الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحولات الذات وانعكاساتها على اندماج وانشطار البؤر الصورية في قصائد فيصل جاسم

ليث الصندوق

2022 / 12 / 9
الادب والفن


أضواء على أدب ال ( facebook ) – ألحلقة الثانية عشرة
تحولات الذات ، وانعكاساتها
على اندماج وانشطار البؤر الصورية
في قصائد فيصل جاسم
ليث الصندوق


ضخت مرحلة السبعينات إلى فضاء النزال الإبداعي المفتوح مجموعة نضرة من الشعراء ، بدأوا واستمرواّ معتدّين بنضارتهم السبعينية يُنافحون عنها بلغتهم المتفجّرة من داخلها ضمن منظومة من الإنزياحات الغريبة والاستعارات المركبة ، يمارسون التجريب غير المحدود ، ويحطمون الأشكال ، ويفتحون حدود الدلالات ، وبهذه اللغة قادوا معارك التمرّد بشجاعة متحدّين الخصوم الذين توحدوا من كل الأعمار والاتجاهات الإبداعية لإيقاف نموهم المتسارع ، وصخبهم المتعالي . ولكن طفولة السبعينيين الصاخبة لم تشمل أعراضها المتطرفة الجميع ، فقد ظل بمأمن منها عدد قليل من السبعينيين وقفوا في منتصف المسافة الإبداعية ما بين الستينيين والسبعينيين ، ومنهم شاعرنا فيصل جاسم الذي أبقى إحدى قدميه بأرض السبعينيات ، والأخرى في الستينيات ، بينما ظلت عيناه ترنوان إلى جيل الرواد .
لم يكن تأثر فيصل جاسم بالستينيين ناجماً عن قراءته المعمقة لمنجزهم الإبداعي فحسب ، بل هو أيضاً حصيلة تماس مباشر في العمل الصحفي وفي الحياة أيضاً مع الأسماء المؤثرة في ذلك الجيل ، ويبدو أن عاملي القراءة والاتصال المباشر لم يبقيا العلاقة ما بين الشاعر السبعيني والستينيين في حدود التأثر فحسب ، بل أوصلاه إلى حدود التماهي ، حتى أوشك انفصاله عن شجرة جيله السبعيني يبدو وكأنه حقيقة ، خصوصاً في نصوصه الأخيرة المنشورة على الفيسبوك ، والتي تغلب عليها ملامح ستينية واضحة ، تلك الملامح التي أجملها الشاعر سامي مهدي من خلال حديثه عن أصحابها بقوله ( إنهم يمزجون في ما يكتبون بين الذاكرة والحلم ، والوعي واللاوعي ، وأن القصيدة النموذجية عندهم نسيج متصل متكامل ، تبدأ من نقطة برق ثم تتقدم في بناء نسيجها حتى تفضي إلى استعارة كلية قابلة لتأويلات قد تتعدد بتعدد القراءات ) ( 1 ) وهم برأيه أيضاً قد ( حاولوا الكتابة بلغة ذات علاقات داخلية مفتوحة ، قد يكون لها ظاهر متماسك قابل للتفسير والتأويل ، ولكن لها في الوقت نفسه باطناً متعدد الطبقات . وثمة دائماً منطق داخلي ينتظم قصيدة أصحاب هذا المنحى ، ويربط ما بين استعاراتها الجزئية ، ويفتح حدود فضاءاتها الدلالية بعضها على بعض ، بما يجعل منها في النهاية شبكة واحدة متصلة القنوات ) ( 2 ) .
هذا ولا نعدم كما أسلفنا من وجود تأثيرات محدودة من جيل الرواد خصوصاً في بعض قصائد الشاعر فيصل جاسم القصار متمثلة في الموضوع الواحد واللغة السياقية الجادة والخالية من الثغرات ، والتي توجه المعنى باتجاه محدد متوخية الحذر من التوسع في التأويلات ، ليبقى المعنى الوحيد الممكن هو المعنى الذي أراده الشاعر . وبذلك يبقى القاريء أمام هذا النمط الكتابي خارج النص غير مخوّل بممارسة أي دور آخر عدا دور المتلقي كما هو الحال في قصيدتي ( ذهول و دونكيشوت ) على سبيل المثال . ولست أدري هل أن الحنين إلى ماضي التجديد الشعري هو الذي دفع الشاعر إلى الإقتراب من خط الرواد الموشك بفعل عوامل التعرية والتآكل على الإمّحاء أم أن تقادم الشاعر في العمر هو الذي قاده إليه . ومع ذلك فالمفرح في تلك العودات أنها قليلة ، ولا تشكل ارتداداً في مسيرة الشاعر الناهضة إلى الوراء ، وما استعانتنا بمفردة الارتداد في بعض المواقع لتوصيف الحالة إلا من قبيل المجاز .
أما محاولاته في قصيدة النثر فهي قليلة كسابقتها ( الإرتدادية ) ، وما يتوفر منها يتسم بالتهيّب والحذر من المجازفة في كسر الحدود المعيارية للدلالات كسراً يُخرجها من نثرية المعالجة ، حتى لتبدو لغتها لا تنتمي إلى القاموس الجريء والمغامر الذي يكتب به الشاعر أغلب قصائد التفعيلة . ولذلك ستقف هذه القراءة منحازة في صف شاعر التفعيلة ، وتسند جرأته في مواصلة البحث عن المعنى المغاير بالرغم من ادعائها الموضوعية والحياد .
وبالإجمال فأن التأمل في آليات بناء نصوص الشاعر فيصل جاسم الشعرية يدفعنا للإقرار بأنها تمتح من مصادر شتى ، وترتكن إلى نماذج متباينة ، وبالتالي فأنه ليس من اليسير الوقوع على نموذج بنائي مستقر ومفضّل واحد ، ومن هنا تأتي حيويتها ، وتجددها المستمرين ، ومن هنا أيضاً يصبح تفكيكها ونمذجتها أمراً في غاية التعقيد . ومع ذلك فربما يكون النموذج الذي يبني عليه الشاعر أكثر من سواه ، ويُطوره باستمرار بتغيير وحداته وعناصره الفرعية مع الثبات النسبي لعناصره ووحداته الرئيسية هو النموذج الذي يُنشئه من بؤرة صورية محددة ، ثمّ يتتبع بدءاً منها ما يتفرّع من إشعاعات هي أشبه بالخيوط التي ينسج منها مشهده الشعري وستكون العملية أشبه بالانشطار . ولو حاولنا إعادة تشكيل تلك الآلية بصورة معكوسة ، أي من اكتمال النسج ، رجوعاً إلى مساقط الإشعاعات ، إنتهاءً بمصدرها البؤريّ ، فستكون العملية أشبه بالاندماج .
هذه القراءة ستحاول البحث عن موقع البؤرة المؤثرة أو المهيمنة داخل بعض نصوص الشاعر ، وما يصدر عنها من تفرعات صورية تتفاعل وتتداخل مع بعضها لتشكل كامل النسج الشعري ، وربما ستحاول عكس العملية على طريقة عرض الفلم السينمائي بالمقلوب لنتبيّن مراحل اندماج التفرعات الخيطية للنسج الشعري وصولاً إلى البؤرة . وقبل ولوج هذه المرحلة لا بدّ من من ملاحظة أنّ هناك تماهياً ما بين تحولات الذات / الداخل ، وتحولات المكان / الخارج مما يجعلنا نقرّ مع الدكتور عزالدين اسماعيل وهو ينقل عن ( هويلي ) رأيه بأن ( الشعور ليس شيئاً يضاف إلى الصورة الحسية ، وإنما الشعور هو الصورة ، أي أنها هي الشعور المستقر في الذاكرة الذي يرتبط في سرية بمشاعر أخرى ويعدّل منها ) ( 3 ) .
وبذلك فأنه من اليسير ملاحظة أن الصورة الشعرية لدى الشاعر ( هي نوع من التكثيف الشعوري الناتج عن تلاشي الأبعاد أو القيود الزمنية التي تفصل بين الأشياء ) ( 4 ) .
ألسمة الغالبة على نصوص الشاعر أنها من شعر التفعيلة ، وبالرغم من تحرّر بعضها من التقفية تحرراً تاماً ، إلا أنّ بعضها الآخر يتقيّد بها تقيداً تاماً سواء بحروف رويّ مختلفة ، أو بحرف رويّ واحد ضمن القصيدة الواحدة كما في القصائد ( ذهول و والظل والحمى ودونكيشوت والمعري ) بل أنه في قصيدة ( إثبات تاء التأنيث الساكنة ) اعتمد آلية تقفية تقليدية تماماً ، فهي تتكون من ثمانية مقاطع ، وكل مقطع من المقاطع السبعة الأولى منها يعتمد قافية واحدة تتكرر مرتين ، مع اختلاف عدد الأسطر فيما بينها اختلافاً طفيفاً ، وغير مؤثر ، ففي حين كان عدد الأسطر أربعة في المقاطع ( الثالث والرابع والخامس والسادس ) كان العدد خمسة في المقاطع الثلاثة الأخرى وهي ( الأول والثاني والسابع ) . أما المقطع الأخير / الثامن ، فيتكون من كلمة واحدة هي ( أثبتت ) وهي بذلك لا يمكن عدّها مقطعاً إلا من الناحية المجازية إذ ورد في معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب نقلاً عن محمود تيمور في كتابه ( معجم ألفاظ الحضارة ) بأنّ ( المقطع coplet هو الوحدة من قصيدة متعددة الوحدات ، كل منها بيتان أو أكثر ، تتنوّع فيها القافية ، وربما تنوّع الوزن ) ( 5 ) . وقد جاءت الكلمة ، أو الفعل المقترن بتاء التأنيث الساكنة ( أثبتت ) في ذلك المقطع منفردة لوحدها ، وما هذا الإنفراد إلا ترديد لصدى الفعل ذاته بعد وروده مقروناً بفواعل منفصلة ومتغيّرة في مفتتحات جميع المقاطع السبعة السابقات :
- أثبتت دمعة – ألمقطع الأول
- أثبتت سعفة – ألمقطع الثاني
- أثبتت طفلة – ألمقطع الثالث
- أثبتت صخرة – ألمقطع الرابع
- أثبتت موجة – ألمقطع الخامس
- أثبتت قرية – ألمقطع السادس
- أثبتت جمرة – ألمقطع السابع
- أثبتت – ألمقطع الثامن
ومن الواضح أن تفرّد الفعل وفاعله المتصل ( تاء التأنيث الساكنة ) بمقطع ( مفترض ) واحد ، هو محاولة لحثّ القاريء على عدم الإقتناع بإحالة الصيغة المجرّدة للفاعل - كحرف دلالة مبهمة - إلى اللاشيء ، إذ أن ذلك لا يتناسب مع طاقته الرمزية ، مما سيحث القاريء على التعويض عنه بأي فاعل مؤنث يرد على ذاكرته اتباعاً لمنهجية الفواعل المنفصلة في مفتتحات المقاطع الأخرى وما أكثرها في عالم يشكل الإنتساب اللغوي – على أقل افتراض - إلى هذا الضمير نصفه . كما أن ذلك الإجراء يُعدّ محاولة فريدة للتواصل ما بين طرفي العملية الإبداعية تسمح للقاريء التحوّل إلى موقع الشاعر الندّ الذي أوكلت إليه مهمة ملء الخاتمة المفرّغة من نصف حشوتها الدلالية تقريباً بما يرتأيه مناسباً لفهمه ، وليس لفهم الشاعر صاحب النص .
هذه الطريقة في الوزن والتقفية تعني أنّ ثمة إيقاعية نغمية خارجية هي التي تقود المعنى وتوجهه ، وبالتالي فأن ثمّة علاقة نغمية خارجية تربط ما بين الخارج والداخل ، أو ما بين تلك الإيقاعية النغمية وبين آلية الإنشطار أو الإنبثاق البؤري للصورة الشعرية واندماجها والتي أشرنا إليها آنفاً .
تتكون قصيدة ( الظل والحمى ) من أربعة مقاطع مقفاة بحرف رويّ واحد هو اللام المنصوبة ، مع ملاحظة أن البنية الموضوعية لكل مقطع تستقل بذاتها عن البنى الموضوعية للمقاطع الأخرى ، مما يؤهل كلّ مقطع أن يُناظر البيت الشعري في القصيدة التقليدية . بيد أن الإستقلالية الموضوعية للمقاطع لا تجنح باتجاه تهشيم البنية المتماسكة للقصيدة ، باعتبار أن ثمة محرّك مشترك واحد يجمع شتات الصور المبعثرة عبر المقاطع ، بل وحتى ضمن المقطع الواحد ، وتمثّل ذلك المحرّك في ( الغزالة ) التي يستحضرها الشاعر ليُكمل بها متطلبات الحوار الذاتي . وغزالة فيصل جاسم هي أشبه بغزالة الروائي الجزائري الأصل الفرنسيّ اللسان مالك حداد في روايته ( سأهبك غزالة ) ، فالنصان تُفجّرهما غزالة مفترضة لا وجود لها إلا في ذهن من يبحث عنها ، وإن دورها في النصين هو دور المسبّب في تفجير الأحداث مع بقائه خارجها .
لقد أثارت غزالة مالك حداد موضوعة الرواية من دون أن تحضر فيها فعلياً ، إذ ظلت مجرّد أمل لم يُمسك باليدين ، لتنتهي الرواية بمرويات أبطالها الآخرين ، وتحديداً بمروية البطل / المؤلف الذي كان حضوره مرفقاً بمخطوطته التي أعدّها للنشر تحت عنوان ( سأهبك غزالة ) . أما الغزالة فقد انتهى حضورها بكيانها السردي المثقل بالرموز منذ البداية واقتصر دورها على حضورها الإسمي ، وهو حضور مقصور على صيغة العنونة ، سواء عندما كانت الرواية مجرّد مخطوط ، أو بعد أن تحولت إلى مطبوع معروض للبيع بسعر سبعمئه فرنك . وبنفس الطريقة حضرت غزالة فيصل جاسم في المقطعين الأول والثاني من قصيدته ( الظل والحمى ) وغابت عن المقطعين الأخيرين تاركة للتأويلات البحث عن أثرها . أما الطابع الرمزي لغزالة مالك حداد فيمكن إخضاعه لتأويلات شتى لا مجال لها هنا لأنها ستُخرجنا من حدود الموضوع الذي نحن بصدده إلى تشعبات وتفرعات أخرى ، لذلك لا أرى من الضروري البحث عن أصداء مفترضة لتلك التأويلات في نص فيصل جاسم لاسيما أن الفرق في الزمن والمكان وفي ظروف كتابة النصين هو فرق كبير ، ولا يترك مجالاً للبحث عن مشتركات رمزية بينهما مهما كانت طبيعتها . ( 6 ) .
وبالرغم من أن هذا المحرك / الغزالة يهيمن على المقطعين الأوليين فقط من قصيدة ( الظل والحمى ) إلا أن تواريه في المقطعين الأخيرين هو نزول عند ضرورة الكشف من دون أقنعة عن الصوت الثاني في الحوار ، أي صوت المتكلم ، أو الذات ، فيبدو الصوت بذلك وكأنه يرتدّ إلى صاحبه ، وتبدو ضرورة اللجوء إلى المحرّك أو المعادل الموضوعي للذات الغائبة وكأنها من تداعيات الحمّى ( ماذا دهاك لعلها الحُمّى ) . والغريب في هذا الإقرار أنه جاء مقروناً بالأداة ( لعلّ ) التي لها عدّة معان منها الترجي وهو الأشهر ، والإشفاق والتعليل والشك و التوقع ، إلا أنّ لها معنى آخر هو الإستفهام ( وهو معنى قال به الكوفيون ، وتبعهم إبن مالك ، وجعل منه " وما يُدريكَ لعلّهُ يزّكّى " ، وقول النبي " صلى الله عليه وسلّم " لبعض الأنصار ، وقد خرج إليه مستعجلاً " لعلنا أعجلناكَ " ( 7 ) . أي أن الإكتفاء بتلك الأداة لوحدها يُغني عن اللجوء إلى أي ساند إستفهامي آخر ، ومع ذلك سبقها الشاعر بأداة الإستفهام الصريحة ( ماذا ) ليزيد من طاقة عدم اليقين في تشخيص حالة الحمى لديه ، ثم يعكسها لتبلغ قارءَهُ .
هذه الحمى هي التي فصلت كيان الشاعر إلى كيانين ، ثانيهما الغزالة ، وما حواره معها أو عنها إلا حوار الذات للذات . أما الكيان الأول ، أي الشاعر فقد جاء عبر المقاطع الأربعة على وفق المواصفات التالية :
1 – أنه المتكلم الوحيد ، ويستعين لتأكيد أنويته بعدة صيغ لغوية ، فهو يبدأ قصيدته بضمير الرفع المنفصل ( أنا ) : ( أنا لم أشأ أن أنزوي عنها ... ) ، وقد يستعين بإسم الإشارة لتأكيد هذا الضمير ( هذا أنا ) ، أو يستعين بضمير رفع منفصل بصيغته المؤنثة للإشارة إلى نفسه من خلال إحدى لوازمها ( هي روحيَ البلهاء ) .
2 – أنه بدأ قصيدته من وضع النائم :
( أنا لم أشأ أن أنزوي عنها ، ولكنّ الغزالة أيقظتني )
وهذا يعني أن التفوّهات التي ستتلو السطر الأول من المقطع الأول هي من وضع اليقظة ، وتلك مفارقة ستفضح نفسها فيما بعد ، إذ أنّ الغزالة التي أيقظت الشاعر هي بحدّ ذاتها من تداعيات الحمى كما تبيّن لنا ذلك من قبل ، أي أنها من تداعيات حالة اللاوعي . وبذلك تستمرّ القصيدة حتى نهاية المقطع الثالث تحت تأثير تلك المفارقة ، لأن المقطع الرابع يتأرجح ما بين حالتي الوعي واللاوعي ، ويمكن تشخيص هذا التأرجح من خلال سؤال الشاعر في المقطع الأخير / الرابع ، وهذا ما سنأتي عليه لاحقاً .
3 – الملمح الثالث للشاعر هو إكثاره من التساؤلات سواء بكيانيه ، ألواعي / الذات ، أو اللاواعي / الغزالة ، فهو موجه السؤال ، وهو متلقيه . مع عدم الحرص على الوقوع على إجابات قاطعة باستثناء سؤال المقطع الأول الذي أطلقته الغزالة / كيانه اللاواعي ، وأجاب عنه بالنفي ظله الممدود أو كيانه المادي ، وقد أشرنا إليه سابقاً .
بيد أن التساؤل في المقطع الرابع ليس طارئاً على الخاتمة :
( هل أعرف الدنيا ؟
سأسأل جارتي ، أمي ، حبيباتي
وأسأل كلّ من ألقى )
إذ سبق أن تردد في المقاطع السابقة ، وبالتحديد في المقطعين الأول والثاني ، غير أن تردده لم يجيءْ من جهة واحدة ، بل من جهتين ، جهة الشاعر ، وجهة الغزال ، ففي المقطع الأول يتردد السؤال موجهاً إلى الشاعر من قبل الغزال :
( وتساءلتْ : هل تعرف الدنيا ؟
كأني ما سمعتُ سؤالها )
أما في المقطع الثاني ، فيأتي السؤال من قبل الغزال موجهاً هذه المرّة إلى عنصر بدا للوهلة الأولى طارئاً عن سياق القصيدة ألا وهو ( حبّة من رمل صحراء الجزيرة ) :
( شرد الغزال إلى البراري معلناً ألا يتوب عن البكاء
ليحفظ الذكرى ويسأل حبة من رمل صحراء الجزيرة )
لكن هذا الطروء يتبدد مع ختام القصيدة حيث يتبين أن الإحالة كانت إلى رمل القبر :
(ليدفع جثتي في القبر
ويهيل عليّ
رملا)
وعودة إلى المقطع الثالث من القصيدة وقد سبقت الإشارة إليه ، إذ تتكشف حالة انفصام الذات التي تسببت بها الحُمّى حيث تتجلى غزالة الحمى بشكل ظل ( من ظلك المزعوم ) ، ولكنه ظل عدائيّ يتوجب الإحتماء منه وتلافي ضرره ، وبذلك لم تعد الذات المنشطرة في مواجهة قرينها الأليف / الغزالة ، بل هي في مواجهة ضديدها الذي يترصّد بها ( عند مفترق الطريق ) ترصد ( الجيش العرمرم ) ، وبالرغم من خطورة المواجهة إلا أن الشاعر يدرك بأنه ( وهو المكبّل ) لا خلاص له ، ولا أمل له في النجاة ، مما يدعوه إلى الإستسلام والترحيب بالمواجهة غير المتكافئة ، والمعلومة النتائج :
( هل آن الأوان لتحتمي
من ظلّكَ المزعوم
عندَ مفترق الطريق تواجه الجيش العرمرم
كي تصيحَ مكبلاً :
أهلا )
إن انشطار الذات غير الواعي في ( الظل والحمى ) يقابله انشطار من نوع أخر في قصيدة ( دون كيشوت ) التي ألمحنا إليها سابقاً ، فهو انشطار واعٍ إلى مخلوق ضار ومفترس ألا وهو الأسد ، وهذ الإنشطار يغلب عليه الطابع اللغوي أو البلاغي الذي زوّد الشاعر بتقنيات التشبيه ليتحوّل إلى ذلك الكائن مستعيناً بأداة التشبيه ( الكاف ) . ولكن الإنشطار اللغوي أو البلاغي أو الجمالي في هذه القصيدة لا يختلف عن النفسي في القصيدة السابقة من حيث تأمينه نوعياً للجسم الثاني ( المشبه به ) / الأسد فحسب ، بل في أن هذا الجسم هو جسم مستقبلي ، ولذلك يستعين ( الشاعر / المشبه ) بصيغ الحاضر والمستقبل للتعبير عن الطموحات المستقبلية للأسد الذي سيكونه :
- ( سأقتنص الأيائل )
- ( أترك ما تبقى )
- ( أسير مزهواً )
- ( أن لا تلين " مخالبي " )
- ( ليس ثمة رأفة تنتابني )
- ( أعلل ما أشاء )
- ( أقتفي بعض الحبور )
- أنام " جذلاناً " )
أما الصيغ الماضية فقد تُركت لبداية مرحلة الإنشطار وليس لقبلها ، فليس في القصيدة ( ما قبل ) إذ أنها تبدأ منذ أن بدأ الجسد المنشطر يحسّ بتميّزه ، وما يمليه عليه تميزه من إعادة نظر في التصرفات الناجمة عن التغيير :
- ( ... ثمّ أترك ما تبقى )
- ( ... فعلت مخالبي التي دربتها )
- ( لكنني ولقد فطنت بأنني بشر ... )
- ( ... اختزنت رئتاي )
وما بين المراحل الثلاث ( ما قبل الإنشطار / الإنشطار / ما بعد الإنشطار ) تتوزع الأفعال ، وتكمل متطلبات الإنشطار بما يتوافق مع الخصائص البشرية ل ( المنشطر أو الشاعر أو المشبه ) من جهة ، ومن جهة أخرى مع الخصائص البلاغية ل ( المنشطر إليه أو الأسد أو المشبه به ) . وفي حين يوشك وجود الشاعر على الغياب بعد حرف التشبيه ( الكاف ) مباشرة ، ولا يتبقى منه سوى صدى ضمير المتكلم ، يحضر المنشطر البلاغي بكامل جبروته ، ليشكل حضوره هرماً للقوة ، يقف هو منفرداً في قمته ، بينما تتعاقب المخلوقات الأدنى دونه ( ألضباع والنسور ) منتظرة منه أن يترك لها فضالة فرائسه .
هذا الفارق الكبير الذي أملته البلاغة ما بين المتطلبات المتطرفة في القوة للمرحلتين الأولى والثالثة سيجد ما يقابله في قصيدة ( عناء الشاعر ) ، من دون أن يطرأ ثمة انشطار للذات لا نفسياً ولا بلاغياً ، بل هو انشطار من نوع آخر ربما لا يتحقق إلا في حياة المبدعين الأقحاح ، إنه الإنشطار ما بين عالمي المادة وعالم المعنى أو انشطار المستغني عن مادية العالم بكفاية الروح . فهناك مجموعتان بشريتان متحاورتان من خلال الأخذ والعطاء . ألمجموعة الأولى يمثلها الشاعر ، وهو هنا صفة عامة مجرّدة وليس كياناً محدداً ، والمجموعة التي يمثلها هي مجموعة العطاء ، وتأطيرها ضمن مجموعة هو تأطير رمزي باعتبارها ستتموضع في صراع المصالح بمواجهة المجموعة الثانية ، وهي مجموعة الإستحواذ الثلاثية يمثلها على سبيل الترميز وليس القطع " ألمزارعون والتجار والأبناء " ، مع ملاحظة وجود حالة توافق ما بين الأعطيات من جهة وما بين الصفات النوعية لعناصر المجموعة الثانية من جهة أخرى :
- فالمزارعون :
( سيأخذ المزارعون بعض قمحه ... )
- والتجار :
( ويأخذ التجار من حديقة الدار التي استأجرها
كرسيه القديم )
- والأبناء :
( ويأخذ الأبناء شيخوخته ويكبرون )
وبما أن خط تحرك الأعطيات يمضي من المجموعة الفردية الأولى إلى الثلاثية الثانية ولا يرتدّ إلى الوراء ، إلا أن الإرتداد الممكن يتحقق فقط في عالم الوهم أو كما يعبر عنه الشاعر مجازياً ب ( عالم السديم ) ، وهو العالم الأثير للشعراء :
( لعله
لن يجد الدار ولا القمح ولا كرسيه القديم
إلا إذا انكبّ على دفتره
وغاب في السديم )
هذا ، ومن اليسير ملاحظة نمطين من الإنشطار في قصيدة ( عناء الشاعر ) :
- ألنمط الأول : هو الإنشطار ما بين مجموعتي العطاء والأخذ ، وقد أشرنا إليه آنفاً .
- ألنمط الثاني : يمثله الإنشطار الحركي ما بين حركة المجموعتين بعد اكتمال عمليات الأخذ ، فالمجموعة الأولى / الشاعر سيظل مقيماً من الناحية المادية في اللاشيء بعد فقد القمح والدار والكرسي القديم . إلا أن الشاعر سيظل مقيماً من الناحية الإعتبارية مع ذاته ممثلة بالأداة التي منحته هويته الإنسانية وجعلت منه شاعراً ( دفتره ) . بينما المجموعة الثانية ليس لها من مكان تُشد إليه سوى مصالحها ، لذلك سترحل بعد حصولها على ما أرادت ( سيأخذ المزارعون بعض قمحه ويرحلون ) ومع ذلك سيظل لبعض عناصر المجموعة الثانية ( وهم الأبناء ) شيء من الإنتماء إلى المكان وساكنيه / الأب أو الشاعر ، لذلك سيبقون ماكثين في المكان مكتفين بأخذ الزمان من عمر أبيهم ، أي أنّ مجال رحيلهم محدود ضمن ذلك الزمن الذي سيُعيدهم إلى شيخوخة أبيهم ليكرروها في أعمارهم ( ويأخذ الأبناء شيخوخته ، ويكبرون ) . ومن الجدير بالذكر أن هناك تعالقاً بلاغياً مع قصيدة ( عناء الشاعر ) من حيث أثر البلاغة في استدعاء المعنى البعيد باعتماد آليات انشطار الدلالات ، فالقمح والكرسي القديم والشيخوخة لم تذكر لذاتها إنما أراد بالقمح ثروته ، و بالكرسي القديم أثاثه و بالشيخوخة كامل عمره أي إنها من المجاز المرسل ، وعلاقاتها جميعاً الجزئية ، فقد أراد بها ( تسمية الشيء باسم جزئه ) ( 8 ) . أما دفتر الشاعر فهو من الكناية ، فقد أطلق اللفظ و ( وأريد به لازم معناه ، مع جواز إرادة المعنى الأصلي ) ( 9 ) ولعل لازم معناه هو الموهبة ، أما جواز إيراده فلم يتحقق لدواع شعرية يراها ويُقدرها الشاعر بحسب قناعاته الجمالية التي لا مجال لمماحكته فيها .
على خلاف الإنشطار ما بين مجموعتين متباينتين روحية ومادية ، يتحول الإنشطار في قصيدة ( ابتهاج ) إلى انشطار داخل المجموعة الواحدة ، هي المجموعة الروحية ، فالشاعر لم يعد مضطراً للتخلي عن مادياته إلى مجموعة مستحوذة ، بل هو في مقابلة إبداعية مع عناصر يشابهونه في روحانيته ، ويُشكلون معاً مجموعة واحدة ، هي مجموعة الشعراء الذين يجمعهم معاً الدفتر والسديم اللذين حددا مسار حياته الروحية في قصيدة ( عناء الشاعر ) . لكن متطلبات تشكيل البنية المتماسكة توجب الإنشطار إلى قطبين متعارضين ، لذلك يعمد الشاعر إلى البحث عن فارق مفترض ما بين عناصر مجموعة الشعراء ، فارق يجلب له البهجة ، أنه فارق الكتابة البصمة ( أن تكتب ما لا يكتبه غيرك ) . وبهذا فالشاعر يضع نفسه وكتابته في مواجهة الآخر ( غيرك ) ، وما يكتبه هذا الآخر الغيريّ .
وبالرغم من أنّ الشاعر معنيّ بالمجموعة التي يمثلها هو ، من دون أن يكون ملزماً بالمجاهرة بذلك من خلال استخدام ضمير المتكلم ، ومن دون أن يعني ضمير المتكلم الذي يشغل كامل الفضاء الخطابي للقصيدة أنها موجهة لسواه ، إلا أنّ الآخر ممثلاً بضمير الغائب مقروناً بأداة الإستثناء ( سوى ) يبقى حاضراً من خلال المنافسة بين الأنداد ، مع منحه أرجحية على المخاطَب من خلال تمتعه بميزة الدراية التي وردت بصيغة التفضيل ( وها أنتَ إذن تدري ، وسواك بها أدرى ) .
وقد نضطر أمام قصيدة ( إنشغال ) للعودة إلى قصيدة ( عناء الشاعر ) لنجد أنه في تلك الأولى قد انتهج على ذات النهج الذي انتهجه في الثانية ، مع بعض التمويهات الضرورية لإبقاء حالة من الإستقلالية تحكم القصيدتين ، ففي القصيدة الأولى توارى صاحب الضمير الغائب / الشاعر تماماً ليعوّض عنه صاحب ضمير غائب آخر سيبقى من دون تسمية ، أو من دون أن يُشار إليه بصفة كما هو الأمر بالنسبة لقرينه ، بل ومن دون تلميح إلى أية ميزة تُميزه عن مشاركيه في محيطه وسيكتفي بضميره اللغوي / ضمير الغائب . هذا الإيهام في بناء الشخصية لا يني أن يُقدّم للقاريء بعض المفاتيح تعينه في فتح مغاليقها . والمفارقة أن تلك المفاتيح ليست مقصورة على الشخصية المبهمة ذاتها فحسب ، بل هي مشتركة ما بينها وبين ( العاشقين ) الذين يتماسّون معه :
- ( هوّم العاشقون على بابه )
- ( يطرق العاشقون على بابه بالرصاص وبالشمع )
أما المفاتيح المقصورة عليه فيمكن تبينها من خلال :
- ( كان منفتحاً
مثل شمس البلاد التي ما أحبّ سوى شمسها )
- ( كان منشغلاً بالجدار وبالسقف يدحضه )
- ( منشغلاً بالسماوات وبالصولجان )
- ( كان مرتبكاً بالذي لا يراه
بالجدار إذا أطبقت راحتاه
على جسدٍ كان يشغله )
وبجمع المفاتيح من كلا الطرفين تتبدّى ملامح ضمير الغائب ، وأوضح ما في تلك الملامح أنها تُشابه إلى حد بعيد ملامح الشاعر التي حاول هو نفسه إخفاءها احتفاظاً بخصوصية واستقلالية كلا القصيدتين ، قصيدة ( عناء الشاعر ) والقصيدة التي نحن بصددها ، فكلا الشخصين يعيش محاطاً بمن يتصلون به ولكل منهم غايته ، ولكنه غير معنيّ سوى بعالمه الخاص ، وبتحديد أدق أن الشاعر الذي لا يعنيه من الدنيا سوى دفتره ، والغوص في سديمه
هو ذاته الذي ظلّ :
( منشغلاً بالسموات وبالصولجان
إذا اهتزّ فارقه عن مداه )
أما الإنشطار البؤري الذي تنطلق منه قصيدة ( انشغال ) فهو يشبه إلى حد كبير الإنشطار النوعي في قصيدة ( عناء الشاعر ) ، وهو الإنشطار ما بين مجموعتين بشريتين متحاورتين من دون كلام ، مع فارق أن الحوار في الأولى لا يتم من خلال الأخذ والعطاء كما في الثانية ، بل من خلال التعاطي بصفات متماثلة هي صفات العاشقين .
في قصيدة ( هو قلبي ) تجنح آلية الإنشطار إلى نوع من التزمين الداخلي إذ يفصل الشاعر ما بين مرحلتين على مسطرة العمر ، مرحلة ما بعد السبعين ، ومرحلة ما قبلها والشاعر يركيز في المرحلتين على نفي إمكانية الزمن في إحداث أي تغيير على سريرته في نقاوتها الأولى التي جُبلت عليها ، والمدخل الذي يمكنه من إثبات تلك الحقيقة هو قلبه ، فهو ليس مجرد مدخل إلى حقيقته ، بل هو الرمز العضوي المجسّد لتلك الحقيقة ، وأن الشطر الزمني في مراحل العمر لايؤشر تغييراً عليه :
( قلبي
هو قلبي
في السبعين ، كما في الأيام الأولى
وكما في السبعة أعوام )
لكن التغيير هو في نمط آخر من الشطر طرأ فجأة على القصيدة بدءاً من سطرها الخامس ، إذ انشطر الكيان الجسدي الواحد إلى كيانين ينمازان عن بعضهما من خلال لغة الخطاب ، إذ استحوذ الشاعر عبر ضمير المتكلم على الكيان أو الشطر الأول ، بينما استحوذ القلب عبر ضمير الغائب على الكيان أو الشطر الثاني :
( يستأنس بي ، وأؤانسه ، ويظلّ يراقبني إن سِرتُ
وإذا ما نمتُ يظل يعيش بيقظته
ويبثّ حياة في جسدي )
بل أن الإنشطار ما بين الكيانين يبلغ مداه حين يُعوّض الثاني / القلب عن الغيبة اللغوية للأول / الشاعر ( ويُكلّمني حين يضيق لساني عني ) . ولعل القصيدة تستمد كامل عذوبتها من تحوّل هذا العضو الرمز إلى كيان مستقل يمتلك كل مواصفات صاحبه ، من وعي وإدراك وحس وأيضاً من قدرة على الكلام والكتابة .

_________________________________________
( 1 ) ( 2 ) ألموجة الصاخبة – شعر الستينات في العراق – سامي مهدي – وزارة الثقافة والإعلام - دار الشؤون الثقافية العامة – 1994 – ص / 254
( 3 ) ألشعر العربي المعاصر – قضاياه وضواهرة الفنية والمعنوية – الدكتور عزالدين اسماعيل – ألطبعة الثالثة ( غير مؤرخة ) – دار الفكر العربي – ص / 135
( 4 ) نفسه – ص / 138
( 5 ) معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب مجدي وهبه وكامل المهندس – مكتبة لبنان – ألطبعة الثانية – 1984 ص / 381
( 6 ) سأهبك غزالة - مالك حداد – تعريب صالح القرمادي – ألشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر – ألدار الوطنية التونسية للنشر – 1973
( 7 ) ألجني الداني في حروف المعاني – صنفه الحسن بن قاسم المرادي – تحقيق د . فخر الدين قباوة والاستاذ محمد نديم فاضل – دار الكتب العلمية / بيروت – الطبعة الأولى 1992 – ص / 580
( 8 ) ألايضاح في البلاغة – ألخطيب القزويني – تحقيق الدكتور عبد الحميد هنداوي – مؤسسة المختار للنشر والتوزيع – ألقاهرة - ألطبعة الثالثة 2007 – ص / 23
( 9 ) ألبلاغة العربية في ثوبها الجديد – علم البيان – د . بكري شيخ أمين – دار العلم للملايين – بيروت – ألطبعة الأولى 1982 – ص / 153
( ألمرفق )
ذهول
تذهلني الاشجار
يذهلني اخضرارها ، اغصانها ، رائحة الازهار
تذهلني في الليل والنهار
وحينما أسألها عن رأيها
بالصيف والربيع والشتاء والخريف
تصاب بالنزيف
فتذرف الدمع على تاريخها
وتعلن الفرار
لكي نعيش دونما اشجار

ألظلّ والحُمّى
انا لم أشأ ان انزوي عنها ، ولكن الغزالة ايقظتني
عمرت روحي بدمع الورد ، رشت عطرها والمسك فوق اصابعي
وتساءلت : هل تعرف الدنيا ،
كأني ما سمعت سؤالها
فأجاب عني ظلي الممدود :
كلا
******
هي روحي البلهاء ، كيف تكسرت مثل الزجاج ،
وجرحت عيني حتى لا ارى
هل كنت حقا مبصرا
شرد الغزال الى البراري ، معلنا ، ان لا يتوب عن البكاء
ليحفظ الذكرى ويسأل حبة من رمل صحراء الجزيرة
أنت يا .....
هل تعرفين ؟
فأمطرت وحلا
*********
ماذا دهاك لعلها الحمى
ولكن البلابل لم تزل تشدو
وتفاح القرى في السوق ، والاعناب ،
هل ان الاوان لتحتمي ،
من ظلك المزعوم
عند مفترق الطريق تواجه الجيش العرمرم
كي تصيح مكبلا :
اهلا !
************
هذا انا
هل اعرف الدنيا ..
سأسأل جارتي ، امي ، حبيباتي ،
وأسأل كل من القى
ليدفع جثتي في القبر
ثم يهيل علي
رملا !

دون كيشوت

كما لو انني اسد
ساقتنص الايائل ثم اترك ما تبقى
للضباع وللنسور
واسير مزهوا بما فعلت مخالبي التي دربتها
ان لا تلين وليس ثمة رأفة تنتابني
فانا الهزبر وسيد في غابتي وانا الهصور
وزئيري القدح المعلى في الفيافي والثغور
لكنني ولقد فطنت بانني بشر اعلل ما اشاء
واقتفي بعض الحبور
وانام جذلانا بما اختزنت رئتاي
من عبق الزهور

هناك .. هناك تحت الشجرة
النار تحت قميصي المبلول تأكل من دمي
و انا ادافع خيلها عبثا
لها ان تفتح الباب القديم
و تدخل الغرف التي امتلأت بحمى الليل و الاشياء
تحت قميصي المبلول تركض
لست اقدر ان اداهمها بماء العين او ماء الفرات
لعلها اختبأت سحابتي بها
و لعلها اشتعلت و وارت تحت السنة اللهيب
صبابة
و صبابة اخرى .
***
تتشكل الاشياء غائمة و تبدأ بالوضوح
سحابة سوداء تسقط كل ما اكتنزت من الماء الغزير
لوهلة اولى سأحسب ان ماء الله
يسقط فوق رأس عامر بلذاذة قصوى
و ان ألسنة اللهيب ستفقد النطق المباح
سألت اول حبة من ماء رب الغيم
اين صعدت
و من في العالم العلوي ميز روحك عن روح ماء الارض
فانكسرت
و غام صفاؤها .
***
لا النار تقدر ان تحاججني
و لا الماء الغزير
انا .... أثقلت روحي بالدخان و بالسراب
سادفع خيل روحي باتجاه الماء
أدفع أخر الاشجار في بستان قلبي باتجاه النار
من ذا يستطيع الان ان يلتم بعد تبعثر
و يقيم مملكة لحزن خافت
سينث تحت قميصي المبلول
من يعد السحابة ان يحولها الى خشب من البلور
من ذا ....
لا احد .

اثبات تاء التانيث الساكنة
اثبتت دمعة
انها انبثقت - بغتة -
من فراغ
ثم القت باشيائها
في الدماغ
--------
اثبتت سعفة
انا نبتت - هكذا -
في الهواء
دونما ضجة
في لحاء
---------
اثبتت طفلة
ان دميتها من خشب
حين القت بها
في لهيب الحطب
---------
اثبتت صخرة
انها انحدرت من جبل
كان جرحا على صدرها
فاندمل
----------
اثبتت موجة
انها استقدمت من فلاه
كان شيء من الرمل في شعرها
حجة من اله
----------
اثبتت قرية
ان سكانها من حجر
عندما انتحرت
من ضجر
-----------
اثبتت جمرة
انها اشتعلت منذ يومين
في موقد
عامر بالرماد
جمرة ام بلاد !
-----------
أثبتت

عناء الشاعر
سيأخذ المزارعون بعض قمحه ويرحلون
ويأخذ التجار من حديقة الدار التي استأجرها
كرسيه القديم
ويأخذ الابناء شيخوخته ويكبرون ......
لعله ......
لن يجد الدار ولا القمح ولا كرسيه القديم
الا اذا انكب على دفتره
وغاب في السديم

مجاز
لم أعد اخاف من الموت
سبق لي ان جربته عدة مرات
لكنني هذه المرة
سوف اطلق النار على رأسي
وضعت صورتي الكبيرة الملونة
على الحائط بين مصباحين
تلك الصورة التي رسمها لي جورج بهجوري
ألقمت مسدسي رصاصة واحدة
أطلقتها على الرأس
تماما على جبهتي
هذا ما حدث
و لن أكرر الامر مرة اخرى .
قصيدة
كل شئ على ما يرام
الطيور التي في الحديقة
لما تزل على عهدنا في الكلام
هديل تناغي به بعض ما في جعبتي
من غرام
والشوارع ... هذا الرصيف يقابل ذاك الرصيف وبينهما بشر باحثون
عن الرزق
مستعجلون ، على قدر في الزحام
كل شئ على ما يرام
كتب انجبت كتبا
والبيوت.... فهذي البيوت لها ،
ألف شكل لها
من صفيح صدئت كل اركانه
او رخام
كل شئ على ما يرام
________________________________
انشغال
هوم العاشقون على بابه
كان منفتحا
مثل شمس البلاد التي ما أحب سوى شمسها
كان منشغلا بالجدار و بالسقف يدحضه
يطرق العاشقون على بابه بالرصاص و بالشمع
منشغلا بالسموات و الصولجان
اذا اهتز فارقه عن مداه
كان مرتبكا بالذي لا يراه
بالجدار اذا اطبقت راحتاه
على جسد كان يشغله
_______________________________________
ابتهاج
البهجة ان تكتب ما لا يكتبه غيرك
و البهجة ان تتأمل في ما تكتب
ثم تعود الى افكارك كي تستأنس بالافكار
و ان تتعلم منها بهجتك الكبرى
و تحط رحالك في نجم اخر
منطلقا لنجوم اخرى
بفضاء تعرفه انت
و ها انت اذن تدري و سواك بها ادرى
فابحث ان شئت عن البهجة
او عن بعض من ذكرى .
هو قلبي
قلبي
هو قلبي
في السبعين ، كما في الايام الاولى
و كما في السبعة اعوام
يستأنس بي ، و أؤانسه ، و يظل يراقبني ان سرت ..
اذا ما نمت يظل يعيش بيقظته
و يبث حياة في جسدي
أياما تتبعها ايام
قلبي الذي لا ينام
و يسليني ، و يداعبني
و يكلمني حين يضيق لساني عني
و يسامرني
و يعد علي تقاويمي
و يعيد علي الاوهام
حين ادندن
حين اواسي ايامي بالشعر
و يكتب .. يكتب .. حين يحب
و يكتب .. يكتب .. حين يضام
قلبي
هو
قلبي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد