الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
السياسة الاميركية وفلسفة اللصوص
موريس نهرا
2006 / 10 / 8مواضيع وابحاث سياسية
تتحفنا كونداليسا رايس وزيرة الخارجية الأميركية، بتكرار تصريحات واحاديث في الآونة الاخيرة تتعمد فيها ابراز ان السياسة الاميركية في منطقتنا، تهدف الى تشجيع الاعتدال ودعم الحكام والسياسيين المعتدلين ضد التطرف... وهذه التصريحات الأخيرة لثلاث صحف أميركية، كما جاء في جريدة النهار والتي أفاضت في الغوص بتفاصيل الوضع السياسي اللبناني، لا تختلف بالعام عن بعض اقوال للرئيس بوش، بل تشكل في مضمونها الاساسي تكاملاً معها لا يخرج عن خدمة الاهداف الستراتيجية التي اعلنها تحت عنوان الحرب على الإرهاب والتطرف، ثم ارفقها بالزعم بنشر الديمقراطية.
لكن من يعمل فعلياً لدعم الاعتدال والمعتدلين، عليه أولاً ان ينتهج سياسة معتدلة، قولاً وممارسة، تقوم على معالجة القضايا والمشكلات والنزاعات القائمة في العالم، وبالأخص في منطقتنا العربية ومحيطها، وعلى اسس العدالة والموضوعية والديمقراطية، التي تقضي باحترام حق الشعوب وسيادة اوطانها، واختيار طريق تطورها... وهذا لا نجد دليلاً واحداً عليه في الممارسات الاميركية، لا في فلسطين وحقوق شعبها، ولا في الحرب على العراق واحتلاله والعمل على تفتيته، ولا بتشجيع اسرائيل ودعم عدوانها الاجرامي الأخير على لبنان، ولا بحماية رفضها الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي بالإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وليس كذلك بتهديد ايران بالحرب بسبب تخصيبها اليورانيوم للاستخدام السلمي، كما يصرح قادتها، في وقت اصبحت فيه اسرائيل تمتلك اكثر من 200 رأس نووي، وتحوز باكستان على القنبلة النووية. علماً بان مصلحة شعوبنا ومنطقتنا بل والسلم العالمي، ان تكون منطقتنا خالية من الاسلحة النووية.
ولا يجانب الحقيقة من يرى نتيجة ذلك، ان الولايات المتحدة باتت فاقدة المصداقية، في نظر اكثرية كبيرة من شعوب المنطقة، خصوصاً في حمايتها ودعمها المكشوف لإسرائيل واجرامها في فلسطين ولبنان، وبعد سقوط ذريعة حربها على العراق بانه يمتلك اسلحة دمار شامل.
ولم تكن مصداقيتها في حالة افضل بالنسبة الى قضية الديمقراطية.. ففي حين ادعائها الحرص على نشر الديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة، نراها، ومعها السائرين في ركابها والمجتهدين لتبرير منطقها، تحمي وتساند عروشاً وسلطات، لملوك وحكام يقبعون عقوداً طويلة في مواقعهم، ويتعاملون معها على قاعدة التملك والوراثة، على حساب حق شعوبهم في الحرية والديمقراطية الفعلية....
ومع ان الإدارة الأميركية تستفيض بالحديث عن أهمية الانتخابات لانتاج السلطة ديمقراطياً، تتنكر لها عندما لا تاتي نتائجها في خدمة خطتها ومصالحها، وتتآمر ضدها، كما حدث ويحدث على سبيل المثال لا الحصر، بالموقف من نجاح حماس في الانتخابات الفلسطينية، وحيال نجاح هوغو تشافيز وخطه السياسي في فينزويلا، وايفو موراليس في بوليفيا.
وفي هذا السياق نفسه وفي ظل انعدام المصداقية المذكورة، تاتي تصريحات كوندي وبوش في دعم الاعتدال وضد التطرف في بلدان المنطقة، لتثير الشكوك بصحتها اولاً، وبغرضها ثانياً، كونها لا تنم عن تغيير فعلي في نوايا واهداف الإدارة الأميركية التي ترمي الى استخدام كل وسائل الضغط والقوة والتضليل، لاخضاع المنطقة والسيطرة عليها ونهب ثرواتها النفطية وغيرها، واعادة تركيبها وفقاً لمقتضيات اقامة "الشرق الأوسط الجديد" ومثل هذا التوجه والموقف لوزيرة الخارجية الأميركية تجاه لبنان، واصرارها بقوة على احتضان ودعم قوى 14 أذار، وحكومة الرئيس السنيوره، بوصفهم المعتدلين كما اشارت، وضد التطرف المتمثل بحزب الله وبالتالي القوى والمواقف الداعمة والمتضامنة مع الخيار الوطني المقاوم، يرمي في الوضع الراهن وبعد فشل اهداف العدوان، الى التصلب والتمترس بالمواقف، وتوسيع الهوة بين اللبنانيين، وقطع الطريق على إمكانية بل ضرورة التلاقي على خيار وطني ديمقراطي، يعزز الوحدة الوطنية والتوازن الوطني، ويؤدي الى اخراج لبنان من المأزق القائم، ويوفر مقومات بناء الدولة الديمقراطية القوية العادلة، والوطن السيد المحصّن.
لذلك فإن مفهوم الاعتدال الذي ترمي اليه الإدارة الاميركية، يتمثل ببقاء الحالة اللبنانية هشة، وبالسياسات الخادمة والمسهّلة لنجاح المخطط الاميركي الاسرائيلي في المنطقة.. ألم يبرز ذلك في ما جاء في تصريح السيدة كونداليسا "للنيويورك تايمز"، من ان "السلام على الحدود بين لبنان واسرائيل يقتضي وجود "لبنان معتدل" يمكن ان يكون شريكاً في السلام"؟؟. وبدون ان ترفق قولها هذا بأي وعد محدد باسترجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والاسرى اللبنانيين وبوقف الخروقات الاسرائيلية اليومية.
ومع ان المفهوم الذي تسعى الإدارة الاميركية لتعميمه عن التطرف، خصوصا" في الحالة الصراعية التي تعيشها منطقتنا ولبنان منها، يشمل جميع القوى والمواقف الممانعة والرافضة للمخطط الأميركي في منطقتنا، فانها تلجأ، هي واسرائيل، الى القوة والعدوان والاحتلال لتنفيذ اهدافها المعادية لشعوبنا وسيادة بلداننا، والى وصف التصدي للعدوان ومقاومة الاحتلال لتحرير الارض والوطن، رغم مشروعيتها المقرة عالمياً، بالتطرف والارهاب. ومثل هذا المفهوم الاميركي يتماهي مع فلسفة اللصوص، الذين يرون ان مصلحتهم في القيام باعمال السطو والسرقة والتشليح، بدون عوائق وعقبات، تقتضي الغاء وجود حرّاس وحراسة، وصولاً الى ابقاء الابواب مفتوحة، كي تتم عمليات السطو في اطار هامش واسع من الحرية وبدون اعتراض وتصادمات تفشلها.
ويمكن هنا وفي السياق نفسه، إحالة القارئ لمشاهدة او تذكر فيلم "بنت الحارس" (بالاذن من الرحابنة) الذي لا يقتصر فيه مغزى المشهد الذي تظهر فيه السيدة فيروز وهي تطلق عيارات نارية في الليل وبين الاشجار، على الدافع الاساسي بإعادة والدها الى عمله بعدما صرفته البلدية، بل ان البعد الآخر لهذا المشهد، يبين بوضوح ان وجود الحارس والحراس، هو عامل ضروري في منع اللصوص من الاقدام على السطو والسرقة، وفي ردعهم اذا ما حاولوا ذلك.
اما في ما يتصل بالإرهاب، فالفارق كبير بينه وبين مهمة التصدي للعدوان والمحتلين. وأن مواجهة الإرهاب على الطريقة الاميركية بالحرب التدميرية والاحتلال وارتكاب المجازر واشعال الفتن، هي من الطبيعة الإرهابية نفسها. وباتت تمثل اليوم ارهاباً معولماً ضد الشعوب، يتماثل مع ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل ومع ارهاب بن لادن واتباعه. وانها في الوقت نفسه لا تقضي على الإرهاب المقصود ولا تضعفه.. وقد دلّت التجربة في أفغانستان والعراق، انها تزيده نمواً وتوسيعاً لرقعة ممارساته... ومع ان هذا الإرهاب يتغذى من الممارسات العدوانية والعولمة الرأسمالية المتوحشة، التي تنهب خيرات الشعوب وتزيد حالة الفقر والظلم والقهر، فإنه ليس أكثر من احد اشكال ردود الفعل على ذلك... فلا يمكن ان يشكل بديلاً عن نضال الشعوب التحرري الوطني والاجتماعي، ولتوفير شروط التطور الديمقراطي للمجتمع، وللوصول الى علاقات سليمة وعادلة بين الشعوب والامم.
رئيس المجلس الوطني
للحزب الشيوعي اللبناني
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. إسرائيل تحاصر الشواطئ الجنوبية للبنان وتقطع بأرزاق صيادي الأ
.. كأس أمم أفريقيا: الجزائر تسحق توغو 5-1 وتقترب بخطى ثابتة من
.. أضواء الشفق القطبي تزيّن سماء أمريكا مشكلة عرضًا مبهرًا
.. استراتيجية إسرائيلية لدفع إيران وحزب الله لممارسة ضغوط إضافي
.. غارة إسرائيلية على بلدة عيتا الشعب جنوبي لبنان