الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطار آخن 37

علي دريوسي

2022 / 12 / 11
الادب والفن


كان الوضع مع أهلي سيئاً للغاية، كنت غارقة حتى التعب في تأمين متطلباتهم، في تلك الأيام - ناهيك عن الضغط النفسي - غسلت ونظفت كل أنواع الإفرازات التي يرشحها الإنسان من نفسه وجسده، كثيراً ما وجدت بقاياها الكريهة ذات الرائحة التي لا تحتملها طفلة عالقة بملابسي، إفرازات الجسد القميئة لا يمكن مقارنتها بإفرازات وجع النفس، هل لك أن تفهم ما أعنيه؟

ما زلت إلى اليوم أشعر بالكآبة تهاجمني بين الساعة والأخرى ولولا سجائر غارغويل التي أتعاطيها لكنت الآن في مصح عقلي حتماً.

ذات يوم دخلت إلى غرفة أمي في الصباح لأنظَّف تحتها ومن ثم لأغيّر حفاض أخي الصغير وملاعبته، كانت في سريرها تتوجع وتبكي بحرقة، في تلك اللحظة وقف أبي إلى جانبها، سمعته يقول لها: لا عليك، تصرفاته الغبية في البيت سوف لن تغضبنا بعد الآن. لم أفهم لحظتها ما الذي يعنيه وتجاهلت الأمر.
فيما بعد وقبل موت أمي عرفت منها تفاصيل ما حدث لأخي ذات صباح باكر.

كان أخي قد خرِئ وفاحت رائحته، راح يجَهَش إلى أمّي، استيقظ أبي غاضباً من صراخه، قال لأمي: سلوك هذا المُعاق لا يعجبني، ضربته مراراً، حبسته في الخزانة دون جدوى، سأريه اليوم معنى العقوبة!

سحبه من يده، خلع عنه ملابسه، أَدْخَلَه بخِفَّة إلى آلة الغسيل، أغلق الباب الدائري عليه، أدار الآلة لمدة دقيقة من الزمن، أوقفها، شغَّلها ثانيةً، ضحك كالمنتصر وعاد إلى سريره، خمس دقائق طويلة وأمي صابرة، بينما أخي يصرخ من الوجع والرعب والاختناق، نهض أبي غاضباً، مشى إلى الغسّالة، أوقف دورانها، فتح بابها وسحب منها جثة أخي الهامدة.

رأيت الكثير من القرف والوسخ وأشكال البراز التي لم يراها الكثيرون من الأشخاص في عمري الحالي بعد، ها قد مضت أكثر من أربعة عقود على هذه الحكايات، ها أنت الآن قادر بجردة حسابية بسيطة من معرفة عمري الحقيقي، أرجو ألّا يفاجئك الأمر، أنت تعرف قطعاً بأني أكبر سناً منك، أليس كذلك؟
**

كان لأبي من العمر ثلاث وخمسّون سنة وكان دائم المرض والنقّ، بعد تفاقم أوجاع أمي صار يخاطبني ويأمرني ويتكلم إليّ وكأني زوجته.


في إحدى الليالي السوداء الماطرة، نام القاتل أبي إلى جواري في السرير، كرهتُ مشاركته لي، لم أستطع النوم إلى جواره، وبينما تئن أمي من آلامها وقد تجاوزت الساعة الثالثة صباحاً، أفاق أبي من نومه وبقي في السرير، شعرت به يخلع بيجامته، شعرت به يخرج عضوه من سرواله الداخلي، شممتُ رائحته، سمعتُ حفيف أصابع يده تداعب قضيبه، قلبَ جسده باتجاهي، بيده اليسرى بحث عن مثلثي اليافع، أمسك فخذي بأصابع يده اليسرى، رفعه نحو الأعلى، سمعتُ شخيره، ارتجف جسدي، خجلتُ مما يرغبه معي، دخلتُ في قبري، وددتُ سراً لو يعاقبني باختراقه لمثلثي ومداعبته لبرعمي الصغير، فأنا في النتيجة زوجته الثانية، ما إن اِقترب رأسه من مثلثي حتى صرخت من الخوف، لم يسمعني ابن الحرام، لم تسمعني أمي، عَضَضْتُ على اللِّحَاف، فتحني القاتل، حشر عضوه في مثلثي، كان جسده يغطيني كجلد حمار، سمعته يطلق تنهيدة مرعبة، عندما سحب عضوه، رسم إشارة الصليب على صدره وعاد إلى موضعه، دفن رأسه باللحاف وراح يشخر، نهضتُ بحذرٍ، جررتُ غطائي خلفي وأنين أمي في الغرفة المجاورة يُرعبني، جلستُ على الأرض الباردة وبكيت حد الإغفاء!


في تلك الأيام السوداء كان أخي "نوربيرت" الذي يكبرني بضع سنوات قد توارى في مكان ما خارج البلد، لقد استطاع الوقت كله أن يختبئ وراء الدراسة تارة أو الجيش تارة أخرى، لا يمكنني حقيقة أن أقول الآن بالضبط ما أريد قوله فيما يخص أخي!

بغض النظر عن كل ما مضى، كانت آلام والدتي لا تُطاق، لا نهاية لها، رغم آلامها التي فاقت كل تصور كان ما يزال لديها القوة في الأشهر الأخيرة كي تشرح لي كيفية التعامل مع المخدرات ومصادر الحصول عليها، أنواعها وطرق تعاطيها، علمتني طرق حقنها في جسدها المنهك، حتى أنها طلبت مني شرائها من مصادرها الوسخة وإحضارها ثم إدارتها، فقد كان أخي، بسبب انشغالاته الكثيرة، غالباً ما يتأخر في إيصالها في الوقت المناسب عن طريق معارفه.

**

مات أبي، الذي أظهر لي دائماً أنني فقط مجرد كلبة جَرْبَاء، تلك التي لا تستحق أن تُعاش الحياة لأجلها، مات بعد موت أمي بأشهر ثلاثة، لقد فعل كل ما بوسعه كي يموت.

في غرفة نومه وجدت على الكومودينة ورقة كتب عليها بخط يده:
"هرمتُ مبكراً يا طفلتي، أشعرُ وكأني أصبحت في الثلاث والتسعين من العمر، أموت اختناقاً مما رأيت وسمعت وفعلت، عذّبت أطفالي، قتلت طفلي وهجّرت الآخر واغتصبت طفلتي، خسرت أحلامي وأولادي، لا يحق لي أن أكون أباً، إذا حدث وأسلمت روحي قريباً سامحيني وقولي للناس: حمداً على سلامته".

مات زوجي (أبي) وأنا في شهري السابع، مات عندما رأى بطني تنتفخ، جاء أخي للقيام بواجبه القسري، رأى بطني، أشرت إلى أبي المُسجًّى في سريره، نخع أخي وبصق بكل ما أوتي من قوة على جثته، أنفق على دفنه، بقي في البيت لعدة أيام، رتّب فيها كل شيء، كل ما يتعلق بالدفن والتأمين وأوراق ملكية البيت، تبرَّع بكل ملابس وأشياء أبي، جَهَّزَ لي أوراقي للسفر معه لزيارة موسكو لأشهر ثلاثة.

كان الألم الذي شعرت به قبل موت والديّ بأشهر وبعده بسنوات سيئاً وغريباً للغاية، لا يمكن احتماله أو وصفه بالكلمات، ألم فظيع لا علاج ولا دواء له، لا أحد يستطيع أن يفعل شيئاً ضد هذا النوع من المواجع، لم أستطع التنفس كما يتنفس الإنسان الطبيعي، عانيت من صعوبات في الحركة، آلمني كل ليف من ألياف جسدي، وبصورة خاصة كل خلية من خلايا فخذيّ، ألم حاد شطر قلبي شطرين، شطرني، فتّت روحي، دمّر ما تبقى من طاقاتي، ما زال هذا الألم يهاجمني في بعض الأحيان، يعذبني، أشعر به حتى اليوم حين تمطر السماء أو ترعد، رغم مرور سنوات عديدة على الحكاية.

وأسفاه، خذلاني كلاهما، تركاني وحيدة، حزينة ومقهورة، لم يعد هناك أحد، لم يتبق في حياتي مَن أسأله أو أطلب شيئاً منه، وهكذا تعلمت أنّ المستقبل هو أن تزرع لوحدك، أن تنمو وحيداً مثل شجرة خضراء قوية، أن تنضج وتصبح مثمراً، المستقبل ببساطة يعني أن تواجه الحياة ومواقفها وأن تتغلب على مصاعبها دون الاعتماد على الآخر.

والآن أخبرني يا إبراهيم:

هل يؤلمك بطنك من ذكرياتي؟ هل تقيأت؟ هل أُصبت بالإسهال؟ هل ما زلت قادراً على قراءة كلماتي الكريهة والمثيرة للاشمِئْزاز والمَلَل؟ أم ما زلت متماسكاً وتقوى على متابعة قراءة الحكاية باهتمام؟ إذا فقدت الرغبة على الابتسامة هذا المساء، افعل في مخيلتك ما تشاء معي، في كل الحالات أنا لا لن أعلم بالقرار الذي ستتخذه!
**








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا