الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثيوديسيا الأرضية وإشكالية الشر في رواية حصى الشاطئ

فيحاء السامرائي

2022 / 11 / 30
الادب والفن


تهدف الرواية الأخلاقية الى تطبيق الإصلاح الاجتماعي مرتكزة على البعد الأخلاقي والامثولات الوعظية اللافتة، وتلقي حبكتها باللوم على الشخصية الخاطئة والقصاص منها كما فعل بطل رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ حينما انتقم من أعدائه وسرق الأغنياء باعتباره حقاً مشروعاً.
في رواية حصى الشاطئ لابتسام الطاهر، يرصد السارد "المحامي" جوهر أحداث الروية وفكرة معاقبة كل من يقوم بالتحريض على الإرهاب الفكري والقتل بالتخلص منه جسدياً، وبالتالي لا ينبغي لنا إدانة من يرتكب جريمة قتل لمجرم يسبب خراباً للمجتمع، وهذا ما وجدته "هدى" في شخصية منصور عبد الإله المرصودة جيداً في المتن الروائي، والذي لم يكن مجرماً عادياً، بل شخصاً مخادعاً مسؤولاً عن بث الفتنة وإثارة الأحقاد وتسهيل عمليات نقل الأسلحة ونشر الأفكار الهدّامة.
الرواية كما هو واضح، ذات طابع أخلاقي ونبرة وعظية، تكون فيها الشخصية الرئيسية في حالة صراع ومفارقات فكرية تدور في داخلها مثل العدالة والظلم، الصواب والخطأ، الزيف والحقيقة، وأن ما قامت به من قصاص للشر هو تحقيق لتلك العدالة بدافع "انساني" ووطني وتطبيقاً لمبدأ تطهير الحياة من الشرور.. لكني أظن حادثة القتل كانت مجرد وهم وأمنية بل حلماً لهدى جراء شخصيتها الرقيقة نظراً لما تركه منصور في داخلها من انطباع معقول من الاحترام والمودة والاعجاب، وبالتالي جاء شعورها بالذنب وعذاب الضمير نتيجة عملية قتله حتى وإن كان بالخيال.
وكما نعلم أنه (ليس أظلم من القاتل الاّ من يبرر القتل)، غير أن المفارقة التي لم تغفلها المؤلفة هي أنها عالجت الجريمة بمثلها، حين تعاملت مع المجرم بنفس أسلوبه في سبيل القضاء على الشر ومن باب تطهير الحياة والاقتصاص من المجرمين الخفيين، ولم تعط مجالاً الى القانون لكشف جريمته وفضحه، ظناً أنها بقتل القاتل تطبّق العدالة على الأرض مما خلق نهاية مأساوية غير متوقعة لها لتكون ضحية قتيلها.
يأتي هذا التطرف القائم على التعامل مع الجريمة بمثلها، بسبب براعة المجرم القتيل في إخفاء أفعاله المشينة ولضعف سطوة القانون، مع ذلك فلا يمكن أن ينسحب رأي المؤلفة، بلسان الشخصية الرئيسية وموقفها، على المحامي "رجل القانون" الذي يبرر جريمة القتل قائلاً بانها، "أكثر سمواً - صفحة 150"، وأن فيها "تضحية وتعالِ"، ويطلب من المجتمع أن يشكر القاتلة على فعلتها ولا يدينها لأن ما عملته هو من أجل الصالح العام.
وفي ظل هذا السياق الآنف الذكر يمكن لنا أن نتساءل، هل أن توصيف الرواية بكونها موعظة يقلل من قيمتها، أليست كل موعظة هي خلاصة تجربة في سياق الاعتبار والاسترشاد؟

الحوار والسرد
تخلو الرواية من التبويب والفصول وترتكن أساساً على الحوار باعتباره إحدى تقنيات البناء الروائي إضافة الى السرد بكل أنواعه، وتتجلى وظيفة الحوار في إثراء النص وتوضيحه وتعميق وتطوير الخط الدرامي ونموه، ورغم تثبيت قواعد ومكونات فنية متعارف عليها للحوار الناجح، كالإيحاء والتقليل من المفردات الروتينية المتكررة مع ضرورة الإيجاز والابتسار، بيد انه لا يمكن لهذه القواعد المسّطرة أن تقيّد الكاتب وطريقته في الكتابة، ومع ذلك، كان الحوار التناوبي في الرواية، مطولّاً واسترجاعياً ليتحول في النهاية الى مشهد مسرحي حواري جعل كف الرواية يميل نحو المسرحة، غير أن المؤلفة نجحت في جعله وسيلة لرسم الشخصيات والكشف عن الواقع النفسي لشخصيتي الرواية ومعرفة مغزاها لإثارة فضول القارئ وتشويقه.. ويحق لنا أن نسأل، هل يجوز أن تكون الرواية كلها حواراً، وهل سيستقيم المعمار الروائي به على هذا النحو أو سيكون مضعضعاً أم داعماً له، وهل وظّفته المؤلفة مع رؤاها وروايتها ومنحته دوراً بنائياً بطاقة فنية؟

اللغة
هيمنت على الحوار والسرد لغة يومية مبسّطة لا تميل الى التعقيد، تتناسب مع جوهر الحدث وتتوافق مع روحه، فكانت بعيدة عن الترميز بسبب أن الأحداث لا تحتمل غير ذلك، ووظفت المؤلفة كذلك وصف لغة الجسد كمكمّل جيد للغة الحوار المكتوب، واعتمدت على اللغة الفصحى مع بعض المفردات العامية بشكل ينسجم مع سياق الجملة وضرورتها الدرامية.

بيئة الرواية وفضاء السرد
لم تفصح المؤلفة عن مكان الأحداث التي دارت بها روايتها بالاسم، لكن وجود دلالات تكفي للإيحاء بأن هذا البلد هو العراق (عدنا الى عصور ما قبل الكهرباء، الشوارع مخرّبة، إشارات عاطلة، الماء مقطوع، لا ماء ساخن، عباءة، أصوات انفجارات).. ومع ذلك توجد بعض الصفحات (من 33-36) ، وتنطوي على أزمنة متلاحقة ومتشابكة، تشير الى أماكن أخرى كسوريا ولندن، ومن الجائز أن ذلك كان متعمداً للإشارة الى أن ما حدث ربما يكون حاصلاً في بلدان أخرى أيضاً بالشكل نفسه، لان ما يلاحظ من العلاقة العاطفية بين المحامي وهدى من ملامسة وضم وعناق تجري في العلن وأن النزهة تكون في الغالب علنية على شاطئ النهر، وهذا دلالة على ان الاحداث تجري خارج بلد كالعراق.. أما عن زمن الرواية فيبدو انه يدور في فلك الحاضر والراهن مع بعض التداعيات من خزين الذاكرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟