الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا أختير -سورايود- زعيما لتايلاند؟

عبدالله المدني

2006 / 10 / 9
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


من الآن و حتى أكتوبر أو نوفمبر من العام القادم سيكون الجنرال المتقاعد "سورايود تشولانونت" (63 عاما) هو الآمر الناهي في تايلاند. فهو الذي سيدير شئون البلاد الداخلية والخارجية، و هو الذي سيشرف على إعداد دستور جديد و يحدد موعد الانتخابات البرلمانية القادمة لإعادة السلطة إلى المدنيين.

ولأن ظروف اليوم غير ظروف الأمس، حيث لم يعد الشارع التايلاندي قابلا للرضوخ طويلا لحكم العسكر بعدما وضعت انتفاضته الجماهيرية في عام 1992 البلاد على طريق الديمقراطية والإصلاح السياسي. و لأن المتغيرات العالمية فرضت واقعا جديدا لم يعد فيه بامكان الحكومات العسكرية أن تبقى في السلطة دون عزلة أو عقوبات دولية. فان قادة الانقلاب العسكري الأخير الذي أطاح في التاسع عشر من الشهر الماضي بحكومة رئيس الوزراء "تاكسين شيناواترا" المنتخبة ديمقراطيا حرصوا على البحث طويلا عن شخصية لتولى رئاسة الحكومة الانتقالية تتوفر فيها جملة من المزايا و الاعتبارات التي من شأنها أن تطمئن الداخل و الخارج، و تلبي حاجة المرحلة، و تجنب البلاد المزيد من الانقسامات، و تحظى في الوقت نفسه بثقة المؤسسة الملكية. وباستعراضهم وتفحصهم لأسماء مدنية و عسكرية عديدة على مدى أسبوعين، لم يجدوا أمامهم أفضل من الجنرال سورايود.

أما لماذا سورايود تحديدا، و ليس واحدا من الذين توقعتهم الصحافة و الأوساط السياسية من أمثال رئيس البنك المركزي السابق "تشاتومونغول سوناكول" الذي كان تاكسين قد عزله في عام 2001 ، أو "سوباتشاي بانيتشباكدي" الذي يرأس حاليا مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و التنمية، أو "أكاراتون تشولارات" كبير قضاة المحكمة الإدارية العليا، فلأسباب كثيرة لئن تعلق بعضها بطبيعة شخصية سورايود المتميزة، فان البعض الآخر يرجع إلى مناقبيته و مواقفه و علاقاته الجيدة مع كافة الأطراف.

فالجنرال الذي يملك خبرة أربعين عاما في السلك العسكري، منها عدة سنوات قضاها كقائد ميداني في الحرب ضد المتمردين الشيوعيين في الستينات و سنوات أخرى قضاها لتثبيت الأمن على حدود بلاده مع كمبوديا في الثمانينات، يعتبر في نظر الكثيرين احد جنرالات الجيش القليلين الذين لم تتلوث سمعتهم بالفساد، و لم يذكر عنهم سعيهم لاستغلال مناصبهم في مصالح شخصية. و بهذه الصفة فهو مناسب لقيادة التغيير الذي كان احد مبرراته فساد رئيس الحكومة المخلوع و بطانته، خاصة وان الرجل كان قد اصطدم في أكثر من مناسبة مع الأخير على خلفية قضايا تتعلق بالمحسوبية و الفسادين المالي والسياسي.

و من جهة أخرى، عرف سورايود بأنه رجل دون طموحات سياسية، بل مؤيد لإبعاد العسكر قدر الامكان عن السياسة، و هو ما ثبت أولا يوم أن عهد إليه بوظائف مكتبية في عام 1997 فقبلها دون تذمر قبل أن يستدعيه رئيس الوزراء المدني وقتذاك " تشوان ليكباي" و يضعه على رأس الجيش لتطهير المؤسسة العسكرية من الفساد و الفاسدين، وثبت ثانيا يوم أن دفعته خلافاته مع تاكسين في عام 2003 إلى ترك الجيش بهدؤ و دون قيامه بالتحريض ضد رئيسه، و الانصراف للعمل مع الكهنة البوذيين، قبل أن يستدعيه ملك البلاد "بهوميبول ادولياديج" و يعينه ضمن ابرز مستشاريه المقربين. وبهذا فان تعيينه على رأس السلطة الجديدة فيه تطمين للمتخوفين من احتمال أن يستمر الرجل في السلطة طويلا بقبضة حديدية كما اعتاد أسلافه العسكريين، و فيه أيضا الحصول على مباركة المؤسسة الملكية ودعمها ورضاها.

إلى ما سبق، يمكن القول أن مواقف سورايود غير الودية من الطغمة العسكرية الحاكمة في بورما في التسعينات، والتي انعكست في مساعدته للاجئين البورميين على الإقامة في الأراضي التايلاندية المتاخمة لميانمار، و التنديد بخرق حقوقهم، و معارضته لارتباط امبراطوية تاكسين بأعمال تجارية مع جنرالات رانغون، لهو دليل إضافي على اختلاف الرجل عن كافة أسلافه القمعيين، و فيه ما قد يبعث الطمأنينة لدى أنصار الديمقراطية و حقوق الإنسان في الداخل والخارج. و في هذا السياق يقول البروفسور "سورات هوراتشايكول" من جامعة "تشولالونغكورن" التي اشتهر طلابها وأساتذتها بإسقاطهم لأكثر من حكومة عسكرية، أن سورايود هو احد الجنرالات القلائل الموثوق فيهم و المؤمنين حقا بالمباديء الديمقراطية. أما دليله فهو أن الرجل كان له موقف مشرف أثناء أحداث عام 1992 الدموية، حينما تجنب شخصيا إصدار الأوامر كقائد لقوات النخبة الخاصة بإطلاق النار على المتظاهرين ضد حكم العسكر، وحاول تشكيل لوبي داخل الجيش للضغط من اجل وقف سفك الدماء.

و يمكن التذكير أيضا بمواقف الرجل من مشكلة التمرد الإسلامي في الأقاليم الجنوبية من البلاد، والتي تميزت بانتقادات مريرة للطريقة العنيفة التي انتهجتها حكومة تاكسين في التعامل مع المشكلة، و مرافقته لملكة البلاد وولي عهدها في جولات للمنطقة تهدئة لخواطر سكان الجنوب المسلم. و من هنا قيل أن اختياره لقيادة البلاد يشكل عامل تهدئة للوضع المتأزم هناك، و بما يقوي عملية المصالحة الداخلية من بعد الانقسامات غير المسبوقة التي تسبب فيها تاكسين، الأمر الذي يبدو أن أحزاب المعارضة السياسية متفقة عليه بدليل تصريح أحد قادتها من أن سورايود كان اختيارا موفقا في سبيل إعادة توحيد الأمة.

و على العكس من معظم الجنرالات الذين تناوبوا على قيادة المؤسسة العسكرية، عرفت الفترة التي قاد فيها سورايود الجيش ما بين عامي 1998 و 2003 بإصلاحات كثيرة بغية تحويله من مؤسسة تشغلها مصالحها الضيقة و متهمة بالفساد و التهريب والاتجار بالمخدرات إلى مؤسسة حديثة ومنضبطة وقابلة للاستجواب والمساءلة. و يعكس هذا بطبيعة الحال جانبا إضافيا من مزايا الرجل يتمثل في الحزم و الانضباط و إطلاق المبادرات مع التعامل مع مختلف الأطراف بذكاء و هدؤ وطبقا للقانون، و هذا هو أكثر ما تحتاجه ظروف المرحلة الحالية. لذا لم يكن مستغربا أن تصفه مجلة تايم في نسختها الآسيوية بأنه " ربما كان احد أكثر رموز الجيش التايلاندي أهمية وبعدا للنظر في العصر الحديث".

و أخيرا، فان رئيس الحكومة الجديد يتمتع بعلاقات جيدة مع الأمريكيين، الذين أسبغوا عليه مديحا طوال سنوات خدمته كقائد للجيش لكفاءته و نزاهته و إصلاحاته و دعمه لفكرة مشاركة القوات التايلاندية لأول مرة منذ تأسيسها في عملية حفظ السلام في تيمور الشرقية. و مثل هذه العلاقات قد يساعد على تلطيف الموقف المعارض للولايات المتحدة، كبرى حليفات تايلاند و شريكاتها التجاريات، من الانقلاب العسكري، و الذي تمثل في قرارها بتجميد مساعدات عسكرية مقررة لتايلاند بمبلغ 24 مليون دولار كنوع من الاحتجاج و الضغط لإعادة السلطة إلى المدنيين في أسرع وقت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ


.. الغزواني يفوز بعهدة ثانية لرئاسة موريتانيا وفق نتائج رسمية




.. هكذا انتقل -رجل الثعابين- إلى أرض الكوبرا في الهند