الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسار- العدد 70

الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)

2022 / 11 / 30
مواضيع وابحاث سياسية




العدد(70 ) - تشرين الثاني2022
---------------------------------------------------------------------------------
ا
الافتتاحية: مسارات دولية واقليمية متوقعة ستؤثر على الوضع السوري

هناك نتائج أفرزتها الحرب في أوكرانيا منها التقارب الصيني- الروسي الذي هناك مؤشرات على أنه يقترب من مستوى التحالف ،ولوأنه لم يصل إلى مستوى المعسكر الواحد الذي كان بين موسكو وبكين بفترة1949-1960مابين وصول الشيوعيين الصينيين للسلطة وبداية الخلاف السوفياتي الصيني،وقد خاض ذلك المعسكر الموحد الحرب الكورية1950-1953في مواجهة الولايات المتحدة التي أرسلت قواتها لوقف زحف الكوريين الشماليين نحو الجنوب.في إدارة بايدن الحالية هناك اتجاه أميركي لمعاداة بكين وموسكو معاً،وعدم اتباع للسياسة الأميركية التقليدية التي اتبعها كيسنجر منذ عام1971في التفريق بينهما،وتشعر الصين بأن هزيمة روسيا في الحرب الأوكرانية ستقود إلى انشاء جدار شمالي معادي للصين على الحدود الروسية- الصينية وفي منطقة أوراسيا بعد أن استطاعت الولايات المتحدة انشاء دول جوار معادية للصين بالشرق والجنوب والغرب ولم يبقى منها الآن على ود مع بكين سوى ميانمار وكوريا الشمالية وكان آخر مافقدته الصين من جار حليف هو باكستان مع سقوط حكومة عمران خان في نيسان2022،وهناك حسابات صينية بل وتصريحات ومقالات في وسائل اعلام رسمية بأن الهدف الرئيسي الأميركي من هزيمة روسيا هو الصين ،باعتبار أن هناك اتفاقاً في واشنطن بين الجمهوريين والديمقراطيين منذ التسعينيات بأن التحدي الرئيسي للقوة الأميركية في عالم القطب الواحد للعالم بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي وتفككه عام1991ليس روسيا بل الصين.
هذا التقارب الصيني- الروسي يدفع واشنطن للتشدد في الحرب الأوكرانية من خلال إطالتها والدفع نحو تزويد الأوكرانيين بأسلحة نوعية للدفع بالروس إما نحو انتكاسات عسكرية كبيرة،كماحصل في منطقة خاركيف منذ أيلول الماضي وهناك معطيات على أن الوضع في منطقة خيرسون سيقود إلى وضع صعب للروس يمكن أن يغير اللوحة العسكرية بمجملها،أومن من أجل وضع بوتين في مسارات لن تكون خارج اغراقه في مستنقع أوكراني سيقود إن طال إلى هزيمة روسية مثلما حصل لموسكو في المستنقع الأفغاني بين عامي1979و1989وهو ماكان عاملاً رئيسياً في هزيمة الكرملين في الحرب الباردة أمام البيت الأبيض ومن ثم تفكك الاتحاد السوفياتي.
في الوقت نفسه هذا التقارب الصيني- الروسي يشكل أكبر تحدي واجهه القطب الواحد الأميركي للعالم،وهو يهزهز وضعيته العالمية القائمة منذ ثلاثة عقود،ولكنه لم يسقطها بعد،ولم يقد حتى الآن إلى عالم متعدد القطبية ،بل يمكن القول بأن مايجري هو محاولة انقلابية ضد نظام القطبية الأحادية الأميركي بدأها بوتين في يوم 24شباط2022مع غزو أوكرانيا وقد رأت الصين في هذه المحاولة الروسية مجالاً وفرصة للإطاحة بالقطبية الأحادية الأميركية وهذا مايدفعها للتقارب أكثر مع روسيا،وفي الوقت نفسه وفي الضفة الأخرى هذا مايدفع واشنطن للتصويب على بكين وموسكو معاً. وعلى كل حال فإن الحرب في أوكرانيا هي التي ستقول من خلال نتائجها إن كان القطب الواحد سيبقى ويتعزز مع هزيمة الروس أواجبارهم على تسوية ليست لصالحهم،أم أن القطب الواحد الأميركي للعالم سيحل محله عالم متعدد الأقطاب مع خروج موسكو رابحة من تلك الحرب بالمعنيين العسكري والسياسي (والصين معها).
لايمكن حتى الآن القول أن هذه المحاولة الانقلابية قد نجحت أوفشلت،بل هذا أوذاك يحتاج لزمن يطول أويقصرللتبيان.ولكن هذا أتاح سيولة في العلاقات الدولية سمحت لدول بأخذ حرية حركة أكثر ضد واشنطن ومنها ايران التي لاحظنا تصلبها المتزايد بفترة مابعد الحرب الأوكرانية في مفاوضات الملف النووي الايراني مع واشنطن بل وهناك مؤشرات على أن طهران لاتريد الاتفاق من جديد مع الأميركان كماجرى عام2015بل تغريها الوضعية الكورية الشمالية،أي امتلاك القنبلة النووية من دون موافقة دولية والتهديد بها،أووضعية الوصول لماأسماه كمال خرازي ،مستشار خامنئي بتموز الماضي في مقابلة مع قناة الجزيرة ،ب"العتبة النووية" وهي وضعية عاشتها باكستان منذ الثمانينيات وعندما أجرت الهند في أيار 1998تجربة نووية ردت عليها باكستان بتجربة نووية بعد أسبوع في اعلان عن تحولها لدولة نووية.
هذه الوضعية الايرانية توازيها وضعية تركية تستغل من خلالها أنقرة الاهتزاز الأميركي أمام التحدي التقاربي الصيني- الروسي لكي تقترب أكثر من موسكو،وخاصة بعد خيبة تركية نتجت عن فشل مراهنات أردوغان على أن موافقته في الصيف الماضي على انضمام فنلندا والسويد لحلف الأطلسي وعدم ممارسته الفيتو على ذلك ستتيح له غض نظر أميركي عن مكاسب في سوريا من خلال التمدد العسكري التركي في منطقتي تل رفعت ومنبج،وهو مادفعه بالنتيجة لتقاربات مع الروس في سوريا ولتخفيف تصلبه في الموقف من السلطة في دمشق،ودفعت الروس لزيادة تعاونهم وتقارباتهم مع الأتراك في مجالات أبعد من سوريا ،إلى درجة قول بوتين مؤخراً بأن "تركية ستصبح خط الغاز الروسي الوحيد إلى اوروبا ".
هناك قوى دولية واقليمية فاعلة في الأزمة السورية،هي الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وايران . الآن وعبر مشهد عالم مابعد24شباط2022ثلاثة من هذه القوى هي في حالة تصادم مع القوة الرابعة وهي الولايات المتحدة،والقوى الثلاث المذكورة تتقارب بشكل متزايد من بعضها البعض،وليس صدفة الطائرات الايرانية المسيًرة التي بدأت روسيا باستعمالها في الحرب الأوكرانية مؤخراً،وهذا التقارب مجالاته أبعد من سوريا،ولكن الساحة السورية ستكون ساحة رئيسية من ساحات ترجمة مفاعيله ،وأيضاً ستكون الساحة الرئيسية،مثل أوكرانيا،للمجابهة الروسية مع أميركا ،وستكون وضعية روسيا قوية في سوريا مادامت هناك مصالح مشتركة لأنقرة وطهران تجمعهما مع موسكو وتدفعهم ثلاثتهم نحو تحويل الجغرافية السورية إلى ساحة تصفية حسابات مع الأميركان،وهو ماسيلهب الوضع السوري على الأرجح في المستقبل القريب أوالمتوسط،وسيجعل حل الأزمة السورية ليس قريباً،مادامت القوى الخارجية هي المتحكمة بمسار الأزمة السورية،وليس السوريون الذين فقدوا مقود الأزمة السورية منذ عام2011نتيجة عدم قدرتهم على التسوية للأزمة ولعدم قدرة أحد طرفي النزاع السوري على حسمه لصالحه.
-----------------------------------------------------------------------------------------------
هل من مجيب؟
- يوسف الطويل -
إن تردي الوضع المعيشي واستمرار الأزمة العامة بأبعادها الوطنية والاقليمية والعربية والدولية يطرح أمام القوى الوطنية والديمقراطية مهمة انقاذ سوريا من تدهور الاوضاع العامة، وامساك المعارضة الديمقراطية بمقود المعارضة، وهذا ما يتطلب وضع رؤية دقيقة متوافق عليها لطبيعة وشكل الحل السياسي المطلوب، وانتخاب وفد تفاوضي محنك من قبلها لادارة المفاوضات مع ممثلي السلطة.
ان تصحر الوعي السياسي بسبب الاستبداد الشمولي، مضاف إليه الارتدادات نحو الطائفية والمذهبية والانتماءات ما قبل المدنية، يتطلب حل سياس للأزمة وفق القرارات الدولية ذات الصلة أي بيان جنيف1لعام2012والقرار2118لعام2013والقرار2254لعام2015 اولاً وقراءة تجربة عام 2011 بدقة وموضوعية للوصول لتحديد الحوامل الاجتماعية للتغيير المطلوب موضوعيا ومجتمعيا، وذلك باستخدام أساليب النضال الديمقراطي المدني السلمي في فرض شروط التغيبر على السلطة والطبقة السياسية الحاكمة.
يجب ان تعي السلطة لمهمات التغيير، ومن المفترض أمام المأساة الوطنية أن تتواضع أطراف النزاع، والانتقال من المصالح الضيقة الى رحاب الشأن العام المشترك، والبحث عن التلاقيات بدلا من الخلافات، وايجاد الصيغ المناسبة لانجاز حل سياسي للأزمة الوطنية مرتكز على حوار وفق القرارات الدولية ذات الصلة أي بيان جنيف1لعام2012والقرار2118لعام2013والقرار2254لعام2015واللجنة الدستورية ، لأن الشعب السوري قد تعب في كل الاصطفافات، مضاف إليه المهمات المطروحة لمحاربة الارهاب ومرتكزاته الفكرية والاجتماعية.

الحكايات تبدأ بإيران
مصطفى سعد - "ليفانت نيوز"-31تشرين الأول2022
ملخص لا بد منه:
تيارات سياسية وفكرية متعددة (شيوعية وإسلامية وليبرالية) وحراك مجتمعي يضم مختلف القوميات انتفضت في وجه شاه إيران محمد رضا بهلوي الذي سقط عام 1979، ليخلفه الخميني الذي سارع ومنذ بداية عهده في الحكم إلى إقصاء شركاء الأمس في الثورة حتى نائبه حسين علي المنتظري (المعارض الديني الذي حُكِم عليه بالإعدام في زمن الشاه) لوصفه ما يجري في البلاد بأنه ديكتاتورية باسم الإسلام.
عملت الجمهورية الإسلامية حديثة النشأة إلى إرساء نظام جيوسياسي جديد في الخليج العربي والشرق الأوسط الكبير على أساس شعار "لا شرق ولا غرب".
حيث كان للثورة الإيرانية من الناحية الجيوسياسية أثر أعمق على تحويل الشرق الأوسط أكثر من أي حدث آخر في النصف الثاني من القرن العشرين. فقد كانت نهايةً لـ 2500 عام من الملكية الفارسية ومعها انتهت استراتيجية واشنطن التي اعتمدت على العلاقات الوثيقة مع المملكة العربية السعودية وإيران لتهميش نظام العراق البعثي والحؤول دون ظهور نظام موالٍ لموسكو في الخليج . وربما لهذا وصف الرئيس ريتشارد نيكسون إيران وتركيا وإسرائيل بـ "الشرطة الأمريكية" وقد وضعتهم إدارته الاستراتيجية على طول أطراف الدول العربية الغنية بالنفط. ولهذا تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بشكل كبير بعد إنشاء الجمهورية الإسلامية، وأدت أزمة الرهائن 1979-1981 إلى عقود من عدم الثقة والنقد اللاذع بين واشنطن وطهران.
بعد موت الخميني تولى السيد علي خامنئي تشكيل نظام جديد يرتكز على ثنائية المرشد ورئيس الجمهورية بأسلوب وطريقة الخميني؛ لكن الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر أيار من عام 1997 أتت بالرئيس محمد خاتمي الذي تبنى برنامجاً إصلاحياً وعد من خلاله بتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وأكد على السيادة الدستورية. هذا على صعيد السياسة الداخلية، أما على صعيد السياسة الخارجية عمل على بدء عهد جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية يختلف عما كان سابقاً، وإلى تحسين علاقات بلده مع دول المنطقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
فكان أول انقسام في الجمهورية الإسلامية بين الشارع الذي انتخب خاتمي بنسبة زادت عن 70% ومؤسسات الدولة التي تدين بالولاء للمرشد والحرس الثوري ومراكز صنع القرار.
عندما تولى الرئيس الإيراني المحافظ المتشدد محمود أحمدي نجاد السلطة 2005، كانت طهران بقيادة رئيسها ومن خلفه المرشد تحكم بغداد، وكان قد ظهر بوضوح الإخفاق الأمريكي في أفغانستان. شكّل هذان العاملان قناعة لدى الرئيس الجديد أن الدور الأمريكي في المنطقة ليس كسابق عهده وهذا الضعف سيمكنه من متابعة برنامجه النووي، مما أدى لفرض عقوبات اقتصادية على طهران في 2006.
لكن الشعب الإيراني لم يملأ الساحات بثورته الخضراء حتى عام 2009 إثر فوز أحمدي نجاد في دورته الثانية على المرشح مير حسين موسوي الذي يعتبر استمراراً لنهج الرئيس الأسبق خاتمي حيث رفع شعار "إيران أولاً" بعد الحصار الاقتصادي.
كانت رؤية موسوي تتلخص بأن الواجب الأول والأهم تحسين الوضع المعيشي وفتح باب الحريات الاجتماعية والسياسية ولا يتم ذلك إلا بالانفتاح على دول المنطقة وعدم مجابهة كل من أوروبا وأمريكا.
سقوط الأخير جعل أنصاره (الطبقة الوسطى والمثقفين والمتعلمين وفئة الشباب والنساء) يتهمون المرشد الأعلى والمحافظين بتزوير الانتخابات ونزلوا إلى الساحات بتظاهرات ضمت الملايين فكانت الهزة الأكبر في تاريخ إيران منذ ثورتها على الشاه.
تم قمع المتظاهرين وقتلهم واعتقالهم وتخوينهم ووصفهم بأنهم عملاء للشيطان الأكبر _الشيطان الذي تحالفوا معه في العراق_ وإسرائيل كما جاء على لسان مساعد الشؤون السياسية في الحرس الثوري الإيراني العميد يد الله جواني.
لم ينجح قمع نظام الملالي في إخماد الناس فالشارع ملتهب وساخن وسياسات النظام الشمولي الثيوقراطي أمعنت في إفقار الناس ورفعت مستوى البطالة وزاد بلل الطين الإيراني حصار البنك المركزي ومنعها من تصدير النفط واستنزاف ثرواتها في حروب إقليمية داخلية كَ (لبنان والعراق واليمن وسوريا)، وكانت نتائج الاتفاق الإيراني- الأميركي زمن الرئيس باراك أوباما مخيبة لآمال الإيرانيين إذ لا تغيير ملموس على الصعيدين الداخلي والخارجي وثبت أن الحصار ليست إلا مشكلة من عدة مشكلات عمرها الآن عقود من الزمن.
وعندما تولى الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الحكم في البيت الأبيض وهو الذي يمثل اليمين الشعبوي الأمريكي ويملك رؤية مختلفة عن سابقه أوباما ألغى الاتفاق المبرم بين واشنطن وطهران، وأعاد الحصار والعقوبات على إيران. والاحتجاجات التي قامت (2017_2019) كان محرّكها الفساد الداخلي، والفقر وارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة. عبّرت الإدارة الأمريكية عن عزمها في تغيير سلوك النظام الإيراني وليس إسقاطه أو استبداله ووقوفها لجانب الشعب الإيراني المنتفض بالشوارع والساحات على نظام ثيوقراطي قروسطي يصرّ على حكم إسلامي وقومي (رغم تعدد القوميات والمذاهب والديانات في إيران) ومساعدته في نيل حقوقه المسلوبة. هدف واشنطن تم الإعلان عنه صراحة عند التدخل الأمريكي العسكري في سوريا فكان أحد أهدافه إخراجها من دمشق وأيضاً من بغداد وصنعاء وبيروت.
أما أحداث اليوم والمستمرة منذ أكثر من شهر ونصف فهي مختلفة عما سبقها، هي ليست ضد النظام السياسي بوصفه نظاماً مستبداً تقوده سلطة غير منتخبة، بل هي ضد نظام إسلامي ديني، لا تستطيع السلطة فيه التهاون أو الالتفاف على مطالب المحتجين بمعاقبة مسؤول "فاسد" أو بعض التجار "الذين يحتكرون" السلع.
السلطة الدينية قائمة على عمودين أولهما الرموز والإشارات وثانيهما خليفة الله في الأرض، وليس هناك رمز أقوى من الحجاب من بين الرموز الإسلامية كما أن المرشد هو أعلى رجالات هذه السلطة، والآن تم نسف العمودين، بعد عام واحد فقط على وضع المرشد الأعلى لإيران «آية الله علي خامنئي» أسس جديدة لإطلاق موجة أخرى من خطة أسلمة القاعدة الشعبية كما وصفها، والهدف منها إنشاء "المجتمع الإسلامي المثالي" وذلك عن طريق استئصال الثقافة الغربية "غير الإسلامية" الدخيلة على المجتمع الإيراني.
الرضوخ لإرادة الشعب الإيراني في حرية ارتداء الحجاب يعني سقوط السلطة الدينية، يعني انتصار المرأة قبل الرجل على سلطة نظام ذكوري غارق بالتخلف، يكفي أن يرفض رئيس النظام إبراهيم رئيسي إجراء مقابلة مع قناة "CNN" الأمريكية لأن المذيعة لا تضع الحجاب، والرئيس الأسبق حسن روحاني في زيارته لإيطاليا 2016 طلب أن تغطى التماثيل الحجرية التي عمرها آلاف السنين!
النظام الإيراني يواجه الآن زلزالاً هو الأقوى من نوعه، لكن ما زال بيده أسلحة عدة لا نعلم إن كانت ستفيده أم لا، أهمها آلة البطش الطاحنة وكتلة اقتصادية واجتماعية وازنة في الداخل الإيراني، بالإضافة للدور الإقليمي والدولي الذي يلعبه، فهو مازال ضرورة في لعبة التوازنات الدولية، لكن قد يضطر لتغيير سياساته أو بدقة أكثر بعض منها، على الصعيدين الداخلي والإقليمي، وبأي حال من الأحوال لن يندم النظام الإيراني على شيء مثل ندمه على مقتل الشهيدة "مهسا أميني"
أهمية الحراك الإيراني وأثره التراكمي:
قرأنا مئات التحليلات والسرديات لصعود الإسلام السياسي في العالم العربي وكلها تقرنه بنجاح ثورة الخميني، أي إسلام سياسي سني كرد فعل على إسلام سياسي شيعي، وهو الخطأ بعينه.
العوامل التي أدت إلى انتشار الإسلام السياسي (إخوان_ سلفية_ وهابية) عديدة منها: أهمها انهزام الأنظمة "التقدمية" في حروبها الخارجية كخسارة حرب حزيران 1967، فشلها الذريع بتنمية بلدانها، تفشي البطالة والفساد والقمع، تخوين أي رأي معارض وحبسه وإعدامه أحياناً، تفاوت طبقي، ومشكلات إدارية وخدمية وفي كل القطاعات من التعليم إلى الطبابة.
حدث مهم أيضاً هو توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، الذي خلق حالة من العصبية الدينية، من جملة ما نتج عنها كتاب "الفريضة الغائبة" للمهندس المصري محمد عبد السلام فرج والذي أعدم لاحقاً، ليصبح كتابه ملهم لكل التنظيمات الجهادية في العالم الإسلامي.
ولعلّ قرار إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981 هو الانعكاس الأوضح لأثر نظام الإسلام السياسي في إيران على الشرق الأوسط عموماً ودول الخليج العربي على وجه الخصوص. وفي حين يُعزى هذا القرار جزئياً إلى الغزو السوفيتي لأفغانستان في عام 1979، إلا أن خطاب النظام الإيراني الجديد وسلوكه هو الذي هز قادة الخليج العربي وخاصةً قادة الدول التي تضم عدداً كبيراً من الشيعة - البحرين والكويت والعراق والسعودية.
ومع أن الرياض كانت حذرة في ردها الأولي على القادة الثوريين الجدد في طهران حيث أرسل الملك خالد بن عبد العزيز، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي تهنئة للحكومة الإيرانية واصفاً إنشاءها بأنه "مقدمة لمزيد من التقارب والتفاهم" بين المملكة العربية السعودية وإيران؛ لكن سرعان ما توترت العلاقات بين الرياض وطهران. حيث رأت القيادة السعودية يد إيران في الاضطرابات التي حصلت نتيجة استيلاء الأصوليين على المسجد الحرام في مكة ودعوتهم للإطاحة بآل سعود عام 1979 وانتفاضة الشيعة في المنطقة الشرقية وقمعهم من قبل قوات أمن الدولة، وكذلك في مؤامرة الانقلاب الفاشلة ضد عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين.
بعد أكثر من أربع عقود أصاب الإسلام السياسي ما أصاب الأنظمة العربية، فشل وإرهاب وتخلف وقمع واستبداد، فقدان جمهوره وشارعه، والأهم من كل هذا أنه فتح باباً خجولاً لنقد الدين نفسه، إن كان على مستوى الأحاديث والسنة أو تفاسير القرآن، لكن لن يمر وقت طويل لفتح الباب على مصراعيه، والقيام بثورة ضد استخدامه في السياسة.
أخيراً: لنتذكر أن التأميم في العالم العربي بدأه الراحل عبد الناصر في مصر عام 1956 أي بعد تأميم حكومة محمد مصدق في إيران 1951-1953لمؤسسة النفط، والتشدد الديني وصل لأوجه في المنطقة بالترافق مع وصول حكم ديني لطهران 1979، كذلك الربيع العربي انطلقت شرارته في تونس 2011 بعد الثورة الخضراء 2009، فهل نشهد ثورة جديدة على ممثلي الله في بلداننا على غرار ثورة الشعب الإيراني؟
-----------------------------------------------------------------------------------------------
الرئيس بوتين: بين الحقيقي والمُتخيل
رامز باكير

إن أكثر الصور التي ساهمت ببناء فهم وتصورات الغرب وحتى قد تكون ساهمت في بناء خطابه السياسي الموجه ضد روسيا المعاصرة هي صورة شخصية الرئيس بوتين, المليئة بالكليشيهات و الهوس بخلفيته المخابراتية بالكي جي بي، وتصويره على أنه الرقم الأصعب والعنصر المحرك الأساسي في السياسة الروسية. ولكن يبقى السؤال: من هو فلاديمير بوتين القابع خلف ذاك البوتين؟ وما هي البوتينية إذا كانت أصلاً ترقى لأن تكون نهجاً؟

كان النظام الروسي منذ بداية عهد الرئيس بوتين حذرًا ودقيقاً في تعامله مع بعض السيناريوهات التي أدت إلى بناء الاحتياطيات المالية الضخمة لروسيا خلال الطفرة النفطية الكبيرة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكن في الوقت ذاته كان يخاطر في حالات أخرى، مثل اجتياح الشيشان، و التدخل المباشر في سوريا و ضم شبه جزيرة القرم ، وصولاً إلى غزو أوكرانيا الأخير. ذلك الحدث الذي صعق العالم رغم توقع حدوثه والتحذير منه من قبل الكثيرين.
ورغم سياسات بوتين المناهضة للغرب، ظهرت روسيا بنفس القدر كمساعدة لواشنطن في احتلال أفغانستان عام2001.

يرى البعض في بوتين الحاكم المطلق، مثل كارين دويشا في فيلم Kleptocracy (2014) ، أن هدفه هو تكديس ثروة ومكاسب شخصية لا أكثر. أما بالنسبة لآخرين مثل تيموثي سنايدر في The Road to Unfreedom (2018) ، فيرى فيه قومي متطرف من مدرسة إيفان إيليين و ألكسندر دوغين (البلشفي القومي كما يدعي).
وبحسب فيونا هيل و كليفورد غابيز، والذين كتبوا واحد من أهم كتب السيرة الذاتية عن بوتين ("بوتين "،2011)، فقد حددوا ست شخصيات للرئيس فلاديمير بوتين، فهو; رجل دولة، رجل تاريخ، مهووس بغريزة البقاء، خارج عن المألوف، نصير لسياسات السوق الحرة، و شخص على قدر كبير من المسؤولية.
ولكن تبقى هذه الصور وتلك رغم تضمنها بعضاً من الحقيقة، صور مبتذلة و مبالغة وفيها من الدقة بدرجة ما نجده بسير المستشرقين الغربيين، مليئة بالتحيزات والرؤى المتأثرة بالسرديات الغربية المهيمنة، رؤية سلبية لروسيا والشرق إلى حد كبير، بل وحتى قد تخدم سرديات روسية داخلية لتكريس أو تسويغ واقع ما."1"

لطالما ساهم الإعلام الأمريكي بنشر نوع من الجهل، وصورة مسيسة وترويجية بما يتعلق بالشأن الروسي، فوفقاً لاستطلاع تم عام ٢٠١٤ شارك فيه ٢٠٠٠ شخص، فإن ١ من أصل ٦امريكيين يستطيعون تحديد أين تقع أوكرانيا بالنسبة لروسيا على الخريطة، دون الإشارة إلى الفراغ المعرفي لدى غالبية الأمريكين عن تلك الأقاليم وحيثياتها وتاريخها، مما يساعد على ملء هذا الفراغ ودفع الرأي العام باتجاه تأييد أي تدخل قد يحدث مستقبلاً."1"

يمكن المجادلة وتفكيك هذه الصور عن بوتين والبحث في آلية تكوينها, وذلك بالعودة إلى فترة التسعينات، فترة بداية صعود بوتين وصولاً إلى يومنا هذا. فعلى رغم الدور التي لعبته خلفية بوتين في إستخبارات الكي جي بي و سيرته الناجحة في خدمته في السلك، إلا أن تأثيره في دوائر صنع القرار بدأ بعد استقالته من الكي جي بي عام ١٩٩٠، و تزكيته من قبل سوبتشيك و يلتسن وتعيينه رئيساً لبلدية سانت بطرسبرغ، حيث كان وسيطاً في كبرى صفقات التجارة الخارجية، لينتقل فيما بعد إلى موسكو بعد ست سنوات ليشغل منصباً تنفيذياً في الكرملين.
استطاع بوتين خلال هذا العقد من خلق شبكات من العلاقات الشخصية المعقدة بين شخصيات، وصفتها عالمة السياسة ألينا ليدينيفا "بالسيستيما". شبكة من أقرب رفاقه كيوري كوفالتشوك ، وفلاديمير ياكونين، ونيكولاي شامالوف، وهي روابط قد جمعته مع غالبيتهم من خلال تعاونية أوزيرو "Ozero cooperative" في التسعينيات في سان بطرسبرج، وهم غالبيتهم العظمى من أثرى الأثرياء في روسيا. و بحسب الينا ليدينيفا، فإن بوتين لا يحكم وحده، بل من خلال أدواته و بالتعاون مع هذه المنظومة.

و بحسب توميثي فراي، البروفيسور والباحث في جامعة كولومبيا الأمريكية، والذي سعى للإجابة على السؤال الأهم: ماذا لو لم يكن بوتين فريداً ومميزاً بالشكل الذي قد يتصوره البعض؟ في كتابه والذي يكشف أن بوتين قد يكون لديه الكثير من القواسم المشتركة مع أقرانه المستبدين أكثر مما يصور لنا. فالعديد من أفعاله ليست نتيجة رؤيته الثاقبة للعالم وعبقريته، بل إنما هي مجرد نتيجة للمقايضات المعقدة التي يجب على السياسيين ذوي النفوذ في كل مكان القيام بها، خاصةً في الأنظمة الاستبدادية، والتي تنطوي غالباً على دفع أموال للنخب مع الحرص على عدم تعكير صفو الاقتصاد والمخاطرة بالاستياء الشعبي. طبعاً مع افساد العملية الانتخابية لضمان السلطة الدائمة، والسماح بالقليل من المعارضة بحيث أن لا يشكلوا أي تحدي حقيقي للسلطة. و بحسب فراي، فإن بوتين يتمتع بالقوة، ولكن حكمه ليس مطلقاً كما هو الحال في كثير من البلدان الاستبدادية ، وذلك من منطلق أن الحكم بقشرة رقيقة من الشرعية أسهل من عدم وجود أي شرعية على الإطلاق."2"

إذن، فالبوتينولوجيا قد تتطلب مؤهلات كبيرة، ولكن ليست بالفائقة. و يبقى لروسيا دورها التقليدي كقوة عظمى قارية، مدعومًا بحكم شبه مطلق و مركزي ذو نزعة أرثودكسية, ولكن بآلية إدارية بعيدة كل البعد عن التقليدية. وكما هو الحال تاريخياً في روسيا, لا يخلو الأمر من دورات التوسع والقمع كتلك التي كانت ايام فترة الحكم السوفييتي والقيصري.
يدّعي فراي بأن موروثات الماضي تشكل الحاضر، وأن وجود أسس عميقة في التاريخ الروسي هو أمر ضروري ولا مفر منه لفهم روسيا اليوم.

لايمكن إخفاء الاساليب الدعائية التي ساهمت ببناء الاسطورة حول بوتين, والتي لم تقتصر فقط على الجانب الامريكي والاوربي. فالكاردينال الرمادي كما وصفته الفورين بوليسي، فلاديسلاف ساركوف, الذي شغل مناصب هامة في الكريملين "3" وتم عزله مؤخراً, حول السياسة الروسية إلى مسرحية محيرة بطلها الرئيس بوتين، وذلك طبقاً لاختصاصه الأساسي، الفنون المسرحية، ذاك الإختصاص الذي جعله يبرع بمغازلة المباديء الديمقراطية وإخفاء الاستبداد في آنٍ معاً. حيث قدمه آدام كيرتس في وثائقي البي بي سي (hyper normalisation)، ٢٠٠٦، على أنه أحد رواد صانعي سياسة ما بعد الحقيقة، ومهندس الإعلام الروسي الجديد, الذي جعل الحقيقة أقل صلةً بالحدث، وذلك من خلال تحييد الصحافة وجعل الإعلام أكثر أداتيةً.
فالكرملين أصبح للبعض مسرح دراما بامتياز، يكتب فيها ساركوف وغيره النصوص ويلقنون الممثلين، ويحللون أدوارهم ورواياتهم ويدير العرض الترويجي ببطولة الرئيس فلاديمير بوتين، واضعين الذخيرة قيد التنفيذ، لتحقيق ردود الفعل المرادة من الجمهور المستهدف.




1. JOY NEUMAYER, Russia by numbers, New left review, Issue 133/134, 2022.

2.Timothy Frye, Weak Strongman: The Limits of Power in Putin’s Russia
Princeton University Press: Princeton 2021
288 pp, 978 0 6912 1246 3

3. Caroline de Gruyter, Foreign policy The wizard of the kremlin, July 30th 2022



https://m.arabi21.com/Story/1470179
------------------------------------------------------------------------------------------------
هل يتوجه العالم نحو شتاء أسود؟ وماذا بعد الهروب إلى العسكرة؟

هيثم مناع- الثلاثاء، 25 أكتوبر 2022

لم تصمد الحكومة البريطانية سوى 44 يوما، ولن تكون مهمة خليفة ليز تراس مرصعة بالورود، اليمين المتطرف الشعبوي نجح في الحصول على أغلبية برلمانية في إيطاليا وأصبح التعامل معه إلزاميا لحفظ ماء وجه "التضامن الأوروبي"، الحكومة الفرنسية تمرر سياساتها عبر المادة 49 ـ 3 لافتقادها الأغلبية البرلمانية، الحكومة الألمانية تواجه أعنف أزمة هجينة الطابع تضع على الطاولة السياسات الألمانية منذ مطلع هذا القرن: اعتبرت ألمانيا الصين مصنعا لها، وروسيا مصدر الطاقة لصناعتها والولايات المتحدة قبتها العسكرية، مع الاعتزاز اليومي بزواج ألماني ـ فرنسي يشكل عصب الاتحاد الأوربي!!

مع توجه الدبابات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية تهاوت معظم أركان هذه السياسات، واضطر الائتلاف الألماني الحاكم لاتخاذ قرارات اقتصادية وعسكرية قومية على مبدأ (كل مين يده له). الإدارة الأمريكية تحاول عبر رفع أسعار الفائدة لوقف ارتفاع معدلات التضخم وتقدم لأوكرانيا مساعدات عسكرية وأمنية واقتصادية لا سابق لها، الكرملين يعلن تعبئة عسكرية جزئية ويوسع نطاق المواجهة العسكرية ويستعد للخروج من حرب الأسلحة التقليدية، مع الهروب الجماعي لعدد كبير من الشبيبة الروسية من الخدمة العسكرية.

حُزم العقوبات الاقتصادية تتصاعد بشكل لا سابق له في التاريخ البشري المكتوب، تعبير الأمن الغذائي أصبح موضوعا مؤجلا، إن لم نقل منسيا... التغييرات المناخية لم تعد موضع شك حتى عند أكثر المعادين لأطروحات التلوث البيئي والانبعاثات الحرارية، وتضرب بقوة في باكستان وآسيا وأوربة والقائمة تتسع يوميا، تنفض أوربة الغبار عما أغلقت من مفاعلات نووية لمواجهة أزمة الطاقة، غلاء المعيشة يمس الدول الغنية والفقيرة، بلغت معدلات الفقر حدا لم تتوقعه أكثر المؤسسات البحثية تشاؤما، وانتشر وباء "العسكرة" في العقول والسياسات كما لم يحدث حتى بعد 11 سبتمبر 2001، يترحم الكثيرون على أيام "الحرب الباردة" مع اتساع نطاق الحروب الساخنة...

هل دخلنا، كما يقول الفيلسوف السلوفاكي سلوفاي جيجيك "حقبة ما فوق الجنون"؟

"لم أكن أريد ذلك" ICH HABE DAS NICHT GEWOLLT، بهذه الجملة، عبّر الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني Guillaume II في 9 نوفمبر 1918؛ عن المأساة التي آلت إليها الأوضاع، عندما تنازل عن العرش ولجأ إلى هولندا، فهل منع ذلك فظاعات الحرب العالمية الأولى؟

الوضع الدولي اليوم أسوأ، فهل ثمة من يخرج من امتهان صناعة الكذب التجميلية والمخدرة للناس؟ هل يمكن بمختزلات تافهة اعتبار التصعيد العسكري والحرب الاقتصادية والإعلامية انتصارا لهذا الطرف أو ذاك؟ لقد بدأت العولمة النيو ليبرالية بالانحسار منذ أزمة 2008 الاقتصادية، فماذا ستقدم موسكو للعالم، وقد بدأت لوحة عالمٍ متعدد الأقطاب ترتسم قبل الأزمة الأوكرانية في 2014؟ كذلك خرجت واشنطن ذليلة من حربها في أفغانستان قبل "العملية العسكرية الخاصة" الروسية بأشهر فماذا ستجني مما يسميه خبراء الناتو "Perfect War" أي بتعبير واقعي: صناعة الوهم ... تجمعُ "مثقفي" الحرب المشهدية يستنفر للدفاع عن الناتو، من دانييل كوهين بنديت الأخضر إلى دافيد فيليبس "الحقوق إنساني" إلى برنار كوشنر "الإنساني" وبرنار هنري ليفي "بتاع كله"... من كان يتصور كوهين بنديت، ابن 1968 والزعيم الأخضر الذي وقف معنا ضد احتلال العراق وضد تدخل الناتو في ليبيا يصرخ: "البارانويا المعادية لأمريكا سلاح من أسلحة بوتين"... .

كتبت في شهر مارس/آذار 2022: "كغيرها من الحروب، هذه الحرب قذرة بالضرورة، لذا ليس المهم قياس درجة القذارة والتوحش... المهم في حرب كهذه، أنه لا يوجد رابح وخاسر، بل خاسر وخاسر، الأمر الذي لا يمنع تجار وأمراء الحرب من الاحتفال "بغنائمهم".

هل هو الدفاع عن "الديمقراطية" كما يؤكد السياسيون والباحثون الغربيون؟ منذ متى تبنى الديمقراطية على ظهر المؤسسات الأكثر فسادا في أوربة؟ وفقًا لتقرير خاص نشرته محكمة المراجعين الأوروبية في 23 سبتمبر 2021 "لا يزال الفساد الكبير و"الاستيلاء على الدولة" متفشيًا في أوكرانيا، على الرغم من الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي والتي جعلت مكافحة الفساد في هذا البلد أولوية شاملة".

"كغيرها من الحروب، هذه الحرب قذرة بالضرورة، لذا ليس المهم قياس درجة القذارة والتوحش... المهم في حرب كهذه، أنه لا يوجد رابح وخاسر، بل خاسر وخاسر، الأمر الذي لا يمنع تجار وأمراء الحرب من الاحتفال "بغنائمهم".

يذكّر التقرير بأن "المفوضية الأوروبية خصصت ما يقرب من 5.6 مليار يورو لبرامج المساعدة المالية الكلية (MFA) و 2.2 مليار يورو لبرامج المساعدة منذ عام 2014. كما ضمنت المفوضية القروض الممنوحة من بنك الاستثمار الأوروبي والتي تبلغ 4.4 مليار يورو. وأن الاتحاد الأوروبي هو المانح الرئيسي للأموال لأوكرانيا. إلا أنه يعترف بعدم القدرة على التأثير "في الاحتكارات الفاسدة واحتكارات الأوليغارشية الأوكرانية"... فهل يمكن لاقتصاد الحرب تحرير الاقتصاد الأوكراني من سرطان الفساد؟

بل ومنذ متى، يمكن لمن تتراجع الديمقراطية في عقر داره يوما بعد يوم، أن يساعد على بنائها وراء الأطلسي؟ تذكرنا الباحثة الأمريكية راشيل كلينفلد Rachel Kleinfeld بالمؤشرات الدولية للانحدار السريع للديمقراطية الأمريكية وما آلت إليه في الولايات المتحدة. هل من الضروري التذكير، أن كل المقاييس الدولية الرئيسية للديمقراطية في العالم اليوم، صناعة غربية مسجلة، وهذه المقاييس نفسها، تدل على تراجع خطير للولايات المتحدة، وللمثال لا للحصر: يرسم مؤشر أنواع الديمقراطية تنامي الاستبداد منذ عام 2010؛ خفّضت وحدة المعلومات الاقتصادية من تصنيف الولايات المتحدة إلى "ديمقراطية معيبة" “flawed democracy” في عام 2017؛ يصنف "المعهد الأوروبي الدولي للديمقراطية والانتخابات" الولايات المتحدة الآن على أنها "ديمقراطية متراجعة" “backsliding democracy”. ويظهر تقرير فريدوم هاوس الأخير الولايات المتحدة في أحد أسرع المسارات الانحدارية في أي بلد، ويصنف حاليا الجودة الديمقراطية للولايات المتحدة إلى جانب رومانيا وكرواتيا. فعن أية ديمقراطية يتحدثون؟

هل يمكن وقف تفسخ العولمة النيوليبرالية الأحادية القطب عبر الحروب؟

قبل الحرب الحالية، لم تنجح الولايات المتحدة في الاستثمار في الحروب التي شاركت بها مباشرة أو خاضتها بالوكالة، ولن تشكل هزيمة الروسي العسكرية بل حتى تفتيت الاتحاد الروسي، وهما الفرضيتان اللتان يجري الرهان عليهما من حلف الناتو، وفقا لعملية تراجع العولمة الحتمية Deglobalization التي وصلت إلى حلقتها الخلدونية الأخيرة. وكما لن يكون للاتحاد الأوروبي مكانة متقدمة في النظام العالمي طور التكوين، فسيكون للاتحاد الروسي المصير نفسه.

المأساة التي يعيشها العالم اليوم، هي في الهروب إلى العسكرة أمام مشكلات وجودية تتعلق ببقاء الجنس البشري في بيئة صالحة لحقه في الحياة. وكلما أغمض الأغنياء والأقوياء العين عن الهوة الساحقة بين الأفقر والأغنى، واستمروا في النظر إلى المشكلات الجوهرية من منظار مصالحهم السياسية والاقتصادية الآنية والضيقة، فلن يكونوا بمنأى عن المستقبل القريب الأسود الذين اعتقدوا بأنه من حصة منسيي المنظومة العالمية التي اكتفت حتى الآن بتسجيل أرقام وفيات الأطفال عندهم ونسبة التصحر في أراضيهم الزراعية "سابقا" وزيادة الفقر المدقع في قراهم ومدنهم، وصيرورة الهجرة إلى الشمال المشروع الأول لشبيبة لا تجد حولها سوى البطالة والنفايات والأوبئة، ووسائل القمع "المحدثة" من أشباه ديكتاتوريات في أشباه بلدان.
لم يعد الحديث عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الكبرى القادمة، التي اعتاد العالم حصرها بالدول الفقيرة، من مواضيع النخب وذوي الاختصاص. وقد تعدى الأمر المؤسسات المختصة والخبراء إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام العمومي. الصحافة البريطانية الشعبية تدلي بدلوها، CNN الأمريكية تطرح "سؤال المليون": متى تعلن أمريكا دخول اقتصادها مرحلة الركود؟ موقع "فرنسا 24" يعنون: ركود في أوروبا عام 2023؟
ما زال أصحاب القرار، من موسكو إلى واشنطن، يعتبرون "الحل العسكري" ممكنا في تعاملهم مع القضية الأوكرانية، فهم يمارسون التحطيم الذاتي لكل المعنيين بهذا الصراع الذي ارتقى، أو بالأحرى انحدر، إلى حرب دولية هجينة كارثية النتائج. الأمر الذي يعني أن الشتاء الأوروبي لن يكون قاسيا وحسب، بل سيكون أسودا.
قبل هؤلاء، وفي مقابلة مع "عربي21"، نبه المفكر الاقتصادي الفلسطيني الدولي محمد عبد العزيز ربيع من يود أن يسمع: "إن استمرار الركود الاقتصادي الحالي من شأنه أن يقوي احتمالات حدوث انهيار اقتصادي عالمي في العام المقبل، وذلك على غرار ما حدث في عام 1929، خاصة إذا فشلت اقتصاديات الغرب والصين من التعافي مع نهاية العالم الحالي ومعاودة النمو ولو بنسبة ضئيلة في العام المقبل"... .
يبدو أن نتائج معركة خيرسون والانتخابات الأمريكية القادمة، أهم بكثير عند أصحاب القرار في الولايات المتحدة من نبوءة الفلسطيني المولود في يافا، أما السياسيين الأوروبيين، فلا يجدون إجابة على الأوضاع البائسة التي تنتظر مواطنيهم سوى القول: "تتطلب الحرب في شرقي أوروبا، الخروج من اقتصاد السلم والتأقلم مع فكرة "اقتصاد الحرب"... .
ما زال أصحاب القرار، من موسكو إلى واشنطن، يعتبرون "الحل العسكري" ممكنا في تعاملهم مع القضية الأوكرانية، فهم يمارسون التحطيم الذاتي لكل المعنيين بهذا الصراع الذي ارتقى، أو بالأحرى انحدر، إلى حرب دولية هجينة كارثية النتائج. الأمر الذي يعني أن الشتاء الأوروبي لن يكون قاسيا وحسب، بل سيكون أسودا..

*مفكر وحقوقي



حول فوز اليسار البرازيلي
محمد سيد رصاص
"وكالة نورث برس"- 12112022
في البرازيل تتحدد المكانة باللون والطبقة ،في مجتمع ينقسم بين البيض(47%من السكان) ، وهم في مكانة عليا منذ استقلال1822،و بين الملونون (43%)والسود(7%)بالجهة الأخرى،وفي مجتمع ربع سكانه فقراء،و23%من سكان مدنه الرئيسية فقراء بعام2021،بل يمكن أن نجد تطابقاً بين اللون والطبقة عندما يكون الملونون والسود هم أغلب الفقراء،ودخل الأسود ينخفض باثنين وأربعين بالمئة عن الأبيض في نفس الوظيفة وفق أرقام عام2015. وفي الدقة،فإن البرازيل ومع التاريخ الطويل للعبودية ،عندما جلب لها عبر أربعة قرون مايقارب أربعة ملايين افريقي ،قد كان الغاء العبودية فيها عام1888ليس طريقاً إلى المساواة وإن كان لم يقد للعرقية ،في مجتمع تزاوج فيه كثيراً البرتغاليون المستعمرون الذكور مع الافريقيات مماأنتج نسبة كبيرة من الملونين،بل للتمييز على أساس اللون بين الفئات الثلاث،وبالذات في مجتمع سيطر فيه البيض عبر قرنين من عمر الاستقلال على السياسة والجيش والاقتصاد والإدارة.
في بلد مثل البرازيل يتحدد اليمين واليسار من خلال الخليط المركب للطبقة واللون،فاليمين جمهوره بين البيض ذوي الوضع الاقتصادي الغني أوضمن الفئات الوسطى،كماأن قادة أحزابه ونخبه من هناك،وهذا مانجده بشكل واضح بفترة حكم الرئيس جير بولسانارو بالأربع سنوات الماضية ،وعند التحالف الحاكم الذي سنده ،والمؤلف من حزب الرئيس،أي (حزب الجبهة الليبرالية)وهو حزب يؤمن بالليبرالية الاقتصادية والمحافظة الاجتماعية والشعبوية التي نجدها في كل أحزاب اليمين الجديد،وهو شبيه بالحزب الجمهوري الأميركي حيث بولسانارو من أشد المعجبين بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب،كمانجد في هذا التحالف (تكتل التقدميون)وهم أساساً من رجال الأعمال،و(تكتل الجمهوريون)وهو اتجاه مسيحي كاثوليكي محافظ يتركز بين البيض ويعادي الملونين ويمزج الليبرالية الاقتصادية مع اتجاه فيدرالي يكافح من أجل تخفيض صلاحيات سلطة المركز لصالح الولايات التي يبلغ عددها ستة وعشرون مع مقاطعة فيدرالية واحدة في نظام رئاسي فيدرالي شبيه كثيراً بالنظام في الولايات المتحدة الأميركية حيث الرئيس هو رئيس الوزراء ورئيس السلطة التنفيذية بصلاحيات واسعة مع وجود كونغرس بمجلسين للنواب والشيوخ.
بالمقابل هناك اليسار الذي فاز مرشحه لولا داسيلفا في انتخابات الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة على بولسانارو بيوم 30من الشهر الماضي وبنسبة 50،90%مقابل49،10%،وكان دعم لولا قد أتى من حزبه ،أي(حزب العمال)وهو ذو اتجاه اشتراكي يساري مع قاعدة قوية بين العمال والنقابات،ومن (الحزب الشيوعي في البرازيل)وهو حزب ذو اتجاه ماوي انشق عام1962عن الجناح الشيوعي الآخر الذي كان موالياً للسوفيات وقد ظل الماويون هم الاتجاه الشيوعي الأقوى بالبرازيل،وهذا لانجده سوى في الهند ونيبال أيضاً،ومن ثم حافظ هذا الحزب وعزز قوته مع تبنيه للماركسية الكلاسيكية وتخليه عن الماوية والستالينية في مؤتمر عام1992 وهو يملك قاعدة صلبة اجتماعياً بين العمال والطلاب والمثقفين والفئات الفقيرة بالمدن الكبرى،أما الحزب الثالث في تحالف (برازيل الأمل)الذي أصعد لولا للرئاسة من جديد فهو (حزب الخضر)،وقد دعم(الحزب الاشتراكي) ،ولكن من خارج هذا التحالف، ترشيح لولا داسيلفا ونائب الرئيس الذي نزل معه بالانتخابات هو من هذا الحزب ،الذي هو يساري الاتجاه وليس من اتجاه الوسط كمافي الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية ، والظاهرة الاشتراكية البرازيلية يوجد مثيل مستمر منها في تشيلي منذ أيام الرئيس سلفادور أليندي الذي صعد عبر تحالف اشتراكي- شيوعي للرئاسة في عام1970. الملفت للنظر أن (الحركة الديمقراطية)،وهي تمثل اتجاه الوسط في مجتمع منقسم بحدة بين اليمين واليسار،قد جيرت أصواتها بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لمرشح اليسار،هذه الأصوات التي كانت بحدود 5% بالجولة الأولى.
طبعاً،الاقتصاد قد لعب دوراً أساسياً في اصعاد اليسار لأعلى قمة السلطة البرازيلية،مع التدهور الاقتصادي الذي تعيشه البرازيل الآن بعد موجة كورونا منذ عام2020ومع الأزمة الاقتصادية التي رافقت الحرب في أوكرانيا من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة،ومارافق هذه الأزمة الاقتصادية من ازدياد أعداد الفقراء وازدياد الفوارق الطبقية . وفي البرازيل يستند اليسار إلى الطبقة العاملة والفلاحين والفئات الفقيرة وإلى الطلاب،وهو يتركز جغرافياً في الشمال والشمال الغربي،فيما الغنى والثروة عند الأغنياء والفئات الوسطى في مدينتي ساو باولو وريودي جانيرو وفي منطقة المثلث الجنوبي الحدودي مع باراغواي والأوروغواي حيث توجد معاقل اليمين بأطيافه المتعددة. وهنا،كان أداء بولسانارو سيئاً في الاقتصاد ،فيمايتذكر البرازيليون فترة رئاسة لولا داسيلفا بين عامي2003و2011عندما حرر البرازيل من وضعية الدولة المثقلة بالديون للمصارف الدولية ونقل تسعة وعشرون مليون برازيلي من الفقر للفئات الوسطى ووصلت البرازيل لنمو اقتصادي بنسبة7,5% بعام2010فيماكانت1،9%بالمئة بعام ماقبل توليه للرئاسة،وهو قد أدخل البرازيل إلى نادي العشرة الاقتصاديين الكبار في العالم.
أيضاً،لايمكن لمعاني فوز لولا دا سيلفا أن تكون برازيلية محضة،في بلد هو الأكبر في قارة أميركية جنوبية تعتبرها واشنطن حديقتها الخلفية،وحيث في عام2009قد كانت برازيل داسيلفا هي المستضيفة لقمة ولادة مجموعة دول البريكس:روسيا والصين والهند والبرازيل ثم انضمت للمجموعة جمهورية جنوب افريقيا بالعام التالي،وهي المجموعة التي وضعت هدفها الرئيسي في "إقامة عالم متعدد الأقطاب"،وعودة لولا داسيلفا سيعزز (البريكس)في ظل تحالف صيني- روسي أصبح متمظهراً بقوة عبر عالم مابعد الحرب الأوكرانية،هذا التحالف الذي يتحارب في أوكرانيا عبر الروس مع حلف الأطلسي بالوكالة الأوكرانية وتلتهب الأجواء بين فرعه الصيني وواشنطن في مضيق تايوان،وهو ماأنشأ سيولة في العلاقات الدولية أصبحت تتيح لدول مثل السعودية وتركيا انزياحات بعيداً عن واشنطن ولدولة مثل ايران أن تتصلب أكثر في المفاوضات النووية مع إدارة بايدن،وهو أمر لن تكون البرازيل في عهد لولا داسيلفا بعيدة عن استغلاله،وهو ماسيثير الكثير من المتاعب للأميركان.




أزمة الفكر اليساري في الشرق الإسلامي
باسم عبدالله
(شيوعي عراقي)

لابد من التفريق بين الفكر الديني واليساري، الفكر الديني علاقة ماهو ارضي، بمعتقد غيبي سماوي، اي ربط العلاقة بين طاعة المخلوق وحقوق الخالق، وقد تم على ذلك ميزان العدل الإلهي، لكنه ميزان لم يصل لمستوى العدل الإجتماعي الذي قام بتنظيره الفكر اليساري في الحقوق المدنية والعدلية للمجتمعات. ركّزت الأحزاب اليسارية على اتباع ذلك الطيف السياسي الذي تبنى قيم المساواة في الحقوق والواجبات وسيادة المجتمع للمؤسسات السياسية والاقتصادية، فهذه القيم طابعها الأساس مبدأ الاشتراكية، هذا المبدأ القائم في المجتمع الذي يمثل حقوق المواطن في ميزان العدل الإجتماعي، الامر الذي يخالف بشكل شديد طريقة تطبيق العدل الإلهي في اسس تنظيم المجتمعات، فالفكر الديني تأملات لمفاهيم ساذجة لا يقود لمؤسسات اقتصادية تطبق حقوق المواطن ولا لنظرية اشتراكية واعية. لقد استند الفكر الإلهي على الوعيد والتهديد، فبلا عبادة لا يكون هناك إله، بلا فرض عبودية لا يشعر إله الغيب بمكانته الاستبدادية في حكم العالم. في تسعينيات القرن الثامن عشر جلس نواب المجلس الوطني الفرنسي على يسار الرئيس فتمت تسميتهم بالجناح اليساري حيث رأى انصار هذا الجناح ان مهام العقيدة الدينية يجب ان تكون محدودة في جميع نواحي الحياة واخرون كان يرى قسم منهم ان الدين يجب ان لا يتدخل في الحياة السياسية. لقد انتهج الحزب اليساري المنهج العلماني الذي يقوم على فصل الدين عن الدولة. منذ تلك الفترة نشا الصراع بين الاتجاه اليساري ذو التوجه العلماني والفكر الديني. وكان من الطبيعي ان يؤثر الفكر العلماني على حركة المجتمعات في الشرق بفعل الاحتكاك الحضاري والاقليمي بين الدول، خاصة وان الثورة البلشفية الاشتراكية بقيادة فلادمير ايليتش لينين قد نقلت الفكر التقدمي اليساري من الاطار الاقليمي المحدود الى عوالم الاممية الواسعة عبر القارات، حتى صار الفكر اليساري من الحقائق الكونية التي لابد للمجتمعات والدول الإقرار بها.
تتركز الفوارق الحضارية في الفكر التقدمي بين الشرق والغرب ذات التوجه اليساري، الى حالة التعصب للانتماء الديني والطائفي بالشكل الذي لم يجعل الشرق الإسلامي للآن ان يتحرر كلياً من الدين، فالمعتقد الغيبي مثل العقبة الكأداء في طريق التحرر الإجتماعي. مازالت المرأة هي الضحية التي وقعت على راسها فأس الانانية الدينية وحرمتها من الحياة الطبيعية، فكان كلما حاولت الاحزاب اليسارية تطوير تلك المجتمعات واجهتها الانظمة العسكرية القمعية بحملات الاعتقال والاعدام وكان يقف خلف هذه التيارات الرجعية الطبقة الدينية التي وجد المببرات للإبقاء على السلطة حتى صار الدين الواجهة الخلفية الواقية للانظمة العسكرية الاستبدادية. لقد ظهرت التوجهات اليسارية والقومية في الشرق الإسلامي في السعودية، كما اظهر الحال في حركات التحرر الوطني، شهدت مصر الثورة ضد النظام الملكي، وظهر النفط في السعودية مما ادى الى جلب خبراء النفط والتصنيع الآلي في استخراجه، فتم استحداث شركات نفطية كبيرة وكان بعض هؤلاء الخبراء عرب يحملون الافكار اليسارية، وقد اثروا بشكل غير فاعل على العقلية الإسلامية فقد وفّر جو التفاعل بين العقيدة الإسلامية والفكر اليساري وان لم يكن تأثيره فعالاً. كان من النادر تاريخياً في هذه المملكة تسجيل تفاعل الحركات السياسية ذات التوجه اليساري وكان ضمن اسبابها تراجع الفكر الشيوعي اليساري في تسعينيات القرن الماضي خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وقد سبق انهيار هذا الاتحاد التيار الاسلامي الذي تقاسم المملكة بين الطائفة الشيعية والسنية، فلكل طائفة توجهاتها الدولية والإقليمية لهذا كان من الصعب ان يسير الفكر اليساري بطريق تفعيل فكره في تلك المنطقة، فتحول محور العمل السياسي كله من الفكر اليساري الشيوعي او القومي الى الإسلام السياسي, لم تمتلك محاضر اجتماعات الاحزاب اليسارية في مرحلة الستينيات والسبعينيات بالشكل العلني الذي يميز تاريخ نضالها للفكر التقدمي، بل نجد العديد من ضحايا الفكر اليساري مدوّن لدى الجهات الامنية، في ملفاتها السرية، فلقد كانت الأقبية الامنية مقرات سرية لقمع الفكر اليساري ومازالت طريقا مليئاً بالوجع والتضحية والدم على مدى تاريخه الطويل الذي امتد عشرات السنين، هذا التاريخ الطويل من العذاب للمفكرين والعوائل والمناضلين لم يتعرض له الباحثون والمؤرخون كما في الدول الأخرى.
لقد تم اتلاف تلك الوثائق التي تظهر تاريخ اليساريين والاحزاب الشيوعية من قبل اليساريين انفسهم حتى ان العديد من اقطاب الفكر اليساري لم يكتبوا مذكراتهم وتجاربهم المريرة ومعاناتهم التي عاشوها وهم ضحايا الافكار الدينية حتى طوى التاريخ، المعلومات الهامة ولم يعد هناك من يتحدث عنها، لعل العديد منهم قد اختفوا من الوجود ولم يعرف مصيرهم الى يومنا هذا مثل المنفيين والمختفين في المملكة العربية السعودية والعراق فهم تحاشوا الكتابة او ان يكونوا شهودا لعصر الظلم، الاعتقال والتشرد، فالكثير منهم في بلدان عربية لها علاقات جيدة بالسعودية والعراق وسوريا. لكن اهتم الكثير من الكتاب الاجانب من اولئك المهتمين بحركات التحرر في المنطقة العربية فكانت كتبهم ومقالاتهم مصدراً مهماً للباحثين في الشأن اليساري، العلماني والشيوعي. لقد قدمت لنا كتابات المؤرخ الأكاديمي الايرلندي الخبير في العلاقات الدولية والشرق الاوسط Fred Halliday اذ قام بتأييد الغزو السوفييتي لأفغانستان والحرب التي اندلعت في الخليج عام 91 وفي البوسنة عام 1995 وكوسوفو عام 1999 والحرب التي قادتها بقيادة أمريكا على أفغانستان في 2001 وقد اعتبر أن الإمبريالية لها دور فعال وتقدمي في تغيير العالم. لعبت كتابات فيبي مار Phebe Marrالمؤرخة الامريكية البارزة بتاريخ العراق الحديث، واستاذة التاريخ في جامعة تينيسي في ولاية كاليفورنيا، نشرت العديد من الكتب، وكان لدورها الفعال انها رصدت تلك التحولات ومقالاتها الإعلامية التي القت الضوء لتفهم العقلية الشرقية وطبيعة صراع تلك القوى التقدمية وهي تتحدى الانقلابات العسكرية والعقليات الثأرية والدينية المتشددة.
1- Iraq, its neighbors, and the United States : competition, crisis, and the reordering of power
2- The modern history of Iraq
3- Who are Iraq s new leaders? What do they want

العراق وجيرانه والولايات المتحدة: المنافسة والأزمة وإعادة ترتيب السلطة، تاريخ العراق الحديث، من هم قادة العراق الجدد، ماذا يريدوا؟ فهي التي رصدت فترات النشاط السياسي اليساري والقومي كانت بحكم طبيعة عملها في شركة ارامكو تزود الشركة بمعلومات وتقارير تفصيلية تحليلية عن الوضع السياسي والديني وعن التحولات الثورية العلمانية والقت الضوء على قوى الصراع بين الشرائح الاجتماعية التقليدية والتيارات الثورية التي ولدت من رحم تاريخ المجتمع وتحاول الانقلاب عليه وتطوير معتقداته وقوانينه الارضية. لقد عانى الفكر اليساري في المملكة العربية السعودية من نقص المصادر وقمع السلطات بما جعل البحث في هذا الأمر امراً خطيراً، لعل هذا المقال يفتح الطريق لأصحاب الفكر اليساري والتقدمي ان يكشفوا الوجه الخفي لمعانات تلك الطبقة التي عاشت وتعيش في عوالم الظلم والتعتيم. ابتدأ الفكر اليساري جهاده التاريخي كرد فعل على هيمنة الكنيسة في القرون الوسطى في اوربا، واراد ابعاد صنع القرار السياسي لكل المؤسسات الدينية معارضاً تدخل الدين، بما يجعل للدولة حق التميز في سن القوانين السياسية والاقتصادية والتشريعية التي تبعد الفكر الغيبي الاعتقادي عن الواقع الاجتماعي.
في كتاب اصل الأنواع لتشارلز دارون، تم تثبيت علم الأحياء والوراثة، كدليل علمي لواقع الطبيعة، الامر الذي تعارض مع النظرية الايديولوجية للدين. قام اليسار، والحركة الشيوعية العالمية بزعامة كارل ماركس بتأييد نظريات تشارلز دارون بأن قانون الانتقاء الطبيعي في علم الاحياء والوراثة يمكن تطبيقه في المجتمعات، فالفكر الديني يتركز ثقله على الفكرة الغيبية والفكر اليساري على الفكرة الاجتماعية التي تضع الواقع المعاش وتغيير المجتمع من خلال ازالة الفوارق الاجتماعية والايمان ان صراع الطبقات ليس قدراً إلهيا انما واقع فاسد يمكن تغييره. نتج عن الفكرة الدينية الظلم الاجتماعي واستغلال المال العام مما جعل الفقر حالة استبدادية بيد الاغنياء وليس قدراً يجب تقبله من خلال الصبر والايمان بالقوة الإلهية التي يتوكل عليها العابد. واجه الصراع بين اليمين واليسار النظرة التقليدية بين دور الدين والتوجه نحو العلمانية التي كانت تزحف ببطأ في الديار العربية والإسلامية، وقد كان اول انتصار لها عند سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا بزعامة مصطفى كمال اتاتورك في العام 1924 عندما تم الغاء دين الدولة الإسلامي. فتم وضع القوانين والتشريعات الجديدة لإنشاء اول دولة حديثة ديمقراطية علمانية فصلت الدين عن الدولة ذلك ان هدف دستور الدولة تأسيس كيان سياسي لتجنب فكر ديني غيبي تهيمن عليه الخرافات وعقائد الجهل. لقد نجحت التجربة السياسية في تركيا فانتقلت بالمجمتع المدني الى ترسيخ الحقوق الوطنية ومازالت قوانين الدولة الى يومنا هذا تحتاج للمزيد من التطور لصالح الواقع الاجتماعي والاقتصادي.
لقد برز تيار اليسار الإسلامي في اوائل التسعينات قبل ان يتحول كنموذج فكري لكنه لم يحظ بالاهتمام، فقد كان الوعي الإسلامي في احتواء هذا الفكر قاصراً بسبب كونه نموذجاً جديداً عارض المعتقد السائد للفكر الإسلامي خاصة عند تقاطع المعتقد مع الفكرة اليسارية وتقاطعت مع التفسير الإسلامي للإشتراكية ممّا جعل تيار اليسار الإسلامي يفقد فاعليته الفكرية وتوجهاته، لكن انطلاق الفكر الشيوعي العالمي في العالم العربي وانقسام المجتمعات العربية بين مؤيد للعقيدة الماركسية في انها ليست علم يقيني وان الالحاد مفهوم جدلي فارغ لا قيمة له امام حقيقة الخالق وهناك تيار آخر توفيقي بين الإسلام والإشتراكية العلمية، لكن ذلك برّر طبيعة القوالب الايديولوجية الجاهزة التي لم تضع الاعتبار الى الواقع الإجتماعي المغاير بين النظرية الماركسية في الاتحاد السوفيتي وغرضية تطبيقها في المجتمعات الإسلامية، كان ذلك تجربة فكرية وعملية واستنتاج واقعي ادى سوء تطبيقه للكثير من الضحايا في دول المشرق العربي. لقد اصطدمت الاحزاب الشيوعية كالحزب الشيوعي العراقي بالايديولوجية السائدة التي كانت تحكمها تيارات القومية العربية مما جعل الاصطدام امرا لا مفر منه فتم اعدام العديد من الكوادر الشيوعية حتى طالت قوائم الدم عشرات الألاف مما جعل تيار اليسار يخسر العديد من قواعده وانصاره ويتم الفوز بالسلطة للقوى الرجعية التي امتلكت الآلة العسكرية فسحقت بها عناصر الفكر الماركسي واليساري.
ان الصراع والتخبط الذي تعيشه سوريا واهتزاز امنها السياسي والاقتصادي، وفرض الهيمنة الاجنبية فوق ترابها الوطني وانهيار مسيرة اليسار الوطني، وتحول بعض احزابه الى طريق التلاعب بالقيم والمبادئ اليسارية لصالح الانظمة الرجعية يجعل امر اتحاذ القرار السياسي الحازم والتصدي لكل تلك المؤامرات امرا ضرورياً يجب ان يكون قراراً واقعياً حازماً وواضحا في دلالاته ومنطلقاته النظرية والعملية معاً، فلا يهادن ولا يجامل بل يعي خطورة المرحلة ويتصدى لها. ان سوريا تتعرض لمؤامرات اقليمية تحيطها من كل جانب وتحولت لمسرح تصفية حسابات القوى الدينية والاقليمية بسبب هشاشة النظام السياسي وتراجع ارادته وفكره بما يتناسب وحقوق الشعب، هذا الامر سوف يعرض الوطن لخطر التقسيم، فالنزاعات الليبرالية تزيد الامر تعقيدا في اتخاذ قرار موحّد. ان مسؤولية الاحزاب اليسارية وخاصة الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) تقع على عاتقة مسؤولية تنظيم المسيرة الفكرية ودفع الجماهير ووضعهم في الواقع وتنظيم جهودهم في اتجاه واحد يمثل مصير الشعب وجعله فاعلا بهدف تغيير الواقع السياسي المرير الذي تعيشه النخبة. لاشك ان استخدام الاعلام من صحف ومجلات وقنوات فضائية وندوات عبر المؤتمرات، سيجعل الترابط بين فئات الشعب فاعلاً، والاشارة الى نجاح الثورات الاشتراكية التي قادتها الماركسية عبر صراعها الطويل ضد القوى الرجعية، ان الفكر اليساري السوري يتحمل مسؤولية اكبر لان الواقع الحالي بات من الخطورة يجب على الفكر اليساري اتخاذ خطوات شجاعة للخروج بسوريا من مأزقها التاريخي. ان امر اليسار المصري كذلك يعاني من هبوط حاد في نضاله وتاريخه الوطني خاصة بعد وفاة قادة التيار اليساري، كوفاة عبدالغفار شكر، وخالد محي الدين الذي اسس حزب التجمع اليساري، لقد تراجع تيار الحزب اليساري وتعرض لحملات قمع قاسية، ان الهجمة الشرسة ضد تيار اليسار في مصر بسبب تراجع الالتزام الدوري للمبادئ الثورية التي نادت بها احزاب اليسار وهي تتحدى المؤسسة العسكرية، كذلك عند القاء نظرة سريعة لتاريخ النضال اليساري في الجزائر بزعامة احمد بن بله، هذا التيار يواجه ازمة حقيقية تتمثل بأزمة وجود. لقد غابت المجالس التشريعية والمحلية وعمت الفوضى وحل محل اليسار التفسيرات الدينية والاعتقادات الخرافية، حتى صارت احزاب اليسار شكلاً وليس فعلاً كل هذا بسبب عدم تجديد الخطاب اليساري وغياب توجهات اليسار الفكرية وعدم استقطابه للجماهير وتفاعله معهم. لقد التزم النظام العسكري بعد بن بله امر البلاد، فتراجع الاتجاه اليساري المتمثل في الحركة الديمقراطية الاجتماعية التي كانت تتلقى دعمها من الحزب الشيوعي الجزائري، حتى بات الفكر اليساري برمته في مواجهة الامن الوطني بوزراة الداخلية، مما ادى ان تمزق تلك الصراعات والمحن نسيج الوحدة الفكرية لليسار وعدم اتخاذه قرارات اكثر فاعلية في دفع الجماهير الى اعتناق الفكر الثوري كما تبناه في مرحلة الستينات الرئيس الراحل احمد بن بله. ان احزاب اليسار بشكل عام تتراجع قواها التقدمية بيما تتقوى اقدام العسكر مما جعل الامر اما انهيار هذا الفكر او تبني مرحلة نضال من شأنها ان تعيد للشرق العربي المسلم تاريخه الريادي في الافكار العلمانية اليسارية والشيوعية التي تجعل الدولة قادرة على صياعة الاطر الوطنية والحقيقية للمواطن وفق دولة مدنية قوية تجعل من المال العام لنصيب شعوبها فهذا الامر لا يتحقق الا من خلال الفكر اليساري.

---------------------------------------------------------كيف أعاد المؤتمر
الأيديولوجيا تزيح البراغماتية:كيف أعاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني تشكيل سياسات الصين الداخلية والخارجية؟
- مركز الإمارات للسياسات،4نوفمبر2022 -
انتهت فعاليات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، الذي بدأ في 16 أكتوبر واستمر لمدة أسبوع، بتعزيز سلطة الرئيس شي جينبنغ ورفع موقعه إلى مستوى مؤسس الحزب والأب الروحي لجمهورية الصين الشعبية ماو تسيتونغ(توفي في عام1976) في الأدبيات الأيديولوجية والقانونية للحزب. وإلى جانب ذلك، أجريت تعديلات واسعة على القيادة العليا للحزب والدولة.
تتناول هذه الورقة بالتحليل مخرجات المؤتمر فيما يتعلق بهيكلية القيادة الجديدة، والسياسات المتوقعة، وفقاً للتشكيل الجديد، على مستويات الداخل والاقتصاد والسياسة الخارجية.
الرئيس شي جينبنغ يُعزز نفوذه في الحزب والدولة
تمكّن الرئيس شي جينبنغ من مدِّ فترة حكمه لفترة ثالثة، وهو مُستجَد يحدث لأول مرة منذ عهد ماو. وقد عزز شي سلطته على الحزب، وعزز نفوذ الحزب على الدولة والمجتمع، من خلال تعديل ميثاق الحزب الشيوعي ليشمل مفهومين أيديولوجيين جديدين: "الأساسين" و"الضامنين". وقد ظهر مفهوم "الأساسين" لأول مرة في نصوص القرار التاريخي الثالث، الذي أقر في نوفمبر 2021. ويعني هذا المفهوم التأسيس لموقع شي بوصفه "جوهر" القيادة، وترسيخ قواعد فكره الأيديولوجي في صيغة "فكر شي جينبنغ عن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد". أما مفهوم "الضامنين"، الذي أُقر خلال الجلسة السادسة للمؤتمر التاسع عشر في نوفمبر 2021 أيضاً، فيطالب أعضاء الحزب الـ 96 مليوناً بضرورة حماية "جوهر" القيادة المتمثل في شي، وحماية قيادة الحزب المركزية في الصين.
وأقر المؤتمر تعديلات جوهرية على فريق القيادة العليا للحزب، المتمثلة في أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي وأعضاء المكتب السياسي. واُستبعِد أربعة أعضاء من اللجنة الدائمة للمكتب السياسي ( وهي مؤلفة من سبعة أعضاء) هم: رئيس الوزراء لي كيتشيانغ، ورئيس مجلس الشعب الصيني لي جانشو، ورئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي وانغ يانغ، ونائب رئيس الوزراء هان جانغ. وعُيِّن في عضوية اللجنة الدائمة بدلاً منهم: سكرتير الحزب في شانغهاي والمرشح لتولي رئاسة مجلس الوزراء لي تشيانغ، الذي أصبح الرجل الثاني في الحزب، إلى جانب سكرتير الحزب في بيجين تساي تشي، ومدير المكتب العام للحزب الشيوعي والسكرتير الشخصي لشي دينغ تشويتشنغ، بالإضافة إلى سكرتير الحزب في غواندونغ لي تشي. وتشير هذه التعديلات إلى أن شي لم يعين خليفة محتملاً له بالنظر إلى أعمار من جرى تصعيدهم. لكن، بعد هذه التغييرات الراديكالية، بات من الحكمة التعاطي مع القواعد التقليدية ببعض الشك إذ لم يعد ممكناً توقع ما يمكن لشي القيام به في المستقبل.
وفي عضوية المكتب السياسي، اُستبدِلَ 13 من أصل 17 عضواً. وقد عكست الاختيارات ولاء هؤلاء الأعضاء الجدد المطلق لشي، لكن أيضاً خبراتهم التكنوقراطية المتصلة بطموح شي للفترة المقبلة، وعلى رأسها قطاع التكنولوجيا، والأمن، والتحديث العسكري، ومواجهة التغير المناخي. فعلى سبيل المثال، ثمة ستة أعضاء جدد (مثل ما تشينغروي، ويوان جياجون) مختصون في علوم الفضاء والتكنولوجيا، وخمسة ينتمون للصناعات العسكرية (مثل جانغ غووتشنغ)، واثنان من علماء المناخ الذين تولوا مناصب في وزارة البيئة سابقاً (تشن جينينغ وولي غانجيه). وقد صُعِّدَ تشن ونتشنغ، وزير أمن الدولة، إلى عضوية المكتب السياسي لأول مرة، ما أثار الجدل حول الدور المعزز لأجهزة الاستخبارات في الاتحاد السوفييتي وسير الصين في هذا الاتجاه. فضلاً عن ذلك، أُبقيَ على جانغ يوتشيا، البالغ 72 عاماً والذي تخطى الحد الأقصى وفقاً للتقاليد العمرية، في عضوية المكتب السياسي وصُعِّدَ لمنصب النائب الأول لرئيس اللجنة العسكرية التي يرأسها شي. ولأول مرة خلال 25 عاماً، خلا المكتب السياسي من النساء تماماً.
وقد شهدت هذه التعديلات أيضاً إنهاء "مبدأ القيادة الجماعية" المستمر منذ عهد دنغ تشياوبنغ(توفي في عام1997) من خلال إزاحة لي كيتشيانغ ووانغ يانغ (كل منهما 67 عاماً) من عضوية اللجنة الدائمة للمكتب السياسي قبل الوصول لسن 68 عاماً. كما أُزيحَ هو تشونخوا، أحد أهم المرشحين لرئاسة الوزراء، من عضوية المكتب السياسي رغم أنه أكمل للتو 59 عاماً فقط. لكن الجانب المشترك بين الشخصيات الثلاث هو انتماؤهم لجناح الرئيس السابق هو جينتاو، المعروف بفصيل "رابطة الشباب الشيوعي".
يُستنتج من منهجية تشكيل القيادة الجديدة أن الولاء بات يسبق الكفاءة في الصين. فعلى سبيل المثال، على الصعيد الداخلي، سيعزز شي من توظيف حملته لتنظيف الحزب من الفساد لاستبعاد معارضيه أو هؤلاء الداعمين لسنوات الانفتاح. وقد ظهرت نوايا الرئيس الصيني بالفعل خلال المؤتمر في فرض سيطرة كاملة على الجيش ومؤسسات الأمن، وهو اتجاه يُتوقع أن يستمر، ويُتوقع كذلك الاستمرار في تعزيز سلطة بيجين على كل من هونغ كونغ وشينجيانغ والتبت، وربما يُعلَن عن حملات مماثلة لإخضاع أقاليم أخرى تسكنها الأقليات.
إلى جانب ذلك، تُشكل سياسة "صفر كوفيد" معضلة بالنسبة للباحثين والمتابعين للصين. ويجادل بعضهم بأن الحكومة الصينية تحاول العثور على مخرج لإنهائها، وأن تعزيز شي لسلطته قد يُمهِّد الطريق لذلك. لكن يبدو أن هذا المسار غير مرجح، للأسباب الآتية:
1. ثمة اعتقاد واسع في الصين بأن هذه السياسة مناسبة لظروفها وقد منعت ظهور أعداد وفيات كبيرة كما حدث في بلدان أخرى، على رأسها الولايات المتحدة، ولذا فإن مِن غير الواقعي التخلي عنها.
2. على رغم الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والغضب السياسي الناجم عن الاغلاقات المتشددة، يرى شي مكاسب سياسية كبيرة متمثلة في تشديد قبضته على الحزب والدولة من وراء "صفر كوفيد". ويتجسد ذلك في مساعدة إغلاق الحدود وقيود السفر على تقليل توغل التأثير الغربي في المجتمع الصيني. إلى جانب أن تطبيقات المراقبة والتتبع المتصلة بكوفيد، والسلطات الواسعة التي حصل عليها المسؤولون المحليون في الأقاليم والمقاطعات، تُمثِّل أدوات سياسية للتحكم أكثر في حركة المجتمع واتجاهاته العامة.
ويُثبت التمسُّك بسياسة "صفر كوفيد" أن الأيديولوجيا والسيطرة الحزبية وهواجس الأمن القومي صارت أولوية متقدمة في الصين على انفتاح السوق والنمو الاقتصادي. ومن ثم تزيد الاحتمالات، في أعقاب المؤتمر العشرين، ببقاء هذه السياسة لفترات طويلة مقبلة. وستؤثر قرارات المؤتمر العشرين حتماً في خطط الصين الاقتصادية وسياستها الخارجية أيضاً خلال الخمسة أعوام المقبلة، وربما لفترات زمنية أكبر من ذلك.
تأثير نتائج المؤتمر العشرين على الاقتصاد الصيني
أجَّلت السلطات الصينية نشر مؤشرات النمو التي حان موعد الإعلان عنها خلال انعقاد المؤتمر حتى لا يكون لها تأثير سلبي على أجوائه. وفي 24 أكتوبر، أظهرت بيانات رسمية أن الاقتصاد الصيني حقق نسبة نمو خلال الربع الثالث من العام الجاري بلغت 3.9%، في ارتفاع عن مستوى 0.4% المتدني في الربع الثاني. ويتوقَّع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ معدل النمو السنوي في 2022 ويبلغ 3.2%، نزولاً من 8.1 العام الماضي، وأن يحقق 4.4% فقط في 2023، و4.5% فقط في 2024.
وسيكون للمؤتمر العشرين تبعات على الاقتصاد الصيني أيضاً متمثلة في استمرار معدلات تباطؤ نمو لسنوات، وهو ما يضع الصين أمام خطر دخول الاقتصاد "فخ الدخول المتوسطة". وخلال خطابه الإفتتاحي الذي قدم فيه تقرير العمل، ذكر شي خمس مرات ضرورة الوصول إلى "الاعتماد الذاتي التكنولوجي"، وركز ثلاث مرات على "تعزيز موثوقية سلاسل التوريد ومرونتها وأمانها"، لكنه ذكر "الأمن القومي" الصيني 26 مرة. ويعكس ذلك أن أهم أولوية اقتصادية بالنسبة لشي في الفترة المقبلة ستكون تحصين الصين من الضغوط الخارجية والتقلبات في البيئة الجيواقتصادية الناجمة عن العقوبات الغربية ضد روسيا، وربما ضد الصين لاحقاً، إلى جانب تبعات "الانفصال" الانتقائي عن الولايات المتحدة، على حساب النمو.
وفي شكل عام، يتضح من النتائج الأولية للمؤتمر العشرين بعض الملامح الأساسية بالنسبة لخطط شي الاقتصادية، أهمها:
أولاً، أن الأيديولوجيا وسيطرة الحزب والأمن القومي باتوا مقدمين على أولوية الانفتاح الاقتصادي ومعدلات النمو المرتفعة التي رسمت أولويات حكام الصين منذ عصر الانفتاح تحت قيادة دنغ. وقد اتسم حكم شي بالتمسك برؤيته الماركسية لمحركات الاقتصاد، وتفضيل نموذج اقتصاد الدولة على اقتصاد السوق الحر (خصوصاً منذ أزمة الأسواق المالية الصينية عام 2015)، والذي انعكس في الابتعاد عن التوافق الداخلي حول الحاجة لإجراء إصلاحات اقتصادية باتجاه المزيد من الانفتاح.
ثانياً، أن شي سيعزز من سيطرة الحزب على القطاع الخاص من خلال منح لجان الحزب الشيوعي دوراً أكبر داخل الشركات والمؤسسات الخاصة، إلى جانب المزيد من السيطرة الحزبية على خطط مؤسسات الدولة والوزارات الاقتصادية.
ثالثاً، ثمة تركيز على مفهوم "التداول المزدوج" القائم على التحوّل للاعتماد على دعم الاستهلاك المحلي وتقوية قدرات الاكتفاء الذاتي في قطاع التكنولوجيا وسلاسل التوريد. ويُتوقع أن تستمر الصين في هذا التوجه الذي يبني نموذج النمو الاقتصادي الصيني على قوة السوق المحلي بدلاً من الاعتماد الطويل على "التداول الخارجي" أو السوق العالمي والديون كمحركين للنمو.

رابعاً، أنهى شي مفهوم دنغ عن "المرحلة الأولية للاشتراكية" التي تتطلب التعايش مع درجة عالية من عدم المساواة والتناقضات التنموية قبل الوصول لحال رفاهية المجتمع. وقد ركز شي أيضاً على مفهوم "الرخاء المشترك" الذي يهدف إلى جذب الصين بعيداً عن نموذج الرأسمالية الغربية، والتسريع من القضاء على الفقر المدقع، وإعادة توزيع الثروة بهدف التسريع من الوصول إلى هدف الرفاهية.
خامساً، واستناداً إلى ما سبق، يُتوقع أن يسرِّع شي من سياسة التخفيف من الديون المتراكمة، خصوصاً في قطاع العقارات، رغم التبعات السلبية لهذه السياسة على المدى القصير إلى المتوسط، من أجل بناء نموذج نمو أكثر نضجاً واستدامة.
سادساً، يُتوقَّع أن تُعمَّق مفاهيم جديدة، مثل "السوق الوطني المتحد"، و"نظام الأمة الكاملة" لحشد قوى المجتمع الصيني بالكامل من أجل تعزيز التنافسية الصينية في مجال التكنولوجيا الفائقة وبناء نظام عازل ضد إجراءات الحظر الأمريكية على شركات التكنولوجيا الصينية، والذي يمكن تشبيهه بـ "حائط النار" التقني العازل.
سابعاً، لم يُذكَر اقتصاد الإنترنت، المتمثل في شركات عملاقة مثل علي بابا وتانسنت، التي أحدثت ثورة تكنولوجية واقتصادية في الصين خلال العقد الماضي، على الإطلاق خلال تقرير عمل شي. بل حاول شي حشد التوافق حول مجالات تنافس القوى العظمى، من قبيل برنامج الصين الفضائي والقوة العسكرية والرقائق وحماية البيئة، وهو ما عكس شعوراً بأن الصين قد دخلت بالفعل مرحلة الحرب الباردة مع الولايات المتحدة.

مستقبل سياسة الصين الخارجية بعد المؤتمر العشرين
صُعِّدَ وزير الخارجية وانغ يي إلى عضوية المكتب السياسي لكي يصبح أعلى دبلوماسي صيني، وليحل محل يانغ جيتشه الذي تخطى سن التقاعد. ومُنِحَ السفير الصيني في واشنطن، المعروف بحدته وقربه الشخصي من شي، تشين غانغ، عضوية اللجنة المركزية، وهو ما يؤهله لتولي وزارة الخارجية أو منصب دبلوماسي رفيع آخر في المستقبل القريب.
وفي تقرير العمل الصادر عن المؤتمر التاسع عشر عام 2017، عكست اللهجة المستخدمة إيمان الزعيم الصيني أنه لا يزال من الممكن التحكُّم في سير علاقات الصين مع العالم الخارجي، وخاصة الولايات المتحدة، وتعميق استقرارها والتفرغ للتنمية الاقتصادية من خلال التركيز على عبارة "الصين لا تزال تتمتع بفترة من الفرص الاستراتيجية"، ويعني ذلك اعتقاد القيادة الصينية آنذاك بأن خطر الحرب الباردة لم يكن وشيكاً. لكن يبدو واضحاً التغيُّر العميق في نظرة الصين للبيئة الاستراتيجية العالمية.
وقد غادرت فلسفة الصين للتعاطي مع هذه التغيرات، المتمثلة أساساً في تصاعُد التنافس مع الولايات المتحدة وحلفائها، المنهجية الهادئة والمستقرة والسلمية لتقييم التحولات الدولية في تقرير العمل هذا العام. ويبدو ذلك مفهوماً، فمنذ عام 2017، شهد العالم تصاعد آثار الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وبروز توافق جمهوري وديمقراطي، وبدرجة أقل وتدريجية، أوروبي أيضاً، بضرورة تصنيف بيجين منافساً استراتيجياً. وقد تحوَّل ذلك لتشريع أمريكي عام 2021 متمثل في قانون "الابتكار والتنافس" الاستراتيجي. وانعكس هذا التحوُّل التنافسي في صورة تركيز أمريكي على حصار نفوذ الصين في منطقة الإندو-باسيفيك، وتصعيد الضغط لردع بيجين عن حصار تايوان، إلى جانب ممارسة ضغوط أيديولوجية متصلة بملف الصين المتعلق بحقوق الإنسان، وتشكيل تحالفات عسكرية دولية تستهدف مصالح الصين (مثل كواد، وأوكوس)، وحصار قطاعات تصنيع الرقائق والاتصالات والتكنولوجيا الفائقة الصينية. وجاء في استراتيجية الأمن القومي، التي أعلنت عنها إدارة بايدن في أكتوبر، أن الصين "هي المنافس الوحيد الذي لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولي، وبشكل متزايد القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحقيق هذا الهدف".
وقد شكلت هذه التحولات الاستراتيجية العميقة التغيُّر في الفكر الاستراتيجي الصيني تجاه النظام الدولي الذي برز بوضوح في استجابة الصين للتنافس المتصاعد في تقرير العمل للمؤتمر العشرين. فعلى سبيل المثال، اُستُبدِلَ الاعتقاد المركزي بأن الصين لا تزال تتمتع بفترة من "الفرص الاستراتيجية"، إلى تأكيد شي أنها دخلت "فترة من التطور تتزامن فيها الفرص الاستراتيجية والمخاطر والتحديات، وتتزايد الشكوك والعوامل غير المتوقعة"، وأن الصين تواجه "تغييرات جذرية في المشهد الدولي، وخاصة المحاولات الخارجية للابتزاز والاحتواء والحصار وممارسة أقصى قدر من الضغط على الصين". وأكد تقرير العمل أيضاً أن "المحاولات الخارجية لقمع واحتواء الصين قد تتصاعد في أي وقت"، ولذلك "يجب أن تكون الصين أكثر وعياً بالمخاطر المحتملة، وأن تكون مستعدة للتعامل مع أسوأ السيناريوهات".
ومن ثم، يُتوقَّع أن يستمر شي، خلال الخمسة أعوام المقبلة، في التحكم في وإعادة تشكيل الرأي العام الداخلي باتجاه تعميق النظرة السلبية تجاه الولايات المتحدة من خلال تغذية النزعة القومية. وتُحقق هذه النزعة مكاسب سياسية لشي، متجسدة في تعزيز موقعه بوصفه حائط الصد ضد النفوذ الغربي، والشخص الوحيد القادر على مواجهة محاولات أمريكا عرقلة الوصول إلى تحقق "تجديد الأمة الصينية".
ويُتوقَّع أيضاً أن يعمق شي الشراكة مع روسيا. ويهدف التقارب بين الجانبين، من وجهة نظر الصين، تخفيف اعتمادها الاقتصادي على الغرب، واستغلال النظرة المشتركة القائمة على ضرورة تغيير النظام العالمي الأحادي. وقد تعمَّقت العلاقات بين الجانبين بمستويات "غير مسبوقة من الانفتاح والثقة المتبادلة والكفاءة"، بحسب ما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 27 أكتوبر 2022. فعلى سبيل المثال، بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 147 مليار دولار العام الماضي. وفي الفترة بين أبريل ويوليو، أي بعد بدء الحرب الأوكرانية، زادت صادرات روسيا إلى الصين من النفط بمعدل 17%، ومن الغاز بمقدار 50%، ومن الكهرباء بـ 6%، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مستفيدة من التخفيض الكبير في الأسعار. لكن يُتوقع أن تتسبب العقوبات الأمريكية في تعثر تعافي الاقتصاد الروسي لسنوات، وهو ما سيؤثر على طموح التكامل الاقتصادي بين الجانبين. ويُتوقع أيضاً أن يبرز ذلك في تردد الشركات الصينية في التوسيع من استثماراتها في السوق الروسي لتجنُّب العقوبات، وفي قدرة الاقتصاد الروسي على المساهمة مع الصين في تفكيك الهيمنة الجيواقتصادية الأمريكية على النظام العالمي.
ومنذ صعوده إلى أعلى هرم السلطة عام 2012 ليصبح أمين عام الحزب الشيوعي،ثم رئيس الدولة بالعام التالي، أضفى شي حَزْماً يتصف بالعنف على سياسة الصين إزاء تايوان. وشملت هذه السياسة ممارسة ضغوط عسكرية على الجزيرة، وصلت إلى ذروتها بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في أغسطس الماضي، فضلاً عن تضييق حلقة الاعتراف بتايوان على المسرح العالمي. وتصدر هذه النزعة من قلق بيجين بشأن ابتعاد تايوان عن الصين واقترابها من الولايات المتحدة، وتخلي واشنطن التدريجي عن الضمانات التاريخية المتصلة بسياسة "الصين الواحدة" (وتأكيد الرئيس الأمريكي أكثر من مرة نيَّة بلاده الدفاع عن تايوان في حال الغزو الصيني)، كما تعتقد القيادة الصينية. وقد ظهرت هذه التخوفات في اللهجة التحذيرية التي تبناها تقرير العمل خلال المؤتمر العشرين، والذي أكد أن الصين لن تتنازل عن خيار القوة لتوحيد الجزيرة مع الصين، وتضمَّن عبارات مثل "يجب أن تتحقق إعادة التوحيد الكامل للأمة"، وحذر القوى الخارجية (المقصود الولايات المتحدة وحلفائها) من التدخل. ولم يضع شي حداً زمنياً لضم الجزيرة قبل مؤية تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 2049، لكن لُوحظ تجاهل النسخة المختصرة من التقرير التي شملها خطاب شي لـ "توافق عام 1992" ومبدأ "دولة واحدة ونظامين" مع تضمينهما في النسخة الكاملة. ويُوحي ذلك أن شي أراد إرسال رسالة تحذيرية، لا تحمل أي نزعة تصالحية، إزاء كلٍّ من الإدارة الأمريكية وحكومة الرئيسة التايوانية تساي إنغ ون. ومن غير المتوقع أن تحدث تغييرات باتجاه التهدئة بعد المؤتمر، بل سيكون السؤال: أي نوع من الضغوط الجديدة التي ستمارسها بيجين على تايوان؟ وهل تُقدم الصين على غزو أو حصار الجزيرة قريباً؟
ويُتوقَّع أيضاً أن يشتد التنافس مع الولايات المتحدة حول النفوذ في دول الجنوب العالمي، ومنها دول الشرق الأوسط، خصوصاً في المجالات الأمنية والتكنولوجية والثقافية والأيديولوجية. وسيزداد هذا التنافس كلما زادت هذه الدول من التحوط في علاقاتها بالولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، وهي مناطق تُعوِّل عليها الصين كثيراً ضمن نظرتها الاستراتيجية للتحول إلى قوة عظمى. ويتّسق هذا المسار مع ما سماه ماو تسيتونغ "المناطق الوسيطة" بين الصين والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خلال سنوات الحرب الباردة. ومع اشتداد التنافس، وتبني الصين لهجة أكثر تصعيدية وحزماً وتنافسية، كما ظهر خلال المؤتمر العشرين، فإن أهمية هذه الدول "الوسيطة" ستزداد خصوصاً بعد التحولات الجيوسياسية والجيواقتصادية (خصوصاً في سوق الطاقة) الناجمة عن تبعات الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا، ومع تحوُّل تركيز واشنطن عناصر قوتها الشاملة باتجاه التنافس مع الصين في الإندو-باسيفيك، وحصار روسيا في شرق أوروبا، وإطالة أمد التعافي الاقتصادي العالمي جراء تراجع التعددية في المدى القريب.
الاستنتاجات
وضع شي جينبنغ نهاية حقيقية لنموذجين سياسيين: الأول نموذج دنغ تشاوبينغ وجيانغ زيمين وهو جينتاو للتشاركية السياسية والقيادة الجماعية والمؤسساتية، والثاني لعصر الانفتاح الاقتصادي والاندماج العالمي الذي بدأه دنغ في نهاية السبعينيات. وقد أظهر تقرير العمل للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني أن شي استبدل البراغماتية التكنوقراطية بالأيديولوجيا الممزوجة بالولاء التكنوقراطي المتمثل في فلسفة السياسات المستقبلية وتصعيد مساعديه وأصدقائه السابقين ذوي الخبرة في مجالات التنافس المباشر مع الغرب إلى مراكز صنع القرار. ويلخص كيفين رود، الخبير في شؤون الصين ورئيس وزراء أستراليا السابق، هذا المسار بالقول" إن شي حَرَفَ السياسة الداخلية باتجه اليسار اللينيني، والاقتصاد باتجاه اليسار الماركسي، والسياسة الخارجية باتجاه اليمين القومي".
ويُعيد هذا المسار الصين، وبشكل حاسم، إلى عصر الحكم الأوحد، المتزامن مع تحولات اقتصادية جذرية يقودها شي من القفزات الاقتصادية السريعة باتجاه نموذج النضج الاقتصادي المتسم بمعدلات نمو منخفضة، ومحركات اقتصادية منتجة ومركزة في مجالات ستُمثِّل المتغير الحاسم في النتيجة النهاية لتنافس القوى العظمى خلال هذا القرن.
ومن ثمّ، فإن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني سيسجل في تاريخ البلاد باعتباره نقلة نوعية في الطريقة التي يدرس بها المراقبون الخارجيون الصين ويحاولون فهمها مع انهيار الأنماط القديمة في التفكير، وبدء صعود أنماط جديدة سيستغرق تشكُّلها سنوات قبل أن تصبح نموذجاً توافقياً لتحليل الشؤون الصينية.
----------------------------------------------------------------------------
مشاركة






زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة