الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تصر روسيا على أن بولندا تستعد لتقسيم أوكرانيا؟

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


في منطق الكرملين الملتوي ، أوكرانيا هي بناء مصطنع ، وروسيا وحدها - بصفتها خليفة البلد الذي منح أوكرانيا ذات يوم حدودها الحالية من خلال الاستيلاء على الأراضي من جيرانها - يمكنها الآن ضمان حرمة الأراضي الغربية لأوكرانيا.

لقد أدلت القيادة الروسية مرارًا وتكرارًا بادعاء غريب مفاده أن بولندا تستعد لضم مناطق في غرب أوكرانيا. وعلى مدى الأشهر الماضية ، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة مرات أن فكرة استيعاب أوكرانيا لا تزال حية وحاضرة بقوة في بولندا ، في حين حذر سكرتير مجلس الأمن "نيكولاي باتروشيف" من أن وارسو "تتخذ بالفعل خطوات للاستيلاء على الأراضي الأوكرانية الغربية".

وما هذه إلا أمثلة ليس إلا، من البيانات الرسمية والتأملات شبه الرسمية لشخصيات سياسية روسية اتهمت بولندا - وأحيانًا المجر ورومانيا - بالسعي لاستعادة الأراضي من أوكرانيا التي "احتلتها" قبل الحرب العالمية الثانية. إن استمرار هذه التصريحات ، الذي لم يردعه الغياب التام للأدلة على وجود مثل هذه الخطط ، ناهيك عن دعم بولندا الثابت لأوكرانيا منذ الغزو الروسي ، يدعو إلى التشكيك في أهدافها.

في الواقع، بدأت المناشدات لجيران أوكرانيا للانضمام إلى تقسيم أوكرانيا كعملية دعائية. ففي مارس 2014 ، أرسل "جيرينوفسكي" - الزعيم الراحل المثير للجدل للحزب الوطني الليبرالي لروسيا (LDPR) - رسائل إلى سفارات بولندا ورومانيا والمجر يقترح إجراء استفتاءات في مناطق من أوكرانيا كانت ذات يوم جزء من بلدانهم مع خلفية أن تصبح كذلك مرة أخرى. كان هذا بعد الاستفتاء في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا.

لم يأخذ هذا الاقتراح على محمل الجد ، ومن الصعب الإقرار ما إذا كان الكرملين استخدم "جيرينوفسكي" للتعبير عن خططه الخاصة بأوكرانيا.

أكد وزير الخارجية البولندي السابق – سيكورسكي - في مقابلة في أكتوبر 2014 وفي كتابه الصادر سنة 2018، أنه في فترة ما بين 2008 و 2009 ، ألمح بوتين إلى فكرة تقسيم أوكرانيا بشكل مشترك في اجتماعات مع رئيس الوزراء آنذاك "دونالد تاسك". لكن ما هو مؤكد هو أن بوتين بـأن أراضي بولندية انتهى بها المطاف كجزء من "الجمهورية الاشتراكية السوفياتية الأوكرانية" بعد سنة 1939.

ومع ذلك ، بعد غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير 2022 ، تطور الخطاب الروسي حول رغبة بولندا المزعومة في ضم أجزاء من أوكرانيا من تخمينات من قبل السياسيين المثيرين للجدل إلى تصريحات مباشرة من قبل كبار المسؤولين. ويبدو أن الحافز لهذا التحول كان تأكيد زعيم حزب القانون والعدالة البولندي الحاكم ، في مارس 2022، أن مهمة حفظ السلام من قبل الناتو أو الأمم المتحدة قد تكون قادرة على وقف الأعمال العدائية. وبعد أيام ، افترض وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" أن بولندا ستستخدم هذه الفكرة كذريعة للسيطرة على غرب أوكرانيا. وبعد ذلك بفترة وجيزة ، شرعت المخابرات الروسية في الإبلاغ بانتظام عن خطط بولندا المزعومة لضم الأراضي الأوكرانية. في 28 أبريل ، قال "ناريشكين" - الرئيس السابق لمجلس الدوما في روسيا - إن بولندا تستعد لدخول غرب أوكرانيا كجزء من تحالف "الدول المهتمة". وفي 30 يونيو ، زعمت المخابرات الروسية أن بولندا كانت تدرس سيناريو تقسيم أوكرانيا لأنها لم تتوقع صمود كييف. وبدأت الموجة الأخيرة من هذه التصريحات في أواخر الخريف ، قادمة مباشرة من بوتين. وطبعا ، لم يصرح المسؤولون البولنديون مطلقًا بأي تصريحات تشكك في وحدة أراضي أوكرانيا.

فلماذا تستمر روسيا في الإصرار على أن جيران أوكرانيا الغربيين يطمعون في أراضيها ؟ يبدو أن هذا لا يتعلق بتوقعات روسيا الحقيقية للإجراءات التي تتخذها بولندا ، بل يتعلق بشكل أكبر بآرائها هي بشأن أوكرانيا.

بدءًا من خطابه الذي ألقاه في 21 فبراير 2022 والذي يعترف فيه باستقلال ما يسمى بجمهوريات لوهانسك ودونيتسك الشعبية ، أشار بوتين إلى الأراضي الأوكرانية الغربية حصريًا على أنها أرض "تم الاستيلاء عليها ونقلها" من بولندا والمجر ورومانيا.

يبدو أن منطق الكرملين ينبع من أطروحته حول الطبيعة "المصطنعة" للدولة الأوكرانية. فإذا كان "لينين" قد أنشأ أوكرانيا في سنة1918 ، كما تصر موسكو الآن ، فيمكن "تفكيكها" بنفس السهولة وبنفس الشرعية، وبالتالي يحق لجيرانها المطالبة بأراضي أوكرانية ، وهو ما لن تعارضه روسيا. وبالفعل ، فقد حققت بالفعل بداية قوية - على هذا المسار- بإعلانها ضم أربع مناطق أوكرانية في سبتمبر.

ومن الغريب ، أن القيادة الروسية ترى فهذا المنطق حجة يجب أن تقنع الشعب الأوكراني بالاتحاد مع روسيا. في حديثه في "منتدى فالداي " (*) - Valdai Club - في أكتوبر حول الأراضي التي استولى عليها "ستالين" من جيران الاتحاد السوفيتي ، توصل "بوتين" بشكل غير متوقع إلى نتيجة مفادها أن روسيا هي الضامن الوحيد الممكن لأمن ووحدة أراضي أوكرانيا بسبب ذلك.
___________________________
(ّ*) - مركز أبحاث ومنتدى دولي مقره موسكو - تم إنشاؤه في عام 2004 بمبادرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - يجتمع سنويًا في روسيا. ويهدف إلى جمع الخبراء لمناقشة ما يخص روسيا ودورها في العالم ، وخاصة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
_________________________

منطق غريب حقا: إذا كانت أوكرانيا عبارة عن "كيان مصطنع" ، فإن الوريث الوحيد للبلد الذي منح أوكرانيا ذات مرة حدودها الحالية من خلال الاستيلاء على الأراضي من جيرانها يمكنه الآن ضمان حرمة هذه الحدود. وهذا مثلما اعتبر اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية نفسه الضامن الوحيد للحدود الجديدة لبولندا ، والتي تضمنت الأراضي التي حصلت عليها بولندا من ألمانيا ، كذلك يمكن لروسيا أن تصبح الضامن الذي يحمي أوكرانيا من "انتهاكات" بولندا ورومانيا والمجر. هكذا يريد الرئيس الروسي إقناع الجماهير الأوكرانية والروسية بحجم وشدة هذا التهديد ، ويبدو أن الكرملين لا يهتم كثيرًا بما إذا كانت محاولاته مقنعة أم لا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -