الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتجاجات السويداء، ليس لدى الأسد سوى الرصاص

راتب شعبو

2022 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


على مدى السنتين الماضيتين شهدت محافظة السويداء احتجاجات عديدة، كان محركها الأساسي هو تدهور شروط الحياة، سواء أكان من جهة المواد الأساسية للمعيشة، أو من جهة أساسيات الحياة الآمنة. تجاه هذه المحافظة التي تتميز بقدر كبير من التضامن الأهلي، اعتمد نظام الأسد سياسة أمنية خاصة كان أساسها العمل على التلغيم الداخلي، أي إنشاء ميليشيات محلية تابعة لأجهزته الأمنية، وتوظيفها في القمع والتقييد والإرهاب وتجارة المخدرات والخطف ... الخ، للتغلب على التماسك الجماعي لأبناء المحافظة، وتفكيكه لتسهيل الاختراق والسيطرة.
بالفعل اخترقت الأجهزة الأمنية النسيج الاجتماعي للمحافظة على حوامل محلية، وهكذا ظهرت الميليشيات المحلية وزادت قوتها، ولم يعد يكفي الأهالي، لكي يتخلصوا من ميليشيات مثل "قوات الفجر" المدعومة من الأمن العسكري، والتي عاثت فساداً في الأرض، أن يرفضوا هذه الميليشيا، ويقفوا في وجهها، بل وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الاعتماد على فرع أمن آخر "أمن الدولة". أي أن تشكيلات العنف المحلي باتت سلطات أقوى من قدرة الأهالي على الخلاص منها. كما لا يمكن أن ينسى أهالي السويداء هجمات داعش على قرى ومركز المحافظة في تموز/يوليو 2018، الهجمات التي راح ضحيتها أكثر من 200 قتيل، ولا يزال في الذهن الكثير من الأسئلة حولها.
ضد سلطات الأسد التي تسمي نفسها "دولة" وتفشل في حماية المحكومين من العنف المنفلت والتدهور المعيشي، كرر أهالي المحافظة خروجهم واحتجاجاتهم. في كانون الثاني/يناير 2020، خرج مئات من الأهالي في السويداء باحتجاجات "بدنا نعيش". ثم تجددت الاحتجاجات في حزيران/يونيو من العام نفسه مع المزيد من تراجع مستوى المعيشة. وفي صيف 2021 تحرك الأهالي وتمكنوا، بمساعدة قوات "رجال الكرامة"، من وضع حد لإحدى الميليشيات التي كانت تخطف وتنهب وتذل الناس. وفي شباط/فبرار من هذا العام، خرجت مظاهرات ضد قرار قطع الدعم الحكومي عن مئات آلاف العائلات. ثم تكرر الاحتجاج في أيلول/سبتمبر من العام نفسه، وصولاً إلى الاحتجاج الذي قام به بضع مئات قبل أيام واقتحموا مبنى المحافظة، بعد أن ألقيت علة المحتجين قنبلة صوتية أدت إلى جرح اثنين منهم. وأمام مقر قيادة الشرطة ووجهوا بالرصاص الحي مأ أدى إلى مصرع أحد الشباب المحتجين وجرح آخرين، كما قتل أحد عناصر الشرطة دون تحديد مصدر النيران بعد.
ليس من المفاجئ خروج الناس في السويداء تحت ضغط الفشل العام لنظام الأسد في تأمين أبسط حاجاتهم، المستغرب هو عدم خروج من لم يخرج. وليس من المفاجئ أن يعبر المتظاهرون عن رفضهم بالتكسير والحرق، فمن تنتهك كرامته يمكن أن يقدم على أعمال عنيفة، ولاسيما بعد تكرار الاحتجاج مرات دون جدوى. ولكن من المفاجئ أن يقابل النظام المتظاهرين، هذه المرة، بالرصاص الحي، فقد كان التعامل مع احتجاجات السويداء أكثر مرونة. الواقع أنه لم يعد يملك الأسد ما يقدمه لمحكوميه سوى الرصاص.
لن نتوقف عند اعتبار المتظاهرين في السويداء "خارجين عن القانون" حسب بيان الداخلية، فعنف الميليشيات وتجارة المخدرات وعمليات الخطف والتهريب التي يرعاها النظام، هي القانون الذي تحترمه الداخلية. ولن نتوقف عند متكلمين يعيبون على المتظاهرين عنفهم وينسبونهم إلى العمالة إلى هذه الجهة وتلك، ذلك أن موقف هؤلاء المتكلمين من أي احتجاج ضد النظام، سيكون دائماً كموقف بخيل الجاحظ الذي قال لصاحبه "لو خرجت من جلدك لن أعرفك".
سوف نتوقف عند قول روتيني يتكرر وهو إن ثمة تطور في الاحتجاجات، ذلك أنها هتفت، هذه المرة، بإسقاط النظام. الواقع أنه لم يعد في سورية فارقاً مهماً بين المطالبة بالخبز والمطالبة بسقوط النظام، ذلك أن الأولى باتت تعني الثانية بتطابق شبه تام. حين تعجز سلطة ما، عجزاً تاماً ودائماً، عن تأمين متطلبات الحياة الأساسية، تنعدم المساحة التي تسمح بتتبع "تطور" الاحتجاجات من مطلبية إلى سياسية، لأن أي مطلب معاشي بسيط سوف يعني تلقائياً المطالبة برحيل السلطة.
لم يعد نظام الأسد يعني شكلاً محدداً من الحكم يحتج السوريون لتغييره إلى شكل آخر، هذا قول بعيد عن الدقة بعد الدولة السورية عن مفهومها العام. لم يعد بمقدور سلطة الأسد أن تخرج من الحقيقة التي تقول إنها باتت متماهية مع جوع السوريين وفقرهم، وإن استمرارها بات يعني استمرار حال السوريين على حاله هذا، وإنه من الوهم التفكير بالفصل بين استمرار سلطة الأسد واستمرار الانهيار العام. إن تماهي سلطة الأسد مع التدهور العام لمعيشة السوريين ولبلدهم، يكافئ التماهي الذي أنجزته هذه السلطة خلال العقود الخمسة المنصرمة، بينها وبين الدولة السورية. وكما جعلت هذه السلطة من المستحيل "إسقاطها" دون تدمير الدولة السورية، كذلك جعلت من المستحيل استعادة كرامة السوريين دون تدمير هذه السلطة.
لم يعد نظام الأسد شكلاً من الحكم، لم يعد نظاماً سياسياً للإدراك العقلي، فقد بات مجرد كتلة متجانسة (صبّة وحدة) متماهية مع القمع والجوع والبرد والتشرد والفساد والموت ...، كتلة مرفوضة بذاتها، وقد أقول مكروهة، ذلك أن هذا التماهي قلص أو ألغى المسافة بين المشاعر والعقل، على الأقل منذ أن أطلق نظام الجوع حملة "منحبك" التي تعلن قتل السياسة لصالح المشاعر، وتفتح الباب أمام دعوات التجانس الفاشية، الباب الذي يوصل إلى كل الشرور التي عاشها السوريون من الرصاص إلى الكيماوي إلى الجوع والبرد والفاقة.
تدرك الطغمة الأسدية جيداً أنها تجاوزت في عدائها للشعب السوري كل حد، وأنها باتت منبوذة ليس فقط من الخارج الذي يجد حرجاً في الانفتاح على نظام كهذا، بل ومن الداخل، سواء منه من خرج مع الثورة أو من لم يخرج، وتدرك أنها عاجزة بتكوينها الفاسد ومحدودية مواردها عن تأمين أوليات حياة محكوميها، والنتيجة أنها باتت تدرك أن المطالبة بالرغيف باتت تعادل المطالبة بإسقاط السلطة، حرفاً بحرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو