الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمثلات الزمن والسرد بين الرواية والفلم

كاظم مؤنس

2022 / 12 / 13
الادب والفن


• كاظم مؤنس
منذ أن قد هـ . ج. ويلز روايته في الخيال العلمي ( آلة الزمن في العام 1895) واهتمامات الثقافة الحديثة بفكرة الزمن آخذة بالتزايد من قبل الفلاسفة والنقاد والكتاب المبدعين، والجدير بالذكر أن الرواية المذكورة أعلاه قد قدمت مرات عديدة إلى الشاشة ، كما أنها كانت مصدر إلهام للعديد من الاعمال المناظرة ومن بينها يمكن أن نذكر ثلاثية ستيفن سبيلبيرغ الشهيرة – الرجوع إلى المستقبل- . نتفق جميعا على أن الفلم كوسيط تعبيري يختلف عن الرواية و له أدواته و وسائله المستقلة. وهو أمر لا خلاف عليه، ولكن ليس ثمة رواية من دون أن يبني الزمن فضاءها المادي باعتباره العنصر الأكثر جمالا في فضائها السردي، وكل سرد يشترط الأرتباط بالزمن لأنه التصفح المثالي لحياة شخوص الرواية، فالزمن بكل مستوياته ومسمياته وتنوعه في الرواية إنما يمثل في جوهره الفترة أو المدة التي تعيشها الشخصيات، وكذلك هو شأن السرد القصصي في الفلم. ومن هنا فأن الرواية تتماهى كثيرا مع السرد الفلمي الذي هو نوع آخر من أنواع الفن، وهو ليس ساكنا ولا يخضع لإشتراطات جامدة، شأنه في ذلك كما هو في الرواية سرد متعدد الأبعاد، بالإضافة إلى كونه حالة متموجة.
وكل سرد محكوم بنظام من التراتب في الأحداث التي يقوم بها أشخاص، ولا بد له أن ينطوي بالضرورة على قصة أو حكاية، وهذه تقتضي أن يؤدي أدوارها شخص أو عدد من الاشخاص، و نجد في مقولة فورستر معنى وافيا لتعريف السرد بقوله أنه " قص أحداث مرتبة في تتابع زمني " . لذلك تُعد الرواية من أكثر الأجناس الأدبية إلتصاقا بالزمن، لأن الزمن هو الذي يحقق التغيرات والتحولات، والحوادث تجري على خطه وفي نطاقه. وتتماهى القصة كثيرا من هذا المنظور مع السرد الفلمي، وبما أن زمن الخطاب في القصة هو زمن خطي كذلك زمن العرض، هو الآخر زمن خطي، وبما أن القصة متعددة الأبعاد الزمنية، كذلك السرد الفلمي متموج بين أبعاد زمنية أسترجاعية وإستباقية من لحظة خط الحاضر، ولعل الأختلاف الجوهري في هذه النقطة بأن ما تقدمه السينما إنما يحضر عيانيا بدلالة بعده الزمني، ولكن تبقى خاصية التسلسل لازمة حتمية في كلا الوسيطين مع الاقرار باختلاف تام بلغة التعبير بينهما، حيث تشكل الصورة الأساس المادي والمطلق في فن الفلم رغم وجود المسار الصوتي والاعتراف به كعنصر تعبير نوعي، بينما في فن القصة تظهر الحروفية كأساس مادي ومطلق في الرواية. ويمكن أن نجد ثلاث خصائص تتمثل في النوع الفلمي : الأولى تتجسد في الظاهرة تعددية البصرية المتمظهرة في المشهدية والثانية في التحولات النوعية في البنية الزمنية وعلاقتها بسرد الأحداث على وفق تراتب ما، أما الثالثة فهي تميز الفلم بالآنية اللحظوية في العرض لشدة ارتباطها بالحاضر العياني .وتدفق استمراره على خط الزمن .
ولذلك لا ينبغي النظر للفلم الروائي على أنه سردا حبكويا لأحداث مركبة بالتعاقب فحسب بل تشييدا بنائيا بامتياز ينطوي على خاصية الروائية التي لا وجود لها خارجه، بمعنى أن ما يحدد ماهية الفلم الروائي إلى جانب سينميته هو روائيته التي تميزه كسرد بصري. لذلك بالإمكان القول بأن للتعبيرالفلمي مستويين فهو في الأول سردي بصري وفي مستواه الثاني يظهر تجسيدا لأحداث تشابه الواقع ويبرز هنا كخطاب يستهدف المتلقي من نواحٍ عدة جمالية وتعبيرية .
فإذا سلمنا بكل ذلك علينا الإقرار بأنه في مستواه الروائي يتقيد بالزمن الذي يوصل إلى التغيير في المكان والأحداث على حد سواء، فالزمن هو العنصر الذ ي تقوم عليه أحداث الرواية في الفلم ومن تقاليد الرواية أن تأخذ البعد الزمني مأخذا جديا
على حد تعبير رنيه ويليك، ومع كل ذلك يبقى الفلم جنسا فريدا من نوع مختلف ، والمتتبع لنظرية الأنواع السينمائية سيرى بمنتهى الوضوح بأنه من الصعب تجميد الفلم بشكل ٍ معين، شأنه في ذلك شأن الرواية نفسها، حيث لاحظ "بيرسي لوبوك بأنه من الصعب الاعتراف المبدئي بوجود شكل معين للرواية" ، مع أنها سبقت ظهور الفلم بعقود طويلة من الزمن، بيدَ أن الأمر يبدو أكثر تعقيدا في الفلم ولعل السبب الأساسي فيه يعود إلى خاصيته البنيوية المنتجة بواسطة العديد من الوسائل التقنية والفنية والعناصرالدقيقة المشتغلة فيه والمشيئة له، وهذا أبرز ما يميزه عن الفنون الأخرى، وهي بلاشك خاصية معقدة التركيب، اذا ما وضعنا باعتبارنا تنوع طرائق وأساليب اشتغال المخرجين وكتاب السيناريو والفنانين الآخرين الذين يشاركون في العمليات الفنية والإنتاجية المختلفة. ولذلك سميت السينما بالفن السابع لشموليتها على الفنون السبعه المعروفه .
وعليه فأن الوسيطين التعبيريين الرواية والفلم يحققان بالضرورة ماهيتهما عبر القص السردي فالأحداث التي يتضمنها السرد بغض النظر عن مدلولاتها، تستغرق فترة من الوقت بمعنى أنها تشغل حيزا أو مقطعا في الزمن، وهي تَعبُر وتتواصل باستمرار من حيز إلى آخر، وهو تواصل مستمر داخل بنية السرد على خط الزمن.
وتأسيسا على ذلك فعنصر الزمن هنا هوعنصر بنيوي، فضلا عن كونه حتمية يفرضها منطق العمل الفني وماهيته، وحضوره وجودي كونه لازمة لتدفق السرد في كلا الوسيطين، وهذا لا يتناقض مع تصورات تودوروف حول الزمن والسرد في ذكره لعدم التشابه بين زمن القصة وزمن الخطاب، وكذلك هو شأن الفلم، فهناك زمن القصة وزمن العرض، ونستطيع إيجاد معادل مكافيء لتصورات تودوروف بقوله أن : أن زمن الخطاب هو بمعنى من المعاني زمن خطي في حين زمن القصة متعدد الأبعاد، ففي القصة يمكن لأحداث كثيرة أن تجري في آن واحد ، لكن الخطاب كما هو شأن العرض الفلمي ملزم بأن يرتبها ترتيبا متتاليا واحدا بعد الآخر، حتى أكتمال القصة التي قد يستغرق طول عرضها بين ساعة ونصف وساعتين في الغالب ما عدا بعض الأستثناءات التي قد تتجاوز الثلاث ساعات ومن أشهر هذه الأستثناءات ( بن هور ، والفلم الخالد ذهب مع الريح والوصايا العشرة ...وغيرها) . ومن خلال عنصر الزمن نستطيع الإمساك بالخطاب في النص الفلمي على حد تعبير - رولان بارث – و الخطاب نسيج من الحكايات المتفرعة تتواشج مع بعضها على وفق تراتب منتظم يفضي إلى نسيج متسلسل من المشاهد المشحونة بالأحداث المتدفقة من لحظة الحاضر الذي سرعان ما يصبح ماضي بحلول لحظة المستقبل في الحاضر الآني. إذن فالزمن والسرد هما العنصران اللذان يجمعان بين صفتي الضرورة والكفاية، هذه الجدلية تجعل من الإستحالة عزل الزمن عن سير السرد، إذ ليس للزمن وجود مستقل، فهو الهيكل الذي تُشيدُ فوقه الرواية، وبالضرورة ينعكس تأثيره على العناصرالأخرى، مع أنه حقيقة مجردة سائلة لا تظهر إلا من خلال مفعولها على العناصر الأخرى، لذلك ترى سيزا القاسم "بأن الزمن هو القصة وهي تتشكل وكذلك هو الإيقاع " وعلينا أن نتيقن بأن الزمن عنصر محوري في السرد لا يمكن تجاهله، فعلى خطه تترتب الأحداث المستمرة والمتنامية، كما يحدد من جانب آخر دوافع أخرى فاعلة كالسببية والتتابع واختيار الأحداث وتنظيمها. وإذا كان النص الروائي بمجمله يتكون من مقاطع سردية تتناول " الأحداث وسريان الزمن"، فأن نص الفلم هو الآخر يتكون من مشاهد تتناول الأحداث وسريان الزمن، وتراكم السرد في المشاهد، هو تراكم للزمن المتعاقب وسريانه في الفلم، لذلك فهما يتماشيان بشكل محايث ولا ينفصلان، فالسرد في سلسلة المشاهد المتلاحقة هو تعاقبات الزمن التي تدفع بمستوياته إلى الأمام، كما لو كان ملتحما بالزمن وكأن الأخير هو السرد ذاته، فكلاهما يمضيان إلى الأمام وكلاهما في حركة دائمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي