الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية -بورتريه قديم- بسام أبو شاويش//قراءة انطباعيّة

ريتا عودة

2022 / 12 / 16
الادب والفن


لكي تكتب عن قضيّة عظيمة كالقضيّة الفلسطينيّة عليكَ أن تكونَ أديبا عظيما ك "بسام أبو شاويش" الذي أبدع بلغة سرد انسيابيّة ومُشَوِّقة، في تدوين الأحداث التي مرّت بها القضية الفلسطينيّة بأصغر تفاصيلها عبر شخصية "نبيل"، هذا الفلسطينيّ الشهم الذي درس الهندسة في القاهرة لكنه أُرسل من قِبَل القائد العام الفلسطينيّ إلى الاسكندريّة ليتلقى دورات أمنيّة هناك ثمّ يعود ليخدم القضيّة الفلسطينيّة.
تقرأ أحداث الرواية ولا تمّل. تكبت الأوجاع التي تعتريك إذ جعلك الروائي شاهدا على شتّى تفاصيل القهر الذي عانت منه المقاومة الفلسطينيّة خلال تواجدهم في كلّ أرجاء الوطن العربي واضطرارهم أحيانا للرحيل وايجاد منفى آخر يأويهم كما رحلوا عن لبنان في باخرة على منها المقاومون والقائد الخالد "ياسر عرفات" ورحلوا عن الأردن بعد أحداث "أيلول الأسود" والمواجهات الدامية مع جنود الملك التي وصلت شراستها إلى دهس المقاومين الفلسطينيّين بالدبابات.
من السطر الأول للرواية نكتشف أنّنا بصدد رواية تاريخيّة سار خلالها الكاتب على خطى مؤسس الرواية التاريخيّة "أوسكار وايلد" وإن بنكهة عربيّة خالصة، ويبدو واضحا أنّ الكاتب كان حريصا أن يكون موضوعيّا وهو يتناول أحداث حقيقيّة كان شاهدا ومعاصرا لبعضها وسمع عن التي لم يعاصرها من آخرين شهدوها وكان لهم دورهم فيها.
ركّز الكاتب على الأحداث المفصليّة في التّاريخ المعاصر للثورة الفلسطينيّة وتناول في الرواية شخصيات حقيقيّة عرفها عن قرب وشخصيات اخترعها لتخدم فكرته الأساسيّة من الرواية.
كان واضحا تركيز الكاتب على البُعد الإنساني للشخصيات بمعزل عن الإنتماءات الحزبيّة أو السياسيّة أو الفكريّة.
نعم، كان موضوعيّا جدًّا وهو يتحدّث عن السلبيات التي واكبت مسيرة النّضال الفلسطينيّ منذ انطلاقة الثورة الفلسطينيّة المعاصرة وحتّى اتّفاق أوسلو.
قدّم الكاتب النّموذج الإيجابي وبالمقابل لم يتردّد في تقديم النّموذج السلبي وهذا تأكيدا لموضوعيته التي تظهر طوال صفحات الرواية. كان واضحا تماما أنّ الكاتب يمتلك كلّ الأدوات التي تمكّنه من كتابة رواية تاريخيّة على هذا المستوى الرفيع.
من جانبٍ آخر، حرص الكاتب ألا يكون مؤرّخا لكونه يكتب رواية أدبيّة ولا يسجّل تاريخا. لكنّه استخدم التّاريخ لخدمة الأدب وهذا الأمر لا يضيره في شيء فمعظم، إن لم يكن كلّ، كتّاب الرّواية التّاريخيّة قد ساروا على نفس النّهج، بمعنى توظيف الأحداث التّاريخيّة الحقيقيّة لخدمة العمل الرّوائي.
كما قدّمَ الكاتب نماذج نبيلة لأبطاله الرّجال، فقد كانت شخصيات الرواية النسائيٌة جميعها نماذج ايجابيّة تؤكّد بما لا يدع مجالا للشّك أنّ الكاتب يحمل رؤى مضيئة تجاه المرأة بشكل عام ودورها ومكانتها في التاريخ.
نستطيع أن نقول إنّنا بصدد رواية/ شهادة على مرحلة مهمّة من التّاريخ الفلسطينيّ لا بدّ أن يلمَّ بها كلّ شاب فلسطينيّ وكل شابة فلسطينيّة. هي ببساطة رواية للأجيال القادمة... رواية للمستقبل... لعلّ اللاحقين ينجحون فيما فشل فيه السابقون.
يخبرنا "نبيل داود" ، وهو الاسم الحركي للشخصيّة الرئيسيّة في الرواية عن سبب كتابة هذه الرواية:
"هي تجربة غنيّة قد تجد من يستفيد منها ذات يوم".(صفحة591)،
أمّا "وليد دجاني" وهو الشخصية الرئيسيّة الثانية في الرواية فقد تلقى ذات النصيحة من "الحكيم" بعدما أُفرج عنه بعد عشرين سنة من الإعتقال في سجون المخابرات السوريّة:
"لا بدّ أن تسجّل تجربتك...أكتب، إنّها تجربة ثريّة، لا بدّ أن الأجيال الشابة ستستفيد منها.."(ص. 604)
برزت شخصيّة "وليد دجاني" بعد تصفية"نبيل" في السجن السوري. كان "وليد" قد وعد توأم روحه ورفيق الدرب والنّضال "نبيل" أن يحصل على أوراق مذكّراته من هالة، الدكتورة القبطيّة الإسكندرانيّة التي استلمت من نبيل أوراقه لتكون معها بمنأى عن الخطر(صفحة591). وفى "وليد" بوعده وسافر إلى هالة، حبيبة "نبيل" ليستلم الأوراق منها.
حين سألته هالة:
-ماذا تنوي أن تفعل بأوراق نبيل..؟
أجاب بيقين: "أظن أنني سأنشرها في كتاب، تجربة نبيل الثريّة مهمّة جدًّا، وستكون جزءا من تاريخ الثورة الفلسطينيّة المعاصرة".(صفحة 624).هذا هو بالضبط هدف الأديب "بسام ابو شاويش" من كتابة هذه الرواية.
طلبت الدكتورة هالة من وليد أن يسمح لها بأن تقوم هي بنشر الكتاب. هكذا، يكون الكتاب الذي بين أيدينا هو ذات الكتاب الذي قامت هالة بطباعته ونشره.
استخدم الأديب تقنية بارعة لتمرير الأحداث بعد موت "نبيل" فقد تابعنا أحداث القضية الفلسطينيّة وتفاصيلها الصغيرة والكبيرة من خلال أوراق مذكّرات "نبيل" التي أخذت هالة بنفسها تقرأها لنا ورقة ورقة وتنقل لنا مشاعرها حيالها.
نقلنا الروائي من الاحداث المثقلة بالقهر التي واجهها المناضلون الفلسطينيون إلى الرومانسية العذبة عبر علاقة "نبيل" بحبيباته الثلاثة: ثريا، شيماء وهالة فكانت للقارىء كالنسيم في صحراء قاحلة:
"هذه الفتاة القبطيّة الجميلة(هالة)، التي فقدتْ والدها على جبهة قناة السويس في حرب الإستنزاف، كانت تحملُ قلبًا يسعُ العالمَ كلّهُ، كانت تمنحني الثقة والأمل بأنَّ الغد سيكونُ أفضل، وكنتُ أشعر معها بأنّ الحياة جميلة، وتستحقُ أن تُعاش بكلِّ ما فيها مِنْ قسوة وضياع أحيانًا"(صفحة 527).
أمّا اسم هالة فيحمل قدسيّة فالقديسون هم الذين نرى هالات تحيط بوجوههم. تليق الهالات بها فهي الحبيبة التي طغى حبّها على قلب "نبيل" فألغت الأخريات من ذاكرته العشقيّة.
كذلك نلاحظ توظيفا أنيقا لإسم "نبيل" كسمة من سمات شخصيته النبيلة.
أمّا قفلة الرواية فجاءت مباغتة فبعدما ختم الأديب "بسام ابو شاويش" روايته بكلمة: تمَّت(صفحة631)، يتفاجأ القارىء بهامش بعنوان: "اعتذار وصل متأخرا"(صفحة 632).
بعد عشرين عاما، تلقّى "وليد دجاني" طردا بريديا يحتوي على "ولاعة رونسون" ذهبيّة تحمل حرفيNW وأسفل الولاعة قصاصة صغيرة جدا مكتوب عليها دونما توقيع: "نعتذر".
هذه هي الولاعة التي أهداه إياها ملك الأردن يوم زفافه، وصادرتها المخابرات السوريّة حينما اعتقلته. ها هم بعد عشرين عاما من الإجحاف بحقّه يعتذرون عن اعتقاله.
أمّا الولاعة فقد اكتسبت دلالات رمزيّة ذكيّة إذ حملت له ولكلّ فلسطينيّ رسالة مواصلة اشعال فتيل المقاومة.

***

الأديبة ريتا عودة
15.12.2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي