الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماأتعسها - صاحبة الجلالة - بحرسها الملكي !!

محمد القصبي

2022 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


جذبني إعلان على حساب الكاتبين شرقاوي حافظ وصافيناز الفقي في الفيس بوك.. عن ندوة في المنتدى الثقافي بقصر ثقافة مصر الجديدة مساء ٤ ديسمبر المقبل حول قضايا الصحافة في الماضي والحاضر..
وهموم صاحبة الجلالة وأوجاعها دوما كانت تبند في خانة أولويات اهتماماتي حتى قبل التحاقي بكلية الإعلام/ جامعة القاهرة ( الدفعة الأولى ) ..وتضاعف هذا الاهتمام خلال العقدين الأخيرين مع القفزات التكنولوجية المذهلة والتي عجزت صحافتنا عن مواكبتها..وما مقالي هذا إلا صدى صراخي خلال العقدين الماضيين عبر الميديا وفوق المنصات بحتمية علاج صاحبة الجلالة من أورامها التي أخشى أن تكون خبيثة !!!
.....
دماغ المصريين مش بخير..
خلاياه تحيا على ثاني أكسيد الجهل و الفساد .!!

أين الصحافة ؟! لماذا لاتقوم بدورها. برسالتها في مواجهة تلك المخاطر المدمرة؟
ربما ثمة من يجيب على سؤالي بأن هذا أيضا حالها ..خلاياها..خلايا صاحبة الجلالة تحيا على ثاني أكسيد الجهل والفساد!!
...

نعم ..لدينا امبراطورية صحفية ضخمة ..مؤسسات قومية تضم حوالي ٤٠٠٠ صحفي، و١٦ الف إداري وعامل..
هذه المؤسسات تنسحق تحت وطأة ديون تبلغ حوالي عشرة مليارات جنيه للضرائب والتأمينات..
ويبلغ حجم المصروفات السنوية حوالي ٣.٤ مليار جنيه سنويا..
لتجد الدولة نفسها مضطرة إلى المساهمة ب ٦٦٠ مليون جنيه سنويا لمواجهة هذه الأعباء..
وبالطبع ..كما نلحظ..أن تلك الإمبراطورية عاجزة عن أداء رسالتها ..خاصة في تلك المرحلة الصعبة التي تم تدشينها بعد ثورة ٣٠ يونيو لبناء مصر الجديدة..مصر التي لايعاني دماغها من الجهل ولاتصرخ معدتها من الجوع..ولاتهدد جغرافيتها بالتمزيق من قبل غربان الخارج وعملائهم في الداخل ..!!

فكما نرى ..امبراطورية صاحبة الجلالة تحولت إلى فيل عجوز مترهل..
في انتظار رصاصة الرحمة!!!
فهل بمقدور هذا الفيل العجوز المترهل استبصار المخاطر التي تهدد الدولة المصرية والتصدي لها ؟!!!
................
منذ أسبوعين سقط ميني باص في ترعة الرياح التوفيقية بمركز أجا..
الحادث أسفر عن مصرع ٢٥ شخصا..
فماهي أسباب الحادث ؟
عقب صلاة الظهر في أحد مساجد القاهرة الجديدة ..كان ذلك من عدة شهور ..سألني جاري المهندس :
- سمعت عن العربية اللي انقلبت في ترعة بالاسماعيلية
- التلاتة الأشقاء ؟ ..ايوه سمعت..
- عارف سبب الحادثة ايه؟
- تريلا زنقت عليهم..
- تريلا أيه ياأستاذ محمد...دا الحسد ..تلات اخوان دكاترة شيء طبيعي أنهم يتحسدوا !! صحفي أد الدنيا..وماعندكش خبر عن العين اللي فلقت الحجر..!!

وطبعا دا سبب مصرع ال٢٥ راكب في كارثة ميني باص أجا..كل واحد منهم اخد عين ..وأيضا سبب سقوط ٦٤ ألف ضحية سنويا لحوادث الطرق مابين قتيل ومصاب...وليس تعاطي السواقين مخدرات..ولاتهور الشباب..ولا الأطفال اللي بيسوقوا تروسيكلات وموتوسيكلات وتكاتك..
سبب الكوارث دي ..العين اللي فلقت الحجر!!!
وأين الصحافة من تلك
المآسي شبه اليومية ؟!
طبعا موجودة..ونشرت خبر كارثة ميني باص أجا الذي تبين أن سائقه كان تحت تأثير تعاطي المخدرات..صحافتنا لاتتوانى عن نشر كل حوادث الطرق..لكن على سبيل الإثارة الصحفية!!
ولا أي جهد يبذل للبحث عن الأبعاد والجذور والأسباب.. ولا توجيه اللوم للمسؤولين عن تلك الفوضى والعشوائية التي استشرت في شوارعنا وطرقنا!!!
........
منذ عدة شهور أقدم سائق توكتوك في إحدى قرى سوهاج على قتل ابنة أخيه شيماء - طفلة معوقة في التاسعة من عمرها - بإيعاز من دجال لتقديم جثمانها قربانا للجن.. حتى يرشدهم عن كنز من الآثار في المقابر !!
مقتل شيماء ليست بالحادثة التي تبند في خانة النادر والفريد..فما أكثر حالات النصب التي يمارسها حوالي ٣٠٠ ألف دجال على المصريين يوميا.. حيث
يهدر ٦٣% من المصريين عشرات المليارات من الجنيهات على مباخر هؤلاء الدجالين سنويا..
بل من بين هؤلاء من لايتورعون عن معاشرة نسائنا بحجة طرد الجن من أجسامهن!!!
والمأساة أننا نطلق على هؤلاء الدجالين أجل ألقابنا الدينية.." مولانا الشيخ"..!!

أتذكر..
حين اندلعت الحرائق في بعض منازل قرى محافظة الشرقية من سبع سنوات..نشرت أكثر من مقال في صحيفة الأخبار المسائي منتقدا هؤلاء الذين يشيعون أن الجن وراء إشعال تلك الحرائق.. لكنني فوجئت بقنوات تليفزيونية
تحتفي بنائب الجن علاء حسانين وتستضيفه ليروج لتلك الخرافات !!
فأين الصحافة من مصيبة الدجل والشعوذة تلك التي تتوحش يوما بعد يوم بين المصريين ..حتى بين النخبويين !!
"مقدمة برامج شهيرة ..
أوقف برنامجها الذي كان يروج في العديد من حلقاته لخرافات الجن والعفاريت..ذكرت على حسابها على الفيس أن سبب ماتعانيه من مشاكل ربما عمل عمله له أحد المتربصين بها" !!!!!!!!!!!!!!!
وكما نرى.. لدينا
رئيس نادي شهيييييير يعزي اي هزيمة لناديه لأعمال يعملها الخصوم عند شيخ في شبراخيت ..!!! رئيس النادي هذا الضيف المفضل لدى الصحافة و قنواتنا التليفزيونية..!!
......
-في قرية الطويلة بدمنهور قتل محمد أمه..لماذا ؟!..لأنها تصدت لمحاولاته للاستيلاء على كل ميراث والده وحرمان شقيقاته السبع ..فقتلها .. وما اكتفى بهذا. بل فصل رأسها عن جسدها..!!
العديد من الصحف اهتمت بالحادث.. فقط كخبر مثير..أما تناول خلفياته..جذوره الاجتماعية المأساوية..كونه طفح بالوعة الثقافة الذكورية المتخلفة..
لاشيء ..!!
- عام ٢٠١٠ نوهت وزارة العدل في تقرير لها إلى ارتكاب ٨٠٠٠ جريمة قتل سنويا بسبب الخلافات على الميراث..التقرير أشار إلى أن المحاكم تنظر ١٢١ الف دعوى قضائية كل عام تتعلق بالصراعات على الميراث..؟!

- وفي بحثها عن ظاهرة حرمان المرأة من الميراث في الصعيد نوهت د.سلوى محمد مهدي الأستاذة بجامعة قنا إلى أن الظاهرة تتفشى بالفعل ..حيث يصل معدل النساء المحرومات من ميراثهن في محافظتي قنا وسوهاج إلى ٩٥،٥% !!!
-الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال أحد المؤتمرات تطرق في حديثه إلى تلك الظاهرة الخطيرة..حين قال : لابد من تغيير هذه الموروثات، ويجب أن يكون هناك برنامج متكامل لإعادة رسم الصورة الحقيقية للمرأة لكي تحصل على مكانتها"..
فهل يمكن تحقيق ذلك " إعادة رسم الصورة الحقيقية للمرأة " والصحافة في دنيا غير الدنيا !!
......
- وماذا عن الخفير غالب ..هل تدري الصحافة بحكايته ؟!!
تزوج مؤخرا للمرة العاشرة..وألقى بعروسه في عمارة تحت الإنشاء بالقاهرة الجديدة.. أنجب حتى الآن ١٧..وأقول حتى الآن لأنه مازال في مطلع الخمسينيات.. أي مازالت شراهته للزواج والانجاب في أوجها !!.ومنذ عدة شهور فوجئنا بإحدى بناته تتنقب..أما السبب أنها تمت خطبتها..ابنته تلك دون الخامسة عشرة ..كتبت عنه مقالا في الدستور بعنوان " عدو مصر " لأفاجأ بمن يدافعون عنه..من أهالي المنطقة..من هؤلاء سمسار عقارات..طبيب ..شيخ.. هذا الشيخ وصف خفيرنا المزواج المنجاب .. بالتقي الورع..!!

فهل تجاوزت حين وصفت هذا الشيخ بعدو مصر..؟!

- أتذكر ماقاله اللواء أبو بكر الجندي خلال رئاسته للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء..أننا حتى نستطيع الحفاظ على أوضاعنا الحالية ينبغي أن يصل معدل التنمية إلى ثلاثة أضعاف معدل الزيادة السكانية ..
كان ذلك خلال ندوة أشرفت على إدارتها وتنظيمها في قاعة مصطفى أمين بدار أخبار اليوم منذ ٦ سنوات حول الانفجار السكاني..
ولاأظن أن معاجم اللغة يمكن أن تختزن مصطلحا أكثر دقة لوصف الزيادة السكانية التي تشهدها مصر إلا بكونها انفجارا سكانيا!!..
وإلا بماذا نسمي انزلاق
"١٤ طفلا من أرحام نساء مصر كل ثانية " ؟!!
- خلال لقائها بلجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب في يناير الماضي قالت د.هالة السعيد أن مصر تشهد انفجارا سكانيا بشكل مبالغ جدا، كل عام تستقبل 2.5 مليون مولود، هذا رقم صعب جدا لا تستطيع أي دولة فى العالم أن تتحمله، نسبة مواليد تعد دولة من المواليد داخل الدولة..!!!
......
وماأكثر الدول التي روعها الانفجار السكاني..لكنها بالعلم والدين الصحيح والإعلام نجحت في الحد من منه..
من تلك الدول أندونيسيا التي نجحت في خفض معدلات الزيادة السكانية من 5.6% إلى 2.3%، بنجلاديش من 6.9% إلى 2.1%، تايلاند من 6.1% إلى 1.5%، ماليزيا من 6.4% إلى 2% ، إيران من 6.5% إلى 2.1%..

وكما نرى ..من بين هذه الدول بلدان إسلامية..لكن على مايبدو أنه لايوجد لديهم مشايخ يرون في الخفير غالب شيخا تقيا ورعا ..وأنه ينهج صحيح الدين..!!!! تلك الدول لديها صحافة على وعي بأمراض الأمة..وبدورها في معالجة تلك الأمراض..

................


.............
ولماذا لاتقوم الصحافة بدورها الرقابي..أو كسلطة رابعة كما كان يصفها الرئيس السادات..؟ ومالا يقل أهمية بدورها التنويري ؟!
خلال ندوة توليت إدارتها في صحيفة الأخبار المسائي منذ عدة سنوات، حول ثروة مصر غير المستغلة من القمامة دعوت نائبة برلمانية معنية بالقضية للمشاركة في الندوة..كما دعوت بعضا من كبار المسئولين في وزارة البيئة..
النائبة وجهت انتقادات لآليات تعامل الوزارة مع تلك القضية ..وفوجئت بمندوب الصحيفة في الوزارة يحاول مترسة الطريق أمام نشر أية انتقادات للوزارة ومسئوليها ..وكأنه مندوب الوزارة في الصحيفة..وليس مندوب الصحيفة في الوزارة !!!
أليس هذا هو الحال الغالب الآن..مندوب الصحيفة في أي وزارة ..تحول إلى مندوب للوزارة في الصحيفة..مهمته تلميع الوزير والوكيل والساعي..!!!!
بل أن العديد من الوزراء وكبار المسئولين خطوا في هذا المسار إلى ماهو أبعد..حين يقومون بتعيين صحفيين مستشارين إعلاميين لهم..ليتحول الصحفي إلى استيكة يمحو بها أية انتقاد للوزارة ومسؤوليها في الصحيفة!!!

والنتيجة..كما نرى.. الصحف تحولت إلى نشرات علاقات عامة للوزارات والمؤسسات الحكومية..
.....

.وماأكثر ماعانيت من وقائع مريرة في هذا الشأن من قبل بعض الزملاء.. بل ومن قبل رؤساء تحرير، إن وقعت أيدينا على وقائع فساد في هذه الوزارة أو تلك.. لا نتمكن من نشرها..وربما تنهال علينا.. الاتهامات بأننا " اخوان " ..الأمر الذي دفعني إلى نشر مقال بتشبيه مايجري بظاهرة المكارثية في الولايات المتحدة الأمريكية أوائل خمسينيات القرن الماضي..وكان وراءها السيناتور جوزيف ماكارثي الذي كان يوجه الاتهامات لكل من يبدي رأيا مخالفا بأنه شيوعي، ويعمل لحساب الاتحاد السوفييتي !!!"
هذا حالنا منذ ثورة ٣٠ يونيو.. اللي يفتح بقه فهو اخواني !!!
.......

- وفي ندوة أخرى ..من بين الندوات التي توليت تنظيمها وإدارتها في صحيفة الأخبار المسائي عن تفشي قبح الوجدان ..حيث أصبح شاكوش عندليب مصر..وقبح الشوارع ..حيث تحولت بلدنا إلى أحد أكبر مقالب الزبالة على الكوكب..!!
قال أحد المشاركين - أستاذ في كلية الفنون الجميلة -
: مشكلتنا لم تعد في تفشي القبح..بل تجاوزنا ذلك إلى ماهو أخطر..التآلف والتكيف مع القبح..إلى درجة أننا لانرى فيه مشكلة..!!

أهذا حال صاحبة الجلالة الآن..تكيفت مع القبح والجهل والفساد ..وما عادت ترى في أي من تلك الظواهر الخطيرة........ مشكلة !!!!
فماهي أسباب هذا التردي الذي أصاب صاحبة الجلالة ؟
......
منذ أربع سنوات طلب مني رئيس التحرير مراجعة تقرير أعده صحفي شاب..خلال قراءتي للتقرير الذي يطفح بكم هائل من الأخطاء ..بل الخطايا اللغوية والنحوية والمعرفية وأيضا سطحية الرؤى ..كان يستفحل بداخلي سؤال..ليس كيف تم تعيين هذا الشاب في الجريدة..ولا كيف أصبح عضوا في نقابة الصحفيين..بل كيف حصل على الشهادة الثانوية..وربما دون ذلك.. الاعدادية..؟!
هذا الشاب منذ عامين فوجئت به مستشارا إعلاميا لمسئول كبير..
هذا الشاب منذ عام فوجئت بانتقاله من صحيفتنا إلى الصحيفة رقم واحد في مصر..
هذا الصحفي يسعى الآن لأن يكون مدير تحرير الجريدة الكبرى!!
هذا الصحفي يوما ما سيكون رئيس مجلس إدارة إحدى مؤسساتنا الصحفية!!
هذا الصحفي يوما ما سيكون نقيبا للصحفيين المصريين.. واجهة لإعلام مصر العظيمة في القارات الست..!!!!
والسؤال ليس من يسمح لهذه الأصناف تقتحم بلاط صاحبة الجلالة ..بل من يساعدها ..من يفرش لها السجاجيد الحمراء إلى مكتب رئيس التحرير ..ومكتب رئيس مجلس الإدارة ومكتب النقيب !!!
وبالطبع اقتناص مفاتيح مكتب نقيب الصحفيين ليس وقفا فقط على مساعدة الخفي ..
بل أيضا في غياب الوعي..عن الكثير من الصحفيين ..مثلما هو حال العديد من الشرائح الثقافية..حيث تدار الانتخابات تحت شعار " صعايدة وبحاروة" !!!!

هذا التردي في الوعي والانتماء الذي طال العديد من الصحفيين والاعلاميين والمثقفين وغيرهم من الشرائح الأخرى طفح وزارة التعليم التي تحولت إلى وزارة تلقين..منظومة زنزنت الإنسان المصري في ذاكرة يتم حشوها بالمعلومات في غرز الدروس الخصوصية ليتقيأها الطالب في ورقة الإجابة بامتحانات آخر العام..
هذا التردي طفح مناخ الانتهازية الذي شاع نصف قرن .. بدءا من انفتاح السداح مداح..ثم هيمنة مافيا الحزب اللاوطني الذي الذي عدل من شعار آدم سميث " دعه يعمل دعه يمر " إلى " دعه يسرق..دعه يفر "
مافيا الحزب اللاوطني أصبحت البوابة الملكية لتحقيق الطموح..من يريد وظيفة .. شقة..أراضي..رئاسة تحرير..ليس مطلوبا منه أن يحظى بمرجعية معرفية واسعة، ولا قدرات وظيفية وإدارية..ولاقيم ومباديء تجسد عمق الانتماء للبلد..كل هذا ليس مطلوبا..المطلوب..
فقط التوقيع على استمارة عضوية ، وطبلة..حتى لو كان مستواك يادوبك اعدادية !!!!

مع هذا التردي ..افتقد الحرس الملكي لصاحبة الجلالة القدرة على استبصار التطورات الخطيرة التي تداهمها !!

........

في ٢٤ يوليو من العام الماضي نشرت مقالا في الحوار المتمدن ( الموقع العالمي للمثقفين العرب )
كان عنوانه (إغلاق الصحف المسائية..ألف مبروك..عقبال الصباحية! )
المقال ..وبدءا من العنوان آثار حفيظة العديد من الصحفيين في الصحف المسائية ..كانوا يرون أن إيقاف الإصدار الورقي موتا اكلينيكيا لهذه الصحف..قد يؤدي إلى الوفاة النهائية..ولاأرى الأمر كذلك..هذا قرار كان ينبغي أن يصدر من ١٠ سنوات..وربما أكثر..!!!
...........
في أواخر القرن التاسع عشرة طرق رجل الأعمال الأمريكي الشهير هنري فورد باب أحد أصدقائه الأثرياء ..قال له : لديَّ مشروع ، وأود أن تكون شريكي.
سأله الثري: أي مشروع ؟
قال فورد: مصنع للسيارات.
صاح الثري وهو يقهقه ساخرا :أي سيارات تتحدث عنها عزيزي فورد ..كنت أظنك ترى مثلي أن المستقبل للحصان!
وإني أراهم -كثر في بلاط صاحبة الجلالة - مثل الثري الأمريكي..يراهنون على الحصان!
وهذا ما أرهقني منذ أكثر من عقد ..وأنا أصرخ في يأس عبر كتاباتي وفوق المنصات ..أن الصحافة الورقية على وشك الانقراض ..وأن المستقبل للصحافة الأليكترونية ، وأن المسئولين عن الصحافة المصرية ينبغي أن يسارعوا بالتعامل والتكيف مع تلك المستجدات، لكنهم -العديد منهم- يتجاهلون تلك الحقائق، حتى انهم ينشئون مطابع ويسعون إلى الاستثمار في مصانع للورق ، وشراء سيارات للتوزيع!
إنهم للأسف
يشيدون مزارب ومعالف .. للحصان!

حتى شاع في دواخلي الأمل من خلال وجوه عشرات الطلاب والطالبات..حين كنت ألقي محاضرة في كلية البيان للصحافة في العاصمة العمانية مسقط..في أبريل عام 2014 ..كانوا يتابعون ما أقول ..ربما بدهشة ..لكن بتفهم، أن الصحافة الورقية سوف تنقرض ، وأن رائحة الموت بالفعل بدأت تفوح منها منذ سنوات.
وسقت لهم العديد من الوقائع ، صحيفة/كريستيانساينس مونيتور الأمريكية أوقفت نسختها الورقية عام
2008. ،
توقف النسخة الورقية لصحف
ومجلات مثل فرانس سوار،نيوزويك وإنديبيندنت
الأسبوعية ، الموسوعة
البريطانية الشهيرة أيضا أوقفت طبعتها الورقية.
قلت أن هذا ما تنبأ به حتى أباطرة
خبراء شركة مايكروسوفت منذ أكثر من عقد حين قالوا إن نهاية
الصحافة الورقية ستكون عام 2018 ..بينما توقع إمبراطور الصحافة روبرت مردوخ أن
تكون النهاية 2020.
"صحيح أننا تجاوزنا عامي 2018 و 2020 دون أن تغيب شمس الورقي ..لكن كل المؤشرات تؤكد أنها في أفول ..كما يفهم من تقرير لمعهد رويترز حول مصير الصحافة الورقية ..خاصة مع تفشي وباء كورونا..حيث توقفت مئات الدوريات الورقية ..مما يفهم منه أن الصحافة الورقية في دقائقها الخمس الأخيرة ! وربما كما قال الكاتب الصحفي د.محمد الباز في حوار تليفزيوني قد ماتت بالفعل!" ..
كان شباب كلية البيان ينصتون باهتمام ، فإن حان موعد الأسئلة فلم تكن أسئلتهم في الغالب من النوع المستهجن لما أقول ، بل توق للتعرف على ما بعد اختفاء الورقي، وهذا ما بدا منطقيا ..شباب يتواصلون مع الكوكب ..كل الكوكب عبر جهاز يحملونه في اليد لايزيد وزنه عن 200جرام ، يتابعون من خلاله ثانية بثانية مايجري من حروب وصراعات ومباريات كرة قدم ..شباب هذا حاله وهذا زمنه.. من المنطقي أن تصبح الصحافة الورقية من منظوره أضحوكة !!

لكن صحفنا القومية مازالت ترى أن المستقبل للحصان..

ألا نلحظ هذا ..كتيبة من رؤساء التحرير كانوا يرافقون الرئيس عبد الفتاح السيسي في زياراته الخارجية ."بالطبع على حساب مؤسساتهم التي تعاني من أنيميا مالية حادة ، والمذهل أننا كنا نفاجأ بأربعة أو خمسة منهم ينتمون إلى مؤسسة واحدة ضمن كتيبة المرافقين ، رغم أن صحفياً واحداً فقط يكفي لأداء المهمة "! فإن التقى الرئيس السيسي والرئيس الأمريكي في الثامنة مساء بتوقيت واشنطن ، أي فجر اليوم التالي بتوقيت القاهرة ، فليس مستبعداً أن تطل علينا صحفنا بعد 36ساعة بهذا المانشيت: الرئيس السيسي يلتقي ببايدن لبحث العلاقات بين الدولتين؟
هل قلت بعد 36 ساعة ؟ بل 36 سنة!
هكذا الأمر من منظور قاريء تلتهم عيناه عبر هاتفه أحداث القارات الست ثانية بثانية، وعبر البث المباشر !
لذا من الطبيعي أن ينخفض توزيع الورقي ، وهذا ما أكده تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء،تراجع توزيع الصحف من 2.5 مليون نسخة يومياً، إلى 400 ألف نسخة في 2017 ،"أي ثلث ماكان عليه توزيع صحيفة أخبار اليوم في أواخر السبعينيات" ..
وكيف واجهت قيادات المؤسسات الصحفية خلال السنوات الماضية هذا التحول التاريخي ؟!
لاأبالغ إن قلت أن بعضهم كان يتعامل معها بأمية شديدة ،بعضهم لم يكن يرى هذه التغييرات الثورية .."وربما ..لايرى سوى نفسه والكرسي الذي يجلس عليه..ومازال هذا حال العديد منهم الآن !!"..
إنهم في عصر السوشيال ميديا يراهنون على الشاعر أبو ربابة !
فهل يعد إنهاء الإصدار الورقي للصحف المسائية برهانا على أن بيننا قيادات صحفية أصبحت تعي ا ..أن الحاضر والمستقبل للسيارة وليس للحصان ؟
...........
وعودة إلى البدايات ..إلى السؤال الذي تهربنا منه كثيرا: هل كان إصدار صحف مسائية في مصر بالقرار الصائب؟!
مع الثورة الصناعية التي شهدتها أوربا خلال القرنين ال18 و19 ..ظهرت صحف مسائية تصدر عصرا ..ووجدت اقبالاً كبيرا ..حيث بأخبارها القصيرة وموضوعاتها الخفيفة والطريفة لبت احتياجات الموظفين والعاملين العائدين من مصانعهم إلى منازلهم
فهل هذا حال الصحافة المسائية في مصر؟
على نحوما لبت صحيفة المساء التي صدرت عام 1956 حاجة قاريء الضحى و منتصف النهار إلى معرفة الجديد الذي حدث عقب صدور الصحف الصباحية ..
لكن لم يكن هذا حال الأهرام المسائي والمسائية التي بعد اندماجها في مؤسسة أخبار اليوم تم تعديل إسمها إلى الأخبار المسائي؟

.....
والآن ثمة
خلل آخر مضحك ..وهو احتفاظ تلك الصحف باسمها مع تحويلها إلى بوابات الكترونية ..المساء-الأهرام المسائي- الأخبار المسائي-
حيث تلاحق قارئها بالأحداث دقيقة بدقيقة عبر ال24 ساعة؟
ألا يبدو الإصرار على مثل هذه الأسماء مثاراً للسخرية؟!!!
وماذا عن الصحفيين في هذه الصحف..هل يملكون باقتدار أدوات العمل في الصحافة الأليكترونية ..من لغة ومرجعية معرفية عالية ووعيا بتحديات الداخل والخارج التي تهدد بتقويض ثوابت الدولة المصرية ..وانتماء للمهنة والوطن ..؟
ويقينا.. التخلص من أعباء الورق والطباعة سيوفر للمؤسسات الصحفية مئات الملايين من الجنيهات سنويا..ألا ينبغي إذن رفع الحد الأدنى لمرتب الصحفي الأليكتروني الذي يتخذ من الشارع مقرا لعمله ..ومتابعا على مدار الساعة مايجري من أحداث إلى 10آلاف جنيه!!
هو يستحق ذلك ..المهم أن يكون كفئا وصاحب مرجعية معرفية عميقة ..مؤمنا بأنه يؤدي رسالة.. فلايزنزن تطلعاته في كرسي أو سبوبة ..بل مع كل كلمة يكتبها تكون دوماً عينه على هموم وأحلام هذا البلد الذي ينتمي إليه.. !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي