الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بناء المجمعات السكنية بدل الاكتفاء بتوزيع الاراضي..

سعد السعيدي

2022 / 12 / 11
الادارة و الاقتصاد


وجدنا من خلال الاعلام اخبارا غير واضحة وغير مشجعة حول توجه الحكومة لحل ازمة السكن في البلد. إذ دعى وزير التخطيط في خبر من آذار الماضي الجهات ذات العلاقة وكان يقصد هيئة الاستثمار الى عدم منح الاجازات الاستثمارية الخاصة ببناء المجمعات السكنية في مناطق محددة في العاصمة بغداد. ثم اضاف قائلا بان انشاء مثل هذه المجمعات تسبب بزيادة الضغط على خدمات البنى التحتية للمدينة، فضلا عن زيادة الاختناقات المرورية وزيادة اسعار الوحدات السكنية الى اسعار غير معقولة ليست بمتناول اغلب المواطنين. يلاحظ دوران الخبر حول امور المال والاسعار حصرا. يمكن الاطلاع على كامل الخبر من عنوانه (وزير التخطيط يطلق نداءً يخص إجازات بناء المجمعات...). ولم نسمع من الحكومة اللاحقة اي الحالية اخبارا احسن من اخبار سابقتها.

ثمة امور نرى وجوب ايرادها لو اردنا حل ازمة السكن بشكل كامل ومستدام. إذ ان بيان الوزير الذي اقتصر على توجيه الدعوات والمقترحات من بعيد والتركيز على امر منح القروض وفي منطقة محددة يشير الى محاولة لابعاد الدولة عن مسؤولياتها لحل الازمة وترك الامر بيد هيئة الاستثمار حصرا. ويستخلص ايضا من الخبر بان الدولة بدلا من توفير المساكن للناس خصوصا شريحة ذوي الدخل المحدود او الفقراء باسعار قريبة من مداخيلهم تريد حل ازمة السكن بوضع قطاع بناء المساكن بايدي الشركات الخاصة. ثم تريد منح هذه الشريحة قروضا لشراء المساكن كي لا تضطر هذه الشركات لتخفيض اسعارها او ان تتأثر ارباحها. هذه السياسة يجب ان تكون متوقعة عندما يكون رئيس الحكومة هو ممثل هذه الشركات اتى بمعية برنامج عمل فوقي غير واضح وغير متفق عليه مقدما. ومع اقالة رئيسة هيئة الاستثمار التي تورطت بملفات فساد قبل شهرين، لا يمكن الاعتماد على هيئة فاسدة مثل هذه لحل ازمة اكبر منها اسمها ازمة السكن. كذلك فقد استرعى انتباهنا ما ذكر في اخبار اخرى عن قيام رئيس الوزراء الحالي بالاعلان عن مقترح انشاء هذه المجمعات على غرار مجمع بسماية السكني الضخم !

للعلم فإن فكرة هذا المجمع هو مشروع فاشل ليس ملائما لحل ازمة السكن. إذ انسحبت شركة المقاولة الكورية منه قبل سنتين اي بعد ثماني سنوات من بدء العمل به بسبب التلكؤ في دفع مستحقاتها ولم تكمل منه إلا 30 بالمئة مما اتفق عليه. إذ كان الاتفاق هو بناء مئة الف وحدة سكنية ! هذا يشير الى ان فكرة اللجوء الى هذه الطريقة كحل كان قرارا متعجلا غير مدروس من قبل الحكومة وقتها وما زال. فإن كان يراد القضاء على ازمة السكن مع مشروع انتهى الى التلكؤ والفشل كمشروع بسماية هذا فعلى القيمين على مبادرات الإسكان التفكير مرة اخرى. فعندما فشل مشروع ضخم مثل هذا لدى اكماله اقل من ثلث ما اتفق عليه فقط بعد عشر سنوات من العمل، كيف يراد ان تنجح مشاريعا اخرى مماثلة ؟ إن مشروعا مثل هذا حتى لو اكتمل سيعني جذب الناس من مناطق اخرى للسكن فيه وهو ما يتوجب تحاشيه في مدن البلد الاصغر. فثمة مشاكلا قد تسبب بها مثل هذا الحل كتأخر بناء البنى التحتية الموازية. إذ لم يكتمل للآن الطريق الواصل بينه وبين بغداد البالغ طوله 10 كم. كذلك فان المرافق الحيوية كالمراكز التجارية والمدارس ودور الحضانة غير كافية غير الخدمات الاخرى مثل العناية بحدائق المجمع. وهو ما اجبر سكان المجمع للخروج بتظاهرات احتجاجية. كما إن نموذج هذا المجمع الضخم سيولد مشاكلا اخرى امنية بسبب تجميع وتركيز السكان في مكان واحد ربما سيكون من الصعب معه توفير شروط السلامة فيه خصوصا مع اوضاع بلدنا. ولا بد من الاقتداء بحوادث الحرائق في امثال هذه المجمعات في بلدان الخارج مع الخسائر الناجمة. لذلك نكرر بان المجمعات الضخمة هي ليست الحل الامثل لازمة السكن.

إن افضل ما يمكن القيام به هو بناء مجمعات اصغر افقية وعمودية توزع في مدن واقضية المحافظات. فهذه ستأخذ وقتا اقصر بكثير في الانشاء وستثبت الناس في مناطقهم او قربها بدلا من ان يجبروا على الذهاب للسكن في مناطق اخرى ابعد وستكون اكثر امانا. الايجابيات الاخرى لهذه المجمعات السكنية الاصغر هو انه سيخفف من الاكتفاء فقط بتوزيع الاراضي المخصصة للسكن مع التأخير والفساد والاستغلال الذي يرافقها. وسيكون لسرعة انجاز هذه المجمعات على العكس من الاخرى الضخمة تأثير ايجابي آخر في سرعة القضاء على التجاوزات السكنية وسحب سكان العشوائيات التي عددها بالالوف من المدن التي منها للعاصمة بغداد حصة الاسد ومعها حل ازمة السكن. وطبعا فان من المهم الانتباه الى الابتعاد عن البناء على اراض زراعية وفي المناطق المكتظة داخل المدن، وكذلك الاعتماد على الشركات المحلية سواء من القطاع العام او الخاص في التنفيذ بدلا من الاجنبية. وذلك لضمان تشغيل العمالة المحلية والحفاظ على المال العام واستمرارية العمل فضلا عن تأمين اسعار بيع وايجار منخفضة مناسبة للمداخيل المختلفة. فكلف الاستثمار الاولي تؤثر قطعا على الاسعار لاحقا.

إن من المهم الانتباه الى ان يكون هدف بناء المجمعات السكنية مع خدماتها واضحا، وهو القضاء على الاكتظاظ في المدن خصوصا العاصمة بغداد ومعه الانتقال العشوائي اليها فضلا عن توفير المساكن باسعار مناسبة لذوي الدخول المحدودة. لذلك فلا بد من الاتفاق اولا مع سكان العشوائيات ومن ذوي الدخل المحدود خصوصا ممن انتقل الى بغداد او الى اية مدينة اخرى خلال السنين العشرين الاخيرة للانتقال الى هذه المجمعات فور الانتهاء من بنائها وتهيئتها للسكن، لا ترك الامر للصدف. فمن غير المعقول ان تستمر اوضاع مثل هذه بسبب ظروف قاهرة غير فساد الدولة.

ايضا في سياق الابتعاد عن العشوائية والتخبط في التخطيط لبناء المجمعات نكرر بشأن اهمية التركيز على المحافظات اكثر من العاصمة. إذ ان جزءاً كبيرا من الزيادة السكانية في العاصمة قد حصل بسبب المنتقلين اليها من المحافظات. وهو ما تسبب بمشاكل الاكتظاظ فيها والضغط على الخدمات والبنى التحتية. والجميع يستحق سكنا ملائما بعيدا عن هذه المشاكل. لذلك نرى اهمية اطلاق اكثر من مشروع في المحافظات مقابل كل مشروع سكني يراد اطلاقه في العاصمة. او الا يجري بناء اي مشروع سكني في العاصمة ما لم يكن هناك اكثر من مثيله في المحافظات. بهذا الشكل من التنظيم يمكن ضمان سحب المنتقلين الى العاصمة منها ومنحهم السكن الملائم في محافظاتهم الاصلية. وإلا فالتركيز على بغداد فقط دون المحافظات سيعيدنا الى مشروع الرفيل ومجمع بسماية الفاشل وهي ليست بالحلول.

وكالجميع فقد اطلعنا على القرار الحكومي الاخير بتحويل جنس الاراضي الزراعية المشيدة عليها المباني الى سكنية في بغداد مع تمليكها لساكنيها. هذه المشكلة مع اختها الاخرى مباني التجاوز كان يمكن حلها مع المجمعات المذكورة لو انها كانت قد بديء بها وانجزت قبلا. اننا من انصار الحفاظ على الاراضي الزراعية بدلا من التفريط بها في قرارات متعجلة غير مسؤولة فضلا عما فقدنا منها اصلا مع ضمان حل مستدام لمشكلة السكن. إن من غير المقبول ان نرى محاولات لتثبيت متجاوزين من خارج بغداد فيها ثم العرض لاهالي الاخيرة السكن خارجها في اماكن تبعد 10 كم عنها مثل بسماية. إن هذا هو ليس إلا تخبط وفشل ذريع في ادارة ازمة السكن. لذلك فلا بد من اعادة هذه الاراضي الزراعية الى جنسها الاصلي. اي ان يصبح هذا القرار مؤقتا بعد الانتهاء من بناء المجمعات الآنفة وتوزيع مساكنها على المستحقين.

طبعا كل هذه الاعمال تستوجب تدخل الدولة في توفير السكن بدلا من محاولة انسحابها منه وتركه بيد هيئة غير حكومية فاسدة وفاشلة لا تتوافر على الامكانيات لانجاز مشاريع بهذه القدر من التنظيم. إن انتظار المستثمر ووضع الامر كله بيده لن يحل ازمة السكن الهائلة هذه، بل هو عمل وتخطيط الدولة. وهو ما حدده الدستور في المادة (30) في كفالة الدولة للسكن الملائم للفرد والاسرة.

نقطة اخيرة شديدة الاهمية هنا. يجب مع هذه المبادرات الاعلان عن إلغاء مشروع الرُفَيل الذي ابدينا وآخرين اعتراضنا الشديد في مقالة سابقة حوله. فمن الواضح بان هذا المشروع قد ظهر كنتيجة لفشل مشروع بسماية. لهذا السبب يجب إلغائه وشطبه ونسيانه تماما كونه مليء حتى التخمة بالسلبيات دون ان تكون له اية ايجابيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي