الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة مكثفة لخريطة الصراع العالمي

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2022 / 12 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


في عالم اليوم هناك ثلاث قوى أساسية متصارعة، هي عبارة عن ثلاث دول. أما القوى، الدول الأخرى المنخرطة في الصراع، فليست سوى أدوات مستخدمة من جانب القوى الثلاث المشار أليها وهي:
الدولة الأعظم اقتصاديا وعسكريا وإعلاميا الولايات المتحدة الأمريكية.
الدولة الناهضة والمنافسة أقتصاديا والأكبر ديموغرافيا ـ مليار ونصف مليار انسان ـ الصين.
الدولة الأغنى من حيث الموارد الطبيعية، والأكبر مساحة، والأعظم نوويا وصاروخيا روسيا الاتحادية.

أمريكا والصين تخوضان الصراع بعيدا عن الحيز الجغرافي لكل منهما، وتستخدمان دولا أو كتلا أخرى كأدوات في هذه الصراع، الأدوات الأمريكية هي الكتلة الأوربية ممثلة بالناتو والأتحاد الأوربي، أما أداة الصين ـ وهذا ما يمكن أن يشكل مفاجأة للبعض ـ فهي روسيا.
روسيا ليس لديها من أدوات، ربما باستثناء بليروسيا، الصغيرة والضعيفة، والتي لا تتجاوز طبيعة دورها استخدام أراضيها في بعض النشاطات العسكرية الروسية في الحرب الدائرة في أوكرانية، مقابل توفير الحماية لها من جانب موسكو في وجه الأطماع الإستراتيجية البولندية ببعض أقاليمها.
ومع أن روسيا تبدو طرفا أساسيا في الصراع، إلا ان تورطها فيه ناجم عن حالة قهرية وليست أختيارية، ومن أجبرها على التورط في الصراع هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تحارب أي صعود أقتصادي أو عسكري أو سياسي، لأي بلد من بلدان العالم بما فيه البلدان المصنفة علنا على أنها دولا حليفة، وتجد في مثل هذا الصعود تهديدا لموقعها كقطب دولي واحد ووحيد، يمتد مجاله الحيوي ليشمل العالم كله بجميع قاراته.

تدرك واشنطن أن روسيا بمساحتها الهائلة ـ حوالي سدس مساحة اليابسة في كوكبنا ـ وما تحتويه هذه المساحة من ثروات طبيعية، يمكن أن تشكل منافسا خطيرا حتى على الصعيد الأقتصادي، أضافة إلى المنافسة على الصعيد العسكري، التي تفوقت روسيا في بعض جوانبها، ولا يقتصر الأمر على الترسانة النووية الأعظم التي تمتلكها، بل كذلك تقدمها في تكنولوجيا الصواريخ فرط الصوتية. أما على الصعيد الأقتصادي فقد نجحت روسي،ا بعد انتقالها الى نمط وعلاقات الأنتاج الرأسمالية، وفي غضون عقدين من الزمان فقط ، في احتلال المركز الحادي عشر بين الدول الأقوى إقتصاديا في العالم، وأدى هذا الى ضمها الى مجموعة الدول السبع الكبرى اقتصاديا لتكون ثامنتها، وليتغير أسم المجموعة لوقت قصير ألى (( مجموعة الثمانية )) قبل أن تخلق المخابرات الأمريكية أحداث الميدان في أوكرانيا، وتغيير النظام الحاكم في كييف بعملية تمرد سياسي ممول، استهدف من جانب أمريكا جر أوكرانيا الى حلف الناتو، واستخدام شبه جزيرة القرم المحاذية للحدود الروسية، كقاعدة للحلف، بعد ما كانت على مدى عشرات سنين سابقة قاعدة لأسطول البحر الأسود الروسي. أمر حمل موسكو على دعم التوجهات الأنفصالية لدى سكان القرم وأقليم الدونباس، وتشجيعهم على تنظيم استفتاء بالأستقلال عن أوكرانيا والعودة الى السيادة الروسية.
وأفضت تلك التطورات الى توتير العلاقات بين روسيا وبلدان أوربا الأطلسية، وبينها وبين أمريكا، أمر أدى الى إخراج روسيا من مجموعة الثمانية وعودتها كما كانت ((مجموعة السبعة )).

لكن ذلك لم يؤد الى قطع الوشائج الاقتصادية بين روسيا وبلدان الاتحاد الأوربي، كونها كانت تخدم الجانبين، توفر لبلدان أوربا عصب أقتصادها، الغاز والنفط، بأسعار بالغة التدني، وهذا ما أعترف به مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوربي جوزيب بوريل، الذي قال أن الرفاهية الأوربية كانت قائمة على تدني أسعار الطاقة الروسية. وفي المقابل استفادت روسيا من وشائجها الأقتصادية مع بلدان الاتحاد الأوربي في تطوير برامجها العسكرية والتكنولوجية ودعم قطاعاتها الاقتصادية في جميع المجالات. فكان لابد للولايات المتحدة من قطع هذا المسار، وهنا جرى استثمار الجماعات التي أوصلها تمرد الميدان المدعوم أمريكيا الى السلطة في أوكرانيا، فحرضت على أن تثبت في دستور أوكرانيا هدفان خطيران بالنسبة لروسيا وهما، استعادة شبه جزيرة القرم الى السيادة الأوكرانية، والأنضمام الى حلف الناتو، الذي لا يمكن من دونه تحقيق الهدف الأول، أي استعادة القرم.

سعت موسكو الى تجنب السيناريو الكارثي الذي رسمت خطوطه في واشنطن، مدركة أن الطرف صاحب القرار في هذا التحرك هو الولايات المتحدة ، فوجهت الى الأدارة الأمريكية وإلى قيادة حلف الناتو، مذكرة حذرت فيها من أقتراب بنى حلف الناتو من حدودها، وطلبت ضمان حياد أوكرانيا وعدم ضمها الى الحلف، منطلقة من أن طلب ضمها يستهدف جر الحلف الى صدام عسكري مباشر مع روسيا، استنادا الى المادة الخامسة من ميثاقه التي تلزم جميع بلدانه بالمشاركة في الحرب الى جانب أي بلد عضو في الحلف يكون في حالة حرب مع بلد آخر. لكن روسيا مستندة الى قراءتها للموقف، وضعت في حسابها الرد الأمريكي الأكثر رجحانا، وهو الأصرار على المضي في دعم الطلب الأوكراني، الذي كان معرقلا من ألمانيا وفرنسا، غير أن موسكو لم يكن في وسعا المراهنة على استمرار باريس وبرلين في عرقلة المساعي الأمريكية لضم أوكرانيا، وبينت تطورات الأحداث صواب القراءة الروسية، إذ لم تمارس العاصمتان الأوربيتان أي ضغط على واشنطن لنزع فتيل الأزمة عبر القبول بحياد أوكرانيا، أو أنهما لم تكونا قادرتان على فعل ذلك. وأضطرتا إلى تبني الموقف الأمريكي الذي يقول أن لكل دولة حق طلب الأنضمام للحلف، وللحلف حق الموافقة على أي طلب أو رفضة. بما يضع رأس موسكو تحت مقصلة البند الخامس لميثاق الحلف. وبالنتيجة تحت المقصلة الأمريكية الرامية الى أكثر من هدف في مخطط استخدام أوكرانيا ساحة لصراع مع روسيا تتورط فيه البلدان الأوربية، التي كانت تتطور أقتصاديا بشكل أقلق واشنطن وحملها على فرض عقوبات أقتصادية على الاتحاد الأوربي، وعلى تشجيع التوجهات البريطانية للأنسحاب من الاتحاد.

ومع عبور أول عسكري روسي لحدود أوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط ـ فبراير 2022، صارت بلدان الاتحاد الأوربي رهينة في يد واشنطن ترسم لها خطواتها، وتدفعها الى أتخاذ أجراءات تتعارض مع مصالح شعوبها، وأولها بالطبع حرمان أوربا من مصدر الرفاهية الذي تحدث عنه بوريل، من الغاز والنفط الروسيين. ثم حثها على التبرع بشكل لا ينقطع بالأموال والأسلحة والعتاد، للجهات المرتبطة بواشنطن التي تحكم كييف. مما يعرقل نموها الأقتصادي، ولا يزيل فقط خطر مسار تطور المنافسة الأقتصادية الأوربية لواشنطن، بل يجعل من بلدان أوربا رهينة، لا يمكنها التحرر من التبعية السياسية والأقتصادية وحتى العسكرية لأمريكا، ويسهل استخدامها كأداة في الصراع لاستنزاف روسيا.

على الجانب الصيني لا تخفي الإستراتيجية الأمريكية التي تعلنها الخارجية الأمريكية والكونغرس الأمريكي تصنيف الصين باعتبارها الخطر الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة ونظامها العالمي. وليس أمام الصين في مثل هذا الحال من سبيل، سوى إشغال الولايات المتحدة باهتمامات أخرى، وكان مما يتوافق مع هذا التوجه، أضطرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى تأمين موقف صيني داعم، بأي قدر ممكن لبلاده في مواجتها العسكرية مع الولايات المتحدة والناتو في أوكرانيا، فقبلت بكين بهذا الدور، مع أحتفاظها بتحديد حجم الدعم وسعته، بما لا يجرها الى صدام مباشر مع الولايات المتحدة، وبهذا تحولت روسيا إلى أداة من أدوات الصين للصراع مع واشنطن، وعامل تأجيل مرغوب للمواجهة الحتمية بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايون يتيح للصين ما يكفي من الوقت لتوفير مستلزمات الأنتصار، وانشاء ما تنادي به دوما من نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، أكثر عدلا من نظام القطب الواحد.

وربما لا تتطلع الصين الى عالم متعدد الأقطاب إلا كخطوة أولى للعودة الى نظام القطب الواحد الذي تحتل هي فيه موقع القيادة بدلا من الولايات المتحدة. ولا ريب أن قادة الكرملين يتطلعون بدورهم الى ذات الهدف، أي تعدد للأقطاب كخطوة أولى لآحتلال روسيا مكانة القطب الأوحد، وكل طرف من الأطراف الثلاثة يخفي هذا التطلع بمختلف الشعارات.

كل الأطراف تقبل بكل الخسائر المحتملة من اجل تحقيق تطلعاتها، وفي اللحظة الراهنة من الصراع لا تجني روسيا وأوربا سوى الخسائر، بينما تراكم أمريكا والصين الفوائد بمستويات مختلفة، وليس بأمكان أحد التكن بما سيتنهي اليه الصراع، وبما يمكن أن يتحقق في النهاية من حسابات الربح والخسارة.

يبقى السؤال الأهم: هل ستندلع حرب عالمية ثالثة؟ وهل ستبقى حربا بالأسلحة التقليدية أم ستفجأ البشرية بتحولها الى حرب نووية تؤدي الى فناء شامل؟
ستعمل كل الأطراف على تجنب السيناريو النووي، فلا رابح منه، لكن ليس بإمكان أحد ضمان ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لايوجد اي عذر مقبول لحرب بوتين
د. لبيب سلطان ( 2022 / 12 / 4 - 20:44 )
الاخ الفاضل شناوة
تذكرون سببان دفعتا بوتين للحرب وغزو اوكرانيا وكلاهما لايشكل سببا كافيا او معقولا او حتى
مقبولا وفق مفاهيم العالم المتحضر اليوم يبرر شنها والتسبب في هذا الدمار
الأول: ان اميركا نظمت حركة الاحتجاج في كييف عام 2014 وهذه هي نفس ماتقول به ايران اليوم وماقال به الولائيون في انتفاضة تشرين في العراق ومثلها في بيروت عام 2019 وكأن الشعوب العوبة ولاتعرف ماتريد ولماذا تريد..ببساطة علينا احترام ارادة الشعوب برفض الوصاية ..الشعب الاوكراني يرفض وصاية بوتين عليه من قبل سياسي واوليغارخ فاسد مثل يانيكوفيج ويرمي الانضمام للاتحاد الاوربي للتطور ديمقراطيا واقتصاديا وهذا حق له وهو شعب مثقف ودولة ذات سيادة..تماما كما يرفض العراقيون واللبنانيون حكم وكيل لآية الله عليهم ..احترام ارادة الشعوب واجبة وليست مؤامرة كما تتفضلون
عذر بوتين حول الناتو لشن الحرب ساقط ايضا فهو كمن يطلق النار ويقتل احتياطا من هجوم لم يقع
ولماذا تتجاهلون ان سبب هذه الحرب هي مغامرات ديكتاتور اراد ان يصبح قيصرا..اليس هتلر
وصدام مثلا سبقاه..يختلقون الاعذار والاسباب لتبرير الحرب..وانتم تصدقونها كما اراه
مع الاحترا


2 - الأخ الفاضل سلطان
عبدالله عطية شناوة ( 2022 / 12 / 4 - 23:24 )
من حقك أن لا ترى في السعي الى تحويل شبه جزيرة القرم، بسكانها ذوي الأغلبية الروسية، الى قاعدة للناتو، سببا يدعو روسيا التي كانت القرم دوما قاعدة عسكرية لأسطولها، من حقك أن لا ترى في ذلك سببا للتحرك عسكريا، للحيلولة دون خطر على حدودها مباشرة، لكني أذكرك بأن الولايات المتحدة، زعيمة العالم المتحضر، رأت في العراق المدمر والمحاصر لمدة 16 عاما، خطرا يستدعي شن الحرب مع أنه يبعد عنها بعشرات الآف الكيلومترات، وقبل ذلك زجت بنصف مليون من رجالها في حرب في فيتنام، فاحتياجات أمريكا الأمنية يجب أن تضمن بالوسائل العسكرية، لأن كل العالم ليس
سوى مجالا حيويا لها لا يجوز لغيرها أن يتحرك فيه.
يتبع


3 - الأخ الفاضل سلطان
عبدالله عطية شناوة ( 2022 / 12 / 4 - 23:27 )
بايدن نفسه وفي شريط مصور أعترف بانه مارس الضغط على الرئيس الأوكراني السابق وأجبره، تحت تهديد الضغط بوقف قروض ماليه، على إقالة المدعي العام في أوكرانيا، لأنه كان يحقق في خروقات قانونيه لشركات أمريكية بعضها على صله بهنترن بايدن. وعديد من المسؤولين الأمريكان ومنهم جون بولتون أعترفوا بتدبيرهم مؤامرات لأنطمة حكم في البلدان الأخرى لم تكن الأوضاع فيها على هوى واشنطن.
وكما أشار هذا المقال إلى مسؤولية الولايات المتحدة عن الكارثة الأوكرانية، فانه لم ينزه لا موسكو ولا بكين، عن السعي الى مزاحمة الولايات المتحدة ،لاحتلال موقعها فيما يسمى بالنظام العالمي. الذي
كانت واشنطن قد انتهكت قواعدة في غير مرة وفي غير مكان.

مع الأحترام والتقدير.


4 - لأاحد برر لأمريكا
د. لبيب سلطان ( 2022 / 12 / 5 - 10:14 )
الاخ عبد الله
كل القوى الليبرالية والشعوب وقفت ضد امريكا في حرب فيتنام واولهم الشعب الامريكي
بالنسبة للعراق كل الوطنيين العراقيين طالبوا امريكا بازالة وساختها من الحرب البلردة النظام الصدامي الذي اتت عام 63 ثم 68 وهي مازالت مدينة للعراقيين على تخريب دولتهم الوطنية عام 63 حتى ولو قدموا للعراق عشرات البليونات فالدمار قد وقع
الحجة ان اميركا عملت كذا وكطا ساقطة لأن الجريمة هي جريمة ولاتبرر بجرائم اقترفها اخرون


5 - 3الأخ الفاضل سلطان
عبدالله عطية شناوة ( 2022 / 12 / 5 - 16:33 )
ليس بين الوطنيين العراقيين من طلب الى أمريكا إزالة وساختها، من طالبها بذلك هم وساختها الجديدة، ولم يفوض المجتمع الدولي أمريكا دور شرطي العالم الذي يستجيب لمظالم الوساخات ضد الوساخات، الأمم المتحدة رفضت حينها أكاذيب المخابرات الأمريكية التي عرضها كولن باول على مجلس الأمن، وشنت حربها دون تفويض منه، مع أن العراق وصدام حسين لم يكونا يشكلا أي تهديد حقيقي أو مفترض لها.
تصوير أمريكا كجمعية خيرية تستجيب لاستغاثات المظلومين أمر يفتقر الى الجدية لا يليق بباحث محترم مثلك، ويكذبة إعراضها عن الأستجابة لاستغاثات الشعب الفلسطيني المستمرة منذ 75 عاما،
من الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المتصلة.
ولم يبرر احدا لروسيا اجتياحها لأوكرانيا، بل هي محاولة لاستكشاف الأسباب الحقيقية للصراع، وأدوار الأطراف المختلفة فيه، بعيدا عن التضليل الدعائي الممنهج لمكائن الدعاية الأمريكية.

اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس