الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصف نهاية مونديال قطر: معركة شمال- جنوب

ادريس الواغيش

2022 / 12 / 16
الادب والفن


...........
بقلم: ادريس الواغيش
نصف نهاية "مونديال" قطر 2022 بين فرنسا والمغرب، لم يكن مجرد مقابلة في كرة القدم، شئنا أم أبينا، ولكنها كانت حربا باردة بين حضارتين وثقافتين وديانتين، وأيضا معركة لإثبات الذات واسترجاع الثقة بالنفس بين الجنوب مع الشمال والشرق مع الغرب. كل الناس تحب الانتصار، وهي غريزة مستبدة بهم، كما أنه لا أحد منا يريد الهزيمة لنفسه ويتفاداها قدر الإمكان، فما بالك الاستمرار فيها، وإلا ما كنا رأينا هذا التعاطف العالمي مع المنتخب المغربي من شرق آسيا مرورا بإفريقيا وجنوب أمريكا. هناك رغبة ساكنة في الشرق للانعتاق من الهيمنة، يقابلها إصرار كبير من الغرب على الاستمرار في الزعامة والسيطرة على كل شيء فوق كوكبنا، بما في ذلك كرة القدم.
عشية مقابلة المغرب والبرتغال، شاهدت عبوسا واضحا في ملامح جياني إفانتينو بعد إعلان الحكم عن انتصار المغرب في نهاية الربع، قدم خلالها ملحمة بطولية، وهو الانتصار الذي خول للمنتخب المغربي أن يلعب النصف أمام فرنسا. لم يكن جياني سعيدا، ولا من برفقته من مشاهير السياسة وكرة القدم الجالسين في المنصة الشرفية، فضحته جغرافية ملامحه المنكمشة على غير العادة، والظاهر أن هزيمة كريستيانو رونالدو ورفاقه عقدت حساباته. المشهد لم يستأثر باهتمامي حينها، ولم أنتبه لما سيلحق به من تبعات. نسيت أن جياني السويسري- الإيطالي الأصل مثل أي رجل أعمال، همه الربح والإيرادات وتفادى الخسارة. شغلتني فرحة الانتصار عن التدقيق في عبوسه، وملاحقة تفاصيل أخرى.
عود على بدء، وبالرجوع إلى أطوار المقابلة، تذكرت لماذا حضر ماكرون، وما دوافع غياب أمير قطر، هو الذي دأب على تشجيع منتخب المغرب؟ ولماذا كان الحكم المكسيكي متحيزا، وتغاضى عن ضربتي جزاء لصالح المغرب؟ رآهما كبار المحللين وخبراء دوليين في التحكيم من وراء الشاشة، ولكن حكم المباره لم يشاهدهما على أرضية الملعب.
الظاهر أن ماكرون استشعر هزيمة أوربا في أهم محفل كروي بالعالم، وجاء فاتحا يركب جواده، وهو يعلم علم اليقين أن إيطاليا لم تتأهل، وألمانيا خرجت مبكرا تحمل معها شارة المثليين كما إنجلترا، وتبعتها إسبانيا ثم البرتغال، وبالتالي لم يتبق من أوربا غير فرنسا، وعليها أن تدافع عن شرف الغرب المسيحي وأروبا قاطبة، لأنه في حالة الفوز، ستكون نهاية المونديال بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
لا ننكر أن فرنسا بطلة العالم في نسختها السابقة، وتملك فريقا كبيرا ولاعبين مهرة، يكفي أن أذكر منهم مبابي الذي تبلغ قيمته التسويقية 206 مليون يورو، فيما تبلغ قيمة الفريق الفرنسي حوالي مليار يورو. في الجانب الآخر، نجد أن قيمة ليونيل ميسي التسويقية تفوق 60 مليون يورو بعد تراجع قيمته في سوق الانتقالات الدولية، فيما تبلغ قيمة الفريق الأرجنتيني حوالي 608 مليون يورو.
كان واضحا أن الفيفا برئيسها وأجهزتها تسعى جاهدة لأن تصل فرنسا والأرجنتين إلى النهائي، حيث يسهل تسويق نهاية المونديال على نطاق واسع يضمن ربحا وفيرا، وهذا هو الأهم عندها في لعبة كرة القدم. والدليل أن أغلب رؤسائها ودعو الفيفا بفضائح مالية. لا لوم على الحكم المكسيكي، وإن كان شريكا فعليا في ذبح فرحتنا من الوريد إلى الوريد، لأن الإعلان عن ضربتي جزاء كان سيغير مجريات المقابلة، ورأينا كيف تقزمت فرنسا بنجومها أمام المغرب، ورجعت إلى الخلف تدافع بمهاجميها، ولم يكن ذلك "طاكتيكا" من المدرب ديشان، ولكن رأى شراسة الهجومات المغربية تقترب من مرماه.
العملية الكروية الفيفاوية في كأس العالم لم تخل من تلاعب أو بيع وشراء، لأن ما يحكمها منطق الربح والخسارة. وإذا أردنا أن نكون أكثر صراحة، فإن الفيفا لا يهمها صعود المغرب إلى النهاية، ولكن وصول مبابي وميسي، لأنها نجوم عالمية ولها جماهير وعشاق تتابعها في جميع أنحاء العالم، وتستطيع أن تروج للمقابلة بشكل أفضل. وفي هذه الحالة لن يكون زياش أو حكيمي وبونو أحسن من يقوم بهذه المهمة أكثر من دي ماريا أو عثمان ديمبيلي وغريزمان وغيرهم، ليس لأنهم يتقنون اللعبة أحسن من نجومنا، ولكن لأنهم ينتمون إلى الغرب والشمال الأروبي المتغطرس، وعليه تصبح في نظري الأمور واضحة، ولا تحتاج إلى أي تفسير آخر.
المسألة في النهاية، كما يبدو، أكبر من مدرب شاب طموح آمن بحلمه وعمل على تغيير في العقليات، كما غير خطته في آخر لحظة لإكراهات الإصابات(سايس، نايف أكرد، مزراوي..إلخ) حتى حكيمي تحامل على نفسه رغم الإصابة. وليس لنا الحق، وقد وصلنا إلى النصف، أن نلوم أي لاعب غيور على قميص الوطن وألوانه. يكفينا فخرا أنه لأول مرة نرى الجمهور المغربي يبكي لأن منتخبه لم يفز في مقابلة بنصف نهاية كأس العالم.
ولكن الذي يجب أن لا ننساه، هو أنه ما زال أمامنا طريق طويل، وينتظرنا كثير من العمل، حتى لا يبقى الشرق شرقا والغرب غربا، والشمال شمالا والجنوب جنوبا، ونصبح نحن القادرون على تغيير اللعبة برمتها، ولن نبقى رهينة لجشع الفيفا ورئيسها وحسابات مسؤوليها.
وإلى ذلك الحين، أقول: هنيئا لأسود الأطلس شراستهم وقتاليتهم، شكرا للمدرب وليد الركراكي ومعاونيه من جنود الخفاء، أسعدتمونا على مدار هذا المونديال. شكرا للجمهور المغربي المقيم أو المرتحل إليها من أجل مساندته وتشجيعه للاعبي المنتخب المغربي في ملاعب قطر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب