الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاليري 68 – عدو للتراث الأدبي؟ الجزء الرابع من دراسة اليزابيث كندل..

سمير الأمير

2022 / 12 / 13
الادب والفن


جاليري 68 – عدو للتراث الأدبي؟
دراسة إليزابيث كندل
ترجمة سمير الأمير
متسقة مع تسليمها بأن قناعاتها الأدبية يمكن أن تتطور إلى مستقبل أدبي مختلف.. اعترفت "جاليري 68" بارتباطها بالأجيال الأدبية السابقة، وفي البيان التوضيحي للعدد السابع أنكرت "جاليري 68" بصورة مؤكدة أنها تتخذ موقفا معارضا لكل ما سبق، إن مثل هذا الموقف كان سيصبح غير ذي معنى بأي حال، لأن الكثير من التجديد الأدبي كان قد حدث من خلال المنابر المستقرة مثل: "المساء" و "المجلة" وتم التأكيد على هذا التجديد من خلال "جاليري 68" ورغبة المجلة في نقل وتوصيل هذه النقطة الأساسية يتضح في عرضها النادر. ذي النبرة الأكثر مبالغة لبياناتها الشبيهة ببيانات "البشير" و "التطور" ولنقرأ مثلا "إن هؤلاء الذين فقدوا مقدراتهم العقلية هم وحدهم الراغبون في إشعال معركة أو محاولة تدمير الأجساد المحنطة، ولا شك في أن المستشفيات العقلية ممتلئة الآن بأعداء نابليون بونابرت، ولويس السادس عشر وكاترين الثانية ( ).
إن معظم الكتاب الذين تجمعوا في "جاليري 68" كانوا على استعداد دائم للاعتراف بأن الأجيال الأدبية السابقة قد أنتجت أعمالا هامة، وكتب "يسري خميس " عن الحاجة إلى فهم "التجريب" داخل إطاره التاريخي لكي يتم تجنب الصراع ما بين الأجيال ( ).
وكتب "أمل دنقل" أيضا بحب واحترام عن كتاب الأجيال السابقة، ولكنه ربط أحلامه بالمستقبل، وليس بالماضي ( )، ورحب الكتاب والشعراء الذين اعتادوا التجمع بمقهى ريش بزيارات نجيب محفوظ، ويوسف إدريس اللذين كانا يأتيان للجلوس معهم، وتمتع عدد منهم بعلاقات شخصية حميمة مع "يحيى حقي" وقد نشر حقي في المجلة العديد من المقالات التي ناقشت تجربة "جاليري 68" وذلك في الفترة من 1968 حتى 1970.
وعندما قدم شكري عياد رؤية لجاليري تميل إلى السلبية، طلب "يحيى حقي" شخصيا من "إبراهيم منصور" أن يكتب ردا ( ).
لقد كان نجيب محفوظ بمثابة حلقة الربط بين المؤسسة والهامش الثقافي، فقد كان يدير ندوة في كازينو الأوبرا، ثم بعد ذلك يتوجه إلى نادي القصة، ثم إلى مقهى ريش، حيث يتجمع الشبان الطليعيون ، وهنا كان يستمع أكثر من أن يشارك بنشاط، وكانت تعليقاته القليلة دائما مشجعة وبناءة، ولم تكن أبدا سلبية ( ).
وسوف نجد بعد ذلك أن "أحمد هاشم الشريف" و "إبراهيم منصور" وهما من المشاركين المنتظمين في ندوة الجمعة قد وضعوا كتبا من مناقشتهم مع نجيب محفوظ، وكان واضحا في هذه الكتب احترام جيلهم العميق لنجيب محفوظ ( ).
وفي نفس الوقت أوضح "الشريف" أن محفوظ كانت لديه القدرة على تفسير مادته على مستويات مختلفة ومن أبعاد مختلفة وظل إبداعه "متفردا في مادته وفي أسلوبه( )، وينتقد "الشريف" بعنف هؤلاء الذين يبالغون في موهبة محفوظ الأدبية في الستينيات "لأسباب سياسية بحتة"( )، ولذا فعلى الرغم من الإعجاب لمحفوظ لم تنشر "جاليري 68" أيا من أعماله وذلك يرجع إلى وضعه المؤسسي والمستقر كما يرجع أيضا إلى أن "جاليري" لم تعتبره تجريبيا بدرجة كافية.
لقد أرادت جاليري من الماضي أن يترك مكانا للمستقبل، وقال بهاء طاهر: "لقد كنا نشعر أننا ننتمي إلى نفس الميدان، ولكننا كنا نريد أن نكون مستقلين "لم نكن نريد أن نقدم تنازلات من أجل أن ننتمي للمؤسسة الثقافية"( ).
لقد كانت جاليري ترى أن وضع مصر الجديد كان يتطلب وقتها تعبيرا جديدا.
ويؤكد "حسن سليمان" في أول عدد من أعداد جاليري على أن الفن "يعبر عن واقعنا ومستقبلنا ويرتبط بماضينا" ورؤية "سليمان" للوضع النموذجي لجيل 68 هي رؤية ذكية بالنسبة لأحد محرري "مجلة طليعية في عددها الأول، إذ يقول: "الفن يعبر عن التوتر بين الماضي والحاضر، ولا يمكن اعتباره حدا يفصل بينهما"( ).
ولقد كان غالب هلسا "محافظا بكل ما تحمله الكلمة من معنى في اعترافه بالعلاقة المستمرة مع الماضي فكتب "إن تقاليد الفن هي جزء من الإطار الذي ينقل من خلاله الفنان تجربته للمتلقين( )، وذهب "هلسا" بعيدا حتى أنه أعطى التقليد ثقلا مساويا للغة، واعتبر الاثنين وسيلتين ضروريتين من خلالهما يمكن للفنان أن يعمم تجربته لكي تصل إلى الجمهور( ) وسوف تعارض جماعة إضاءة 77 فيما بعد أي تصورات مسبقة لموضوع اللغة".
إن مدى ارتباط جيل 68 بالماضي كان محل النقاش المفتوح على صفحات جاليري، بالإضافة إلى عدد آخر من المجلات الأدبية في ذلك الوقت، وعدد "جاليري 68" الخاص عن القصة القصيرة الممثلة للاتجاهات الجديدة نشر "لمحمد حافظ رجب" الذي كان قد أعلن "نحن جيل بلا أساتذة" واشتمل العدد أيضا على "عبد الحكيم قاسم" الذي اعترف بشكل أكثر اعتدالا "إنني لا أعتقد في كوني مختلفا بشكل أساسي عن طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيى حقي، إنني امتداد لهم .. إنني أحملهم في دمي"( ).
وذهب بعيدا ليسلم برأي لويس عوض القائل: إن جيل 68 لم يشكل مدرسة أدبية جديدة، ولكن ليس على أرضية اعتراضه على الدلالة الضيقة لكلمة "مدرسة" كما كان يرى معظم كتاب 68 ولكنه كان يعتقد بشكل بسيط أن أعمال جيله تحمل ملامح متشابهة مع الاجيال السابقة لأنهم يشاركون نفس الهموم وتعذبهم الأزمات نفسها والتناقضات نفسها.
وأكد "شفيق مقار" أيضا على ارتباط الفنانين بالاهتمامات العامة "التي هي أم المشاكل.. وهبة الحياة"( ). ورسم شفيق مقار خطا موازيا بين "أوراق شاب عاشق منذ "ألف عام" لجمال الغيطاني 1969، وحديث عيسى بن هشام للمويلحي1906، ليس فقط في تعبيرها عن الاغتراب ولكن أيضا في شكل اللغة ( ).
في الواقع كان شعر "شفيق مقار" مقتنعا بقوة الارتباط مع التراث الأدبي، بل ذهب إلى أن الخلاف الوحيد بين من كانوا ينقشون بطريقة فطرية على الكهوف، وبين فناني العصر الحديث يرجع إلى تطور "البراعة" والقدرة"( ).
ورغم أنه على السطح فقط كانت العداوة تندلع بصورة متكررة بين جيل 68 والكتاب ذوي الخبرة الطويلة ومع وجود الشعور بالعداوة بدرجة كبيرة من جانب الكتاب القدامى، يؤكد الواقع العملي أن الهوة بينهم لم تكن كبيرة، وبعد إصدار "جاليري 68" للعدد الذي ضم مختارات القصص القصيرة، راح الناقد لطفي الخولي في الأهرام يضحد الفكرة القائلة بالميلاد الجديد للقصة القصيرة مؤكدا "أن الجديد ما هو إلا استمرار للقديم( )، وهذه الرؤية تمت مهاجمتها في العدد التالي لــ "جاليري 68"، وهو ما يبين رغبة المجلة الصادقة في العمل كمنبر مفتوح للنقاش.
وينتقد إبراهيم فتحي، لطفي الخولي محاولا أن يجعله يتوائم مع وضع جيل 68 باعتبار الجيل الأول للواقعين الاشتراكيين الذي ينتمي إليه الخولي – جيلا بلا أساتذة أيضا بمعنى أنهم تعلموا الكثير ورفضوا الكثير من التراث السابق"( ).
وإذا أعطينا تفسيرا معتدلا لما تعنيه عبارة "جيل بلا أساتذة" فإننا نصل إلى نتيجة مؤداها أن "الخولي "وفتحي ليسا على طرفي نقيض، إن الأمر يرجع ببساطة إلى تعريف الخولي "للميلاد الجديد" على أنه ليس له علاقة بالماضي بينما "فتحي" يعرف الميلاد بأن له بعض الصلات بالماضي، ولكنه جديد في ملمحه بشكل كلي "ويسلم فتحي أيضا بأن كل النشاط الأدبي هو بشكل أو آخر جزء من عملية مستمرة.
وفي نفس العدد يتخذ شفيق مقار موقفا منفتحا وأكثر موضوعية واضعا إبداع كتاب 68 في سياق أكثر اتساعا ومعترفا "بديناميكية" الطليعة التي لا تتوقف وبالرغم من أنه نفسه كان يكتب قصصا تجريبية في ذلك الوقت ونشر إحداها في "جاليري 68" وكأحد الكتاب الأكثر نضجا (43 عاما) رفض طرح "جاليري 68" البالغ الحماس في كون القصة القصيرة كانت تولد لأول مرة فكتب "دعنا نقول إنها تزدهر الآن، أو أنها تمر بطور من إعادة التفعيل أو أنها تتطور وتمر خلال المرحلة المعروفة للتمرد والتحديد والاكتشاف"( ).
إن "جاليري 68" تعترف أن الظاهرة الأدبية التي تقدمها لم تحدث في الفراغ، ولم تكن مستقلة عن الماضي الأدبي والمستقبل، ولكن "جاليري" تحتل مكانا خاصا داخل التاريخ الأدبي وتعترف "جاليري 68" أن عملية التجديد في الأدب المصري لم تتوقف منذ بدايتها.
فتقرأ فيها "أن عدد أصابع اليد الواحدة يكفي لكي نعد هؤلاء الذين غيروا (الرؤية) في القصة القصيرة"( ).
ويشهد "بهاء طاهر" أن "جاليري 68" أعطت تعبيرا للكتاب والشعراء كانوا في حاجة ماسة إليه، ولكنه يعتقد أن تسميتها "نقطة تحول" مسألة مبالغ فيها لأن الاتجاهات الحديثة كانت موجودة وتم نشرها أيضا خلال الستينيات بكميات صغيرة، ويمكن تفهم رأي طاهر.
ولكن بتوحيد هذه الاتجاهات لكي تعطي الحد الأقصى للتأثير، استطاعت "جاليري 68" أن ترسل أمواجا في المشهد الأدبي الراكد معطية دفعة جديدة للقصة القصيرة على وجه الخصوص، ونستطيع أن نستنتج أنها ساعدت وجسدت تحولا ثقافيا كان بطيء الحركة عندما ظهرت جاليري.
لقد كانت حصنا للكُتاب ومكنت بعض الحداثيين من التجمع للاندفاع بقوة، لقد كانت "جاليري" بمثابة "دواسة البنزين" أكثر منها "عجلة قيادة" لأنها لم تحاول إطلاقا أن تتبنى أية أيديولوجيا.
إن "جاليري 68" عندما اعتبرت نفسها علامة على "انطلاقة" لم يكن غرورا لأن اللحظة التاريخية الفريدة لخيبة الأمل والتشكك والغضب التي أعقبت هزيمة 1967 جعلت من "جاليري 68" نقطة الانطلاق لحقبة جديدة في التجريب الأدبي، وفيما يخص الشعر كانت "جاليري" مفتوحة للتيارات الجديدة، ولكن لأن طاقات جيل الستينيات كانت مركزة على القصة القصيرة، نجد أنها سيطرت على صفحات المجلة، إذن فــ "جاليري 68" لم تكن تمثل نقطة انطلاق بالنسبة للشعر بنفس الطريقة التي تمت مع القصة القصيرة؛ لأن الأصوات الجديدة في الشعر لم تكن تمثل الحدم والقوة المطلوبة للانطلاق على غرار ما حدث مع القصة القصيرة.
وعلى أية حال، فإن الاتجاه العام الذي يقول "الحياة أولا والجماليات ثانيا، هذا الاتجاه لم يكن جديدا بدرجة تضمن جذب الانتباه الذي وافق التطورات في القصة القصيرة، ومحمد صالح نفسه وهو شاعر شاب نشرت له "جاليري 68" يعتقد أن هزيمة يونيو أعاقت تطور الشعر فيقول "مع الهزيمة انهارت الصورة القديمة للشاعر كنبي عليم بالأسرار وكلسان حال للقبيلة.. ومضت سنوات لتجاوز ذلك ولا كتشاف تركيبة جديدة للكتابة والهروب من المأزق ( ).
وبعد ذلك بعقد كامل ظهرت جماعة أصوات وجماعة إضاءة 77، اللتان ألهمتهما تجربة "جاليري 68"، على الرغم من عدم اتفاقهما مع اتجاه وشكلت الجماعتان انطلاقة جذرية بالنسبة للشعر.
لقد كانت "جاليري 68" وكأداة تعبيرية تمثل انطلاقة هامة، فعلى المستوى العملي اتخذت "جاليري" موقفا معتزا بنفسه في إطارها التعبيري ولم تكن منبرا لأيديولوجية أدبية أو سياسية ، ويؤكد إبراهيم منصور وهو الذي كان يمثل الطاقة الفعالة التي دفعت عملية الإصدار، يؤكد على أهمية الخبرة الصحفية في تنسيق وتقديم المادة، وجماليات المجلة التي أشرف عليها الفنان حسن سليمان اعتبرت هامة بدرجة كافية لتأخذ لنفسها نصيبا هاما من النفقات ، فالأعمال الفنية كانت تطبع بشكل جيد وتم استخدام نوعا من الورق العالي الجودة، وكان شكل المجلة الجديد، يُمَكن القارئ من التعرف عليها في الحال، ولقد كانت عملية إصدار مجلة تجريبية دون اللجوء إلى أساليب التعبير البلاغي وباستخدام مقدمات مختصرة من آن لآخر، وفي نفس الوقت توريط القارئ في المادة المكتوبة.. كانت مسألة راديكالية في سياقها الزمني بالإضافة إلى أن استعداد "جاليري 68" لتقديم الآراء المتصارعة شجع على إثارة نقاش أكثر انفتاحا على العكس تماما من المواقف الاستقطابية للمجلات الطليعية السابقة، وربما يرجع السبب في الانفتاح النسبي وما تبعه من ارتباط عدد كبير من الكتاب الموهوبين بجاليري، ربما يرجع ذلك إلى تأثيرها الباهر على الأقل من الصفوة الأدبية ولكن نتائج هذا التأثير بدورها أصبحت جزءا من التيار الأدبي العام ومن ثم يصل "منصور" إلى نتيجة بدون الكثير من المبالغة فيقول: "لقد كانت التطور والبشير" تشكلان موجة ، ولكن "جاليري" كانت بمثابة المحيط"( ).(يتبع....)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي