الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمات في مسألة الانتقال الفاشي في إسرائيل

عصام مخول

2022 / 12 / 2
القضية الفلسطينية




الآن وبعد انتخابات الخريف الإسرائيلي، بات التمييز مُلِحّاً بين عملية الانحدار الفاشي التي تغلغلت بسلاسة في مفاصل المجتمع الإسرائيلي عبر عشرات السنين الماضية وتعمقت بشكل خاص في العقد الأخير، وبين عملية الانتقال الفاشي بشكل رسمي لمنظومة الحكم في إسرائيل التي رافقت وتلت الانتخابات البرلمانية في الأول من تشرين ثانٍي المنصرم، فنتائج انتخابات الكنيست قد خلقت وضعاً جديداً فارقا ودفعت الحالة الإسرائيلية المأزومة أصلاً، الى مرحلة جديدة نوعياً من التحول الفاشي.

هناك ميل لدى قوى ليبرالية إسرائيلية وبعض قوى اليسار الصهيوني الى التعامل مع الانتقال الفاشي وكأنه "مسألة عربية" تقتصر على الجماهير العربية في إسرائيل وتخص الشعب الفلسطيني، باعتبارهم الضحايا المباشرين لهذا الانتقال والأكثر عرضة لظلاميته، وأن من شأن القوى الليبرالية في المجتمع الإسرائيلي ان تتعاطف مع هذه الضحايا، بينما الحقيقة التي بدأ المجتمع الإسرائيلي يعيها ويستوعبها ويشعر بها مع انفلات القوى الفاشية من موقعها في صدارة منظومة الحكم المنتخبة، بعد أن كانت ظاهرة ثانوية على هامش المجتمع الإسرائيلي لسنوات طويلة، هي أن الانتقال الفاشي في إسرائيل هو في جوهره مسألة إسرائيلية يشكّل فيها الشعب الفلسطيني والأقلية القومية العربية خط الاستهداف الأول وجبهة الصدام الأكثر عنفاً، لكنه ليس عنوان الفاشية الوحيد. فالفاشية عندما تحرض بشكل عنصري سافر على العرب وتهددهم وتستبيح حرياتهم وحقوقهم القومية واليومية بشكل موغل في العنصرية والاستعلاء، ولا تتورع عن وضع علامة سؤال على شرعية وجودهم في وطنهم، فهي لا تفعل ذلك فقط من أجل إخضاع الأقلية القومية العربية في إسرائيل والفلسطينيين عامة لمشاريعها، وانما تبتغي من وراء ذلك إخضاع الأكثرية اليهودية لمشاريعها وديماغوغيتها أيضا، والهيمنة عليها وإغراقها بالوعي الزائف وترويضها، وإن شئتم تخديرها، في خدمة مصالح رأس المال الكبير الذي يمثله في الحكم رئيس الوزراء المرشح نتنياهو وتحالفاته الطبقية الفاسدة والمشبوهة محليا وعالميا.

من الخطأ الاعتقاد أن وصول بن غفير وسموتريتش بقوة الى مركز الحكم هو الذي جلب المد الفاشي الى مركز الحياة السياسية في اسرائيل، ولكن العكس هو الصحيح، فإن هيمنة الخطاب الفاشي على الفكر السياسي السائد في إسرائيل بما في ذلك في ظل حكومة لبيد بينيت، وحكومات نتنياهو-غانتس وحكومات نتنياهو من قبل، هي المسؤولة عن الانتقال الفاشي في منظومة الحكم في إسرائيلي وهي التي جلبت القوى الفاشية بهذا الزخم الى الحكم، بمعنى أن الانتقال الفاشي في إسرائيل هو الذي جلب القوى الفاشية الى الحكم، وليس وصول القوى الفاشية هو الذي جلب الخطاب الفاشي الى المؤسسة السياسية الحاكمة. إن التجربة التاريخية لنمو الفاشية في كل مكان، تؤكد أن الفاشية لا تتقدم فقط بفعل ما يقوم به الفاشيون وحدهم، انما تتقدم وتحتل مواقعها الجديدة المتقدمة بفعل ما يقوم به، أو الأصح بفعل ما لا تقوم به القوى غير الفاشية في المجتمع، وبفعل تقاعسها عن المواجهة مع المد الفاشي في مهده ما دامت نار الفاشية لا تطال ذيولها مباشرة.



في التناقض بين يهودية الدولة وديمقراطيتها

//الفاشية هي الجواب!

وقد تكون نتائج الانتخابات البرلمانية للكنيست ال-25 قد وفّرت ترجمة عملية وميدانية دقيقة لقراءتنا للشكل الذي تدهورت فيه منظومة الحكم والسياسة وصولا الى الانتقال الفاشي على الصعيد الرسمي في اسرائيل. فنتائج الانتخابات التي خلقت الظروف لهذا الانتقال من خلال اكتساح قوى اليمين الفاشي، وانكفاء قوى المركز واليسار الصهيوني والليبرالي، ارتبطت ارتباطا مباشرا وقويا بتعامل كلا المعسكرين مع التناقض الرئيسي القائم في الفكر والممارسة الصهيونية في إسرائيل والمتمثل بمعادلة تعريف إسرائيل كـ"دولة يهودية وديمقراطية"، في ظل استمرار الاحتلال وعمليات الاخضاع للشعب الفلسطيني، ومحاولة فرض هذا التعريف والسياسات المشتقة عنه بقوة القمع والقهر والقانون.

وإذا كان معسكر اليمين المتطرف الديني والمستوطن الملتف حول بنيامين نتنياهو قد حسم أمره، وتغلّب على التناقض البنيوي الكامن في تعريف "دولة يهودية وديمقراطية" ّ بالتخلي عن الديمقراطية ما دامت تشكل عائقا يجب إزالته من طريق مشروع الاستيطان والضم وتهويد القدس وفرض الدولة اليهودية وارض إسرائيل الكبرى على الشعب الفلسطيني، وإذا كانت الأدوات التي توفرها "الديمقراطية" الإسرائيلية المبتورة، لا تسمح بإنجاز هذه الأهداف وتحقيق المشاريع الفاشية فالمطلوب استبدالها بأدوات فاشية ومنظومة فاشية.

وفي المقابل استمر المعسكر الليبرالي الصهيوني ومعسكر اليسار الصهيوني بالتمسك المتشنج بوهم قدرته على التوفيق بين طرفي التناقض في تعريف "الدولة اليهودية والديمقراطية"، المنافي لما نشهده من تآكل الادعاء الديمقراطي في إسرائيل، وتعميق الاحتلال، واتساع تجليات سياسة الأبارتهايد تجاه الشعب الفلسطيني عامة وتجاه المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل وخصوصا في النقب، والتسليم بتعامل المؤسسة الحاكمة مع الأقلية القومية العربية في إسرائيل بعقلية أمنية وأدوات أمنية وليس مدنية، فكان من الطبيعي أن تنفجر هذه التناقضات في وجه قوى الاجماع القومي الصهيوني الليبرالي في المركز واليسار، فاندثرت أحزاب مثل ميرتس، وكادت تندثر أخرى مثل حزب العمل وانكفأت الى الوراء القوى التي امتنعت عن طرح بديل سياسي شجاع عن الوضع القائم ولم تتجرّأ على فك التناقض بالتخلي عن الاحتلال وتفكيك المشروع الاستيطاني والدفاع عن الديمقراطية الحقيقية والمساواة في الحقوق القومية والمدنية للمواطنين العرب بل اختارت الاختناق بتناقضاتها..





// صراع الجغرافيا مع الديمغرافيا

وجواب اليمين الفاشي الجديد //

كنت قد أشرت في دراسة نشرتها على صفحات جريدة الاتحاد في 23 تموز 2022 تحت عنوان "انتخابات الخريف وخريف الاجماع الصهيوني" الى قراءتي لمصادر الازمة البنيوية المستعصية في إسرائيل وعلاقة ذلك بنمو الفاشية الإسرائيلية. فتاريخياً برزت في إسرائيل مدرستان استراتيجيتان، مدرسة الجغرافيا التي تمحورت على فكرة أرض إسرائيل الكبرى وطالبت بالسيطرة على كامل "أرض إسرائيل" (فلسطين كاملة) وقادتها حركة حيروت ومن ثمّ الليكود واليمين الديني المستوطن، وبالمقابل برزت مدرسة الديمغرافيا التي تمحورت على فكرة يهودية الدولة وضمان الأكثرية اليهودية بين البحر والنهر، باعتبار ذلك هو الهدف الرئيسي للصهيونية، حتى ولو على حساب "التخلي" عن مناطق من "أرض إسرائيل الكبرى".

خلال العقد الأول من الألفية الثالثة أخذ يتبلور اليمين الجديد يحمل معه بذور مدرسة فكرية وسياسية ثالثة، ترفض فكرة الربط بين "التنازل" عن مناطق من أرض إسرائيل الكبرى لقاء ادعاء الحفاظ على يهودية الدولة. ومع اشتداد عود اليمين الاستيطاني وتبلور قوته وامتناع الدولة عن مواجهته ولجمه، برز خيار "اليمين الجديد" بلا رتوش بحيث يقول: إن بإمكان الاحتلال الإسرائيلي أن يحتفظ بأرض إسرائيل الكبرى من جهة، وأن يحتفظ بيهودية الدولة من الجهة الأخرى من دون التنازل عن أي منهما، وذلك اعتمادا على قوة إسرائيل القمعية، ومن خلال إخراج الشعب الفلسطيني، بما فيه المواطنون الفلسطينيون داخل إسرائيل نفسها، خارج دائرة الحقوق القومية والإنسانية وخارج دائرة الشرعية، ومن خلال قمع طموحاتهم والتحريض على مواطنتهم وانتمائهم القومي، والتضييق على مجرد وجودهم فوق ارضهم. هذه هي المدرسة الفاشية التي يقودها اليمين الفاشي والتي سادت في إسرائيل عشية انتخابات الخريف التي كشفت عن خريف الاجماع الصهيوني وهزاله.

إن حكومات نتنياهو المتتالية وحكومة بنيت الساقطة تنتميان في المحصّلة الى هذه المدرسة الفاشية، ولا يبدو أن المنظومة السياسية في إسرائيل كانت تحمل في أحشائها بديلا قادرا على تغيير وجهة التدهور الفاشي.

بهذا المعنى فإن التطور الجاري في إسرائيل وما استجد على المنظومة الصهيونية والاجماع القومي الصهيوني، كان من شأنه بالضرورة أن يوصل الى الانتقال الفاشي عاجلا أو آجلا والى قلب منظومة الحكم بشكل يتجاوز المظاهر الفاشية الى الجوهر.



//جديد الانتقال الفاشي في إسرائيل



إن هذا التطور الذي تشهده المنظومة السياسية في إسرائيل اليوم يعود بنا الى التعريف الكلاسيكي للفاشية، وأريد أن ألفت الى جانب واحد من تعريفات جورجي ديمتروف القائد الشيوعي الأبرز في مقارعة الفاشية، وهو تعريف أقرّه وتبناه الكومنتيرن (تنظيم الأحزاب الشيوعية العالمية المنضوية في اطار الأممية الثالثة، في الفترة بين العامين 1919 الى العام 1943)، باعتبار "الفاشية" هي– "الديكتاتورية الإرهابية السافرة، للقوى الأكثر رجعية والأكثر عدوانية والأكثر إمبريالية في خدمة رأس المال المالي ورأس المال الكبير". وأنا أعتقد أن الكلمة الفارقة بالنسبة لنا في هذا السياق، هي كلمة "السافرة"، باعتبار أن الفاشية ممكن أن تكون كامنة بشكل غير سافر في العقلية السائدة في ظل الديمقراطية البرجوازية المبتورة، خاصة وأنها تعمل بشكل منهجي على التستر على طابعها الطبقي الحقيقي، الى أن يكتمل نضوج الظروف المواتية للانتقال الفاشي والى أن يكتمل نمو القوى الفاشية المنظمة الجاهزة للتمركز في مفاصل النظام.

إن وصول قوى العنصرية الإرهابية الى وضع تسفر فيه عن وجهها، وتمزق القناع الديمقراطي عن وجه الحكم في إسرائيل باعتباره بات عائقا أمام تحقيق مشاريعها الإرهابية، هو انتقال نوعي وليس انتقالا شكليا في الطريق الى الحضيض الظلامي. فالفاشية عندما تسفر عن وجهها الحقيقي تكون قد قطعت شوطا نوعيا نحو الديكتاتورية الإرهابية للقوى الأكثر رجعية وأكثر عنصرية وعنفا.

إن الانتقال الفاشي في إسرائيل في هذا الوقت بالذات، كان مرهوناً بتطور خطير مرافق، وهو نضوج حركة جماهيرية متشنجة شكّلت قاعدة لتبلور المد الفاشي وتبلور قوة الصهيونية الدينية وخصوصا بين جمهور الشباب المهمّش، ليس في المستوطنات فقط وانما في المدن وأحياء الفقر وداخل الجيش. فعلى خلاف الحركات والمواقف الليبرالية المحافظة، فإن الفاشية هي في جوهرها حركة جماهيرية، إن لم نقل إنها حركة الجماهير التي تعاني غالبا من التهميش والاستغلال، ومن المنبوذين خارج دائرة السياسة، وهي تبدأ بالظهور كشكل من أشكال انغماس الجماهير المضللة بالسياسة وانجرافها وراء الوعي الزائف بالانتماء الى الامة، والوحدة على أساس التشنج القومي والشوفينية، تعويضا عن التهميش واليأس.

وقد أشار ديمتروف إلى أن اليأس داخل الطبقة المنخفضة وداخل البرجوازية الصغيرة يسهّل وقوع الجماهير المهمّشة في أسر الديماغوغيا الفاشية. إن أخطر تحديات المد الفاشي في إسرائيل هو مشروع الحكومة القادمة لإقامة ميليشيات فاشية رسمية تحت مسمى "الحرس القومي" باعتبار ذلك أداة رسمية لبناء القاعدة الجماهيرية للفاشية، واستعداء الأقلية القومية العربية وضم وزارة النقب والجليل وأمن المدن التاريخية في أيدي زعيم الفاشية الإسرائيلية المناوب بن غفير. ولكن يبقى السؤال المركزي، هل التمترس الفاشي في الحكم في إسرائيل يجعل إسرائيل أكثر قوة، أم يجعلها أكثر ضعفاً وأعمق أزمةً.. ان الجواب على هذا السؤال مرهون بما يقوم به مناهضو الفاشية اليهود والعرب، محلياً وعالمياً في المرحلة القادمة، إذا ما أحسنوا النضال المسؤول والشجاع في مناهضة الانتقال الفاشي وعزل الحكم الفاشي وبناء جبهة قوية مناهضة للفاشية.. نناقش ذلك في مقال قادم.



*هذه المقالة تشكل الجزء الأول من سلسلة مقالات تتناول طبيعة الانتقال الفاشي في إسرائيل وانتخابات الكنيست ال-25، وترتكز على المحاضرة التي قدمتها في برنامج "المضافة" لدى مجموعة "حضارات فلسطين " وبثت ببث مباشر على الفيسبوك من برلين. ع. م



تبدّد أوهام الليبراليين

هناك ميل لدى قوى ليبرالية إسرائيلية وبعض قوى اليسار الصهيوني الى التعامل مع الانتقال الفاشي وكأنه "مسألة عربية" تقتصر على الجماهير العربية في إسرائيل وتخص الشعب الفلسطيني، باعتبارهم الضحايا المباشرين لهذا الانتقال والأكثر عرضة لظلاميته، وأن من شأن القوى الليبرالية في المجتمع الإسرائيلي ان تتعاطف مع هذه الضحايا، بينما الحقيقة التي بدأ المجتمع الإسرائيلي يعيها ويستوعبها ويشعر بها مع انفلات القوى الفاشية من موقعها في صدارة منظومة الحكم المنتخبة، بعد أن كانت ظاهرة ثانوية على هامش المجتمع الإسرائيلي لسنوات طويلة، هي أن الانتقال الفاشي في إسرائيل هو في جوهره مسألة إسرائيلية يشكّل فيها الشعب الفلسطيني والأقلية القومية العربية خط الاستهداف الأول وجبهة الصدام الأكثر عنفاً، لكنه ليس عنوان الفاشية الوحيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو