الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات النصفية الأمريكية مرة أخرى

فهد المضحكي

2022 / 12 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


عم نوع من الارتياح نتيجة عدم حدوث الموجة الحمراء التي كانت مرتقبة في الانتخابات النصف التشريعية في الولايات المتحدة التي جرت في شهر نوفمبر الماضي، أي عدم فوز الحزب الجمهوري بأغلبية كاسحة. في المقابل تبرز هذه الاستحقاقات كما يشير تحليل مركز «Alif Post» للدراسات، مدى الشرخ الذي يحدثه الاستقطاب السياسي العنيف في البلاد والمستمر منذ سنوات، ما يهدد وحدة المجتمع بالتفكك، بينما تحافظ الدول المنافسة لواشنطن على ريادة العالم مثل الصين وروسيا نسبياً على وحدة مجتمعاتها. وهذا الارتياح، يسود في صفوف أنصار التعايش والديمقراطية في الولايات المتحدة ومؤسساتها المشكلة للدولة العميقة بل في الغرب عموما وجزء من العالم بأن حدوث الموجة الحمراء يقلل أوتوماتيكيا من حظوظ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من عودته إلى البيت الأبيض. ويعد ترامب المسؤول عن تفاقم الاستقطاب السياسي الخطير الذي تمر به البلاد منذ سنوات وكأنها استعادت الحرب الأهلية التي حدثت بعد منتصف القرن التاسع عشر. يرى بعض المحللين لقد أظهرت نتائج الانتخابات أن الغالبية العظمى من الأمة لن تتبع ترأمب بعد الٱن، بما في ذلك القادة الجمهوربون مثل نائب الرئيس السابق بنس الذي قال إن الوقت قد حان الٱن للمضي قدما. وعلى الرغم من أن العديد من قادة الجمهوريين حثوا ترامب على عدم الترشح مرة أخرى لأن مستقبل الحزب على المحك، إلا أنه أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2024، الأمر الذي زاد الآ من الضغط على العديد من القادة الجمهوريين لاتخاذ قرار بشأن اتباعه أو التخلي عنه. وبحسب ما نقله أحد المواقع عن الصحافة الأمريكية، فإن رد الفعل على إعلان ترامب للترشح كان فاترا للغاية، وذلك من الجمهور بشكل عام ومن وسائل الإعلام، وخاصة وسائل الإعلام المحافظة التي تلومه على نتائج الانتخابات وتعتبره خاسراً وتدينه علانية على ما فعله. لقد جعلت نتيجة هذه الانتخابات الإنقسام داخل الحزب أكبر من أي وقت مضى، بينما شجعت أولئك الذين يعارضون ترأمب، الذين يخشون أن يؤدي أتباعه إلى مزيد من الهلاك للحزب لجيل كامل.

وكان الخبراء يحذرون من تراجع جودة الديمقراطية الأمريكية منذ مجيء ترامب، فقد عمد إلى تفجير التناقضات والمخاوف التي كانت نائمة ومنها الصراع بين السود والبيض، ولم يقتصر التخوف فقط على الباحثين الأكاديمين بل انتقل إلى صفوف الرأي العام الأمريكي العادي الذي يلمس خطورة الأوضاع. في هذا الصدد، وبمناسبة هذه الانتخابات النصف تشريعية، كشف استطلاع للراي أجرته مؤسسة «أيديسون للأبحاث» يوم الاقتراع بأن 70% من المواطنين الأمريكيين يعربون عن تخوفهم الكبير على مستقبل الديمقراطية في البلاد في ظل الاستقطاب وغياب سياسيين يحملون صفة «رجل دولة». ويرى 60% من الرأي العام أن ترامب لا يعتبر رئيسا مثاليا، بينما يحبذ 70% من الأمريكيين عدم ترشح جو بايدن إلى ولاية ثانية. نتائج استطلاع الرأي جرت عدد من المحللين في قنوات مثل «سي إن إن» و«سي بي سي» إلى التساؤل عن رؤية الأمريكيين للبيت الأبيض في وقت يرفضون فيه أبرز المرشحين لقيادة البلاد، الرئيس الحالي والرئيس السابق.

ويوجد نوع من الارتياح في هذه الانتخابات بسبب فشل بعض مرشحي ترامب لأنه قد يعني تراجع خطاب الكراهية السياسية. إلا أن هذا لا ينفي أن التخوف على مسار الديمقراطية في الولايات المتحدة سجل منعطفات كبيرة خلال السنتين الأخيرتين، أولهما انبعاث الصراع العرقي بعد مقتل المواطن الأفرو- الأمريكي جورج فلويد على يد الشرطة خلال مايو 2020 وكيف اقتربت البلاد من شرخ اجتماعي خطير. في الوقت ذاته، وجود طبقة سياسية بزعامة ترامب رفضت نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2020 وهاجمت الكونغرس في يناير 2021 وتعمل على تبخيس من قيمة المؤسسات الأمريكية بمبرر وجود مؤامرة تستهدف الجذور الحقيقية للبلاد، حيث يروج أصحابها لوجود مخطط للقضاء على أمريكا المسيحية البيضاء لصالح اختلاط جديد من الشعوب. غير أن التوتر الحقيقي في دولة مثل الولايات المتحدة بالتفكك الذي يخيم على المجتمع خلال السنوات الأخيرة سواء الصراع بين الإثينيات من جهة وبين الطبقات من جهة أخرى وتراجع الطبقة المتوسطة. ويرى خبراء الدولة العميقة هذا التفكك وارتفاع نسبة الإثينيات الجديدة مثل الٱسيوية وخاصة اللاتينية بالخطر المحدق الذي يضعف مستقبل الولايات المتحدة كرائدة وقادة للعالم مقارنة مع الصين. وكان المفكر صامويل هانتنغتون قد نبه وحذر في كتابه الأخير قبل وفاته بعنوان «من نحن» من الانعكاس السلبي لارتفاع دور الإثينيات على دور الولايات المتحدة وكذلك تراجع الطبقة المتوسطة.

خلاص ما سبق ذكره أنه منذ نهاية الحرب القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين، حققت الولايات المتحدة ريادتها للعالم لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية بفضل وجود مجتمع موحد وطبقة متوسطة قوية رغم معاناة الأمريكيين من أصل أفريقي من التهميش. ومهما كان لون الفائز برئاسة البيت الأبيض والكونغرس سواء جمهوريا أو ديمقراطيا، لم يشهد المجتمع وقتها استقطابا سياسيا بل ساد الاحترام والاعتراف بدور مختلف المؤسسات الدباوماسية والأمنية والعسكرية والسياسية. كان من الصعب سماع تصريح لرئيس سابق يعارض في الملفات الأمنية والخارجية طريقة تسيير رئيس خلفه في المنصب لأن المجتمع الأمريكي كان وقتها موحدا. في المقابل يحصل العكس الٱن مع الرئيس السابق ترامب الذي يعد أكبر مشكك في دور واشنطن في الساحة العالمية بما فيها الحرب الأوكرانية. وكان «معهد الديمقراطية والنمو وسيادة القانون» التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية قد عالج في الشهر الماضي خطر تراجع الديمقراطية في العالم ومنها الأمريكية وتقدم دول الصين في قيادة العالم. في غضون ذلك، تحمل هذه الانتخابات، أي تقلص تأثير ترامب رغم فوز الحزب الجمهوري، بصيصا من الأمل بتراجع الشعبوية مؤقتا، لكنه لن يحمي البلاد من الاستقطاب والاحتقان السياسي الذي يهدد وحدة البلاد وريادتها للعالم، ويكفي رؤية كيف فقدت واشنطن زعامة العالم مع ترامب بسبب التوتر الذي خلقه في العلاقات الدولية حتى مع شركاء الولايات المتحدة التاريخيين، أي مع أوروبا. وتكتب مجلة «نيو ريبابليك» الأمريكية أنه لايمكن انتظار تخلي الحزب الجمهوري عن ترامب وبعض مواقفه. غير أن هذه التطورات تضعف الولايات المتحدة أمام منافسيها وخاصة الصين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا