتابة من جهة أخرى. هناك من يرى في ‏الكتابة خصوصا وفي الثقافة عموما ترفا زائدا، وفي الكتب كماليات تافهة. ‏
واصل الكاتب التفكير: إن من حولنا أناس حسودون يغضبون عندما نكتب مقالا، قصيدة، رواية، ‏مسرحية... أو حتى خواطر مرتبطة بأحداث شخصية متفرقة. هناك من يطالبك بألا تفكر، يراقبك أو ‏يهددك أو يعاقبك أو يكدر صفو عيشك إن سمحت لقلمك بالإفصاح عن المسكوت عنه. هناك من ‏يوغر صدر الحاكم ويثير غضبه على كل كاتب راح يصدح بالحق ويسعى بقلمه إلى أن يعيد ترتيب ‏الأشياء كما يجب أن تكون، لا بما هي به كائنة. ثمة أغبياء عالمهم جحر يطالبوننا بأن نبقى أغبياء ‏مثلهم ويغضبون عندما يقرر فرد ما الارتقاء بفكره والسفر بعيدا عن مجالهم التافه، الضيق والمنغلق. ‏هناك جوقات سياسية وأحزاب مريضة يحبطون كل كاتب ظهر من خارج جوقاتهم لا يحمل ‏مرضهم. هناك أشباه صحفيين لا يلتفتون لكتاب أو يكيلون له الصاع صاعين مسخرين أقلامهم ‏المسمومة، لا لشيء سوى لأن الكاتب خارج ناديهم الماجن المتعفن. هناك من يخنق أنفاسه الغيظ، ‏فيسعى لإيقاظ النميمة وتحريك الدسيسة لتشويه صورة كاتب تميز قلمه وارتقى خطابه. هناك من ‏يريدك، أنت الكاتب المتحرر من سلطة الحزب وسلطة الدين وسلطة التقاليد وسلطة النظام، أن تكتفي ‏بكتابة جمل لم يعد لها معنى ولا قوة إقناع. ‏
لا يعلم البعض أن عشق الكلمات لا يتأتى لأي كان. كيف لهم أن يعلموا؟ عشق الكلمات، عشق ‏الأدب، عشق النصوص التي لا يخل بها الاختصار ولا يشوهها الإسهاب. عشق الكلمات إحساس ‏رهيب، لكنه يبعث الفرحة والسرور في قلب القارئ حين تتدفق الكلمات وتنساق لكاتبها كنغم لا ‏يعتريه نشاز. إن للكلمات جراح في صدر الكاتب يصيرها رمزا للصراع ويخلق منها وردا أو شوكا. ‏الكلمات حين تخرج بعد الصمت الطويل، تخلق لغة عاشقة تندس بين الناس كما تتسلل أشعة الشمس ‏بين فتحات عريش النخل، الكلمات تشق حجر الكآبة، تبلغ عن الدنيا المجنونة، تطلق الآهات الأسيرة، ‏وتسير حافية متزينة بعريها الفاتن أو تلبس أسلوبا حصيفا رصينا يطلق العنان لأنغام مهدهدة. ‏الكلمات تفتح القلب على الصباحات والمساءات الحالمة، تِؤدن كما ديك الفجر، وإن خدعتنا في بعض ‏معانيها، فهي دائما تدحض الأكذوبة. الكلمات ترفع اللثام عن ذلك الوجه المنسي، تحملها ركاب الخيل ‏وراحلات القوافل. الكلمات سيف لامع، مدفع مدوي... الكلمات أغنية تنفجر في السماء، ظل في ‏العيون، حمام زاجل في الأعالي وسحر على الورق اشتهاء. هناك دائما إحساس بالأمان تجلبه ‏الكتابة. هناك راحة ممتعة تصاحب الكتابة، تصاحب الكلام المنتقى لخفته وتناسقه. الكتابة أنيس لمن ‏حاز ناصيتها. الكتابة تحيي الروح، تحرك الأحاسيس، تلهب التفكير وتدفع لطرح السؤال. نعم، طرح ‏السؤال، وهذا هو المهم. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي