الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السوداني في السعودية .......خطاب سياسي عراقي بائس ومخجل

غدير رشيد

2022 / 12 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


- من الحقائق المسكوت عنها إن الطبقة السياسية العراقية غالبا ما توصف بأنها تفتقد القدرة على تقديم خطاب سياسي رصين من حيث المحتوى والأفكار والمنهج. من يتابع ذلك على مدى العقود الستة الماضية يكتشف ذلك بسهولة خاصة عند مقارنته ببقية الدول العربية. في زمن البعث وبسبب هيمنة عقلية الأشقياء شاع خطاب العنتريات والتهديدات في كل المحافل العربية والإقليمية والدولية إنعكاسا للخطاب الداخلي الذي كان يرهب العراقيين وكانت نتيجته العزلة السياسية التي أثرت سلبا على العراق والعراقيين. وبعد 2003 تميز الخطاب العراقي بالتقلب المستمر، إبتداء من حكومة علاوي مرورا بالجعفري والمالكي والعبادي وعبد المهدي وإنتهاء بالكاظمي، وفي جميعها كان الخطاب السياسي يتصف بالضعف والتردد ومشحون بمواقف طائفية وعنصرية مبنية على ردود الأفعال المتشنجة والتابعة وغياب المنهج العلمي الرصين لمفهوم الدولة والعلاقات السياسية والتنمية، حيث غاب الإقتصاد تماما وهو الركن الأساس لأية دولة وحلت محله الصراعات الحزبية التي إنعكست على الخطاب السياسي العراقي الذي لم يحظ بإحترام إقليمي ودولي.
- يوم الجمعة، التاسع من كانون الأول 2022 ، إنعقد ( المؤتمر العربي الصيني للتعاون والتنمية ) في المملكة العربية السعودية بحضور جميع قادة الدول العربية ومن بينها العراق والرئيس الصيني، وكما هو واضح من العنوان الطبيعة الإقتصادية للمؤتمر وهو المدخل الصيني للتعاون مع دول العالم والذي لا يخيف أميركا كثيرا كما يخيفها التعاون الروسي العربي، ويبدو إن المؤتمر لا يواجه معارضة أميركية لأنه يعزل روسيا وحلفائها عن المنطقة وهي الأخطر على المصالح الأميركية مقارنة بالمصالح الصينية البراغماتية المتشابكة مع المصالح الأميركية داخل الصين وخارجه. أي إن الهدف الأساس للمؤتمر هو تسويق الإستثمارات الصينية وفتح أسواق جديدة في ظل إنكماش إقتصادي متوقع في 2023 لذلك جاء الرئيس الصيني كمستثمر يبحث عن أسواق ويستند على ركيزتين، الأولى ميزات الإستثمار الصيني بقدراته المالية والبشرية والتقنية الهائلة والثانية مراعاته لخصوصية المنطقة العربية من حيث عدم فرضه أجندات سياسية وثقافية على حكام المنطقة وخاصة فيما يخص حقوق الإنسان وشكل الديموقراطية أو النظام السياسي كما يفعل الغرب، والركيزتان مترابطتان لأن الأولى لوحدها غير كافية لوجود شبيه غربي لها، ومزجها مع الثانية يمنح المستثمر الصيني الأفضلية في المنطقة، ومن يراجع خطاب الرئيس الصيني يكتشف بسهولة عمق الحكمة الصينية التي عكسها الرئيس الصيني بجدارة وتواضع.
- إذن ما كان يتوقعه الرئيس الصيني من قادة الدول العربية عرضهم لمميزات بلدانهم التي تغري الصين في الإستثمار فيها دون غيرها من الدول العربية، وهو مافهمه أغلب القادة العرب كما إتضح من خطاباتهم إلا قائد البلد العجيب المسمى العراق.
- مثل العراق في المؤتمر السيد ( محمد شياع السوداني ) رئيس مجلس الوزراء، وخطابه في المؤتمر هو موضوع هذه المقالة.
ما قاله السيد السوداني يعزز حقيقة البؤس الدائم للخطاب السياسي العراقي منذ عقود، وقد يكون السبب جينيا حيث غالبا مايعرف عن العراقيين بشكل عام إنهم ليسوا خطباء بارعين، تجلى ذلك في خطاب السيد السوداني البائس من حيث المحتوى وعدم فهمه وتركيزه على موضوع المؤتمر وتمسكه بخطاب يقال في اي مكان سواء داخل العراق أو خارجه أو في أي محفل سواء كان مؤتمرا سياسيا أو أمنيا أو إقتصاديا. ويبدو إن مستشاريه الإطاريين الأفذاذ!!!!! مشغولين مثل قياداتهم بالنزاع على المناصب أو إنهم لم يستلموا تعليمات من المرشد أو إستلموا تعليمات بأن المؤتمر الذي تقوده السعودية لايصب في مصلحة محور المقاومة المبني على تهديم الدول كما في سوريا ولبنان واليمن.
- سأقارن بين الخطاب العراقي والخطابين المصري وخطاب رئيس جمهورية السودان، الأول لرئيس دولة مستقرة والثاني لعسكري ورئيس مؤقت بينما الخطاب العراقي لرئيس جاء بإنتخابات وبرلمان وأحزاب.
- إستغرق خطاب السوداني سبع دقائق تقريبا، تحدث فيها عن التعاون مع الصين دقيقة واحدة فقط وكإنه / أو من كتب له الخطاب لايعرف إن المؤتمر إقتصادي تبحث الصين فيه عن مشاريع تعاون إقتصادي إستراتيجية، أما خطاب السوداني فكان بعيدا جدا عن الموضوع وهو الوحيد من بين جميع الدول الذي شذ عن الهدف بسبب الجهل والفوضى وقلة الثقافة والدراية والتبعية.
- تحدث السوداني عن ( رفض العراق لأن يكون ساحة للإعتداء على دول أخرى) وهو موضوع يقال في مؤتمر أمني – سياسي وليس إقتصادي، ولا نعرف ماعلاقة الصين والدول العربية بهذا الموضوع الذي قاله في إيران دعما لقصفها العراق، وإستخدام نفس الجمل في موقعين مختلفين دلالة على الغباء السياسي.
وفي عنترية زائفة قال السوداني ( على الجميع إحترام سيادة العراق !!!!) وهو تعبير الشخص الضعيف عما يدور في خلده، أي إن السوداني يعرف إن بلده ضعيف لذلك يطالبهم بإحترام سيادته، وإلا مالذي يدعوه لأن يتوسل من الدول الأخرى إحترام سيادة العراق في محفل لا علاقة له بالسيادة.
ضعوا أنفسكم مكان الرئيس الصيني الباحث كمسثمر عن بلد ذو سيادة وقرار مستقل يحمي الإستثمارات ليستثمر فيه، وإذا به يفاجىء بدولة لاتحترم سيادتها من قبل جيرانها، فمالذي يدفعه للإستثمار فيها وهو هدف المؤتمرن فهل يدرك السوداني قيمة ما يتحدث عنه.
- وتحدث السوداني عن داعش ( ولا أعرف ما علاقتها بموضوع المؤتمر)، ودعا دول المنطقة والعالم للوقوف مع العراق ( عرفانا !!! لدفاع العراق عن العالم )، يقول ذلك لمستثمر همه الأول والأخير الأرباح وهو ليس بجمعية خيرية ولايعترف بمفهوم العرفان في العلاقات الدولية وهو ما قاله وأعاده الرئيس الصيني عدة مرات عندما أشار إلى الكسب والفوائد الإقتصادية المشتركة.
أي رئيس محله يفهم إن العراقيين يبحثون عن محسنين رغم ميزانيتهم المليارية وبالتالي فهم ليس هدفا له.
أما قضية دفاع العراق عن العالم في محاربته لداعش فهي كذبة سمجة تشابه ماكان ( صدام ) يردده بأنه يدافع عن البوابة الشرقية، صحيح إن داعش تنظيم إرهابي دولي ولكن 80 % من أعضائه عراقيون وبالتالي فالقضية سببها النزاعات الطائفية والعنصرية بالدرجة الأساس ومثل هذا الإدعاء يكرس النظرة العربية والدولية للعراقين بأنهم مشغولون بفكرة المظلومية الزائفة التي لا تباع ولاتشترى في سوق العلاقات الدولية. كما إنها دليل على إن العقلية العراقية لم تغادر حالة الحرب إلى الإستقرار والتنمية الشرطان الأستسيات لأي مشروع إستثماري.
- والسوداني الوحيد الذي أقحم الغرب بخطابه عندما أشار إلى إن العراق يدعم فكرة إستقرار أسعار النفط ومراعاة مصالح المنتجين والمستهلكين وهو مطلب أمريكي لم يذكره الرئيس الصيني، و أخشى أن تكون رسالة للأميركيين بأن العراق يتبنى الرغبات الأميركية المصرة على إستقرار أسعار النفط، وبالتالي فهو الغباء المطلق للسوداني وربما يكون قد إستنسخ هذه الجملة من كلام له مع السفيرة الأميركية دون أن يدرك الفرق بين المحفلين. ونفس الشيء ما قاله عن الموازنة في العلاقات بين الغرب والشرق في مؤتمر يراسه رئيس شرقي، وكأنه يقول للرئيس الصيني إننا حتى لو طورنا علاقتنا معكم ولكننا سنوازن بينكم وبين الغرب!!!! وهو غباء على شكل وقاحة، خاصة وإن الرئيس الصيني قدم نفسه على إنه من دول الجنوب وركز على تعاون الجنوب مع الجنوب وهو مفهوم لايفقهه الإطاريون كما يبدو ومنهم ممثلهم السيد السوداني، لأن الرئيس الصيني يقدم نفسه كدولة نامية كبيرة وليس دولة صناعية متقدمة في ذكاء صيني واضح لتمييز أنفسهم عن الغرب وبالتالي فآخر ما يتوقعه الرئيس الصيني هو التحدث عن الغرب، ولكن الغباء السياسي العراقي ضيع ويضيع فرص كثيرة على العراق خاصة وهو الرئيس الوحيد الذي طرح موضوع الموازنة وكإنه يدافع عن الغرب.
- وتجلى الغباء في إشارته إلى مؤتمر الحضارات الذي عقد في العراق دون أن يشير الى الحضارة الصينية العريقة والتي أتوقع إنها كانت ممثلة في الموتمر ولا أفهم سبب تجاهل الإشارة إليها. والأغرب والمضحك والكارثي إشارته إلى العمل الحضاري العظيم الذي عملته قطر بإستضافتها لكاس العالم !!!!! وكإنه لا يعرف إن مافعلته قطر حصلت عليه بعد فضيحة مدوية بالرشاوي كما إنه من الغباء الإشارة إلى منجز قطري ورئيس المؤتمر والداعي له هو الملك السعودي الحاقد على قطر، وهو الشيء الذي لم ينتبه إليه ولم يفهمه السوداني لأنه يعتقد إن تقبيل ولي العهد السعودي لأمير قطر دليل على علاقة متينة. إنها دلالة على شعور السياسي العراقي بالضعف والمهانة لأنه عاجز عن أن يقدم منجزا تنمويا أو حضاريا وجل ما يستطيعه هو تقديم الشهداء عندما أشار إلى داعش ويتباهى بما يفعله غيره في حالة مهانة لامثيل لها.
أيضا لا الصين والرئيس الصيني من هواة كرة القدم ليقتنع بإن ما فعلته قطر إنجاز عظيم، وهنا أخشى أن تكون هذه الإشادة بقطر جاءت بإيحاء من المرشد لإغاظة السعودية من جانب وتقديم فروض الطاعة لقطر من جانب آخر لعلاقتها المتينة مع إيران والدليل نسيان قوى الإطار لقطر عند ذكرهم للدول الداعمة للإرهاب بعد إن كانوا يشتمونهم ليل نهار.
- نعود لمقارنة خطاب عبد الفتاح السيسي الذي إستمر لمدة 10 دقائق ، خصص تسع منها إلى العلاقات الصينية المصرية منذ الحضارة الفرعونية ، واشار إلى ( المنتدى العربي – الصيني ) الذي تأسس في 2004 ، واشار الى المشاريع المشتركة مع الصين وإلى مبدا تعاون الجنوب – الجنوب، أي تعاون الدول النامية فيما بينها بإعتبار الشمال هو الدول الغنية ، وأشار الى المحاور الثمانية للتعاون الصيني العربي التي أشار إليها الرئيس الصيني في خطابه، وجميع هذه المواضيع يبدو إن لا السوداني ولا مستشاريه ولا الإطاريون يعرفون عنها شيء لذلك لم يشر إليها فيما اشار إليها أغلب الحاضرون.
- رئيس السودان المؤقت وهو عسكري ركز على نفس مواضيع السيسي وخصص أربع دقائق من خمسة في الإشارة الى العلاقات الصينية السودانية وأشاد بموقف الصين من قضية فلسطين والعلاقات التاريخية مع السودان، بل إقترح مشروع الأمن المائي العربي بالتعاون مع الصين وصاحبنا الشروكي ( كما يدلعه بتفاخر انصاره) القادم من الهور الذي يعاني الجفاف لم يفكر بذلك.المهم إنه ركز على موضوع القمة رغم مشاكل السودان المستمرة لأنه أو مستشاريه يفهمون إن المؤتمر ليس هو المكان الملائم لعرض المشاكل والنواح واللطم كما فعل صاحبنا.
- بقية الرؤساء أشاروا جميعا إلى علاقات بلدانهم الإقتصادية مع الصين وقدموا أرقاما ونسبا وإقترحوا مشاريعا ولم يتباكوا على بلدهم وركزوا على الإقتصاد فقط وتنافسوا في تقديم صورة مشرقة عن بلدانهم كونها آمنة ومجالها مفتوح للإستثمار الصيني، أما صاحبنا فيبدو إنه لايعرف حجم الإستثمارات الصينية في العراق ولم يكلف نفسه جمع معلومات عنها ليغري الرئيس الصيني بتوسيعها،على العكس فقد دعى الدول العربية وليس الصين للإستثمار في العراق وهو تصرف غريب وهو يعرف إنها دول مفلسة وجاءت للمؤتمر تستجدي الصين أما العراق بميزانيته لعام 2023 التي قد تصل إلى 120 مليار دولار فهو يدعو الدول العربية للإستثمار. الغريب إننا جميعا نعرف إن الإطاريين لا يرحبون بوجود إستثمارات عربية، فهل كلامه مجرد مغازلة مكشوفة لا قيمة لها وربما يطمع في دعم عربي شخصي له وهو المستعد لكل تنازل مقابل بقائه في السلطة.
- لم يراجع السوداني ومستشاريه أو كاتب خطاباته ( إن كان لديه ذلك) كما يبدو تاريخ العلاقات مع الصين التي تمتد للخمسينات وربما العراق كان الثاني بعد مصر في علاقته الوثيقة مع الصين بعد تموز 1958 ، ويبدو إنه لم يتسنى له الإطلاع على خطاب الرئيس الصيني قبل المؤتمر كما هو مع الآخرين الذين أشارو إلى أفكار الرئيس الصيني وكانوا يقروأن ذلك، أي إنهم لم يضيفوها بعد خطاب الرئيس الصيني، وهو لم يسمع باالمنتدى العربي الصيني، وربما يكون قد كتب خطابه في الطائرة مستعينا بخطابات سابقة لأن إمكانات الرجل محدودة جدا وإن إختياره رئيسا للوزارة كان لضعفه وإستعداده لأن يكون سكرتيرا للمالكي أو الخزعلي مقابل بقائه في السلطة، وهو رجل بلا موقف ومن يراجع تاريخه الوظيفي بعد 2003 يعرف إنه يريد إرضاء الجميع، والدليل عندما كان وزيرا لحقوق الإنسان كانت الإنتهاكات على أوجها والرجل لم يفتح فمه منتقدا لها، ولكنها ماساة العراق المستمرة في نوعية قادته.
- ألغريب إن الإطاريين صدعوا روؤس العراقيين بالإتفاقية العراقية الصينية التي عقدها عادل عبد المهدي وما أشاعوه إنها تتضمن إستثمارات صينية بالمليارات ولم تنفذ بسبب حركة تشرين ( التآمرية والتي قادتها السفارات !!!!! كما يدعون)، ومع ذلك لم يذكرها رئيس الوزراء الإطاري، مما يدل على إنها كذبة إعتاد عليها الإطاريون والدليل سكوتهم عنها مثل سكوتهم عن التعاقد مع شركة سيمنز التي كانت ستوفر الكهرباء أو سكوتهم عن قوات الإحتلال أو وكر التجسس في السفارة الميركية كما كانوا يدعون!!! وظهر إنها كلها أكاذيب.
- ولا أعرف لماذا أخطأ ولي العهد السعودي بإسم السوداني في تقديمه وفي ختام كلمته عندما قدمه على إنه محمد شايع وليس شياع، ويبدوا إن الإسم مكتوب كذلك ولم تكن زلة لسان، وهو ما يسجل على مستشاريي ومساعدي السوداني الذين كان عليهم أن يدققوا في كل التفاصيل.
ما حصل ويحصل وسيحصل يدل على الفوضى العارمة في العراق التي أفسدت المجتمع والإقتصاد والسياسية والديمقراطية والحرية والرياضة والإعلام والتعليم والدين والأخلاق والثقافة، وما السوداني إلا نتاج مايحصل من مهانة لتاريخ العراق تعزز من بؤس العقل السياسي العراقي المزمن وماسيتبعه من بؤس لكل العقل العراقي يجعلنا نشعر جميعا بالحسرة والحزن لبلد يتميز بكفائاته المنزوية المنسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي