الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(الصعود الأخير) قصة قصيرة

سجاد حسن عواد

2022 / 12 / 4
الادب والفن


(الصعود الأخير)

جاءنا خبرٌ الكلُ ينتظره، وهو العودةُ إلى البيت، لا يفصل بين العودةِ والعيدِ سوى يوم واحد، سباقُ الذهاب إلى المنازل، أهلٌ ينتظرون بشوق وحزن، الشوقُ للمبتعدين عنهم الملتحفين الصحارى بدلا من الأحضان، وحزنٌ على الأراضي المغتصبة التي باتت بيد العدو الغادر. فكل أهل يحزنون إن عاد أبناؤهم تاركين العدو يسرح ويمرح في وطنهم.

وصل إلى أهله صباحا، كل من في البيت نائمٌ إلا ذاك الرجل الكبير الذي تعود الاستيقاظ مبكرا لإنهاء أعمال المنزل من ترتيبٍ للأشياء، وتجميعٍ للمياه ولأمور أخرى تخصُ أهله.

استقبلهُ بحفاوةِ عاشقٍ، ولهفةِ فاقدٍ، ضمه إلى صدرِه شاكيا من أمه التي كبرتْ وما عادتْ تساعدهُ في البيت.
بدأ يخففُ عن أبيه، متناسيا غبار المعاركِ وخطورة أراضيها.
أيقظ الجدُ حفيدته الوحيدة، ركضتْ نحو أبيها، فاقدةً خاصية الانزعاج بعد الاستيقاظ من النوم.

-أهلا بعودتك، متى تأخذني إلى مدينةِ الألعابِ ثانية؟ وهذه المرة لن تأخذ جهازك معك.
-تمام، لكِ ما تريدين.

كان يومًا عائليًا بإمتياز، انتهى فراقُ الأحبةِ بلقاء، شمسٌ ظهرتْ بعد عدة ليالٍ شتوية.
سمعَ من كل فردٍ همومه، الزوجةُ وهموم المنزل، الأمُ وملاحظاتها حول كل صغيرةٍ وكبيرة، الأبُ الكبير وامتعاضه من كل شيء.
البنتُ المدللةِ والطلبات الكثيرة.

-(عليك تعبئة هذه البطاقات، ولكلِ لعبةٍ سعرها الخاص).

سمعَ كلامَ رجلِ مدينةِ الألعاب وقال في نفسه: (ألا يكفي أننا نعبيء الأرض من دمائنا وجسومنا!؟).

-الآن كم ستدفع للتعبئة؟
-أخرج نقوده وتبسمَ ضاحكا بوجهِ صغيرته قائلا: (هذه عشرة كاملة).

أخذها إلى لعبتها المفضلة، وكأي صغيرةٍ تهوى التغيير والمغامرة، طلبت منه أن يصعدا في أعلى لعبة موجودة (لعبة ديلاب الهواء).

-ستصعدينه. (قالها بكل رجولة، فهو البطل الخيالي لابنته).
-أريد صعوده معك، لأني أخاف المرتفعات. ولأنك لم تدعني أصعد المرة الفائتة بحجة خطورته.

سكت برهة يفكر في إيجادِ مخرجا مما هو فيه لا يريد كسرَ الخاطر، ولا يستطيع تدبير بطاقة بنقوده!
مشى بإتجاه اللعبة الكبيرة ببطء، عسى أن تقتنع فتاته وتصعد اللعبة لتستمتع وحدها ويستمتعُ لفرحها.
وقف عند بدايةِ الصعود. نظرَ إلى أعلى نقطة في الديلاب.

نادته متشوقة:
-هيا يا أبي، لا تخفْ، فأنا لن أخاف معك.

جاءه الإنقاذُ بشكل اتصال على الهاتفِ المحمول!

-نريدك أن تلتحق حالا، أصدقائك وقعوا في الحصار. جهّز نفسك خلال نصفِ ساعة، علينا مفاجأة العدو وكسر الحصار عن أخوتنا.
صاحَ بصوتٍ عالٍ بعد أن أغلق جهازه.
-هيا، يتوجب علينا الذهاب إلى البيتِ بسرعة.
-أبي، لكني لم أصعد بعد!!

نجحوا في كسرِ الحصار وإلحاق الهزيمة بالعدو.
كانتْ خسائرهم قليلة، وخسائرُ العدو كبيرة، فنجمُ الأرهابِ أفلٌ وإن ظهر.
عادَ كلُ شيء إلا الشهداء، ووالد الفتاة، رجعَ سالما لكنه خسر قدميه.
نظرتْ إلى أبيها بحزنٍ كبيرٍ، الدموعُ تصدعُ الأرضَ من فرطِ قوتها.
جمعتْ كلَ قواها تعاتبُ القدرَ قائلةً: "ليتهُ صعدَ معي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل