الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأس العالم والتنمية البشرية

فؤاد خطيب

2022 / 12 / 10
مواضيع وابحاث سياسية



نعم لقد استطاعت قطر، قبلة الاخوان المسلمين وربيبة الغرب الامبريالي وخاصة امريكا والقاعدة الجوية "العديد" الأضخم خارج الولايات المتحدة ليس بعيدا عن ملاعب كأس العالم، استضافة المونديال. كلنا يعرف أنه من هذه القاعدة انطلقت طائرات أمريكا لتدمر بغداد والعراق وتحرق حينها الأخضر واليابس في بلاد الرافدين أولى الحضارات في العالم. ثم استطاعت أمريكا أن تخلق هناك فتنة على فتنة طائفية قاتلة تدمر نهوض هذه الدولة العربية القوية التي طالما وقفت مع اشقائها العرب في السراء وفي الضراء.

قطر نجحت بالبترودولار الأمريكي الملطخ بأيادي العمال الأسيويين الفقراء الذين جلبتهم قطر لبناء الصروح الكروية الجميلة وخصوصا من الهند ومن دول غرب وشرق آسيا. جلبتهم ليس للعمل بل للعبودية فمات منهم الالاف واستغل منهم عشرات الالاف بعد أن صودرت جوازات سفرهم وشغّلتهم قطر الغنية بدون الحقوق الأولية وبدون أدنى كرامة انسانية لهؤلاء الفقراء. بهذه الأموال تمكنت من تحقيق تنمية جبارة في البناء والمواصلات في هذه الدويلة الغنية لتحضير الاساس المادي المتطور لأكبر حدث رياضي في العالم . اشتروا خدمات المهندسين من كل مكان في العالم واشتروا المعرفة والتقنية الجبارة التي بنت صروح الرياضة الكروية الجميلة على مستوى عالمي، ربما الأجمل في تاريخ هذا الكرنفال الكروي العالمي.

دفعت الدويلة الصغيرة ما يقدره الاقتصاديون بأكثر من 250 مليار دولار. هذه الارقام المخيفة كانت قادرة أن تعيد اعمار كل الأقطار العربية التي دمرتها القذارة ألأمريكية والعمالة العربية للغرب والرجعية العربية الدنسة في قطر وغيرها في الخليج. نقصد هنا دولا مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن . كادت أمريكا واشنطن أن تنجح في ارساء مخططها هي والرجعية العربية وخاصة الاخوان المسلمين لقلب مصر العظيمة الى دولة اخوانية عميلة للغرب ولتركيا العثمانية، اقسى اعداء العرب منذ قرون. قطر ساهمت هي والسعودية وباعترافها الرسمي في تدمير كل دول الطوق الفلسطيني التي خاضت حروبا لصالح القضية العربية الأولى، قضية فلسطين بأمر من الامبريالية العالمية.

نعم قطر قادرة وقد برهنت ذلك في تنمية مشاريع مادية جبارة وهذا لا نحسدها عليها بل العكس هو الصحيح نتمنى أن تصل كل الدول العربية الى قمة العالم السياسية والرياضية والحضارية. نعتز أن هذه البطولة الأكبر في العالم انعقدت في دولة عربية ليس حبا في قطر بل رغبة حارقة منا لتمزيق العنصرية الغربية التي تكاد تصل الى الفاشية تجاه الشعوب العربية الاسلامية والشعوب الأخرى السلافية والأفريقية، مثل ما نراه في الحرب الاوكرانية المفروضة من الغرب والناتو على روسيا والتي تدمر الأخضر واليابس في اوكرانيا. من حقنا كأمة عربية ذات ماض حضاري أن تعلم من الحاصل في قطر الكثير في نهضتها الحالية، ومن حق شعوبنا العرب أن تفرح وأن تلتقي كلمتها وقوتها دائما في صالح الشعوب العربية.

الولايات المتحدة والغرب الانجلوسكسوني وبريطانيا خصوصا والصهيونية العالمية هم أعتى أعداء العرب وهم الذين منعوا مع الرجعية العربية كل تبلور وكل تطور قومي او طني قوي عربي منذ الحرب العالمية الثانية الى اليوم. كتبنا هذا كله حتى الان لكي لا ننسى من هي قطر وما دورها في الحدث العالمي الدائر دوما ضد مصالح الشعوب العربية وقضاياها التي لم تنته منذ سقوط الاندلس. بنت قطر أبنيتها المادية الجميلة لهذا الحدث الكبير بإتقان وروعة لكنها لم تنجح في بناء منتخب قطري قادر أن يخوض هذا العرس الكروي العالمي، ولهذا سقطت وخرجت من الكأس بعد خسارتين. قطر دويلة وليست دولة مستقلة بل تكاد تكون هي ومحطتها الجزيرة الفضائية المعادية للعرب دولة في قاعدة أمريكية. قامت بشراء كل شيء حتى لاعبي منتخبها من كل حدب وصوب. لم يحققوا نتيجة مقبولة تحافظ عل ماء وجه حكام وشيوخ هذه الدولة التي أجرمت فعلا في حق العرب. يمكن لقطر ان تشتري لندن كلها ولكنها لا يمكنها شراء قلب وضمير انسان مخلص واحد لأمته ولأصلة وقوميته. يمكنها أن تبني ألف برج ولكنها عجزت عن بناء منتخب كروي قطري. بموجب الفهم الناصري الثوري فإن جزيرة العرب وما تحت رمالها يجب أن يكون ملكا لكل الشعوب العربية اللاهثة وراء وجودها المهدد ورغيف خبزها.

التنمية البشرية أصبحت علما مشتقا من علم أوسع أي علم الاجتماع الذي أسسه ابن خلدون في مقدمته الرائعة التي سبقت الغرب بسبعة قرون أو يزيد. كل أسس علم الاجتماع المعاصر الذي يدرس الآن في الجامعات العالمية أخذت من هذه المقدمة العلمية العظيمة. ما يثلج الصدر أن الكثير من شبابنا وشاباتنا يتوجهون لدراسة علم تنمية وتوجيه المجموعات البشرية المدنية.الشباب في كل مجتمع بشري عادي و سوي هم الأهم دائما، الشباب يملكون الحاضر والمستقبل وهم من سيقرر مصير ومستقبل شعوبهم في الزمن المرتقب والقريب. كان لا بد من مدربين لهذه المجتمعات البشرية وتدريبها على سلامتها ووعيها لمجتمعاتها وقيادتها نحو ظروف معيشية حياتية أفضل. الزمن مرتبط بحركة التطور السياسي الاقتصادي الاجتماعي ودائما يهدف الى مستقبل أفضل وأرقى ماديا وروحيا. الهدف الأكبر هو خلق أجيال جديدة متطورة علميا واقتصاديا واجتماعيا. تدريب هذه المجموعات يكون أفضل وأجدى اذا أتى من مدربين متعلمين ومجربين من نفس البيئة والظروف الاقتصادية والاجتماعية، هم وحدهم قادرون على خلق أجيال قوية ذان ثقافة ومعرفة نوعية.

نقرأ ونسمع عن أسماء كثيرة تمارس في عملها اليومي هذه التنمية وأحيانا في حياتها الخاصة. للأسف نتاج هذا العمل غير محسوس ولا ملموس حتى الآن. إذا قلنا إن الغاية هنا لا تبرر الوسيلة فعلينا أن نوصل ونخلق مجتمعا صالحا واعيا متفوقا على العصر وبعيدا عن تأثير العقيدة والجنس والعائلة والقبيلة متحدا وقويا اجتماعيا ووطنيا وقوميا. هنا نرى الآن بصدق بادرة من الشباب العربي الذي يشارك الأمم الأخرى في كأس العالم. نرى طلائع من المجموعات الشبابية المثقفة التي تملك لغة العصر ولغة التقنية الحديثة المتطورة جدا. نأمل أن تقود النخب الشبابية مجتمعاتها العربية في سبيل خير وحقوق وكرامة شعوبها الاقتصادية الاجتماعية والقومية.

أما ما نراه من عنف هنا عندنا فيدل حتى الآن على تخلف تطور فئاتنا الشبابية الاجتماعي السياسي ويدل بذات الوقت أن هذه التنمية البشرية ليست واردة بالحسبان عندنا وما زالت غير منضبطة في صيرورة عامة ايجابية تأخذ مجتمعاتها الى الأمام بل العكس هو الصحيح، اذ نرى انحرافا وضياعا وعنفا يهدد سلامة المجتمعات الوجودية وحقوقها القومية والسياسية في مجتمعنا العربي الصغير هنا والمجتمعات العربية الكبيرة من حولنا. ضعف تنميتنا البشرية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان أوجد مجتمعات ضعيفة تنوء تحت وزر الأنظمة الاستبدادية التي بطبيعتها لا تسعى لتنمية البشرية، ففي هذه الحالة تكون قد ساهمت بحفر قبرها. حتى الآن وللأسف تبقى الحالة الاجتماعية عند الشعوب العربية متخلفة وغير قادرة على الثورة على اعتبار أن الثورة هي نتاج ظلم متواصل وحرمان للمجموعات البشرية في كل مراحل تطورها منذ ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس في روما الى الثورة الفرنسية البرجوازية الى ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا الى الثورة الناصرية في مصر. ما زالت شعوبنا العربية ومعها شعوب الأرض الفقيرة تحن االى سياسة الفحل والقطيع وضحية لكل أنواع السلفية العقائدية التكفيرية، وهي غير قادرة على تحقيق أية حالة ثورية حقيقية كما حصل لثورة الشباب في ميدان التحرير في القاهرة في "بداية الخريف العربي" المستمر منذ قرون. من هنا نتمنى أن نرى فرح شعوبنا مستديما كما هي الحالة الآن في كأس العالم الكروي في دوحة قطر الذي فعلا جلب الفرحة للجماهير العربية كلها، وفرحها لأول مرة منذ عقود بعزها وانتصارها وهي الشعوب التي تعيش الهزيمة والهوان منذ قرون.

كأس العالم فرحة لكل شعوب الأرض ودعوة صارخة لندية الحضارات لا لحروبها وصراعاتها. بالنسبة لجماهيرنا العربية ما هي الا حقنة مهدئة للروح والأعصاب قبل التخدير، ومن ثم العودة الى سيل الدم والقتل والعنف بعد أن تشتت العالم العربي بسبب نظام قطر واشقائه بالخليج وأصبح كله ثغورا مستباحة في أمنه الوجودي المجرد وأمنه المائي والغذائي من طنجة الى بغداد. كنا ولا زلنا نأمل النجاح والفوز والتفوق لكل المنتخبات العربية المشاركة في هذه الدورة من كاس العالم التي تدور رحاها في الجزيرة العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل