الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة )(٣---_٧---)

وليد المسعودي

2022 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


نقد الدولة – دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) ( 3-7 )

الفصل الثالث


بين الاحتكار العائلي والحزبي
الدولة في الشرق الأوسط



تركيا .. أرد وغانية طويلة العمر


بالرغم من المكتسبات الحديثة للدولة والمجتمع في تركيا إلا إنها بدأت تقع في شبكة الحكم الطويل الأمد للزعيم الواحد والرئيس الواحد منذ صعود حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان إلى سدة الحكم عام ( 2002 ) ومن خلال ستة دورات انتخابية فار بها الحزب الذي يتعدد في إيديولوجيته بين المحافظة والديمقراطية والعثمانية الجديدة ، وذات شعبية كبيرة من قبل أكثر المسلمين هناك ، بدأت هذه بالتراجع مع الاستمرار الطويل في الحكم ، الأمر الذي جعله يأتلف في عام ( 2018) مع حزب آخر ( حزب الحركة القومية ) وهو من اليمين المتطرف ، وهذه الشعبية المتراجعة لرجب طيب اردوغان تعود لأسباب اقتصادية وسياسية تمتد ضن تسلسل زمني حيث محاولات تثبيت السلطة لديه منذ عام (2008 ) وحول ما عرف آنذاك بقضية ( إرغينيكون ) (26) التي سمحت لاردوغان بتصفية أكثر الضباط العسكر في تركيا والخصوم السياسيين ، لتليها حملة قمع واسعة في احتجاجات عام (2013 ) حيث يظهر الطرف الأجنبي الخارجي كأثر داعم لهذه الاحتجاجات في أدبيات السلطة كي تبرر عمليات القمع والسجن للمخالفين والمعارضين السياسيين ، وهكذا وصولا إلى عام (2016 ) وخصوصا بعد محاولات " الانقلاب العسكري " تثبتت فيه أكثر فأكثر سلطة اردوغان حيث امتلأت السجون بالمعتقلين من الضباط والموظفين والصحفيين والفنانين ، واليوم هناك الاستعداد أيضا من اجل مواصلة السلطة تحت راية الإسلام السياسي هناك ، بالرغم من التلاعب أللفضي والوجودي بادعاءات العبور والتجاوز للأسلمة ، ولكن الواقع يشير العكس حيث تراجع الكثير من الأنساق العلمانية خلال اقل من عشرين عاما من حكم حزب العدالة والتنمية ، وانتشار الاسلمة هذا لا علاقة له بمستوى وطبيعة الحريات الدينية وغير الدينية من عدمه بل له علاقة بإضفاء وإبقاء الهيمنة الطويلة لحزب رجب طيب اردوغان أكثر وأكثر ، وكلما ظلت الأنساق الاجتماعية محافظة على نفسها كلما وجدت الدعم اللامحدود للتقليد السياسي متمثلا بحزب العدالة والتمنية ورجب طيب اردوغان الذي صعد على أكتاف الجميع من أصدقائه والمقربين له بدا من " اربكان " ووصولا إلى عبد الله غولن وانتهاء بعبد الله غول واحمد داوود اوغلو ، وهؤلاء الأربعة كشفوا عن شخصيته الدكتاتورية وقدرته على خلق المشاكل مع الآخرين لا إلى تصفيرها كما يدعي دائما حيث عبارته الشهيرة " صفر مشاكل " التي ساعدته كثيرا على استمرار الهيمنة الطويلة الأمد ، واحتكار السلطة عند اردوغان تعزز مع التعديلات الدستورية التي أعطت للرئاسة أو النظام الرئاسي سلطات أوسع على حساب النظام البرلماني ، ومن ابرز هذه التعديلات الدستورية التي خضعت للاستفتاء الشعبي التركي وفازت بفارق مليون وربع تقريبا بين الموافقين والمعترضين عليه ( 27 ) هي : -

1- دور العسكر

في الدستور التركي الجديد تم منع تدخل العسكر في الحياة السياسية ، حيث يتوجب الدولة بمجلسها مراقبة المؤسسة العسكرية ومهمة هذه المراقبة تناط إلى جهات مدنية مع إلغاء مقاعد المحكمة الدستورية المخصصة للجيش والتي كانت بعدد (2) لتصبح كلها مكونة من (15) قاضيا مدنيا ، وإلغاء دور العسكر ينطوي على جانبين الأول مهم جدا يتضمن عدم تكرار الانقلابات العسكرية على رئيس الجمهورية كما هو معمول فيه طيلة السنوات السابقة من الدولة التركية الحديثة من جانب ومن جانب أخر تقوية نفوذ الجمهورية ورئيسها حيث يكون ملزما بإعلان حالة الطوارئ مع كل انقلاب او طارئ يهدد مستقبل البلاد ، وبالفعل اتاح له هذا الأمر مع انقلاب عام 2016 الاستمرار بحالة إعلان الطوارئ التي استمرت عامين ، مكنت اردوغان من خلالها إغلاق العديد من وسائل الإعلام المستقلة وقبل الانتخابات الرئاسية في تركيا ولم يبق سوى منصات حزب العدالة والتمنية الاعلامية وحدها مسموح لها التعبير والنشر السياسي والانتخابي في البلاد مع تسهيل عملية اعتقال وسجن المعارضين من المدنيين والعسكريين على حد سواء ، وإعلان حالة الطوارئ من الممكن أن تستخدم في أي وقت حيث تتهم المعارضة الاشتراكية الديمقراطية اردوغان بسعيه إلى إرساء حالة الطوارئ بشكل دائم من خلال تدابير مخالفة الدستور


2- رئاسة الوزراء

لم يعد لرئاسة الوزراء من دور في تركيا بعد ان تحول الى النظام الرئاسي الجمهوري حيث لا تدار الدولة من رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية بل أصبح في يد الأخير الكثير من الصلاحيات من ضمنها
أ‌- تعيين الوزراء
ب‌- إعداد الموازنة العامة للبلاد وعرضها للتصويت في البرلمان
ت‌- تعيين القضاة ورؤساء الجامعات

وهكذا تتعزز هنا قانونيا سلطة الرئيس مع الوزراء الذين ينتمون الى حزبه او من يشاركه في الحكومة من المقرب لديه ، وتحكمه بالقضاة ورؤساء الجامعات وهذه مسألة إعلامية وثقافية إيديولوجية خطيرة على التنوع الثقافي والمعرفي في تركيا


3- دور البرلمان



تم تقليص دور البرلمان في الدستور الجديد من خلال عدم قدرته على استجواب الرئيس ، حيث اكتفى بالتوبيخ ، وكأننا أمام عقوبة إدارية ، وحتى هذه الأخيرة التوبيخ لا تتم إلا بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان مع إبقاء الأمر بيد المحكمة الدستورية التي يعين اغلب أعضائها رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان .






اردوغان في السلطة .. من يتحمل المسؤولية ؟


دائما ما تكون البدايات مبهمة ولكن ما أن تتبعت جذورها سهل علينا معرفة أصولها وتدفق انبثاقها ، وهذه الحالة مع صعود الإسلاميين إلى السلطة في تركيا لا تأتي بشكل عرضي أو مباشر بل هنالك الممهدات له فلنتتبع جذورها


حزب الرفاه


صعود الإسلاميين في العالم العربي الإسلامي يبدو متشابها من حيث الولادة على مستوى الانتشار الاجتماعي ضمن حدود النسبي وهي فترة السبعينيات ، وحزب الرفاه التركي ذاته ولد في عام 1970 من خلال نجم الدين اربكان وبتسميات مختلفة بدأت بالنظام الوطني والسلامة الوطني وحزب الرفاه والفضيلة حيث انتشر بشكل سريع جدا ، فحزب النظام الوطني استطاع خلال سنة من تأسيسه أن يفتح (60) مقرا له و (300) شعبة في جميع أنحاء تركيا ( 28) وهذا الانتشار والدعم اللامحدود يقابله دعم مالي من جماعة النور الدينية ومن ضمن خيوط الارتباط داخل جماعة النور كان هناك فتح الله غولن ، وهذا الأخير كشفت إحدى المجلات التركية انه على علاقة وثيقة مع الاستخبارات الأمريكية " سي اي ايه " منذ عام 1970 وهو عام تأسيس حزب النظام الوطني ، الذي تغير فيما بعد الى حزب السلامة الوطني وضمن ذات آليات الانتشار والدعم وصولا الى الحصول على مكاسب سياسية ناجحة مع حزب الرفاه بقيادة نجم الدين اربكان الذي تولى رئاسة وزراء تركيا من الفترة ( 1996-1997 ) وهذا الحزب هو من علّى شأن اردوغان من خلال فوزه بانتخابات البلدية حتى أصبح عمدة اسطنبول بين أعوام (1994-1998 ) ومن ثم الصعود الناري الكبير عام 2002 الأمر الذي أوصل الأستاذ ( اربكان ) إلى تخوين التلميذ ( اردوغان ) والاتهام بتنفيذ مشاريع صهيونية عالمية .




حركة غولن


وفتح الله غولن نفسه كان الداعم الأبرز لرجب طيب اردوغان ، وبالتالي تشكل " حركة خدمة " او منظمة خدمة أثرا كبيرا في صعود الإسلاميين إلى السلطة في تركيا ، ولكن بسبب الصراع بين قطبي غولن واردواغان تم التخلص من الأول تحت يافطة الانقلاب العسكري ، ومن ثم الانفراد بالسلطة أكثر وأكثر ، ويعيش غولن اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي غادر تركيا خوف من اعتقال العسكر له ، ولكن أثره ما زال حاضرا بشدة من خلال المراكز الاقتصادية والتعليمية التي يمتلك في تركيا حيث ان مشروعه يهدف كما يقول احد الكتاب إلى الجمع بين العنصرية التركية والنزعة الإسلامية العثمانية وبشكل ناعم ضمن تصورنا يهدف إلى اسلمة تركيا وتقليص دور العلمنة وتدخلها في حياة الناس ، وبالفعل نجح في ذلك من خلال وصول اردوغان إلى السلطة وكثرة التعديلات الدستورية التي شكلت بالتالي خطرا حتى على غولن نفسه (29)

وهكذا وصلنا إلى الجواب حول من يتحمل المسؤولية عن صعود اردوغان نفسه إلى السلطة ماكث في دور الغرب الرأسمالي في ترسيخ الهويات المحافظة داخل المجتمعات العربية الإسلامية بمواجهة قوى التقدم العلماني اليسارية والاشتراكية وما ممكن إن تتطور مع مرور الزمن من قوى ديمقراطية وإنسانية حديثة ، وهذا الأمر استخدم ليس في تركيا الحديثة فحسب بل في العالم العربي الإسلامي ككل .






المصادر والهوامش

1- منظمة علمانية سرية تهدف هدفها المحافظة على بقاء تركيا علمانية وعدم انجرافها نحو الاسلمة مكونة من ضباط عسكريون وصحفيون وقانونيون وفنانون ..
2- بعد تقديمه داخل البرلمان وقراءته والتصويت عليه من قبل حزب العدالة والتنمية والحركة القومية تم الاستفتاء الشعبي على الدستور الذي يمنح رئاسة الجمهورية سلطات أوسع حيث صوت من مجموع ( 55.3 مليون مواطن ) 24 مليون و763 ناخب ب نعم مقابل 23 مليون و511 ب لا
3- السيد ، كمال حبيب / الدين والدولة في تركيا المعاصرة /الطبعة الأولى ، القاهرة 2010 ، ص 200
4- الأحمدي ، محمد صادق / حركة فتح الله غولن / سلسلة الاختراق الثقافي رقم (2) المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية ، النجف الأشرف ، ص 26








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة