الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصة الشاعرة مصطلحا ومفهوما

صبري فوزي أبوحسين

2022 / 12 / 4
الادب والفن


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا ريب في أن المصطلح العلمي من إشكاليات كل جديد في دنيا الأدب والنقد، بل في كل ثقافة وفكر، وقد أحسن القائمون على أمر المؤتمر الدولي الثالث عشر للقصة الشاعرة حين جعلوا التوصية الثالثة من توصياتهم(صناعة معجم لمصطلحات نقد القصة الشاعرة)، وقد بدأتُ مباشرة في الإعداد للإسهام في هذا المعجم بسلسة مقالات في هذا المشروع العلمي النبيل، وأبدأ هنا بالمصطلح الأم:القصة الشاعرة، ثم أنطلق إلى المصطلحات المتفرعة منه والبانية إياه، وهي (الكتابية/القصدية/التفعيلية/التدوير/التضمين/الترميز/التكثيف/المرجعية الثقافية). وهاك بيان ذلك:
أولا: المصطلح الأمُّ [القصة الشاعرة(AlkessaAlsha era)]:

إن القصة الشاعرة حقًّا مصطلح جديد مثير، شائك، تدور حوله الآن معارك أدبية بين مؤيد ومعارض، وقد اتسعت مساحة المؤيدين جدًّا، سواء على مستوى الإبداع أو على مستوى التلقي.
- إنها جنس أدبي عربي خالص، تمّ التأسيس له في مصر بعيدًا عن أي تبعيّة غربية، على يد القاص الشاعر الكاتب محمد الشحات محمد، الذي وضع بعض التنظيرات حولها...
نعم! إن القصة الشاعرة(AlkessaAlsha era)من المصطلحات التي حظيت بجدالات نقدية حادة، قرأتُها في مظانِّها المطبوعة ورقيًّا وإلكترونيًّا، وطالعت نماذج إبداعية على نسقها مطالعة تدبر، فأثمرت عن توصيف خاص بها، فهذا المصطلح(القصة الشاعرة) تركيب وصفي، وُصفت فيه (القصة)-ذلك الجنس الأدبي العالمي- بصفة صنوها الأدبي: الشعر، وقد وصفت باسم الفاعل(الشاعرة)؛ تمييزًا لها عن سابقها من فنون، وبخاصة الشعر القصصي والقصة الشعرية، وبيانًا للغاية من هذا الفن، وهو الجمع الدامج بين جماليات هذين الفنين الآسرين: القصة القصيرة، والشعر التفعيلي، والمستند إلى جماليات أخرى، ليست فيهما؛ فلذَّتها من كونها قصًّا وكونها شاعرة في آن واحد، وهذا منبع الجدة في القصة الشاعرة؛ ففكرتها جديدة وغير مسبوقة، مع أنها مكونة من مادتين كانتا موجودتين قبلها، وهما القصة القصيرة والشعر، ولكن كان كل منهما منفصلاً وحده، وليس فيهما ما في القصة الشاعرة من بِنْيات وسِمات فارقة .
إننا لو تأملنا تكوين (القصة الشاعرة) من مادتي القصة والشعر نجد أنها تحافظ عليهما معًا وتعمل على تطورهما معًا ..بل وتنادي على كل ذي موهبة كتابية أن يكون شموليًّا, أن يكون شاعرًا وقاصًّا في الوقت نفسه، فيحيط علمًا بمكونات كل منهما .. إن جمال وكمال القصة الشاعرة أنها لا تمدنا بشعر فقط على حدة ولا بنثر فقط على حدة, بل بالاثنين، تمتعنا في إبداع رائق وراقٍ، وغامض غموضًا جاذبًا للنخبة من المتلقين؛ لأنها قد جمعت الفنيين معًا وطورتهما وغيرت من شكلهما وموضوعهما معًا, وكأننا نعيش بهذه التجربة تجربتين؛ لأن الشكل شكل (قصة قصيرة جدًّا) تمامًا, ولكن يفاجأ من يبدأ قراءتها أنها (شاعرة) ... فالشعر هو أسلوبها لكن النثر هو شكلها ...ولذلك يقول ملهمها ومبدعها محمد الشحات محمد: "كنت أقرؤها على الشعراء على أنها شعر..فيعجبون بها ,, وأقرؤها على كتّاب القصة فيعتبرونها قصة ... لا يستنكرها هؤلاء ولا هؤلاء .... إلى أن هداني الله لمسماها وأهداه لي في الرؤيا ,,, فكانت القصة الشاعرة" .
- إن القصة الشاعرة(AlkessaAlsha era) هي ذلكم الفن الذي يعد تجديدًا أدبيًّا مصريًّا خالصًا من أية تأثرات خارجية: غربية أو شرقية، إنه "قص إيقاعي تدويري وفقَ نظام التفعيلة، مؤسَّسة على التكثيف والرمز والمرجعيات الثقافية"، أو إنها "قص إيقاعي تدويري مكثف لأحداث ترميزية مؤسسة على المرجعيات الثقافية وطاقات إبداعية تشكيلية ذات وحدة وجدانية لرموز متباينة في فضاءات حتمية المغايرة، ترفض سلطة القوالب الموروثة" ..
وقد عرفت (القصة الشاعرة) بتعريفات عديدة تدرجت عبر الزمن، وخلال الحوار النقدي فيها وحولها، نخرج ونخلص إلى آخر تعريفين لها، عند مؤسِّسها المصري -المبدع محمد الشحات محمد-هما:
- "قص إيقاعي تدويري مكثف لأحداث ترميزية، مؤسسة على المرجعيات الثقافية وطاقات إبداعية تشكيلية ذات وحدة وجدانية لرموز متباينة في فضاءات حتمية المغايرة، ترفض سلطة القوالب الموروثة".
- "قص إيقاعي تدويري وفق نطام التفعيلة، مؤسسة على التكثيف والرمز والمرجعيات الثقافية".
ويرى مبدعها(محمد الشحات محمد) في مقالته: (القصة الشاعرة بين المصطلح والواقع) أن القصة الشاعرة فنٌ كتابي عربي المنشأ، له معاييره وسماته الفنية وخصائصه الجمالية، حتمي المغايرة في البنية والشكل، بنفس قدر حتمية المسايرة للتطور الشامل أوجه الحياة.، وعموم الإشكاليات والمضامين بإشارات مكثفة وترميزات إيقاعية تشكيلية ذات دلالات توليدية موحية لإثارة ميزة الإبداع والتفاعل مع الواقع السيسولوجي والثقافي الرقمي والأحداث الحياتية مألوفة التصميم منها وغير المألوفة ، مما يدفع إلى اتساع مساحة التصورات الذهنية ببساطة طرق التفكير ، ويشير إلى إمكانية ترجمة النصوص الأدبية من القصة الشاعرة إلى تصميمات فنية مبتكرة ولغات غير العربية ، مع الحفاظ على خصوصية الهُوية المصرية والعربية برؤى مغايرة ..
أما القصة الشعرية(Poetic story)فهي أسلوب إبداعي من أساليب القريض، ينسج فيه الشاعر قصيدته على المنوال القصصي؛ بحيث يتوفر فيها من العناصر الفنية ما للقصة النثرية. لا يشترط فيها الطول الإيقاعي، ولا النزعة الملحمية والأسطورية، وهي حاضرة في شعرنا العربي في كل عصوره، بدرجات متفاوتة. وكان الباحثون يدرسونها في الشعر العربي تحت عنوان (القصة في الشعر العربي)، مثل كتاب الأستاذ علي النجدي ناصف طبع سنة 1970م، وكتاب الأستاذ ثروت أباظة، ولم يستخدم هذا الاصطلاح فيما أعلم إلا الباحثة عزيزة مريدين في كتابها "القصة الشعرية في العصر الحديث"، طبع دمشق سنة 1983م.
أما (الشعر القصصيNarrative poetry) فهو الذي يعتمد في مادته الفكرية على ذكر أحداث ووقائع وتصوير مشاهد في قالب القصة التي تكون مرنة في عناصر الحبكة من عرض وعقدة وحل. يقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي:" المراد بهذا النوع ما يسميه الإفرنج epic، وهو عندهم ما تروى فيه الوقائع والحوادث على طريقة الشعر، مما لا يخلو من الغلو والإطراء، حتى يتميز عن التاريخ البحت؛ والنظم فيه قديم في الأمم التي اغتذى خيالها بالدين والعادات كالمهابهاراتا عند الهنود، والأوديسّا عند اليونان، والإلياذا عند الرومان، وكذلك نظمت فيه شعراء الأمم المتأخرة كالفرنسيين والألمان والطليان والإنكليز. وعندهم في ذلك الملاحم المأثورة...ويشير الأستاذ الرافعي إلى سبب عدم وجود المطولات الشعر القصصية عن العرب بقوله: إذا كان الغرض من الشعر القصصي ما يجمع من التاريخ ويحفظ من الأخبار، فذلك موجود في أشعارهم[العرب]، ولكنهم لم يطيلوها إطالة الإلياذة وغيرها؛ لأن ذلك يقتضي له عملاً من النظم وضربًا من التأليف المقصود لا يتم حسنه إلا بالتنسيق وسياسة الألفاظ واستكراه المعاني واقتسارها، ثم إحكام اللُّحمة بين فصل وفصل وبين قطعة وقطعة، ثم تحكيك الألفاظ وتصفية الأسلوب واستيفاء صنعة التأليف، ولا يكون ذلك جميعه إلا بالصبر والمطاولة ورصد الأوقات التي تكون أجمَّ للنشاط وأصفى للخواطر، ولو أن في العرب من انقطع لهذا العمل لهجَّنوا صنيعه ورموه بالعيِّ ولتركوه مثلًا وآية...ووجه آخر، وهو أن العرب لا يطيلون أشعارهم إلا في المواقف وفي أيام الحفل، كما فعل الحارث بن حلزة في طويلته، وهي أقرب دليل على الشعر القصصي ومنزلته وأسبابه عندهم... وإذا كان الغرض من الشعر القصصي ما يحمله من الخرافات أو القصص الموضوعة، فهذا أيضًا قد نظم فيه العرب، ولكنهم لم يفردوه بالقصائد ولم يطيلوه إطالة بالغة، لذهاب معنى التقديس من عقائدهم وعاداتهم، فليس لهم آلهة ولا أنصاف آلهة ولا أساطير من هذا القبيل على نحو ما كان عند الهنود واليونان والرومان، وإنما كانوا يتناقلون من ذلك أشياء تناسب طبيعتهم ومذهبهم الاجتماعي... يخرج من ذلك أن الشعر القصصي — بالمعنى المصطلح عليه — لم يكن في طبيعة العرب ولا هو من مقتضيات اجتماعهم، فهم لم ينظموه في جاهليتهم قطعًا، ولم ينظمه مَن بعدهم لوقوفهم عند حد التقليد...هذا، وإن النماذج الحديثة والمعاصرة من الشعر القصصي إما أنها في قالب بيتي محافظ أو أنها في قالب تفعيلي مطول، وفي الحالتين تخلو من العناصر البنائية الرئيسة للقصة الشاعرة من تدوير وتبئير وتكثيف ومرجعية ثقافية...
ولعله بهذا البيان وهذا التفصيل يتضح لنا أن (القصة الشاعرة) مصطلح طريف جديد وخاص، إنها نوع أدبي مستحدث، يعد من إفرازات فترة الحداثة الأدبية العربية المعاصرة، يتميز عما يتداخل معه من اصطلاحات لا سيما(القصة الشعرية)، و(الشعر القصصي)...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي