الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رَبيعُ تِهران

نجيب علي العطّار
طالب جامعي

(Najib Ali Al Attar)

2022 / 12 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ممّا يبعثُ على الرِضا، المنزوعِ عمومًا من جُملةِ انطباعاتِنا تجاه واقعِنا العربيّ، أنْ يتحدّثَ المَرْءُ عن احتجاجٍ شعبيٍّ يبلُغُ من شدّةِ شعبيّتِه، وثوريّتِه، مبلَغَ أنْ يُسمّى «ثورة». وممّا يزيدُ الرِّضا ثباتًا في نفوسِ الراضِينَ هو أنَّ «الثّورةَ»، المتقدِّمِ ذِكرُها، ليستْ إلّا «ثورةَ» الشّعبِ الإيراني ليس فقط على «الدّيكتاتور» وأركانِ حُكمِه، وإنّما على الأيديولوجيا، أو المنظومة العَقائديّة السياسيّة، التي يقومُ عليها، وبها، أيُّ حُكمٍ مُماثلٍ، من حيثُ طبيعتِه الإلغائيّة، للحُكمِ القائم في إيران منذُ ثلاثٍ وأربعينَ سنة.

إنّ طبيعةُ «الثّورةِ» الإيرانيّة، التي أشعلَها مَقتلُ مهسا أميني، تُشكّلُ أحدَ أهمِّ المبرّراتِ التي يُبرَّرُ بها أن يُقالَ؛ إنّها ثورةً استراتيجيّةً، إذا جاز التعبير، ستُبدِّلُ، إذا كُتِبَ لها النّجاحُ المأمول، وجهَ إيران، ومن وراءِه وجهَ المِنطقة، إذ أنّ «الثّورة» في إيران ليستْ على «مُمارساتِ» السلطةِ الإيرانيّة، وإنّما على «الأصول» التي قامتْ عليها «فلسفَةُ» السّلطة الإيرانيّة القائمة على تقديس ما لا يصحُّ تقديسُه حتّى من المنظور الإسلامي، أو القرآني على وجه الدّقة. بعبارةٍ أُخرى، إنّ «الثورةَ» الإيرانيّة، طيّبةَ الذِّكر، ليستْ ثورةٌ ضدَّ الله، وإنّما ضدَّ الحاكم الذي يُبرّرُ جرائمَه، وجرائمَ نظامِه، باسمِ الله. وهي، أي «الثّورةُ»، بعبارةٍ أكثرَ مُشاكسَةً للذين يستسيغون خِطابَيْ «التّكفير» و«التَّخوين»، هي «ثَورةٌ لله» تختلفُ، كُلَّ الإختلافِ، عن «الثّورةِ الإلهيّة» أو «ثورةِ الله» إن جازَ التعبير.

بَيْدَ أنّ نجاحَ «الثّورةِ» الإيرانيّة مرهونٌ، على المستوى الدّاخلي، برَهْنَيْنِ أساسيَّيْن؛ توسُّلُ السّلطة الإيرانيّة المزيدَ من العُنف الدّموي، أو الإرهاب، بِغيَةَ قَمعِ «الثّورة»، وقابليّةُ «الثّائرين» على تحمّلِ هذا العُنف الذي لا يبدو، بعدَ تصريحات المُرشد الأعلى للسلّطة، أنّه ينحو منحًى تنازليًّا، إذ أنّ العادَةَ قَضَتْ أنَّ «التَّخوينَ» أوّلُ «الإلغاء». أمّا سقوطُ نِظامِ الحُكمِ في إيران، والذي يُمثّلُ رُبعَ نجاحِ «الثّورة» الإيرانيّة من حيثُ هي «ثورة»، فهو مرهونٌ بمعادلاتٍ إقليميّةٍ ودُوليّةٍ تُشكّلُ فيها إيران طَرَفًا، أو لاعبًا، إقليميًّا أساسيًّا في المِنطقة العربيّة وما يُحيطُ بها، إذ أنَّ إيران هي ثالثُ ثلاثةٍ هم أضلُعُ مُثلّثِ «الجيران» الحالمين بخاتمِ سليمان وعِمامةِ عُثمان وسِوارَيْ كِسرى، أو عرشِ الشّاه كحُلُمٍ أدنى. وليسَ في أُفق التّشكيلاتِ قَيْدِ التَّبَلْوُرِ للعالَم، على الأقلّ في المدى القريب، منْ دلائلَ تُشيرُ إلى دُنوِّ ميعادِ سقوطِ النّظام الإيراني، خصوصًا أنَّ وتيرةَ إسقاطِ الأنظمةِ قد انخفضتْ في الآونةِ الأخيرةِ إلى حدِّ تخصُّصِها بـ «أنظمةِ الزّفتِ العربيّة» على حدِّ تعبير مهدي عامل.

يبعثُنا النَبَضُ السياسيُّ الدُّوَلي إلى تسميةِ «الثّورةِ» الإيرانيّة بـ «الرّبيع» الإيراني، الذي يُرجى له ألّا يكونَ كـ «الربيعُ العربيّ» طَيِّبِ الذِّكر، من باب أنّنا نذكُرُ محاسِنَ ميّتِنا لا أكثر. والواقعُ أنّ خصوصيّة الرّبيع الإيراني تُعطيهِ مُبرّراتِ النّجاح، أو مقوّماتِ عدمِ الفشلِ على الأقل، التي افتقدَها «الرّبيعُ العربيُّ». وأهمُّ هذه المُبرّرات هي أنّ إيران جمهوريّةٌ واحدة؛ شعبٌ واحدٌ وسُلطةٌ واحدةٌ، و«ثورةٌ واحدة»، أمّا نحنُ العربُ فكُنّا، ولم نزلْ إلى حدٍّ ما، شعوبًا عِدّة ونظامٌ واحدٌ اتّفقَ على أنْ يُبدّلَ الآيةَ من «شعوبًا وقبائل لتَعارَفوا، إنّ أكرمَكُم عندَ الله أتقاكُم» إلى «شعوبًا وقبائلَ لِتناحروا، إنّ أكرمَكُم عندَ الزّعيم أفسدَكُم»، وهو ما حاولَ نظامُ الحُكم في «تِهران» أنْ يُربّيَ الإيرانيين عليه، حيثُ يحلُّ «التناحُرُ» مَحَلَّ «التعارُف»، فيُصبحُ «الزّعيمُ» بَدلًا من «الإله»، و«الفسادُ» من معاني «التقوى».

وعلى سبيل العَوْدِ على بيروت؛ مكتوبٌ أنَّ الطَّاغيةَ سَقَطَ لمّا طغا.. وأنّ هذا البلَدَ أمينٌ.. وأنّ بَلَدَ الأمينِ بَلَدُ فَوضَى فِي وَجهِ الدَكتُورِ مَرّةً مُرَّةً، وفي وُجوهِ الدِّيكتَاتُورِ مَرّاتٍ إِثْرَ مُرَّات.. وأنَّ تِهرانَ هِي تِهرانُ.. وبَيروتَ هِي بَيروتُ.. كذلِكَ كانَتَا يَوْمَ غَفَا الإِلَهُ بُعَيْدَ أَنْ كَتَبَ فِي كِتابِه؛ مِنْ بَيروتَ هُنَا طَهرانُ.. مِنْ تِهرانَ هُنَا بَيروتُ.. إِنَّ دِيكتَاتُورَكُمْ لَوَاحِدٌ.. وَلَكُمْ فِي الفَوْضَى حَياةٌ وخَلَاصٌ.. وَالعَمائِمُ تَهوي، بِمَنْ تُمَثِّلُهُ، إلى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ.. هُنَا حَيْثُ يَهوَى الدِّيكتَاتورُ، ونَوائِبُهُ في كُلِّ أَرْضٍ، أَنْ يَسْكَرُوا بالدِّمِاءِ وَالعَرَقْ.. وَهُنَاكَ حَيْثُ يَسْقُطُ الطَّاغِيَةُ لَمَّا يَطْغُو.. وَالدِّيكتَاتُورُ لَمَّا يَتَدَكْتَرْ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وقفة احتجاجية لأنصار الحزب الاشتراكي الإسباني تضامنا مع رئيس


.. مشاهد لمتظاهرين يحتجون بالأعلام والكوفية الفلسطينية في شوارع




.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |