الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة اليمن: نُخبٌ عمياء تبحث عن نقود ودول توسعية تبحث عن نفوذ!

منذر علي

2022 / 12 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


النُخب اليمنية الفاسدة لا تؤْمِن بالشعب اليمني ولا بهويته الوطنية الجامعة، فَهِيَ، خارجيًا، مرتهنة للقوى الإقليمية، و داخليًا، أسيرة لهويات عنصرية شوهاء: طائفية وجهوية وقبلية ضيقة. فهناك العنصريون الطائفيون الذين يرون أنَّ " اليمن السعيد" يحتوي على طائفتين لا ثالث لهما، هما السادة والعبيد. وبتعبير أوضح، وحسب لغتهم الشائنة، هناك القناديل ذوو المكانة الرفيعة، وهناك الزنابيل ذوو المكانة الوضيعة، وعلى المجموعة الأولى أنْ تحكمَ المجموعة الثانية. وهناك العنصريون الجغرافيون ذوو النزعة الجهوية الذين يرون أنَّ اليمن السعيد يحتوي على جهة جغرافية متحضرة، وجهة جغرافية متخلفة، وعلى الجهة المتحضرة أنْ تحكم الجهة المتخلفة، أو تنفصل عنها، وتحاصرها، وتضعها إنْ أمكنَ، في محجر صحي لكيلا يُصاب الجزء السليم، المُتحضِّر، بأمراض الجزء المريض، المتخلف. وهناك العنصريون ذوو النزعة القبلية الذين يرون أنَّ الفضاء الجغرافي لليمن السعيد، تسكنه شعوب وقبائل كثيرة، بهويات مختلفة: شِمالية، وجنوبية، وشرقية، وغربية. ويرى أصحاب هذا الاتجاه المعيب أنَّ بعض المناطق اليمنية، ولا سيما في الأرياف، ثمة قبائل ذات إقدام وجسارة وشجاعة، في مقابل قبائل ذات إحجام ورخاوة وجبانة، ولا سيما في المدن والسواحل، والمجموعة الأولى يجب أنْ تكتسح القبائل الرخوة، وتغزو المدن والسواحل والمناطق الحضرية وتركب فوق المجموعة الثانية.
***
ماذا يعني هذا الكلام؟ ماذا يعني في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين أن تنبري جماعات بشرية صغيرة؛ أي بضع مئات من الآلاف، من بين ثلاثين مليون يمني، وتجيِّش الرعاع، وتقول لك مهددة: اسمع يا هذا: أنتَ زنبيل ومتخلف وجبان وفاسد، وأنا قِنْدِيل ومتحضر وشجاع وسوي، ويجب أن أمتطي ظهرك وأحكمك؟ اليمنيون لن يقبلوا ذلك قط.
***
على أنَّ أصحاب هذه الرؤى الشوهاء، المعطوبون بالجهل والأوهام، القادمون من مقابر التاريخ الذين يمارسون الاحتقار تجاه الملايين من المجاميع السكانية اليمنية، يشعرون بالدونية تجاه الدول الإقليمية الغنية، واهبة النِعَم، ولذلك فهم أعداء للشعب اليمني وعبيد للقِوَى الخارجية التي تجزل لهم العطاء. ولا شك أنَّ هذهِ الجماعات السياسية الشوهاء التي نبتت في مُستنقع التخلف، هي التي قوضت تاريخيًا الوحدة الوطنية، ومهدتِ الطريق للغزو الخارجي، بل هي التي فتحت أبواب الوطن لاختراق القِوَى الرجعية الخارجية، سواء منها القِوَى الخارجية في الماضي، كالاستعمار البريطاني والعثماني، أو القِوَى الخارجية في الحاضر، كالاستعمار الإيراني والسعودي والإماراتي. وهذه الدول التي تعبث باليمن اليوم لها غايات مختلفة ومتشابكة في اليمن.
***
فالإمارات دولة جديدة، ليس لها جذور تاريخية، أو بالأحرى شركة تجارية حديثة ناهضة، وثيقة الصلة بالاحتكارات الرأسمالية الغربية الكبرى التي تسعى إلى مضاعفة أرباحها، بصرف النظر عن الضوابط السياسية والأخلاقية. والإمارات وإنْ كانت لا ترتبط بحدود جغرافية مع اليمن، إلاَّ أنها ترى في اليمن الضعيف المُفترس، الذي تحكمه نخب شوهاء، مُتحكم بها، فرصة لا تعوَّض، تتيح لها تحقيق غايتها في التوسع والسيطرة على الجُزر والسواحل اليمنية وتوسيع نفوذ شركتها، أو دولتها وزيادة أرباحها التجارية والسياسية والاستراتيجية. ومن هذه الزاوية، فالإمارات، كشركة تجارية ماهرة، لا تهمها وحدة اليمن أو انفصاله، بقدر اهتمامها في مضاعفة الأرباح، وهي لن تعارض وحدة اليمن، إذا رأت أنْ اليمن سيكون تابعًا لها ومُتحكمًا فيه بشكل مطلق، لصد ومزاحمة التوسع السُّعُودي، وخلق نوع من التوازن بينها وبين السُّعُودية، وهذا يفسر دعمها لطارق صالح في الشمال اليمني لتحقيق أهدافها في المدى البعيد، ولكنها في الوقت الحاضر ترى أنَّ تجزئة اليمن والسيطرة على الجُزر والسواحل، هو الأقرب إلى التحقق ، وهذا ما يفسر دعمها القوي للجماعات الموالية لها في الجَنُوب اليمني.
***
إيران دولة كبرى لها جذور عميقة في التاريخ العالمي، منذ زمن الإمبراطورية الساسانية، قبل الإسلام، التي حكمت أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك اليمن. واليوم إيران دولة دينية محاصرة ولا سيما من قبل السُّعُودية وإسرائيل والولايات المتحدة، وهي تسعى بحماس لا يكلُّ، مدفوعة بقوة التاريخ الحضاري، وبقوة العقيدة الدينية، وبقوة المصالح الاقتصادية والسياسية، للخروج من الحصار المضروب حولها، واستعادة مجدها الغابر. ولذلك فإيران وجدت بغيتها في اليمن الكسيح الملاصق للسعودية، كما كانت قد وجدت في لبنان وسوريا وغزة، الملاصقة لدولة إسرائيل، وسيلتها لمقاومة إسرائيل، ووجدت في العلاقات بكل من روسيا والصين وفنزويلا وبعض دول أمريكا اللاتينية رافعة قوية لمواجهة التغول الأمريكي. إذن إيران لها مصلحة استراتيجية في اليمن، وهذه المصلحة تقتضي أن يكون اليمن موحدًا وقويًا وتابعًا لها لكي يكون خنجرًا في خاصرة السُّعُودية، ومجالًا لتوسيع فضائها السياسي والجغرافي.
***
غير أنَّ السُّعُودية، بحكم تواصلها الجغرافي مع اليمن، والصراعات السياسية الممتدة معها لعقود طويلة، وسعيها الدائم إلى النفوذ في اليمن، كانت وما زالت تمثل التهديد الحقيقي لوحدة اليمن واستقراره وتقدمه. فالسُّعُودية تخشى قوة اليمن لأنّها ترى أنَّ قوة اليمن تُضعِف هيمنتها المطلقة في المنطقة، ولذلك ظلت السُّعُودية على الدوام تعمل بدأب لكيلا تصبح الدولة اليمنية مستقرة، وموحدة، ومتقدمة، وقوية.
***
لذلك يمكن أن نستخلص مما تقدم، ونقول بثقة، إنَّ التدخل الإقليمي في بلادنا ليس هدفه إنقاذ اليمن من محنته، ولكن هدفه، هو أن يجعل من اليمن وسيلة في معاركه التجارية والسياسية والاستراتيجية.
إذن لا تكن أحمقًا وتطلب ممن يريد قتلك أن ينقذك!
ماذا يعني أن تطلب من دولة ملكيّة ومتعفنة وتوسعية ومحتلة لأرضك، كالسعودية، التي تخاصمك منذ أكثر من مئة سنة أن تنقذك؟
وماذا يعني أن تقول لك تلك الدولة أنها ستنقذك من الملكيَّة الإمامية والتعفن الكهنوتي وتحررك وتدافع عن أرضك وجمهوريتك ووحدتك؟
هل تصدقها؟
هل تتجاهل الحقائق التاريخية وتمكن السُّعُودية من البسط والنفوذ في أرضك، وأنت تعلم أنك تخون وطنك و شعبك، ومع ذلك تتظاهر بعدم الفهم، ويسيل لعابك، و تسقط أمام الإغراءات المقدمة إليك من أعدائك؟
إذن لا وطن يمني مستقر مع القِوَى الإقليمية، ولا سيما مع الجارة السُّعُودية التوسعية العدوانية الساعية إلى النفوذ، ولا سياسة وطنية يمنية مستقلة، في ظل حكم النخب اليمنية العمياء المتهافتة على النقود. وعلى الأحرار والحرائر في بلادنا أن يتصدروا المشهد، ويوقفوا الحرب، و يصدوا الدول الساعية إلى التوسع و النفوذ في وطننا، و يكنسوا الباحثين عن النقود، ويستعيدوا الوطن!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة