الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طموحات -جاليري ٦٨ الجزء الثالث من دراسة /اليزابيث كندل.. ترجمة/سمير الأمير

سمير الأمير

2022 / 12 / 11
الادب والفن


طموحات جاليري 68:

ماذا إذن كان هدف "جاليري 68" إن لم يكن نقلا لمبدأ أو عقيدة سياسية؟ ، ولماذا أكدت "جاليري 68" بقوة على رغبتها في أن تكون مجالا مفتوحا واسع النطاق؟، تكمن الإجابة على السؤال في الهدف الأسمى الذي وضعته جاليري لنفسها وه ودفع عملية البحث عن الحقيقة رغم أن "الخراط" نفسه يعترف أن هذا الهدف كان صعبا وخطيرا وبالغ الطموح إلى درجة تجعله بلا معنى، إلا أنه كان ضروريا واعترفت المجلة بصورة عملية أن الطريق الوحيد للإسهام في هذا هو أن يتم عرض حقيقة موقف كتاب المجلة أنفسهم على "جاليري 68" أن تكون منبرا حقيقيا للاكتشاف ومسرحا للتجريب يمكن أن يمر من خلاله هؤلاء القادرون على اختراق المحنة لرؤية حقيقتها وحقيقتنا بكل جمالها وقبحها والتعبير عنها . وخلاصة القول: إن حقيقتهم قد تجلت في أبهى أشكالها من خلال عملهم، وكان على "جاليري 68" أن تعمل كمنفذ للنشر لا كمنبر للدعاية يهدف إلى إملاء الحقائق المطلقة، لقد أرادات "جاليري 68" " أن تظهر للقارئ أن الرجعيين هم الذين كانوا يكتبون بطريقة بلاغية دون تقديم أي مضمون عدا لغة البلاغة، وأن هذا النوع من اللغة لابد وأن يسقط"( ).
ولم يكن هناك جدول أعمال سري بالنسبة ل"جاليري 68" لقد كانت ببساطة شديدة "عملا تلقائيا" كرد فعل خاص من جانب الكتاب للحظة الراهنة كرد فعل جميل وأساسي ( ).
وقد كان وجود هذا المنفذ ضروريا وذلك لأن الكتاب كان عليهم أن يتعاملوا مع رؤساء تحرير مجلات مؤممة بصورة رئيسية على الرغم من أن عبد الناصر لم يضطهد الكتاب بشكل مباشر بسبب أعمالهم الأدبية إلا أن رؤساء التحرير أنفسهم كانوا يمارسون الرقابة، وذلك كان يرجع إلى خوفهم وليس إلى توجيهات معينة، لقد كانت المجلات الأدبية وغير الأدبية تتشكك في الجيل الجديد( ).
وحتى "يحيى حقي" في "المجلة" كان مضطرا إلى أن يوازن بين تعاطفه مع الكتاب الشبان ومسئوليته حتى ينأى بمجلته بعيدا عن المتاعب مع الرقيب وفي عدد مخصص من أجل القصة القصيرة "أغسطس 66" كان حريصا على أن ينوه بالتغيرات الرائعة التي أحدثتها الثورة، ونشر القصص الجديدة جنبا إلى جنب مع أكثر التعليقات النقدية تحفظا، ولقد كتب "محمد شاهين" أن "حقي " في افتتاحية هذا العدد الخاص "يلقي باللوم على الجيل الجديد من كتاب القصة القصيرة؛ لكونهم غير منسجمين مع المجتمع [بالطبع يقصد مجتمع الثورة الجديد] ويطالبهم بالاستجابة إلى أنماط الحياة الجديدة (يقصد هنا الأنماط التي رسمتها الثورة) بأشكالها الواقعية الجديدة بدلا من الأشكال السيريالية والعبث الذي كانوا يطرحونه( ).
وإذا أمعنا في القراءة فسوف نجد أن "حقي" لا يلوم الكتاب!!! لأنه وبينما راح يثير نقاطا تعبر عن عدم رضائه عن المجتمع المظلم الذي يكتبون عنه، نجده لا يذكر مطلقا في أي من كتاباته أن التجربة التي تدفع كتابات الشباب ليست حقيقية وكان دائما يطمح في إن "يحيي المدرسة الواقعية في إطار عصري يعكس مصر"( ).
وهذا يمكن تفسيره على أنه مطالبة بتغيير المجتمع المصري أولا، وعلى أية حال فإن تناول "حقي" للمسألة هو بالتأكيد أكثر محافظة مما يتوقع الإنسان.
فقد أوضح "حقي" أن معايير "المجلة" في اختيار كتابها الطليعيين هو أن يكونوا قد نشروا في مجلات أخرى من قبل، ولقد جعل الأمر أكثر تفاهة حينما قال في تعليقه الافتتاحي إن "المجلة" اختارت شهر أغسطس لهذا العدد عن عمد؛ لأن حرارة الجو تدفع بالقارئ إلى أن يفضل المادة الخفيفة"( ).
وبالإضافة إلى ذلك امتداح الافتتاحية لمجلة ثروت أباظة المحافظة "مجلة القصة" 1964 – 1965 امتداحها كمنفذ لاتجاهات الطليعية مما يظهر إلى أي مدى كانت هذه الاتجاهات تعاني معاناة بائسة من عدم وجود منافذ النشر.
ولقد رأى "نجيب محفوظ" أن الانتشار الكبير الذي تحظى به القصة القصيرة مسول جزئيا عن أزمة كتاب القصة القصيرة؛ لأن الناشرين وجدوا أنفسهم مغرقين بعدد كبير من القصص لم يستطيعوا مجاراته( ) ويحكي بهاء طاهر أن العديد من الكتاب الشبان كانوا يجلسون في مقهى ريش ليتناقشوا فيمن استطاع منهم أن ينشر ومن لم يستطع "حيث كان يوجد في وقت من الأوقات كثير من الكتاب والكثير منهم كان يحاول النشر"( ).
ولقد دفع الإحباط بالعديد من الكتاب إلى محاولة النشر عن طريق كسب أو اقتراض المال الضروري بأنفسهم من خلال محاولات متنوعة، فبهاء طاهر مثلا حاول أن يحصل على المال اللازم للنشر عن طريق بيع نسخ من الكتاب قبل نشره ومقابل الدفع، كان يعطي لأصدقائه إيصالات لكي يتسلموا بها كتابه عندما يتم نشره، لكن المحاولة باءت بالفشل؛ لأنه لم يستطع أن يجمع إيصالات كافية لتغطية عملية النشر( ).
وتؤكد الإحصاءات حجم الصعوبات التي كان الكتاب الشبان يواجهونها رغم أن 38% من الكتب التي طبعت بين سنتي 1961 و1967 كانت لكتاب جدد، ولكن أكثر من نصف هؤلاء لم يطبع عملا أدبيا آخر على الإطلاق، بالتالي فإن هذا يعتبر معدل نجاح أكثر انخفاضا بدرجة كبيرة مما كان الوضع عليه في الأربعينيات والأكثر من ذلك أن "يوسف كرم" يؤكد أن 50% من الروايات المنشورة في سنة 1967 كانت لنفس الكتاب الخمس الكبار( ) .
وبالنظر إلى الشعر أيضا، نجد أن فرص النشر للأعمال ذات الملمح الجديد داخل مصر كانت محدودة بعد حملة اليمين الثقافي على "الشعر الجديد في منتصف الستينيات.
ويؤكد "غالي شكري" أنه كان ساذجا هو وآخرون عندما صدقوا أن الشعراء الموهوبين الجدد سوف يتم تشجيعهم على النشر؛ لأن لجنة الشعر وقتها كانت تصم شعراء مثل: "صلاح عبد الصبور" واعترفت اللجنة رسميا بالعديد من شعراء القصيدة الحديثة مثل: "عبد المعطي حجازي، و "محمد عفيفي مطر" و "عبد الوهاب البياتي"( ).
وفي الواقع كان اليمين مسيطرا على المناخ الثقافي كما أظهرت ذلك حركة الاعتقالات الجماعية في أكتوبر 1966، ويتحدث "إبراهيم فتحي" عن الكتاب الشبان، فيقول: "إنهم يتحسسون طريقهم في أرض صخرية" بينما استطاع "الأدب التقليدي" أن يتخطى الحواجز ويحظى بالنشر" وكان الكثير من هذا الأدب يعكس رؤى هؤلاء المتحكمين في السوق التجارية( ).
وبالإضافة إلى المنافذ الشفاهية للأدب عبر الندوات والجلسات والحلقات، كانت هناك فرص للنشر كالتي وفرها عبد الفتاح الجمل في "المساء" ويحيى حقي في "المجلة" كما استطاع العديد من الكتاب أن يطبع في المجلات البيروتية الأكثر ليبرالية مثلا: "الآداب" و "الحوار".
وكانت "جاليري 68" ضرورية لأن توحيد تلك التيارات التجريبية داخل مصر كان سيقوي من تأثير تلك التيارات ومن ثم كسب الاعتراف بحقيقة نشوء الظاهرة الأدبية الجديدة.
واتضح هذا الهدف بصورة جلية في العدد السادس وهو عدد خاص يحتوي على مختارات القصة القصيرة، ولقد قصد لهذه المختارات أن تكون "تأكيدا وتأسيسا لهذا الجيل المعاصر الذي يقف عند نقطة التحول في ثقافتنا"( ).
وتم تقديم ذلك على أنه برهان على مدى دلالة التجريب الأدبي المعاصر "كضرورة للحياة نفسها" وليس مجرد "موجة سوف تمر" كما يردد التقليديون والمحافظون ( ).
ونظرة "جاليري 68" لما تقدمه من أدب على أنه ضرورة حياة يبين أنها لم تكن مجلة عدمية تهدف إلى نفي الحياة كما اتهمها بعض النقاد، لقد كانت بالأحرى في خدمة هدف اجتماعي في سياق متفرد أوسع أفقا، ومن المؤكد أن كُتاب "جاليري 68" قد اكتسبوا تطهيرا شخصيا نتيجة نشر لأعمالهم، وكتب حسن سليمان "لقد كنا نعيش فقط فوق الورق، إن نضجنا الوحيد الحقيقي كان فوق الورق"( ) بينما كتب "الخراط" عن "جاليري 68" باعتبارها محاولة جماعية "للإمساك بالحياة من خلال الفن"( ).
وإذا قبلنا القول بأن المجلة كان غرضها شخصيا، فلماذا إذن كانوا يشعرون بالحاجة إلى نشر مجلتهم على أوسع نطاق ممكن؟ وبينما كانوا يدركون أن "جاليري 68" لا يمكن أن تصل إلى قاعدة واسعة من القراء، كانوا يلحون في نفس الوقت على الصحفيين لكي ينشروا عنهم في وسائل الإعلام وتوصلوا إلى قدر معقول من التكلفة من أجل وضع إعلانات في الأهرام يتم طبعها في كل عدد ( ).
وبينما يعترف الخراط "لقد كانت لدينا رغبة مقتصرة في الانسحاب إلى داخل أنفسنا وسط هذا الخضم من القبح والشر"( ) غير أن هذا كان مكونا لنصف الصورة فقط.
فبينما كانوا يبحثون عن حقيقتهم في داخلهم، كانوا يرغبون أن تحظى التجليات الأدبية لهذه الحقيقة بمشاركة أوسع انتشارا
كما عبر عن ذلك جميل عطية إبراهيم: "إصرارنا على تأكيد عزتنا مهما تبعثرت جهودنا وإصرارنا على أن يظل الأمل داخلنا مهما كان ضعيفا، الأمل في إمكانية الصدق والعدل والحب وقدرتنا على أن نحيا" وإيماننا بأن مكان الكاتب مكان مثالي لإلهام المجتمع"( ).
ويضيف جميل عطية إبراهيم: "جاليري 68" "كعمل جاد.. شيء مشجع صمم من أجل "دفع معنويات الناس من خلال الأداة التي يحترمونها بشكل كبير"( ).
وأكثر من كونها رد فعل سلبي تجاه الماضي، كانت جاليري رؤية بناءة تجاه المستقبل، لم يكن الهدف من هذا العمل أن يجعلهم "مغتربين " لأنهم بالفعل كانوا كذلك، ولكن عملهم كان يسعى من أجل أن يتكامل في مستقبل أفضل.
ولم تكن "جاليري 68" متورطة اجتماعيا بمعنى أن أدبها لم يكن انعكاسا مباشرا للمجتمع،
ورغم أننا نجد العديد من مقالات جاليري تهاجم بشدة الوجود المستمر "للواقعية الاشتراكية"، إلا أن هذا لا يغير من حقيقة أنها ظلت تحمل رسالة اجتماعية حاولت أن توصلها للجمهور بشكل كبير.
ويعتقد حسن سليمان "إن الفن يمكنه دائما أن يحول الرؤية الداخلية للفنان إلى وعي خارجي يؤثر في التغيير الاجتماعي"( ).
ويتفق غالب هلسا مع هذا الرأي عندما يصف الفن بأنه "مصدر المعرفة الأعظم والأكثر تأثيرا ليس لأنه ينقل خبرة الآخرين بل لأنه يوضح تجارب الناس لهم، إن مهمة الفن هي أن يكشف عن النظام العميق الذي يختفي خلف الاضطراب الظاهري للعالم ( ).
ولذلك فإنه بالرغم من الاغتراب الذي كان يشعر به كُتّاب "جاليري 68"، وبالرغم من شعورهم بالطبيعة غير المألوفة لكثير من أعمالهم، إلا أنه كان هناك اتفاق على أن "قيمة الفنان تعتمد على مدى ارتباطه بالجمهور"( ).
ومعروف أن الوظيفة الاجتماعية للأدب يمكن تفعيلها دون اللجوء إلى البيانات المباشرة وبما أن الأعمال المنشورة في 68 كانت تعبر عن نفسها من خلال نوع من التوافق الفكري أو العاطفي "فالفن الجيد لديه القدرة على التأثير في كل إنسان بأساليب مختلفة"( ).
واتهمت "جاليري 68" من وقت لآخر بأن لها أجندة صهيونية أو إمبريالية أمريكية ، ولكن في واقع الأمر أظهر كل المشاركين وطنية عميقة واهتماما بالغا بمصر، رغم أن هذا الاهتمام كان لا يتم التسامح معه، ومن خلال "جاليري 68" استطاع جيل 68 أن يظهر جوهر الوطن الجريح، جوهر الزملاء الذين يتخبطون في المتاهة، جوهر الوجه الفظ للحقيقة"( )، أصرت جاليري على أن توضح أنه إذا كان النظام قد هزم إلا أن الشعب المصري يستطيع أن ينهض من الرماد ويعلق أحد الشعراء الشبان الذين نشروا في "جاليري 68" قائلا: "كنتيجة للهزيمة فقدنا الكثير من أحلامنا أحلام النهوض بالوطن ولا شك أن تأثير ذلك كان مدمرا بالنسبة للفنانين المبدعين المصريين الذين كانوا يغنون ليلا ونهارا للوطن وللأحلام الوطنية( ).
لقد كان رد فعل كُتّاب 68 هو محاولة "تغيير مجرى الثقافة وتغيير مفهوم الثقافة وإبداع أدب يشجع القارئ على التفكير في لغته وتكويناته وأمنياته"( ).
وبهذه الطريقة تبنت جاليري مبدأ التفاؤل من أجل مستقبل أفضل في محاولة لإعادة بناء ثقة الكتاب والمفكرين الشبان في النهوض، لقد كانت تهدف إلى استعادة المصداقية الثقافية بنشر أعمال هؤلاء الكتاب الذين يحاولون بطريقة صادقة الوصول إلى حقيقة موقفهم، والذين كانوا يقدمون رؤية حقيقية لواقع مصر المتغير" ولقد أوضح إدوار الخراط ذلك فكتب: "لقد حاول كُتاب 68 أن يكونوا الوجه الآخر المتوهج والحميمي لحياتنا، لأحلامنا، ومحاولاتنا.. الوجه الذي ما أن يكشف عن نفسه حتى يبدو جديدا وغريبا، غير أنه كان دائما موجودا ولكنه كان. مختفيا خلف أقنعة عديدة"( ).
وإذا كان بالإمكان تجديد الثقافة المصرية والأدب المصري ولا سيما القصة القصيرة، فلماذا لا تكون مصر كذلك.. ويؤكد بهاء طاهر على الارتباط بين التحول الاجتماعي والتحول الثقافي، ويأسف لأنه بينما أدرك رجال الماضي العظام أمثال قاسم أمين وسعد زغلول هذه الحقيقة، إلا أن ناصر والسادات لم يتفهما الأمر، وكان بهاء طاهر قد أهدى إحدى رواياته لمصر"( ).
وكان كتاب 68 عموما على وعي بالقلق الدولي في الستينيات وبانتفاضات الطلاب في فرنسا والخضر في ألمانيا والوجوديين في أمريكا، إلا أن جاليري نهضت بمفردها نتيجة لاهتمامها بمصر وبالثقافة المصرية( ).
وكانت جاليري بمثابة احتفالية بالأدب المصري في أشكاله الجديدة، ولم تكن مجرد تجميع لاتجاهات حداثية أجنبية مستوردة جملة من الغرب، كما كان يعتقد هؤلاء الذين اتهموها بالإمبريالية والصهيونية( ).
وعلى النقيض من ذلك، كانت "جاليري 68" تهدف "إلى إظهار أن حساسية العصر قد وصلتنا هنا في مصر" وأن لها بذورا خصبة هنا.. للأصالة وللتفرد"( ).
إن الجيل السابق هو الذي كان ينظر إلى النموذج الغربي كملهم لأعمالهم، وهذا ما مكن جيل "طاهر" من أن يتبنى – كمنطلق لبدايته- نموذجا محليا يعترف بأنه رغم أن العديد من الكتاب الشبان كانوا قد قرأوا الأعمال الكلاسيكية لديستوفسكي وبلزاك – غالبا مترجمة – فإن قليلا منهم هو الذي تمكن من قراءة الأدب الغربي الحديث، والقليل منهم كانت لديه القدرة على قراءة هذا الأدب في لغته الأصلية . باستثناء إدوار الخراط الذي يصفه بهاء طاهر بأنه حالة خاصة .
ويكشف جميل عطية إبراهيم أن الخراط كان دائما يشجع الكتاب الشبان على قراءة الأعمال الحديثة لمؤلفين مثل روب جريبة( ).
,إن غرابة الأعمال الأجنبية البالغة الحداثة، من النوع الذي كان الخراط يؤيده، وكان الخراط قد ترجم بعضا منها لجاليري 68 – هذه الغرابة كانت تبدو محيرة في البداية، فبالنسبة لهؤلاء الذين كانت لهم وجهات نظر مستقرة في الأدب، كان هذا التدخل الغريب والمربك يثير رفضا نقديا طبيعيا في بعض الأوساط وفي حالات استثنائية- كان يثير الهجوم.
ولنفكر مثلا في رأي "نجيب محفوظ" الذي كان متعاطفا مع تجارب الكتاب الشبان في الستينيات، ولكننا نجده مضطرا للاعتراف بعد ذلك بعقدين: "لقد قرأت ... جريبة ووجدت أن هناك جريمة تحدث، هناك شخص اغتيل، ولكن لا أعرف إن كانت الجريمة وقعت بالفعل أم لا – حسنا ولكن ما ضرورة تلك الألغاز؟ إن هذا لا يبدو لي أدبا ولكنه مصدر يأس للأدب"( ).
وكان الخراط بالفعل مسئولا عن معظم الأدب المترجم في "جاليري 68" والذي تبينت أهميته بشكل خاص في الإطار الزمني.. لأن الاعتبارات السياسية والمالية التي سببتها هزيمة يونيو دفعت وزارة الثقافة لسحب دعمها لمشاريع الترجمة.. وكنتيجة لذلك توقف إمداد الروايات الأجنبية والذي كان قد بدأ يرتفع في منتصف الخمسينيات وسجل ارتفاعا ملحوظا، في النصف الأول من عام 1967 توقف هذا الإمداد خلال أشهر قليلة بعد الهزيمة ( ) ، ومع ذلك وفي نفس الوقت الذي قامت فيه "جاليري 68" بنشر هذه الرؤى القيمة القادمة من الخارج، لم تفقد جاليري اهتمامها الأساسي بالأدب المصري.
وفي الواقع لم تتجاوز كمية الأدب المترجم نسبة 16% من كل عدد في المتوسط باستثناء العدد السادس من هذه الإحصائية؛ لأنه كان مخصصا بشكل كلي للقصة المصرية القصيرة المعاصرة وبالإضافة إلى ذلك فإن التنوع الواسع للبلدان التي غطتها تلك الترجمات من فرنسا إلى الهند يبرهن على أن المجلة كانت تهدف إلى توسيع أفق القراء والكُتاب أكثر من كونها تشجيعا لهم؛ ليصبحوا تابعين للثقافة الغربية الحديثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية