الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تبكي على اللبن المسكوب

مازن كم الماز

2022 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


ليست المشكلة اليوم ، و ربما لم تكن بالأمس أيضًا ، في نقد الأنظمة القائمة ، الواقع بائس و مظلم لدرجة تفوق حدة أي نقد قد يوجه إليه ، المشكلة هي في أن من يتنطح لانتقاد الواقع و بؤسه أسوأ في معظم الأحوال إن لم يكن في جميعها ، ممن يصنع هذا البؤس أو يصمت عنه ، المشكلة هي في أن النخب التي تنتقد الواقع و تعد الناس بالمن و السلوى لا تدري ما الذي تقوله و لا ترى سوى عرش السلطة أمامها و هي تهذي بما لا تعرف فقط لمجرد رؤية هذا العرش و تخيل ملمسه الناعم المضرج بالدماء ، تاتشر كانت و ما تزال على حق ، لا بديل ، فقط بدائل مزعومة ، سجون جديدة و قصور أكبر و عسس و قبور و أسوار على مد البصر ، حتى يعرف الناس أنهم مكرهون على أن يكونوا هم البديل ، أنهم وحدهم هم البديل

عندما "تتحدث" بلسان إنسان آخر فأنت تصادر صوته ، عندما تحدث ماركس عن البروليتاريا لم يتقمصهم بل أعاد إنتاجهم ككائنات صامتة ، فرض نفسه على أنه هو صوتها … الجميع يتحدث عن المهمشين و الفقراء و المستضعفين عندما يكون ذلك مربحًا ، و يتقمص هؤلاء آلام الفقراء الذين لا يقاسموهم أيًا من تفاصيل حياتهم فقط ليحتكروا التحدث باسمهم ، ليسلبوهم أصواتهم و أية قدرة على الحديث

ينشغل الجميع بإثبات براءتهم ، أنهم كانوا على حق ، أنهم لا يخطئون ، أن الآخرين هم من فعلها ، و يختبؤون خلف أصابعهم محاولين الهرب من حكم التاريخ ، لقد هللوا عندما كان يجب أن ينتقدوا ، قدسوا عندما كان يجب أن يفضحوا و عبدوا الإله عندما كان يجب أن يسيروا مع الشيطان و صمتوا عندما كان يجب أن يصرخوا و عندما كان عليهم أن ينتقدوا فضلوا التصفيق و النفاق … لا فائدة من حكم التاريخ في الغد ، ربما لن يكون هناك تاريخ ، كل ما نعتقده يصبح بلا معنى إذا توقفنا عن التبجح بالمستقبل و التلطي خلف هذا المستقبل أمام هول ما فعلناه و ما لم نفعل ، لكن الأرض و السماء لا تكترث لنا و لا معنى لأفراحنا و آلامنا أكثر من أننا كنا هنا لبرهة ثم سنزول و نختفي لكن غرورنا بلا حدود و غباءنا هو الآخر أمضى و أكبر بكثير من ذكائنا الكئيب

المثقفون العضويون اليوم ، الذين يتعيشون من الدفاع عن جماعات بعينها ، يغرسون فيها مظلوميات خاصة و استثنائية و يبررون همجيتها و تخلفها و يرفعون كل ما هو همجي و غبي و غير إنساني في وعيها و تراثها و ممارستها إلى مصاف المقدسات و المحرمات ، هم اليوم البوم الذي يبشر بالخراب القادم … إنهم بغبائهم و جشعهم يلقون الزيت على نار الحروب الهوياتية التي تستعر أمام أعيننا لتأتي كالعادة على الأخضر و اليابس … في عالم بلا معنى ، في عالم يحكمه الجشع و المتاجرة بالحقوق و الآلام و تسليعها ، بعد تسليع الإنسان و تحويله إلى صورة خالية من الإحساس و المعنى في فرجة لا تتوقف عن محاولة تجاوز نفسها لإنتاج المزيد من الإبهار الذي يحل مكان الحياة و المشاعر و الأحاسيس و حتى اللذات و الأفكار الفعلية ، الموت المجاني ، بلا ثمن ، هو السائد و هو القادم

عندما تدعو و تحتفي و تحتفل بقتل الاسرائيليين على ناصية الشارع و توزع الحلوى و تزرع الكراهية و تقدس الموت و الذبح و تحتفي بالقتلة و بالشهداء ، عليك أن تتوقع بن غفير و عليك أن تنتظر الرد على تراتيل الموت التي ترددها بتراتيل معاكسة لا تقل همجية و لا تقديسًا للذبح و القتلة و الشهداء … قم ، ارتد ملابسك ، و استعد للمجزرة التي كنت تريد

مونديال قطر كان مونديال السقوط الأكبر لكل مثقف عربي ، لكل ما هو عربي ، لكنه ليس إلا مشهدًا آخر على الطريق نحو الكارثة ، نحو داحس و غبراء نخوضها ضد العالم بمعية كل مثقفينا و نخبنا و بكل تأكيد تحت راية الأمير المهووس تميم … حسافا على كل هذه الجوقة التي اتحدت بتناسق غريب دفاعًا عن كل ما هو قمعي ، متخلف ، غير إنساني ، في ما فكر به بعض أجدادنا و بالتأكيد كثير من البشر قبلهم و بعدهم ، و التي اختاروها عنوانًا للدماء القادمة … هنيئًا لتميم و لنا بمثقفينا و إلى المجزرة سر أيها العربان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قرر #الجولاني الظهور على CNN للحديث عما يجري في سوريا؟


.. قيادي في فصائل المعارضة يدعو كبار ضباط الجيش السوري إلى الان




.. مع ارتفاع وتيرة التنكيل .. معسكرات إسرائيلية جديدة لاحتجاز م


.. عبر الخريطة التفاعلية.. الجزيرة تحصل على صور أقمار صناعية تظ




.. الاتجاه المعاكس | ما الذي يحدث في سوريا؟