الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإبراهيمه الثانيه ومتبقيات الإبراهيمه الاولى؟ /1

عبدالامير الركابي

2022 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


انجزت الابراهيمه الاولى ماعليها ضمن الاشتراطات المفروضة في حينه، حين كانت الظروف تتيح للارضوية الغلبة شبه المطلقة، بالاخص لان اللاارضوية لم تكن مهياة وقتها للنطق، ولتمييز نموذجها، وهو ماقد ابتدات تباشيره الاصطراعية بمجرد ان تبلورت اللاارضوية في ارض مابين النهرين، واكتملت ملامحا وكينونة بعد قرون من الاصطراع البشري مع البيئه الطاردة واشتراطات "العيش على حافة الفناء"، قبل ان تبدا الاصطراعية الثانيه، اثر نزول المجتمعية الارضوية المتبلورة في العراق الاعلى، "عراق الجزيرة" كما يطلق عليه الجغرافيون، حيث الاشتراطات البيئية الملائمه لتشكل مجتمعية ارضوية، مالبث ان تبلور نموذج عنها في وادي النيل، حيث التوافقية الاعلى بين البيئه والمنتجين، لتنجم عنه صيغة مجتمعية احادية دولة، محلوية كيانوية معزولة، بلا ديناميات ذاتيه متعدية للمكان، ليكون الموضع المذكور حالة الاحادية الارضوية الصافية، ذات الدورة الوحيدة التكرارية السكونية الاكمل، والادنى ديناميات ضمن نموذجها وصنفها.
بالمقابل استمرت في ارض مابين النهرين حالة الاصطراع المجتمعي، ليلتولدعنها شكل كيانية متعدية للكيانيه / كونية الحضور، ازدواجية، متعدية للطاقة العقلية على الاحاطة آنيا، ماقد جعل هذه الناحية، اي تعرف الكائن البشري على ذاتيته المجتمعية ومنطوياتها، مؤجله، وفرض عليه اجل ليس بالقصير من العيش في تفاعلية مجتمعية تصيّرية تاريخية مؤقته، سابقة على وعي الذات، ومن اللازم عبوره كشرط، قبل بلوغ المطلوب من تطابق العقل مع وعي الوجود وغاياته، وماهو قائم لاجل بلوغه.
لكم جهد الكائن البشري الاحادي، كي يعرض ميكانزمات تشكل الكيانات الارضوية "الوطنية"، على انها حالة نموذجية غير منافسه، احادية وواحدة، تواكبها ظاهرة ليست عامة تاخذ صيغة التجلي الامبراطوري، كحالة توحيد غير انصهاري لعدة كيانات وامم متقاربة الكينونه والبنية، تتسيد عليها امة من بينها، لتنشا كيانية وطنية مافوق وطنية، ابرز امثلتها الى الغرب امبراطورية الرومان، والى الشرق القريب الواصل الى الصين، الامبراطورية الفارسية، عدا الصين، الكيانيه الامبراطورية المكتفية بذاتها، بما يحل الامبراطورية مكان "الوطنيه" كشكل تجل كياني"وطني"، وطنيته المتماثلة تقارب الامبراطورية حجما، معززة بالجغرافيا مساحة، وتعدادا بشريا، وكل التجليات المار ذكرها ارضوية احادية، شكل تبلورها ونوع تنظيمها على مستوى السلطة والعلاقات، انتاجوية حاجاتيه، تتباين جزئيا بحسب مستويات ودرجات موائمة البيئه او مجافاتها.
لم يكن واردا كما هومعلوم، التوقف عند احتمالية تجل مقابل اخر، مالم يكن العقل مهيا لمقاربته بعد، الامر الذي يبقيه خارج الصورة الى الان، بما هو نمط ونوع اخر من التجلي الكياني بحالتيه اللاارضوية، والازدواجيه، ووقتها تكون المجتمعية ماتزال تمر بطورها الاول الادنى الارضوي، الموافق لمستوى الطاقة الادراكية المتاحه، ومدى التصيّر الترقوي التصيّري العقلي الحاصل، مامن شانه وضع الحقيقة المجتمعية خارج التصور والخيال، فضلا عن الادراكية وتعيين الصنف.
وليس النقص المومى اليه خاص، او هو يقع على اللاارضوية والازدواج المجتمعي، بقدر ماتنصب اثاره على الظاهرة المجتمعية ككل، وبالدرجة الاولى على الارضوية الغالبة والمتسيدة نموذجا واعقالا، فبقاء هذه محجوزة ضمن نطاقها، يقلص الى ابعد حد مدى الرؤية الوجودية البشرية، فيحجزها عند عتبه ضيقه ومحدودة، اذا ماقورنت بمدى الازدواج الشامل لظاهرة المجتمعات، مع الازدواج المجتمعي البؤرة، وديناميات تحققها، واليات صعودها عبر سلسلة الدورات ومايفصل بينها من انقطاعات، يتخللها المدى فوق الارضوي الحاضر بناء على موجبات متعدية للكيانيه المحلوية والارضوية، حيث الوجود غير منوط كشرط بالارض بل، بالنص البراني اللاارضوي، والسلوكية الرسالوية فوق البشرية، وهو ما تنم عنه التاريخانية اللاارضوية، مايبن ابتداء محكوم بموضع بعينه باشتراطاته الاستثنائية، ثم تحقق كوني خارج المكان وشروطه المادية.
وتمثل الابراهيمة طورا ثالثا من التشكلية اللاارضوية، تسبقها تجليات طوراصطراع مع البيئة الطاردة، يتبعه اصطراع مزدوج مع كل من البيئة التي تجعل المنتجين يعيشون على حافة الفناء، والمجتمعية الارضويىة النازله من العراق الاعلى بغرض السيطرة وحلب الريع الزراعي من موضع الخصب الاستثنائي، وكل من هذين الطورين يستغرق عشرات القرون، الاولى وهي حالة ثابته مستمرة بلا انقطاع، تثبت الخاصيات المجتمعية اللاارضوية وتعيد انتاجها، والثانيه، تفضي بالصراعية الذاهبة الى الفنائية النوعية، الى التعبيرية الشاملة تحت استراتيج "الوعد خارج ارضه"، بمعنى اللاارضوية الكونية المرتكزه الى البنية والمنظورالنصي السماوي النبوي الحدسي، والى العامل الفاعل المستقبل غير المنظور، المنطوية عليه البنية البشرية الازدواجية العقل / جسديه.
ويبقى الحضور اللاارضوي الحدسي ماقبل العلّي النبوي الالهامي، منطويا على حكم اشتراطات مصدرها ممكنات العلاقة، بين الكائن البشري ووعيه لوجوده ومساره بحسب طاقة العقل وترقيه، بحسب التفاعلية المجتمعية وتصيّرها، فالكائن البشري الداخل الى المجتمعية بعقل زمن الصيد واللقاط، لن يكون في حينه مؤهلا للاحاطة باشتراطات وجوده المستجدة، الامر الذي يتطلب زمنا يصبح معه "عقلا مجتمعيا"، مفعما باختبارات الطور الجديد الذي انتقل اليه، وصار معه وضمن شروطة معنيا بالادراكية الكونية الوجودية.
ومن اهم مايظل الكائن البشري الانسايوان عاجزا عن ىادراكه، الحقيقة الكونية الكامنه وراء الوجود الحي وصولا الى المجتمعية، وبالذات العلاقة الحيوية المجتمعية بالاكوان العليا الاخرى وبالتحولية الكونية، ومع كل مايقال عن حضور العقل على مدى التاريخ، فان البشر ظلوا يعتقدون ان الارض مسطحة، وان الكائن البشري مخلوق بهيئته التي هو عليها اصلا لاعبر مسارات تحولية نشوئية ترقوية، الامر الذي يستمر لالاف السنين بعد تبلور الظاهرة المجتمعية، حتى القرنين او الثلاثة المتاخرين، هذا علما بان التاريخ الحديث المومى اليه، لم يكن من دون منجزات كبرى على الصعد المختلفة، كما على مستوى التعرف، ومحاولة اعقال الوجود بحسب المتاح من قدرة وطاقة.
ومع هذا، ومع كل ماقد تم التوصل اليه بما في ذلك منجز اليوم الحداثي، فان مسالة ادراك الحقيقة الوجودية ماتزال غير متحققة، والبشر مازالوا يعتقدون ان وجودهم على الكوكب الارضي، هو حالة بذاتها غير مرتبطه بالحركة الكونية، ولاهي جزء منها، وعنصر من عناصرها، مرتبط بالياتها وماهي منطوية عليه من مسارات، الكواكب فيها، والارض منها، منتهية، لهامدة صلاحية موقوفه على تادية غرضية ما. وتتداخل مسالة ادراك منطويات الوجود، مع مسالة الاحاطة بالمعاش المجتمعي، وكينونته، وما مرسوم له من مسارات ونهايات.
فالاحادية الكوكبية، واعتبار الحياة وظهورها على الكوكب الارضي وكانها مسالة محلية كوكبية من نوع " الوطنيات"، والكيانات الارضوية الاحادية، لاتتيح للعقل اللازم لكي يعي الحقيقة المجتمعية، فيقف والحالة هذه عند تصورات محدوده، بالمقارنه مع احتمالية من نوع الاعتقاد بان الارض وماعليها، موصولة بالعالم والكونية الاخرى اللامرئية، وان وجود الكائن الحي ومساراته، خاضعه لعملية تحول وانتقال، من الارضوية المادية الى نوع وجود اخر، الحالي الراهن بازائه حالة دنيا، واجبة التجاوز، الامر الذي تترتب عليه حتما جمله من الحقائق المتعدية، المتجاوزة للملموس والمعاين المباشر.
ومع القفزة الاعقالية الارضوية الاخيره، واكتشاف كروية الارض، والكون بملايين او ترليونات كواكبه، صار الحديث يذهب الى الحياة على الكواكب الاخرى، على اعتبار ان الحياة هي نوع واحد، وحيد بذاته، هو الذي تعرفه الارض، ففي هذا الكوكب وجدت "الحياة"، ولاتوجد غيرها، والكون هو المجرات والكواكب التي لاتحصى، من دون احتمالية كونية اخرى، مايستوجب التركيز على "الانفجار الكبيرالاحادي" ومايتولد عنه، وكل هذا قصور غير لائق بازاء الاحتمالية الكونية، والعملية التحولية واشكالها، واحتمالية خضوعها من حيث التحقق المطلوب لتداخلات متعددة الاصناف والانواع، ليس من الوارد التعرف عليها.
ولاينقصنا الا القصور الادراكي، لكي نتبين ان الاحادية الكونية والكوكبية، ومثلها النمطية الحياتيه والمجتمعية، والبنيوية الفردية البشرية الاحادية، كلها، ليس ثمة مايزكيها، او يجعلها مقنعه، بالاخص مع الازدواج التعبيري الفوق ارضي، والذي هو مظهر بارز حي وحاضر في قلب الظاهرة الارضية على اوسع مدى مجتمعي، تلك الظاهرة التي توميء بقوة الى حضور الكونية الاخرى، وتدل عليها، كعنصر حي ماثل في الظاهرة المجتمعية، يلغي فكرة الملموسية المرئوية بمشهدية فاضحه "ملموسة"، فالنبوة، اي حالة المفكر بنوعه اللاارضوي، هي استقاء للفعالية التعبيرية من مصادرتتجلى ارضويا، مع انها لا ارضوية المصدر، دالة على ان مايعرف بالعلم والعلموية المتداوله، هي نمط مقاربة ونظر ناقص مجتزا، يحط احاديا بمقومات المنظور الشامل "العلمي"، المشروط واقعا بالازدواجية المتعدية للارضوية.
فالنبي ممثل واقع معاش ومحسوس، لاارضوي، والقراءة التي يقول بها، وان تكن من خارج الارض، هي قراءة تنم عن تعبير حي وحاضر واقعا كنمط مجتمعي استهلالي، متفاعل مع مصدر كوني غير ذلك المرئي، حاضر كضرورة وجوديه لامرئية، تغييرية تصيّرية.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة