الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شذرات اقتصادية ... التعاون جنوب ـ جنوب وسيادة الدولة

عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)

2022 / 12 / 5
الادارة و الاقتصاد


سأحاول مناقشة: ما هي العلاقة ما بين تحقيق تنمية الجنوب و تعاون جنوب ـ جنوب وسيادة الدولة؟

التعاون جنوب ـ جنوب أو التعاون جنوب ـ شمال أو كيفما كان الاتجاهات الجغرافية للتعاون الدولي، المهم أن يكون في التعاون احترام سيادة الدولة سواء الداخلية أو الخارجية.

واذا كان مفهوم تعاون جنوب ـ جنوب برز في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، المؤتمر الآسيوي الافريقي مؤتمر باندونغ 1955، حيث حاولت دول الجنوب أن تخلق لنفسها تحالف من أجل الحق في تقرير المصير والحق في التنمية لأنه وببساطة لا يمكن الدفاع عن المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لدولة من الجنوب / الدول الأقل تنمية على جميع الأصعدة / إلا بالاعتماد على قدراتها وإمكاناتها الداخلية، فإن هذا الاتجاه كان دائما يواجه عدة عراقيل منها ما تفرضه دول الشمال من أجل الاستمرار في نهبها لخيرات دول الجنوب خاصة افريقيا، وهي الوسيلة التي مكنتها من الازدهار والرفاه الفردي والجماعي، ومن جهة أخرى عراقيل نابعة من البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لدول الجنوب نفسها لأن خلال مراحل تطورها عرفت شرخ واهتزاز سببته بالخصوص مرحلة الاستعمار وما تلاه من غياب إرادة سياسية حقيقية للدفاع عن الوطن وسيادته حيث اتسمت معظمها بحكومات هجينة وهشة وضعيفة غير قادرة على عقد اتفاقيات بمنطق رابح - رابح، فاستمرت معاناة افريقيا ونهب خيراتها، وبالطبع هناك عدة تفاوتات بين دول الجنوب واتباعها لمسارات مختلفة انتجت تفاوتات في التنمية بين دول الجنوب، وهناك من استطاع ان يحقق قفزة نوعية داخلية وخارجية وهناك لا زال يتخبط ويتأرجح ما بين صراعات داخلية وأزمات سياسية بين دول الجوار … هذا بشكل مختصر…

في وقتنا الحالي، وفي ظل الأزمات المتتالية منذ منتصف السبعينات وبداية الثمانينات، وفرض سياسات التقويم الهيكلي وأيضا غياب سياسة مالية لدى مجموعة من الدول الأفريقية والتوترات السياسية أو الاجتماعية وتنامي الارهاب واقتصادات الريع واقتصادات الظل وغيرها، ازدادت معاناة افريقيا ضغط سياسي خارجي وضغط اجتماعي داخلي. لقد بات من الأكيد أن لا سبيل للدول النامية إلا تقوية تعاون متوازن ورابح بين أطراف الجنوب، ولا يجب تعويض سيطرة دول الشمال (أمريكا وحلفاؤها) بسيطرة أخرى تكون أكثر شراسة ونهبا للدول الأفريقية (الصين، روسيا، الهند وغيرها).

هل يمكن ان يستغني الشمال عن الجنوب؟ لا أعتقد ذلك، ويمكن ان أجزم أنه يستحيل قطع العلاقة …
هل يمكن ان يستغني الجنوب عن الشمال؟ لا أعتقد ذلك، ويمكن ان أجزم ايضا أنه يستحيل قطع العلاقة…

هل يمكن لدولة من الجنوب تحقيق تنمية دون تعاون حقيقي مع دول الجنوب؟ وهل يمكن تحقيق تعاون في ظل تصدعات أو أزمات او حروب مع دول الجوار؟ وهل يمكن تحقيق تعاون اقتصادي دون تحقيق احترام لسيادة كل دولة في هذا التعاون؟ أي كيف يمكن تحقيق تعاون يسوده منطق رابح - رابح؟
أظن الأجوبة عن هذه الأسئلة واضحة. لا يمكن ذلك.

ما يهمني هنا معكم ومعكن هو تسليط الضوء على مجموعة من النقط التي على دول الجنوب الاستفادة منها لتحقيق تعاون إقليمي ودولي سليم، أي تعاون يحترم سيادة الدولة الخارجية وسيادتها الداخلية، لينضاف إليها التماسك الاجتماعي؛ وهذا يشكل دعامات أساسية للتنمية والعدالة الاجتماعية.

أولا، السيادة الخارجية، أعني بها أنه يجب احترام المصالح العليا لكل دولة من دول الجنوب، وأن يكون هناك تكافؤ ومساواة بين جميع الدولة، اي الاعتراف بأن كل دولة من دول الجنوب لها علم وطني، نشيد وطني، حدود جغرافية، ونظام سياسي. فلا يجب ان يسود منطق الهيمنة والابتزاز السياسي أو الاقتصادي والتدخل المباشر او الغير المباشر في سيادة الدولة. وهنا لا بد من الضغط من أجل تغيير تنظيم المجتمع الدولي. كيف يمكن الاستفادة من الصراع بين روسيا والدول الحليف لها وأمريكا والدول الحليفة لها؟ أي كيف يمكن لإفريقيا الاستفادة من الصراع الحالي وفرض شروط سياسية جديدة تجعلها تدافع عن سيادتها الخارجية؟ الجواب بسيط هو التكتل وتغليب مصالحها المشتركة وتأجيل صراعاتها حتى تتمكن من فرض تغيير جوهري حقيقي في هيكلة التنظيم الدولي، وإلغاء خاصة امتيازات بعض دول الشمال الذي فرضه نتائج نهاية الحرب العالمية.

ثانيا، السيادة الداخلية، او بشكل ادق، السيادات الداخلية التي تمكن من التحكم في شروط التراكم (accumulation) كرافعات أساسية للتنمية بمختلف ابعادها، وهذه الشروط يمكن حصرها فيما يلي :
1. التحكم في الموارد الطبيعية: المنابع المائية، موارد التربة (le sol) وباطن التربة (le sous-sol) المناجم، الغابات، وغيرها
2. التحكم في نظام التعليم والتكوين،
3. التحكم في النظام الصحي
4. التحكم في الثقافة الوطنية
5. التحكم في التطور العلمي والتكنولوجي
6. التحكم في النظام البنكي والمالي
7. التحكم في الإنتاج
8. التحكم في التواصل (القوة الناعمة)
9. التحكم في المفاوضات والاتفاقيات الدولية.

على الدولة ان تتحكم في كل هذه الروافع من اجل تحقيق سياداتها الداخلية: الطاقية، المائية، الغذائية، الإنتاجية، الحماية الاجتماعية، وغيرها. إنها رافعات تمكن من تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية.

التحكم ليس بمفهوم السيطرة والاستبداد، ولكن بمنطقة ان الدولة تهدف الديمومة والرفاه الجمعي. لذا التعاون جنوب ـ جنوب هو فرصة لدول افريقيا ومنها المغرب كانتماء جغرافي وثقافي وحضاري من أجل الدفاع عن السيادة الخارجية والسيادات الداخلية على جميع المستويات دون انغلاق او صراع او منطق هيمنة.

ولا يمكن ان تتحكم في السيادات الداخلية (les souverainetés intérieures) إذا لم يكن البلد سيد نفسه (la souveraineté extérieure)، أي قرارات سيادية، يقرر بنفسه ما ينتج ومتى ينتج ولمن ينتج. يتطلب هذا الشرط جبهة وطنية/داخلية قوية وتحالف جنوب ـ جنوب قوي ودائم يحترم اقتصادات المتعددة والمختلفة الموجودة داخل القارة والعمل على تطويرها بعيدا عن منطق وأهداف الاقتصاد المهيمن لدول الشمال، حيث تحترم القارة الافريقية شروطها الداخلية للتنمية والتطور في مختلف المستويات وتحترم الثقافات المتعددة والغنية التي تمتاز بها وأيضا تطور اقتصاداتها المتنوعة والتي تتماشى مع الطبيعة الجغرافية لكل بلد افريقي على حدة. بمعنى آخر، أكدت نتائج مختلف البرامج الدولية أنه لا يمكن نقل مفهوم التنمية المستدامة لبلدان الشمال إلى البلدان الأفريقية؛ لذا، التنمية المستدامة في أفريقيا تحتاج إلى حلول محلية.

عودة المغرب لوطنه الكبير افريقيا هو اعتراف بأن على افريقيا ان تدافع على مصالحها في المنتظم الدولي، وأن مشاكلها الأفريقية سواء السياسية أو الاقتصادية او الاجتماعية لن تحل إلا في افريقيا.

اهتمام المغرب بعقد شركات وتحالفات استراتيجية هو إدراك ووعي منه بأن التنمية لن تتحقق إلا بإفريقيا ومن أجل أفريقيا… خلق سلاسل إنتاجية محلية/ إفريقية-إفريقية، لأن أكبر خطأ هو ان معظم منتجاتنا هي مستوردة رغم اعتمادها على موارد محلية/إفريقية. لا يمكن الاستمرار بهذا الشكل وإلقاء لوم مشاكلنا على الآخر/ على الشمال.

في الختام، اكدت الأزمات الطاقية والبيئية بأن افريقيا هي قلب العالم… لذا، أدعو جميع الغيورين والغيورات على هذا الوطن وعلى مستقبل افريقيا ان يتصدوا ويتصدين للتفاهة والرداءة السياسية لأنها تنخر المجتمع وتفوت على المغرب وإفريقيا فرصة ذهبية لتكون رقم مهم في المعادلات الدولية والمنتظم الدولي.

نص المداخلة في الندوة الدولية حول موضوع: التعاون جنوب ـ جنوب ورهان تحقيق التنمية المستدامة، 23 اكتوبر 2022 بويزكارن ـ المغرب
عائشة العلوي، رئيسة مركز ديهيا لحقوق الإنسان والديموقراطية والتنميةـ الرباط








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلومبرغ: تركيا تعلق التبادل التجاري مع إسرائيل


.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده




.. مين هو البطل الذهبي عبد الرحمن اللي شرفنا كلنا بالميدالية ال


.. العالم الليلة | -فض الاعتصامات- رفض للعنف واستمتاع بالتفريق.




.. محمد رفعت: الاقتصاد المعرفي بيطلعنا من دايرة العمل التقليدي