الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الفلسفي وبنية الحكاية الرمزية في رواية( منطق الطير والشيخ يوسف ) للكاتب واثق الجلبي

واثق الجلبي

2022 / 11 / 29
الادب والفن


قراءة / محمود خيون

صنفت الكتابات الفلسفية والرمزية وخاصة الروايات بأنها تعمق الأفكار والمواضيع والتعاليم المتعلقة بالفلسفة...واكدت الدراسات بأن تعريف الروايات الفلسفية بأنها( روايات تركز بشدة على الموضوعات الفلسفية العميقة، وغالبا ما تكون هذه الكتب عبارة عن مناقشات حول حياتنا ومجتمعاتنا والعالم من وجهة نظر فلسفية ومن خلال القصص والشخصيات المثيرة للاهتمام... وفي هذا السياق قال الكاتب الكسندر نيلاد أنه ليس من الضروي أن ندرس الحجج المعقدة لكي نكون مستنيرين بالفلسفة القيمة، إذ يعتقد البعض أن قراءة رواية بدلا من ذلك أمر أكثر متعة ويعطي الإفادة ذاتها.. ) ومن أشهر الروايات الفلسفية هي( الغريب ) للبير كامو و( الجريمة والعقاب ) لفيودور دوستويفسكي وتعد هذه الرواية الفلسفية بمثابة استكشاف رائع لمفهوم الخير والشر وما يتواجد بينهما...كذلك رواية( الاخوة كارامازوف ) والمسخ لفرانز كافكا والمحاكمة لنفس الكاتب وغيرها من الأعمال الفلسفية الكبيرة آلتي ماتزال تثبت حضورها الإبداعي بين القاريء والباحث والدارس...وخلص الكاتب الكسندر نيلاد القول بأن هذه الروايات يمكن أن تمثل مصدرا قيما للأفكار المهمة والحاسمة حول العديد من جوانب حياتنا والمجتمعات التي نعيش فيها، كما أن من شأنها أن تدفعنا لفهم انفسنا من خلال قصص مثيرة للاهتمام ومقنعة وفي بعض الأحيان قد نشعر بالارتباك والعجز والقلق بشأن عناصر وجودنا التي نكافح من اجل فهمها واستيعابها أن لم يكن ذلك كافيا، يمكن لهذه الروايات تنويرنا لفهم مدى تعقيد وهشاشة الحالة البشرية ،فضلا عن كونها قادرة على تهيئتنا لمواجهة الصراعات والمعضلات آلتي سنواجهها جميعا..) ..
اسوق ذلك بعد أن انهيت قراءتي لما كتبه القاص والشاعر واثق الجلبي في روايته( منطق الطير والشيخ يوسف ) والتي تعد من الروايات الثنائية الفلسفية التي تتحدث عن معاناة الانسان وصراعاته ضد تيارات متعددة فيها ينهض الشر بكل قواه الخبيثة ليحرك النوايا السيئة التي تكون هي مصدر القلق والضرر للجميع والافة آلتي تأكل سنابل الخير و تحيلها إلى أعواد خاوية خالية من الثمر والمحتوى...وهذا ما جسده الكاتب واثق الجلبي في وصفه ( اعتراه حزن بعيد الغور وهو الآهل بالضياء تستبيح خطواته مجاهيل الأمل بأدوات لا تشهد له بالانتشاء، الذيذ هو الليل بلا يدين ولا وجه يأكل منسأته، ليهبط بسرعة ويجثو على فوهات الاحداق يخدر الضحايا ليسلبهم اجسادهم ويقتات بالأحلام والكوابيس ليمتطى داخل الزمن ويستبيح الأماكن )..
بهذه الأسطورة الشعرية المحملة بالرمزية و المدلولات الايقاعية يدور بنا الكاتب واثق الجلبي في رحى مداراته الواسعة ورغم ذلك كله يظل أسيرا لتلك العتمة التي تحجب الرؤية عن عيون اجنحته التي يريد أن يحلق بها عاليا عن هذا العالم المتصارع الذي مايزال يجوب قفاره وطرقاته التي تأكل بوحشتها حنينه إلى الماضي القريب حين يشعر فيها بالحياة والنور والهداية والامان،وهو يدرك تماما بأن المدينة التي تغادرها الكلاب الضالة تتيح للذئب فرصة ثمينة لأن يكون سيدها ورئيسها الاعلى والآمر الناهي فيها وفي خضم ذلك تبقى لديه تفسيرات كثيرة واضحة المعالم ومبهمة في الوقت ذاته ويظل هكذا يحاكي من حوله بالف حكاية وحكاية ويدمدم في سره( على الرغم من وجود الحياة في كل مكان لكن الموت هو المنتصر في النهاية حتى في الاعالي، حيث لا يبقى إلا هو، وهو الحياة والامل )...وسط هذه الضياعات والتيه والشرود والفتنازيا اللاشعورية يبقى الروائي واثق الجلبي يدور حاملا ادواته حول شخوص أراد لهم أن يكونوا هم في مهب الحدث( الطاووس والغراب والسميرغ) وغيرها من الرموز غير الآدمية التي تتنقل بين فصول الرواية...وهو يمارس طقوسه في الغور بعوالم كثيرة ربما يكون هو أحد رموزها وهو من يبعث فيها الروح لتكون هي العالم الذي يريد الوصول اليه فيردد ( سافرت إلى كل هذه الطيور بحثوا عني وازلت غشاوتهم، كانوا بلا راع وبلا ملك أو سلطان، لقد رأوا الحقيقة التي بحثوا عنها وحققت مبتغاهم وما أراك إلا فاقد البصيرة تتيه على الجميع بكبرياء زائفة )...
وسط هذه الأجواء المشحونة بالغرائب ينقلنا الكاتب واثق الجلبي الى صومعة اخرى يخوض فيها بالمزيد من الاحداث بين ما يروي وبين ما يعيشه هو مع الشيخ يوسف وهو يقبع في زاوية من بيته المستأجر وهو الذي لم يرزق بطفل على الرغم من مرور ثلاثين عاما من زواجه ظل عاكفا على قراءة القرآن الكريم والكتب التي كانت كل حياته ،بعد أن انقطع عن العالم الخارجي وترك الجامع والناس والقى عمامته جانبا وصار شارع المتنبي مقصده كل جمعة.. ربما كان سبب ذلك حالة الفوضى التي خلفها الاحتلال وجاء بمن جاء من مجاميع ليس لهم تأريخ أو سجل يذكر...جاء بهم ليحيلوا البلاد إلى كتلة مستعرة من المآسي والويلات وغرقت البلاد في بحر يجوب بين أمواجه قراصنة العصر ...
لقد أراد الكاتب واثق الجلبي أن يصور لنا الحال من خلال ما يدلي به الشيخ الذي كان الإنسان في فكره كائنا محترم النفس كرمه الله تعالى بأشياء كثيرة وكبيرة لكن البعض اهان إنسانيته وأذلها بالشهوات والمطامع وراح يقتل أخاه ويأكل لحمه..
ومما تقدم اقول أن رواية( منطق الطير والشيخ يوسف)والتي تعد بمثابة رواية تتداخل في أحداث وتركيبات رواية أخرى لا يفصلهما غير اسماء الشخوص وتراكم الحدث..لكن الفكرة الأساسية تبقى واحدة بكل مدلولاتها السردية وتسلسل أحداثها التي رتبها الكاتب بطريقة رومانسية فلسفية تتداخل معها موسيقى الشعر وايقاعاته لتحيلها إلى ملحمة تعبر عن صراعات الإنسان وعذاباته في زمن غرائبي وعجيب لا يشبه تلك الأزمنة الخالدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس


.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام




.. عشر سنوات على مهرجان سينما فلسطين في باريس