الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد شكري.. في الحاجة إلى أسطورة.

نورالدين علاك الاسفي

2022 / 12 / 3
سيرة ذاتية


لم يكن مقتضى الحال لينازعنا في الحاجة إلى التذكير؛ و نحن نعيش على ميقات مرعي؛ مافتئ يبيت الاحتفاء بذكرى الأديب المغربي محمد شكري (1935- 15 نوفمبر 2003)؛ فغياب كيانه الفاني ما انفك يغرينا بتجديد العود على قراءة نتاجه الإبداعي. فمع كل سنة تهل؛ نجدنا بحميمية قاهرة نعيد ربط الصلة بشكري الغائب الحاضر. نحيي ذكراه؛ فالذكر للمرء بعد الموت عمر ثان.
كثيرة هي اللحظات التي تأخذنا بانتباه المتتبع للمشهد الثقافي العربي؛ و صدى الحديث له رجع عابر؛ على صلة بمجايلي محمد شكري؛ إلى أن غدا بينهم ظاهرة أدبية لافتة. عمل المنع المركب على أسطرة خريدته “الخبز الحافي”.حتى بات الشحرور الأبيض من الاحتفاء بها؛ قيد حياته. يتضايق منها جهارا. و يصرح” كتابي الأول نص أدبي ملعون”. يجب التخلص من طغيانه.
فتلك الأوراق اللعينة- على حد قوله؛ تنضح بوحا عصيا على الاحتواء؛ ما برحنا و منذ صدورها باللغة الانجليزية( ترجمة بول بولز :1973)، فالفرنسية (ترجمة الطاهر بن جلون:1981)، قبل أن تنشر نسختها الأصلية في لغة الضاد. تأتي لتعمق ذلك الشرخ الواعي بذاته؛ في فهم عابر للواقع و الحياة؛ و العين حريصة على زخم الحياة.
فبتماهيها في لغة فارقة بين السيرذاتي و الروائي عبرت بنا جسرا واصلا بين واقع معيش؛ و راحت بنا على احتفاء بأدب قدت حروفه من أحشاء مبدعها، و عملت على وشم ورق أبيض ممهور بذكرى مروضة. كان شكري في انتظارها لتخرج مدويّة منه، فحانها بصبر ليفعلها؛ لعله يتحرر من زخم وطأتها.
كانت الرواية؛ و كان الصدى المدوي؛ منها و فيها؛ صادعا بحرقة الوجوه؛ التي نال من ألقها الجوع. قبل أن نقف سويا على نسغ إنسانيتها سافرا؛ و قد تبدى في تلك الذات التي أبدعت الخبز الحافي؛ و كان لها فيما احتفت به من فن؛ طوق نجاة من ذكرى كاد آتون الحاجة أن يمحو آدميتها.
و شكري ما عتم يقر بصددها: ” أنا لا أقول إنها رواية، و لا أقول في الوقت نفسه إنها سيرة ذاتية مكتوبة بتاريخ مسلسل، فهي سيرة ذاتية مرواة، أو سيرة ذاتية بشكل روائي“.فالنص عابر لممارسة إبداعية مهجنة من فنين سرديين فارقين السيرة والرواية.
و بعيدا عن أسطرة مجانية؛ انتفض شكري ضدها قيد حياته؛ لما رآها تغمط حق باقي نتاجه؛ الذي بته عميق ذات صدره قبل أن يسلم الروح. فقد عمل على رفع ذلك العتم الأسطوري الغاشي للأبصار؛ و لم يردنا أن نبقى خاضعين له؛ و قد لاح له أننا بتنا له رهائنا.
و بلغة غرائبية غدت رواية الخبز الحافي كتابين و ليست كتابا واحدا؛ أحدهما خطته يد الكاتب، و آخر في ذات الآن رعته باحتفاء ذائقة القارئ.
و الحال؛ كل من يأتي على ذكر شكري قيد حياته؛ و إلى حد اليوم يستكثر على نفسه اقتحام تلك المنطقة العصية التي ارتادها. و هام مرغما بهالتها؛ و هي ليست من حقيقة شخص محمد شكري المبدع في شيء.” فالظاهرة هم الذين خلقوها؛ كيف أكبحهم. لست ملكا لنفسي كلية. جزء مني ملك للآخرين”.
فبالأمس القريب صرح أدونيس بحق صديقه شكري إنه ”كان يتصرف بوصفه كلا عضويا لا يتجزأ إزاء العالم و إزاء الأحداث. و هذا ما كان ينقصنا و لا يزال ينقصنا في الثقافة العربية. و لذلك كان يكتب بجسده كله. و أظن .. هو يتحدانا جميعا ككاتب لكي نكتب بتجربتنا الحية. و بجسدنا. و ليس بمجرد أفكارنا.أو نظرياتنا“. (/ كشك - 2018).
و اليوم؛ ”هذا الفن. الذي هو في النهاية فن.و لو انه بينقل الحياة الحقيقية للكاتب. فن مظلوم في الثقافة العربية. و فن خطر.لان كل شيء أنت حتعترف به.حتواجه مشاكل. - زي ما واجه محمد شكري في المغرب. في الخبز الخافي-.بالضبط..السيرة الذاتية يعني إيه؟ أنت بتفكر بصوت عال. عايز حرية كبيرة. أنا شخصيا لغاية ذي الوقت عمري ما فكرت أعمل سيرة ذاتية“. (طارق إمام /رأي عام- 1سبتمبر 2022).
و للقطع مع الزمن الأخطاء كان لشكري كلمته صاغها ذات يوم في مقابلة مع برنار بيفو /Bernard Pivot ”يعتبرونني في العالم العربي كاتبا ماجنا؛ لكني أقول لا. لأنني لا أسوق الأدب. أنا لا ألعب بالمشاعر الإنسانية. أحاول دائمًا إعطاء بعض القيم في كتاباتي. هناك ازدواجية في الفكر العربي. أنا لست مسؤولا“ (برنامج ابوستروف- 1980)
لذا ترك محمد شكري أسطورته للناس؛ على هواهم يسوونها. و صارت تتغذى على نفسها، و تكبر كل يوم، و أمام قهرها تجاوزته؛ فأضحى ملزما برعايتها و تزكيتها. و مات و هو يلعنها في قراره. ”أمازال من المهم أن يكون الكاتب، أو الفنان ، قد عاش تجاربه، كيفما كان إغراؤها و غرابتها، ليقدمها لنا بنفس الدينامية التي عاشها بها؟ إن الإبداع الحقيقي، يتجاوز التجارب التسجيلية، أو زمان حدوثها.. ما يهمنا اليوم هو أن يعرف المبدع كيف يعبر عن جدوى تجربته الفكرية و الوجدانية، ليس فقط من أجل إقناعنا بحقيقة حدوثها و واقعيتها كما يريد البعض“.
” إننا لا نكتب كيما نلتقط صورة واضحة كاملة طبق الأصل لهذا العالم؛ حتى حين نكون مطالبين بالكتابة عن سيرتنا الذاتية. الأصوات و المعاني، الحركات و الأوضاع، التي نتلقاها في لحظة ما، معيشة أم متخيلة، ليست هي نفسها حين نستعيدها فنيا. ليس هناك تطابق بين الشيء و إدراكه. محكوم علينا بالتجاوز... إننا لا نكتب لنستعيد نفس الذكريات بتفاصيلها. كل شيء يصاب بالتغيير و التكيف. لسنا فراغا لرجع صدى ما هو عادي. إن هدف الفن هو حافز ما لخلق تجربة إنسانية تسمو على مستوى التسجيل المحض“.
فلنبقي على الكثير من ريادة محمد شكري في شخصه؛ و البال على منار “الخبز الحافي” هاديا؛ “أكيد أن هناك تجارب عميقة، ذاتية أو موضوعية، لم تكتب بعد.هل يكفي تصديق من عاشها دون أن يعرف كيف يرويها؟ لا بد من أن يعرف كيف يخلقها أو يساعد على خلقها”
و حتى لا نبقى سجناء لكتابة ترعى الانكفاء و تضرب صفحا على كل تجريب؛ فحال أوطاننا بين الأمم يمور توقا لمكانة تليق و رقي ذائقاتنا الفنية.”حظ الإنسانية هو أن يعيش تجاربها مبدع و من سوء حظها، أيضا، أنها تحافظ على أعمالها الفكرية كما يحافظ الأطفال على لعبهم حتى بعد أن يملوا من نوع التسلية التي تقدمها لهم“.
و فصل الخطاب؛ ”قل كلمتك قبل أن تموت فإنها ستعرف حتما طريقها،لا يهم ما ستؤول إليه، الأهم هو أن تشعل عاطفة أو حزنا أو نزوة غافية.. أن تشعل لهيبا في المناطق اليباب“ (محمد شكري -الأعمال الكاملة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة