الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمعية الحياة المسرحية مدرستنا الأولى ... التماعة32 الفقد والحرمان وتبقى شجرة الحياة خضراء.

محمد نور الدين بن خديجة

2022 / 12 / 6
الادب والفن



/... في سن الثالثة من عمري وحسب ما علق من التماعات في ذاكرتي : أراني ممددا في سرير بمستشفى ـــ المامونية ــ بمراكش في قاعة بها بعض الأطفال ... يقال أن السبب هو مرض اللوزتين الذي سيصاحبني إلى حدود الثالثة والعشرين من عمري ...حيث سأعمل على استئصالهما نهائيا ..لأنهما أصبحتا تشكلان عائقا صحيا كبيرا على حياتي ودراستي ومزاجي .... هكذا أتذكر تلك الصور المشوشة والبعيدة جدا ... لم تمر أشهر حتى عدت للمشفى يقال أنني كنت مهددا بالشلل ... كان أحد أصدقاء العائلة من القواة المساعدة يأتيني بالأكل أحيانا وينزلني من السرير وييضع الأكل على مبعدة مني ويقول لي هي تقدم لتأكل احاول النهوض ثم أسقط ثم أحبو لأصل ... صور فقط ولا أعرف أي مبرر لتلك الأفعال ...
أتذكر فتاةأمازيغية صغيرة تجهل التحدث بالعربية ... تأتي أمي تعطيها بعض الأكل ... الفتاة تصرح لأمي التي تفهم الأمازيغية وتتحدث بها رغم أنها عربية النسب نظرا لمعاشرتها للأمازيغ الذين كانوا يفذون على القبيلة بأسرهم فصل الشتاء وتستقبلهم الأسر بكل ترحاب وأريحية مشتركين معهم الطعام والمسكن ...وهذه العلاقات كانت سبببا في مصاهرات وأنساب بل وشركات فلاحية ورعوية ....قلت كانت هذه الفتاة تشتكي وهي تنكش شعرها : ـ تليشت ... تليشت ـــ أي القمل القمل ...ــ سترغب أمي بعض المرضات بأن يغسلوا لها شعرها ستناولهن بعض النقود والفواكه بالفعل سنأخذ لللحمام ذاك اليوم زسيعتنين بنا جيدا ....
الصورة الثالثة سأستفيق على صراخ وصياح وطلب اللطيف في صباح باكر على صوت الاستغاثة وطلب اللطف من طرف الممرضات .... التقطت أذني كلمة زلزال زلزال .... أول مرة أسمعها أظن السنة 1968 أو 69 وهو زلزال مس مدينة مراكش أنذاك ....
إنها صور من صور الفقد والحرمان أي الحرمان من حضن الأم لشهور ... وغالبا تركت أثرها في نفسيتي ... لأني أصبحت في ما بعد مفرط الإحساس وسريع البكاء ومتقلب المزاج ... بل أن الخلوة والاختلاء أصبحت ملاذا لي في لعبي الطفولي واستمر معي هذا اللعب حتى المراهقة حتى كنت انعث بالمخبول .... ألعب بأحزمة السراويل وأجعلها شخوصا تتحدث وتتصارع ... ونباث الدوم والمعدنوس وغيره أجري بها أحداثا وقصصا وخيالات لاتنتهي ...
ما أنقذني ربما من الذهاب إلى برزخ الخبل هو الحومة ــالحارة المراكشية ..الأطفال سيستدرجوني للعب معهم مما كان يخرجني من تلك الدوامة الخيالية التي كادت تبتلعني ... كما أن السفر لبادية مع الأسرة في كل عطلة ساعدني كثيرا على تكوين وإعادة تكوين شخصيتي بتقويتها وبالتصاقها بالطبيعة واللعب مع الأطفال في ذاك الخلاء العارم والسباحة في الغدران المائية وامتطاء الذواب .... لكن علاقتي بالتخيل واللعب التخيلي كانت ضرورة اتفرغ لها من حين لحين ...
ــــ الفقد والحرمان من حضن الأم في الطفولة من الأمور جد الصعبة في حياة الطفل ...وتكون مبعث أمراض نفسية قد تصاحب الإنسان طول عمره .... فبعد هذه التجربة سأبقى ملازما للنوم قرب أمي والارتباط بها بشكل كبير حتى سن الرابعة عشرة من عمري ....
أيكون الحرمان والفقد أس الإبداع ولما الخبل والتعويض بالخيال بل والعيش فيه أكثر من الواقع ... الهروب من الواقع للعيض في الخيال الإنظلاقة الأولى لحساسية المبدع .... ولكن على المبدع تجاوزها بالوعي والتكوين حتى لايبقى محلقا في سماء الهبل والخبل والعته .....


ـــــ في أواخر السبعينات سيبدأ تطور الوعي السياسي بالتدرج من خلال ما كنا نرى من مظاهرات التلاميذ السنوية وخروجهم للشوارع للاحتجاج بل ومشاركتنا معهم ونحن بعد صغارا نتتبعهم بل وأحيانا نحضر تلك المواجهات العنيفة مع الشرطة والقوات المساعدة ....يبدأ الكر والفر ومنازل الأهالي تفتح أبوابها لتهريب التلاميذ عبر السطوح أو إيواؤهم حتى تهدأ العاصفة ...
في سنة 1983 سيتطور الوعي الحسي إلى وعي مسؤول ومحدد الانتماء الفكري والسياسي ولو بشكل بدئي وغير معمق في اتجاه اليسار اللينيني وستكون نقاشاتنا تحدد هذا الاصطفاف فبمجرد ما نتبادل النقاش السياسي حتى تصنف في اي اتجاه أنت ... وكان الحذر أن تصنف في اتجاه اليسار اللينيني السري . . كنا نتناقش مجموعة من التلاميد قرب باب الثانوية في شؤون الحركة التلاميدية .... وما أن أبديت رأيي حتى تدخل أحد التلاميذ متسائلا هل أن من اليسار الراديكالي 23 مارس .... تلافيت الأمر وتجاهلته :كان لم أسمع ....
في هذه السنة سنشارك في ضرابات تضامنية مع طلبة الجامعة ومع طلبة وجدة الذين ووجهوا بالقمع العنيف ...وسيتم اعتقالي إبان تظاهرات قمنا بها سيتم الاستفراد بي ن قبل عناصر إدارية وأخرى ير إدارية بعد ركض ذويل أتعبني ثم أن موضة الشعرالكثيف لعبت دورا في شل حركتي حين التموا علي ... كنا نطيل الشعر على طريقة الغفاريين .... وكنه كان نقطة ضعفي اتي شلت حركتي ....
كنت أحمل معي شعارات مكتوبة على الورق وأسماء الشهداء من الستينات وتواريخ استشهادهم وأوائل قصائدي ذات الطابع السياسي .... ستأتي دورية الشرطة وتأخذني وتلاميذ أخر .... وفي الطريق للمركزية سيتجادل الشرطيان حول الأوراق التي أعطتهم الإدارة ,,,سيقول أحدهم هذا طفل صغير وحرام نسلمهم الأوراق ويجب إزالتها ..بعد نقاش لم يطل تم إزالة بعض الأوراق وبقيت القصائد .... المحفظة محفظتي كانت بها صور للشهداء وخاصة صورة شهيد الحركة التلاميذية شهيد يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني 30مارس 1979 الشهيد محمد كرينة ... غير أني لوحت بها خلف السور أثناء تتبعي فأفلتت من المحجوزات ... حيث ستأتي بي فرقة في سيارة عادية إلى المنزل وأنا مضغوط تحت أفخاذهم التي تقذع الأنفاس ... سيقتحمون المنزل ... سيجدون فقط أختي وأخي الصغير لازلت أتذكر ملامح الرعب على وجوههم سيسألونها عن مكتبتي ههههههههههه مكتبتي ليست لي مكتبة ـــ نحن أبناء البدو لم نكن نعرف مكتبة ولو ولدنا وكبرنا في المدينة ... المهم خزانة مبنية في الحائط ... بها ملابس وبعض المجلات والكتب ودفتر كتبت فيه أول أشعاري كنت أطلب الله ألا يلحظوه ويأخذوه ليس خوفا مما فيه بل خوفا على ضياع أشعاري ..فكنت جد متمسك بها ... المهم أخذوا مجلة الجيش الشعبي كانت تصدر ن العراق عن حزب البعث ... اشتريتها لأنها تضمنت مقالات عن حرب التحرير الفتنامية وكذا عن حرب العصابات مع جيفارا وغيرها ...مجلة الجماعة التي كان يصدرها عبد السلام ياسين ..كتيب عن الاشتراكية الفابية ... كتاب ضخم كانت أصدرته منظمة التحرير الفلسطينية أعداد من دريدة أنوال في فترتها الأولى .... المهم أن القصائد لم تطلها يد المخبر ... تمت إعادتي للمرطزية لتبدأ حفلة الاستقبال المبهرة العجيبة مع جسد نحيل سيعلق على طريقة الديك المشوي نسميها الطيارة أو الفروج....
المهم لا أريد الإطالة في هذا الحديث فهو تعميم عربي بامتيازمن الخليج للمحيط .
سأحال للقضاء لأحال على سجن بولمهارز أنا ورفقائي التلاميذ .... الفقد مرة أخرى ... وأكثر ما كان يشغل بالي أمي .... قيل لي أنها رفضت أن تبقى في النزل وكادت تجن بكاء ... وانعزلت في أحد المنازل بضاحية المدينة ــــ لم تعد الآن ضاحية بل أصبحت قلب المدينة : عين إيطي كان المنزل محاطا بواحة من النخيل بل كان على الطريقة البدوية :ببيتين صغيرين وباحة ـــ مراح ـــ كبيرة جدا وبها مغروسات متنوعة وبئر ممتليء ماء ...اختلت به في حزن وبكاء حتى كادت تجن ... أخبروني بأن لالة ام هاني وحمة الله عليها أم المناضل اليساري المعتقل أنذاك بتهمة الانتماء لمنظمة 23مارس اللينينية هي من أخرج أمي من عزلتها وحزنها حيث كانت تزورها وتخفف عنها ... وهذا ما كان فليرحمها الله وباقي أمهات معتقلي السبعينات والثمانينات اللواتي غادرننا واللواتي لعبن أدوارا مهمة في حركة أمهات المعتقلين السياسيين .
هذا الوجع الثاني سيعلمني دروسا مهمة لا في الالتزام السياسي والابداعي الفني حيث أن المسألة لم تعد مجرد كتابة أشعارا أو أزجال فقذ أو نيل شهرة ...بل أكثر من ذلك ...مسؤولية والتزام متجدر .
خرجت وأنا أحسب ألف حساب لنفسية أمي ... أكثر من نفسي ... أناضل بحذر شديد خوفا على أن أتهم من بعد بأني كنت سببا في موتها أو جنونها ..... هذا الارتباط العميق بي جعلني دائم الوجل من أجلها ....رحمك الله يا أمي يا وهبتني حنانها وحبها للنظم والمايات البدوية وبعض الكيفان والأمداح التي حفظت بعضها عن أمها ...ورثتني هذا الفن الذي ابتليت به حد الهوس وهو ركيزة من الركائز المهمة لبناء تجربتي الزجلية بالاضافة لمرجعيات أخرى من القول الشعري ...
ــــ في كلا المرحلتين كانت الأم مباركة بنت بوجمعة بنت عبد القادر بنت يحيى بن يحيى السباعي وراء هذه الروافد الإبداعية الزاخرة التي تكونت وتربت معي ابتداء من خلف منسح الزرابي التي كانت تحوكها وهي تردد الايات الحزينة لفن حمادة ...وكذا المرددات من الكيفان للسباعيات اللواتي كن يعننها في المنسج وهن متشحات بذاك السواد الذي لايفارقهن إلا للقبر ...
.... أما المدرسة الثانية فهي مدرسة الأب مدرسة المقاومة والنضال الوطني رفقة فريق مولاي علي وأخيه سي محمد بركاتو ومولاي الشافعي وغيرهم من الشهداء فترة الاستعمار او فترة الاستقلال ...وهي مدرسة تلقينا عبرها عبارات وسلوكيات الانفة والمواطنة ومفردات النضال من أجل الحق .
....

هكذا فارقنا الحياة المسرحية ولم تفارقنا الحياة بعد ...
بل افترقنا في مساربها ودروبها دون أن يفارقنا وشمها ولو تلاعب بنا التناسي أحيانا فلا زال شئ يجمعنا هو هذه الذاكرة الموشومة والتي تعلو على الأنساب العائلية والقبلية ....

.... حتما فقد الحياة المسرحية سينضاف لباقي الحرمانات التي مستني ومستنا طبعا .... فبأي دواء أم بأي طبيب ..... يداوى عذار من بياض المشيب .....كما قال الشاعر المغربي الأندلسي مالك بن المرحل ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الغناء كوثيقة وشهادة
محمد نور الدين بن خديجة ( 2022 / 12 / 7 - 20:01 )


هذه القصيدة المؤداة من طرف فرقة لفن حمادة ... بنيت في الأصل على مرثية لشهداء سقطوا وهم يخضون قتالا مسلحا ممع الجيش المخوني بمنطة تسمى بوسرحان بالقرب من مضارب وبعض دواوير قبيلة اولاد ابي السباع ... وهي حركة تمردية على ماسمي بالاستقلالمن طرف
مناضلين قاوموا الاستعمار ..ومن ضمن شهدائها محمد بركاتو ومولاي الشافعي والبشير المطاعي وغيرهم واقبروا دون شواهد ولاقبور حتى تم تحديد مواقعهم وبناء قبور لهم فترة الانصاف والمصالحة

https://www.youtube.com/watch?v=hC1Q5lyNmy0

ــ تقول لمرثية والتي بقيت تردد في الأعراس في جو حماسي تعلوه زغاريد النساء الغير المنقطعة مع العلم أن المشاييخ كانوا يتسترون على الأمر بدون إيصاله للمخزن ... وأنا صغير حضرت لهذا النوع من الغناء وفي أجواء غير هذه أي في المنازل الشاسعة الترابية حيث يبلغ الهياج دروته فيعلوا الغبار وزغاريد النساء للأعالي ...


2 - الغناء كوثيقة وشهادة
محمد نور الدين بن خديجة ( 2022 / 12 / 7 - 20:11 )


هذه القصيدة المؤداة من طرف فرقة لفن حمادة ... بنيت في الأصل على مرثية لشهداء سقطوا وهم يخضون قتالا مسلحا ممع الجيش المخوني بمنطة تسمى بوسرحان بالقرب من مضارب وبعض دواوير قبيلة اولاد ابي السباع ... وهي حركة تمردية على ماسمي بالاستقلالمن طرف
مناضلين قاوموا الاستعمار ..ومن ضمن شهدائها محمد بركاتو ومولاي الشافعي والبشير المطاعي وغيرهم واقبروا دون شواهد ولاقبور حتى تم تحديد مواقعهم وبناء قبور لهم فترة الانصاف والمصالحة

https://www.youtube.com/watch?v=hC1Q5lyNmy0

ــ تقول لمرثية والتي بقيت تردد في الأعراس في جو حماسي تعلوه زغاريد النساء الغير المنقطعة مع العلم أن المشاييخ كانوا يتسترون على الأمر بدون إيصاله للمخزن ... وأنا صغير حضرت لهذا النوع من الغناء وفي أجواء غير هذه أي في المنازل الشاسعة الترابية حيث يبلغ الهياج دروته فيعلوا الغبار وزغاريد النساء للأعالي ...


3 - الغناء مقاومة
محمد نور الدين بن خديجة ( 2022 / 12 / 7 - 20:19 )



تقول المرثية

والله اسيدي وسيدي ولا بوي
والسي محمد بركاتو
سعدات امو اللي ولداتو
ولد بركاتو مادار العار
ويالبيتيل مادا بكات ـــ تصغير اسم الباتول امه للتحبيب ـــ
حرمت الصدغة وحفول النهار
وضربو راسو طاحت الرزة ـــ أي العمامة ـــ
وضربو كتفو طاح الخنجر
وضربو صبعو طاح الخاتم
وضربوا رجلو طاحت البلغة
وضربو ضهرو طاح السلهام
وضربو وجهو خسرو زينو


ـــ وهذا ما حفظته ذاكرة طفل عن سنة 1972 بباحة منزل الجد رحمة الله عليه


https://www.youtube.com/watch?v=hC1Q5lyNmy0


4 - الأم مغربية كذلك يا مكسيم غوركي
محمد نور الدين بن خديجة ( 2022 / 12 / 7 - 20:57 )


للاشارة لالةام هاني هي ام المناضل احمد راكز احد مناضلي منظمة 23مارس الماركسية اللينينية وكان قد قضى أكثر من عشرين سنة سجنا بالقنيطرة

ـــ رحمة الله على هذه الأم الفاضلة التي حصنت أمي من الجنون وردت لها الروح

اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو