الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعراف ثقافة القنادر

فرات المحسن

2006 / 10 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ثقافة القنادر لها ما يميزها تفوقا عن باقي الثقافات الإنسانية الأخرى ولها طابعها الاعتباري، فهي تختصر العقل في وضع محدد وتوقفه عن نقطة لافكاك منها، تمسكه من تلابيبه وتضعه بين الدبانستري والوجه الجلدي وتغلق عليه المحيط برباط ماسك يسمى القيطان.ثقافة القندرة تستسهل الإمساك بالحقيقة المطلقة لا بل تجزم بأن ليس من خلفها أو أمامها سوى عالم ضاج بالقنادر على مختلف مستوياتها القبقلي والمشبك والروغان والجمجمال وأبو بريص وجلد الحية. وفي التشبه العام والمرادفات اللغوية يمكن أحلال كلمات من النوع المقارن في الثقافة والضمير الجمعي لمثقفي القنادر. وتلك الكلمات تبدو تفرعات موجبة وليست تشبيهات مجازية أو مرادفات اعتبارية من مثل:أدفنك،أكَطعك،أملخك،أطرك نصين أو أربعة وغيرها من تفرعات لغوية عالية التقنيات ومرضية حضاريا لأصحابها.
كل تلك المسميات تشترك بملمح السيطرة على عقل من اختار ثقافة القنادر كسلوك له واستراتيجية لمجموعته فثمة مشتركات كثيرة تجمع تلك الحشود بالرغم من اختلاف ما يحشو أدمغتهم من ألوان البديع القندري.
كان يلذ لصدام استعمال هذه المفردات وجاراه الكثير من بطانيته في حزب القندره العربي الاشتراكي ومؤسساته من أمثال حسين كامل وعلي كيماوي ووزير الثقافة في حينه لطيف نصيف جاسم وحامد عكَروكَ حمادي وخليفته المنصور بالله محمد سعيد الصحاف وغيرهم كثر.لذا فقد كنا نراهم يحسمون الأمور بتفريغ أذهانهم القندرية على عباد الله وكذلك يستخدمون أدمغتهم القندرية عند المنعطفات التاريخية المهمة لتكون النتائج متساوقة بالتمام والكمال مع تلك الأفكار القذرة.ومن دخل في تلافيف أدمغة السلطة البعثية وبالذات قيادات مؤسساتها العسكرية كان له شرف المشاركة في احتفالات تفريغ القنادر الذهنية أن كان ساقيا أو شاربا لها.
خلال الهزيمة المدوية لحزب القندره العربي الاشتراكي أمام جيوش الاحتلال القندرية الأمريكية.استخدمت لغة القنادر بأشد وأقسى صورها وكان وقعها على أرض المعركة لا مثيل له.فقد انهالت القنادر بمختلف أنواعها على رؤوس الشجعان من صناديد البعث وكانت كالزوابع والرعود لا يعرف مصدرها واتجاهاتها فجعلت البعض منهم يهرب بملابسه الداخلية ولتعرض صور الشجاعة النادرة على شاشات التلفزة العالمية وهذا المنظر بدوره جعل الشعب العراقي حينذاك يطلق أهزوجته الشهيرة.
ألف رحمة على أبيك بوش
خليت الرفاق تنام ويه الهوش
في ذاك الوقت فعلها اغلب رفاق حزب القنادر العربي الاشتراكي الصناديد وباتوا ينامون في زرائب الحيوانات خوفا من تساقط القنادر فوق رؤوسهم، لا بل وصل الحال أن رئيسهم وقائد الجمع الميمون أطلق لحيته وشعر رأسه مثل الدراويش وأعتصم بحفرة أعدت أصلا كسبتتنكَ أي حفرة تستعمل للمياه الثقيلة الخارجة من مرحاض الدار.لم تكن تحوطاته اللحيوية والشعروية والسبتتنكَية غير تعبير عن الرعب من ضخامة حجم القندرة وشراستها والتي توقع لها أن تسقط فوق رأسه لتسحقه وتخرج منه ما احتواه من قندره متيبسة.
ثقافة القندرة دخلت تأريخ اللغة العراقية من أوسع أبوابه وكانت دائما مرادف للفراغ الذهني وتفاهة البشر الذين لا يملكون غير أن تكون تلك المفردة تعبير منطقي عن دواخل ليس لها أية علاقة بالتحضر وثقافة الحوار.ثقافة القنادر في صيغتها العامة والتوصيف النهائي،هي تعبير منطقي عن ضعف المرء أمام حجج الآخرين ورؤاهم، ولذا لا يجد ذلك المعتوه غير حسم الأمور بترويع الآخرين عبر إشهار سلاحه البتار، و يدرك بأن من يواجهه لا يحمل مثل ما يحمله هو من سلاح. أن ميزة ثقافة القندرة تطغي في الأخير وتجعل الخصوم يقفون عند حدودهم لخلو جعبتهم مما يتمتع به مخالفهم من قدرة على الترهيب وما يتفوق به من سلاح.
الغريب أن استعمال مفردة القندرة ومرادفاتها كانت تختصر في غرف التعذيب أو المقابلات بمختلف أنواعها مع شخصيات لا يعرف عنها صلة بقيم الديمقراطية ولم تتبجح يوما بملكات شخصية تتوسل الحوار الحضاري العقلاني لتسيير شأن البلاد والعباد. ولكن نرى اليوم أن سطوة تلك الثقافة القندرية نافذة وفعالة وتبسط نفوذها على شخصيات كان الناس يتأملون فيها خيرا وأن تكون بمستوى المسؤولية لقيادة العراق الجديد.
ليس مستغربا أن يطلق رئيس البرلمان وهو طبيب وعسكري سابق أي ضمن المؤسسة التي تستخدم ثقافة القندرة على نطاق واسع دون ضوابط.ليس مستغربا منه أن يكون داخل دائرة تلك الثقافة وأعرافها لأسباب ليست بالخافية على الناس، فهو سلفي يتمتع بصلافة البدوي المقطوع عن الحضارة رغم محاولاته لتصنع قفشات يعتقد أنها تضفي المرح على أجواء البرلمان المشحونة أصلا بالتعصب والمخاشنة. وهو في قفشاته تلك يجاري انفلات الأمر داخل البرلمان وعدم التزام الأغلبية من أعضاءه بالأعراف البرلمانية، وهو واحد منهم لا بل يعد السبب المباشر لما يحدث من هوسه يريمه في البرلمان.وللحقيقة فأن تلك القفشات البائسة تجعلني أؤمن بفرضية أحلال الأرواح التي يعتقد بها الهنود الحمر حيث أرى أن روح عبد السلام محمد عارف قد حلت داخل جسد رئيس برلماننا العراقي وبدأ يظن بما يظن ويتحدث بما يتحدث.ففي الوقت الذي يقوم رئيس البرلمان بقمع المرأة لا بل يتلذذ ويتبجح بذلك وبشكل ظاهر تراه يتهم بتهكم بعض من يكتب التقارير ألمقدمه له بالأمية دون أن يحمل ذلك على سوء أو رداءة قراءته للتقرير، لا بل لا يستحي من أطلاق تلك الصفة على شريك له في البرلمان.وأصبح ما يحدث من هرج ومرج في البرلمان مصدرا للأسى على المآل الذي وصلت أليه الانتخابات البرلمانية والعملية السياسية برمتها.
ثقافة القنادر لا تختصر عند حدود رئيس البرلمان وهي في واقع الأمر مبثوثة في عموم العراق طولا وعرضا حيث القتل والذبح والاغتصاب والخطف وسرقة المال العام والخاص والرشوة والفساد الإداري وكلها تمثل استنباط واع ومبرمج لفكرة ثقافة الإقصاء والتهميش والتغييب، وتتواصل مع الإرث التاريخي لنوازع الشر التي أرستها شخصيات قندرية مسعورة تحكمت برقاب العراقيين عبر تأريخ العراق الطويل منذ عهد السومريين وصولا الى عهد برلماننا العراقي الحديث.فثقافة القندرة التي أفصح عنها المشهداني لاقت رواجا وكثيرا من الاستحسان عند الأغلبية البرلمانية حيث صرخ البعض منهم بهتاف الله أكبر تشجيعا وصفق البعض طربا لكلمة رئيس البرلمان.أذن اجتمعت ثقافة القنادر لتكون الفيصل الحاسم في عهد برلماننا العتيد وربما لن تكون سواها في القادم من الأيام وقرت أعين من صفق ومن هتف، فهم العشائر النبيلة والواعدة والمؤتمنة ورثة التراث المجيد من ثقافة الخنق والتغييب.
أذن فليفرح الشعب العراقي فقد توافق أعضاء البرلمان من قائمتي الشيعة والسنة وللمرة الأولى وصوتوا بالأكثرية لمثل هذه الثقافة التي أفصحت عنها دواخل رئيسهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يعلن الاقتراب من مرحلة تفكيك كتيبة حماس في


.. روسيا تتوقع اتفاقية تعاون جديدة مع إيران




.. ترميم مستشفى أصدقاء المريض بعد تدميرها بغزة


.. الأمين العام لعصائب أهل الحق العراقية: دعم واشنطن لإسرائيل ف




.. الانتخابات الرئاسية الإيرانية.. مناظرة للمرشحين تناقش السياس