الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نَهرُ البَيَانِ فِي البَيْداء

علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)

2022 / 12 / 2
الادب والفن


(كُتِبَ النصُّ إثرَ لقائي بالعلّامة الجليل الأستاذ د. فاضل صالح السامرائي).
ولاشَكَّ أنَّهُ شمعةُ دَهرِنا بِضِياء، ومُعلِّمُ عَصرِنا بسناء، ذلكمُ هو المعطاءُ عَلّامَتُنا وسَيِّدُ عُلُومِ البَيانِ بِوَفاء،
أستاذُنا الدّكتور (فَاضِلُ بِن صَالح بن مَهدي السَّامرائيّ)، ولقد سُرَّ مَن رآهُ خَطْفاً حينَ لِقاء، ولقَد غُرَّ مَن عَناهُ قَطْفاً مِن عَطاء، فذلكمُ رجلٌ ثَمينُ الكَلِمِ أمينُ الفَهم، ومُتواضِعٌ بصَفاء.
ولقَد حَظيتُ مع أخوينِ رفقتي مِن عَلّامَتِنا بأصفَى وأوفَى لقاء، وذاكَ كانَ أندَى وأهدَى مَا هَوَيْتُ مِن هناء.
ولاريبَ أنَّ مَقالتي هذهِ هي أضنَى مَقالةٍ على قلمٍ مِن مِثلِ قَلمي بعَناء. وأنّى لقلمٍ صَغيرٍ حَرفهُ، فقيرٍ ذَرفهُ أن يَصِفَ العِلمَ كُلَّهُ في وريْقَةٍ بيضَاء،
لكنِّي سَأحاوِلُ أنْ أقتَربَ مِن بريقِ ضَياء ذاكَ اللِّقاء، لَعلّيَ أتمَكنُ من تَسطيرِ حَرفٍ من رَحيقٍ، وتَأطِيرِ ذَرفٍ مِن ثَناء. وإنَّمَا...
وَزْنُ كُلِّ امْرِئٍ مَـا كَانَ يُحْسِنُهُ * وَالْجَـاهِـلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ
فَـفُـزْ بِـعِـلْـمٍ وَلَا تَجْهَلْ بِهِ أَبَدًا * النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ
مَا الْفَخْرُ إِلَّا لِأَهْلِ الْـعِلْمِ إِنَّهُمُ * عَـلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْــتَهْدَى أَدِلَّاءُ
وإذاً، فلا حَقَّ لمُتَفاخِرٍ إلّا مَن صَحِبَ رُسُلٍ وأنبياءَ. وكَلَّا، ولا حَقَّ لمُتَفاخِرٍ إلّا مَن جَالسَ عَلماءَ أجلّاء وحُكماءَ، ذاكَ إنَّهمُ وَرثةُ الأنبياءِ، وَحُقَّ لجَليسِهُمُ تَفاخرٌ بِهُمُ، ولَهُمُ ثَناء.
ثُمَّ بُعْدًا لجَليسٍ لزُعَماءَ عُرُوشٍ بِبَسَمَاتٍ مِن كَذِبٍ بينَ خُلَطَاءَ، وبِرَسَمَاتٍ مِن كَسبٍ بِتَسَوّلٍ أو بدَهاء. ثمَّ بُعْداً لجَليسٍ لوُزَراء بكُرُوشٍ بَلهَاء وسُفَهاء،
فَما أولئِكُمُ إلّا نُعُوشٌ قد نُشِّئَتْ مِن فُتاتٍ، وحُشِّئَتْ مِن عُتاةٍ، وأولئِكُمُ أشبَاهٌ من رِجالٍ، وأشلاء مِن هَراء.

كَلَّا، ولا فَخرَ ولا تَفاخرَ إلّا فِيما هَاهُنا والسَّناء، إذ كنّا قعُوداً حَذوَهُ في دَارِهِ المَيمُونةِ العصمَاء. دارٍ بِفَصاحَتِها شَمَّاءُ، وبِبَلاغَتِها شَيمَاءُ.
دارِ فِطَحْلِ وفَحلِ لِسانِ الضَّادِ في دَهرِنا، ولا يَدانيِهِ إرتِقاء. رَجلٌ سَهلٌ صَهلٌ، وَمَتبُوعٌ مِن أحداقِ كُتّابٍ وشُعَراء. رَجلٌ نَهلٌ وأَهلٌ، ويُنبُوعٌ لآفاقِ الأدَباء.
وإذ كانَ لقاءٌ فَاحَ منهُ عَبقُ تَعظيمٍ حَميمٍ مِنّا بِصَفاء، ولَاحَ مِنهُ ألقُ تَفخيمٍ صَميمٍ منّا بوَفاء.
وقَد قَدَّمتُ له أغلى مَا يَملِكُ الفُؤادُ في هذهِ الدُّنيا الفَناء؛ "قَبْلةً" على رأسِهِ بِحنانٍ، وبإمتِنانٍ وَثناء، وتلكَ هي زبدَةُ مَا مَلَكَ خَافِقي مِن جَزاء، وما فَعَلتُها من قبلُ قطُّ على رَأسِ إمْرِئٍ، ولن أشَاء في ذا زمانٍ أغبَرٍ مُتَمَرِّغٍ غَوغَاء.
وإذ كُنتُ مُتَأَمِّلاً رَسَمَاتِ فَحلِ البَيانِ، وكانَ بهِ حَكيماً بجلاء، وبه عَليماً بِإثراء، وكان بينَ رَقائِقه قد رَسَى وحَبَّذا الإرسَاء، وكانَ مِن حَدائِقه قَد إكتَسَى ويَا حَبَّذا الإكسَاء.
وإذ كُنتُ مُتَزَمِّلاً لَمَسَاتِ فِطَحْلِ النَّحوِ، وكانَ مَكيناً بِهِ بإعتلاء، وبهِ أميناً بإفتاء، وكانَ بينَ طَرائِقِهِ قد صَالَ، فأنعِمْ بِها مِن صَولاتٍ بإستِقصاء، وكانَ بينَ ضَوائِقِهِ قد جَالَ، فأكرِمْ بِها من جَولاتٍ بإستِجلاء.

وَيْكَأَنَّ الفاضلَ السَّامرائيَّ قدِ إرتَقى بِبَصيرةٍ عَلى عِلَّاتِ الصَّنعةِ بإمتِطاء، وإنتَقى لنا عِلماً غيرَ ذي عِوَجٍ بعَطاء وبسَخاء!
وَيْكَأَنَّهُ مَا نَوَى ومَا هَوَى زَلَّاتِ الصَّنعَةِ من نَحوٍ سَقيمٍ مُتَنَطِّعٍ، ومِن سَقَمِهِ البالُ يَتَهَرَّبُ ويَتَسَرَّبُ بإستِياء، ومَا زَوَى ومَا غَوَى في إعرَابٍ عَقيمٍ مُتَقَطِّعٍ، ومِن عُقمِهِ الحَالُ يَتَغَيَّبُ ويَتَعَيَّبُ بإزدِراء.
كنّا في اللقاء كثلاثِ نحلاتٍ إنسّلَّت من غبراء، فتَسلَّلَت فتَسَلَّقَت غُصنَ حديقةٍ مترامٍ أطرافها غنّاء. وكان الشيخُ الجليلُ هو الحديقةُ الغنّاء.
وقد رأيناهُ رجلاً يرى الدنيا جناحَ بعوضةً عمياء، وشَعرنا أنه يُطيقُ فيها كلَّ شيءٍ إلّا المَدحَ والثَّناء، فما يزيدُ أن يرُدَّ على مَادحهِ بهمسٍ عفيفٍ متأوّهٍ، ومُتَفَوِّهٍ بلطيفِ تمتمةٍ حسناء: (الحمدُ لله). ثُمَّ...
أنتَهَتْ دَّقائقُ اللقاءِ الآسِرةُ السَّاحِرةُ، وخُتِمَ ذاكَ اللَّقاء، وقَد شَدَدْتُ مُتَوسِلاً على عَضُدَيِهِ بإستِحياء، وكِدّتُ أستَحلِفُهُ ألا يُرافِقُنا الى بَابِ قلعتِهِ العَصمَاء، لكنَّا فُوجِئْنَا بهِ عندَ عَتَبَتِها شَامِخَاً بِبَهاء، وَمُوَدِّعَاً ومُلَوِّحَاً ببَهاء.
وَيْ! كَأَنَّ السَّامرائيَّ كانَ عندَ البابِ هوَ التَّلميذُ، وكُنَّا لهُ نحنُ الثلاثةُ عُلمَاء!
فمَا أرفَعَ ومَا أروَعَ تَواضعَ العُلَمَاء الأجلّاء!
وما أبهَى وما أزهَى تَواضعَ الحُكَماء الأصلاء!
وأكْرِمْ بسُنبُلَةِ السامرائيّ، مَلأى فإنْحَنَت بِحَياء.
وللهِ دَرُّكّ يا سَامرائيّ، إذ أنتَ "نَهرُ بَيَانٍ فِي بَيْداء"، وإذِ النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ.
وقِمنٌ لدَولةٍ أنتَ فيها أن تُقيمَ لكَ نصباً في ساحةِ الفردوسِ بكبرياء،
وتُطلقَ جائزةً عِلميةً عَالميةً بإسمِكَ، وما أزكاهُ بينَ الأسمَاء،
وأن تُطلِقَ إسمَكَ على جادَّةٍ في بغدادَ لِتَتَشَرَّفَ بهِ بأنَفَةٍ وإعلاء.
ولعلَّ هنالكَ مَن يبًصرُ هذا النداء.
علي الجنابي - بغداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل