الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حماقة الحسابات السياسية بين سوريا وأوكرانيا

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2022 / 12 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


أظهرت طريقة تعاطي الغرب مع الحرب الروسية على أوكرانيا صورة بمنتهى الوضوح، في كونها تنطلق من قواعد وأسس عقائدية – أيديولوجية بالدرجة الأولى، وأن أوربا والولايات المتحدة ما زالتا تتعاملان مع روسيا من واقع كونها وجه العدو الشيوعي المستبد الذي يحسد وينازع جنة الرأسمالية على رفاهها وديمقراطيتها.
ورغم أن فلاديمير بوتين كان قد دعم مثل هذا التصور المتعجل، بمغامرته غير المحسوبة العواقب، في اجتياحه لأوكرانيا، إلا أن الغرب فاته بالمقابل الحساب السوقي – على الأقل – المتوازن لقوة روسيا العسكرية ووضعها في حجمها الطبيعي والمحسوب بدقة، وهذا هو عين الخطأ الذي وقع فيه فلاديمير بوتين ذاته.
فلاديمير بوتين تصرف بطيش وغرور أي دكتاتور أنتجته حقبة سبعينيات القرن الماضي، ولهذا فاته أن يدقق في حجم قواته وثقلها السوقي والتكنلوجي الفاعل والحقيقي، قبل أن يغامر بها في حرب لم ير منها غير سياجها الأوكراني الواطئ. بوتين لم ينظر إلى مغامرته الأوكرانية إلا عبر نيجاتيف صورتها وهي تحت سيطرة روسيا أيام زعامتها للتكتل الشيوعي، أي لم ير من أوكرانيا غير كونها التابع الشيوعي القديم لدولته السوفيتية المهيمنة، ذات السلاح الروسي القديم والمحدود القدرات. نسي فلاديمير بوتين أن ثمة ثلاثين عاماً (رأسمالياً) تفصله وتفصل أوكرانيا عنه، عاشتها أوكرانيا في قلب أوربا وبعيداً عن هيمنة العصا الروسية، وإن هذه العقود الطويلة قد حولت أوكرانيا من تابع سوفيتي سابق إلى دولة تتطلع لحياة أوربية جديدة، بمساعدة موقعها الذي يتوسط قارة أوربا ويؤثر في عملية التوازن الاستراتيجي، في الحسابات الأيديولوجية والعسكرية الغربية، مع روسيا الوارثة لتاريخ الاتحاد السوفيتي السابق المعادي للغرب ولرؤيته الأيديولوجية.
قصر نظر فلاديمير بوتين منعه من قراءة وضع أوكرانيا الأوربي او الغربي الجديد أولاً، ومنعه من تقدير حجم وفاعلية أسلحة جيشه المتخلفة، قياساً لمثيلاتها الأوربية والأمريكية ثانياً، وإلا لكان قد أكتفى من هذه الحرب بأيامها الأولى، التي وصل جيشه فيها إلى كييف، العاصمة الأوكرانية، ولكان قد عاود الانسحاب إلى حدود بلده الدولية، بعد أن دكت مدافع دباباته حصون القصر الرئاسي لخصمه الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، ولكانت حسبت له جرة إذن لأوكرانيا ولرئيسها معاً.
الغرور والجهل السياسي هما ما منعا بوتين من هذا، فورط نفسه وشعبه وجيشه في حرب استنزاف طويلة الأمد، أجبرته في النهاية، ليس فقط على الترجل عن ظهر بغلة غروره وعناده الفارغين وحسب، بل وعلى الاستعانة بالمسيرات (طائرات الدرون) والصواريخ الإيرانية. وبعد فشل الأسلحة الإيرانية في حسم حربه الهوجاء أو مساعدته على تحقيق أي نتائج تحفظ له ماء وجهه، رأيناه يسحب قواته المنهكة من إقليم خيرسون، بعد أن كان قد أعلن ضمها للأراضي الروسية بشكل نهائي ولا رجعة عنه.
وفق الحسابات الاستراتيجية والعسكرية، فإن انسحاب بوتين من أقاليم الحدود المشتركة لروسيا مع أوكرانيا، هو بمثابة اعتراف بهزيمته وهزيمة قواته في هذه الحرب التي شنها من طرف واحد. وما عملية استبداله لحربه البرية التي سخرها لإسقاط المدن الأوكرانية، بالضربات الجوية التي تستهدف البنى التحتية لأوكرانيا، سوى محاولة يائسة يسعى من خلالها لإجبار الرئيس الأوكراني والغرب الذي يقف وراءه، على التفاوض لإنهاء هذه الحرب بطريقة تحفظ له ماء وجهه، أمام شعبه الذي رفض هذه الحرب من الأساس، وقواته المسلحة المنكسرة، على أقل تقدير.
وفي المحصلة النهائية، ورغم أن سحب بوتين لقواته من إقليم خريسون، هو بمثابة إعلان هزيمة له ولجيشه ومن حالفوه في هذه الحرب، فهو بمثابة كشف حساب عن حجم الحماقة التي حكمت أسباب وأهداف هذه الحرب المجانية وتحالفاتها، غير البريئة، سواء في المعسكر الغربي الذي اصطف إلى جانب الرئيس الأوكراني، أو المعسكر الذي اصطف إلى جانب بوتين وسعى لشد عضده، وكل حسب مصالحه وأغراضه، التي دفع الشعب الأوكراني ثمنها من دماء أبنائه وبنى بلده التحتية، والتي ربما سيعجز حتى مشروع مارشال أمريكي جديد من إعادة إعمارها.
ولكن، وفي النهاية، فإن الحماقة الكبرى ستحسب على فلاديمير بوتين الذي لم ير في أوكرانيا سوى سورية منهكة أخرى، عندما استنجدت به إيران، عام 2015 للتدخل لإنقاذ رقبة بشار الأسد من أيدي أبطال الثورة السورية، الذين كانوا قد صاروا على مرمى حجر من دمشق حينها.
ولكن ورغم أن انسحاب بوتين من خيرسون، هو بمثابة إعلان هزيمة، إلا أن حرب أوكرانيا، وبمجملها ومجمل النتائج والأوضاع السياسية التي ستترتب عليها، تكشف حجم الخبث والحماقة في الجانب الغربي وما ينطوي عليه من قصر نظر في الحسابات الدولية طويلة المدى. فالمعسكر الغربي سكت عن تدخل بوتين العدواني في سوريا وما أنتج قصفه الوحشي من جرائم قتل وتدمير في المدن التي تركزت فيها ثورة الشعب السوري، لمجرد أن سوريا دولة عربية ومن دول الشرق الأوسط. وعليه فإن ما سمح لبوتين فيها لا يسمح له أن يفعله في دولة أوربية، بل وتتوسط القارة بموقع استراتيجي يسمح بتهديد استقرار كامل القارة العجوز، فيما لو تم لبوتين وأحكم سيطرته عليها، في حين ترك له الحبل على الغارب في سوريا، قتلاً وتدميراً، طوال سبع سنوات كاملة. بل وسكت له عن حملة دفاعه عن نظام بشار أسد، عام 2013 ، لحمايته من القرارات الدولية والعقوبات الأمريكية، عقب استخدامه للسلاح الكيماوي ضد الشعب السوري، تلك الجريمة التي راح ضحيتها آلاف السوريين والتي ترتقي لمصاف جريمة ضد الإنسانية في مساحة أثرها التدميري الوحشي.
ليست هي المرة الأولى التي يكيل فيها الغرب بمكيالين، في القضايا الدولية أو في حسابات رؤيته لمقدرات ومصائر الشعوب، على أساس تمييزي وعنصري، ولن تكون الأخيرة، ولكنه وفي جانب السكوت عن التدخل الروسي في سوريا، أظهر أقذر ما لديه من وجوه هذا التمييز، مقارنة بموقفه من حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا وشعبها. وإلا لم السكوت على جرائم سبع سنوات كاملة من حرب فلاديمير بوتين ضد الشعب السوري وتدميره لمدنه، مقابل الدعم والمساندة، العسكرية واللوجستية والاستخبارية والمادية التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وأغلب دول أوربا لأوكرانيا ورئيسها الطائش، رغم أن حرب بوتين على أوكرانيا لم تكمل حتى سنة واحدة، مقارنة بسنوات حربه السبع على الشعب السوري؟ في حين، وفي حساب أضرار صدمة سلة البيض، لو كان الغرب قد صدم سلة بيض بوتين وكسرها له في سوريا، لما كان قد تجرأ على خوض حربه في أوكرانيا من الأساس.
ما الفرق بين تلقين فلاديمير بوتين، لدرس عدم التمرد على الغرب، فيما لو كان قد تم على الأراضي السورية ولحماية أرواح شعبها، بدل الأراضي الأوكرانية؟ أليس من حقنا كعرب أن نسأل هذا السؤال للغرب المتبجح بالعدالة واحترام حقوق الإنسان وعدم التمييز على أساس العرق؟
ألا تساوي أرواح السوريين أرواح أشقائهم في الإنسانية من الأوكرانيين؟ نعرف تماماً أن ثمة حسابات مصالح سياسية وايديولوجية وعسكرية واستراتيجية تحكم وتدفع لمثل هذا التمييز، ولكن، وفي النهاية، فإن مثل هذا التمييز المكشوف هو حماقة تدلل على زيف وعدم صدقية الغرب، وأيضاً مشروعية شكوك العرب، وباقي دول العالم الثالث، وعدم ثقتهم بالغرب وبادعاءاته حول القانون الدولي، أولاً وبالدرجة الأولى، وحول المساواة وعدم التمييز بين الشعوب ثانياً.
وفي النهاية، فإن مثل هذه الحماقات التي درج الغرب الأوربي والأمريكي على ارتكابها في حق العرب، بصورة مكشوفة وفي المناسبة وعدمها، لا تدلل إلا على استهتار الغرب بنا كعرب، بل وامعانه في هذا الاستهتار، بسبب غياب الموقف العربي الموحد الرادع والذي لا يخان من تحت الطاولات... فهل سنصل إلى هذا الموقف، بعد أن صار لنا من مثال التمييز، ضد الشعب السوري أربع وخمس أمثلة اضافية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا